معركة أولي البأس

لبنان

الخطيب دعا لتجاوز الخلافات لإنقاذ البلد والناس.. قدر اللبنانيين هو الحوار والتوافق
19/02/2023

الخطيب دعا لتجاوز الخلافات لإنقاذ البلد والناس.. قدر اللبنانيين هو الحوار والتوافق

أكد نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، الشيخ علي الخطيب، أن قدر اللبنانيين هو الحوار والتوافق، مطالبًا بتجاوز الخلافات اليوم لإنقاذ البلد والناس.
وفي رسالة بذكرى المبعث النبوي الشريف وذكرى الإسراء والمعراج، رأى الشيخ الخطيب أن العالم اليوم بأشدّ الحاجة إلى رسالة البعثة التي تشكّل المخرج الوحيد كي ينأى العالم عن الهلاك، مشيرًا إلى أنه "ليس أمامنا سوى العودة إلى التضامن ضمن استراتيجية عربية وإسلامية لمواجهة الكوارث القادمة والتحديات".

وهذا نص الرسالة:

بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله الطاهرين وأصحابه المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين والشهداء والصالحين. الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، نحمده ونستعينه في الأمور كلها ونشكره على جميع نعمه التي أنعمها علينا وبالأخصّ نعمة الإسلام ونعمة الإيمان، { الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ}.
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا}، فالمهمة هي أن يكون الشاهد على الناس والحجّة عليهم والمُبشّر لهم بأنّ ما يدعوهم إليه هو طريق الصلاح والنجاة في الدنيا والآخرة والنذير لهم من أنّ في المخالفة والمعاندة لها فسادهما وسوء العذاب، والتي يُلخصّها قوله تعالى في سورة النور: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
فالإسلام والإيمان أمان من الفساد ونتائجه من الفتن والتنازع والصراعات والتخلّف وعدم الاستقرار وفقدان الأمن والفقر والجهل، وهي بعض صور العذاب الدنيوي إلى جانب تحمّل تبعات التخلّف عن تحمّل المسؤولية أمام الله تعالى والتسبّب بالتبعات التي ذكرناها وهي العذاب الأخروي كما تعنيه المسؤولية {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ}.
لقد شكّلت البعثة النبوية في السابع والعشرين من شهر رجب نقطة تحوّل تاريخيّ وحَدّاً فاصلاً بين مرحلتين من مراحل التشكّل الفكري والثقافي البشري والانساني، ونقلة نوعية وحضارية على كل الصعد لم تقتصر آثارها على المنطقة الجغرافية والزمنية الخاصة بالحدث، وإنما اتسعت لتشمل العالم بأسره وليمتد مع الزمان الحاضر فقط والمستقبل أيضا لأنّه أُريد له أن يكون الدين الخاتم الذي يتناسب والتحديات التي تفرضها وقائع الحياة وتطوراتها وتحتاج معها إلى ما يضع لها الحلول ويعالج مشاكلها ويُقوّم اعوجاجها.
وقد أثبتت الوقائع التاريخية أنّ الإسلام أحدث تغييراً هائلاً في المسيرة الإنسانية على كافة الاصعدة ونقلة نوعية وحضارية في حياة البشرية منها عبر الدفع نحو التفكّر،{الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}، بينما كان السائد ليس في جزيرة العرب فقط وإنّما لدى الغالبية العظمى من الناس هو الاتّباع الاعمى لما هو موجود، سواء على مستوى الاعتقادات والتقاليد، وقد عُبّر عن هذا الواقع أن اعداء الدعوة الجديدة لم يواجهوها بالفكر وإنّما بالاتبّاع الاعمى لما كان عليه الآباء وعدم استساغتهم التغيير الذي أتى به الدين الجديد فقالوا: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ}، الأمر الذي يدلّ على المدى الذي بلغه الجهل فيهم حتى جعلهم غير متقبّلين للتفكير بما يلقى عليهم من آراء فضلاً عن الاستعداد لمناقشتها فضلاً عن أنّ الاستئناس بالواقع يعدّ أحد عوامل التشبّث به وأحد موانع التغيير.
ولكنّ قوة الدعوة بمنطقيتها وموافقتها للفطرة السليمة والإصرار من قبل النبي ومن آمن معه من متحرري العقول ومتفتحي الاذهان والمخلصين فتح لها الطريق للقبول في النهاية وأحدث هذا  التغيير الهائل بالتغلب على الصعوبات التي امتدت جذورها عميقة في هذه البيئات عبر الزمن، وهذا التغيير على مستوى إعادة الاعتبار للتفكّر كمنهج في الحياة من أهم النتائج التي تعدّ أحد اهم الأهداف التي طالما عمل الأنبياء وأُستشهدوا من أجلها وهو الارتفاع بالمجتمع البشري والارتقاء به إلى المستوى الذي يحرّره من التبعية العمياء ويجعله قابلاً لتحمّل المسؤولية وقادراً على القيام بها، وما زال هذا من أهم أهداف الاسلام لبناء الإنسان القادر على تحمّل أعباء المسؤولية التي تقف دونها دائما ًالرغبات والمصالح وشتى العوامل الاجتماعية المضادة والمتجدّدة مع تجدّد الاجيال.
والى جانب ذلك أحدث قفزةً نوعيةً وتحوّلاً جذرياً في تطور الحياة البشرية  في اعتماده على العلم وإعطائه قيمة كبرى ودعوته للتعلّم، فعلى صعيد الاعتبار المعنوي فقد رفع العلماء إلى أعلى الدرجات فقال: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}، وفي الحثّ على التعلّم قال رسول الله (ص): "اطلبوا العلم ولو في الصين"، وقال (ص):" إنّ الملائكة لتفرش أجنحتها لطالب العلم"، وقال: "تعلموا العلم واعملوا به"، حتى لا يكون العلم من باب الترف بل لنعمر به حياتنا وآخرتنا ولاستخدامه في ما ينفع الإنسان والبشرية لا فيما يضرّها ويكون أداة للتخريب والقتل والتدمير والافساد في الارض، "مَنْ تعلَّمَ العلْمَ ليُباهِيَ بِهِ العلماءَ، أوْ يُمارِيَ بِهِ السفهاءَ، أوْ يصرِفَ بِهِ وجوهَ الناسِ إليه، أدخَلَهُ اللهُ جهنَّم"، والمقصود والله العالم تعلّم العلم لأيّ غاية فاسدة.
إنّ المطلوب هو استخدام العلم في إطار التفكًر، التفكّر الذي يؤدي حتماً إلى الإيمان به والخشية منه الباعث على التقوى والعمل الصالح وما فيه نفع للبشرية.
لقد استطاعت البشرية اليوم أن تستخدم العلم وتتقدّم في كل الاتجاهات وتُخصّص لهذا الغرض مراكز البحوث والدراسات ولكن ليس في إطار التفكّر وإنما لغايات السيطرة وزيادة النفوذ والاستعلاء، فغدا وبالاً عليها وبدل أن يتحوّل إلى نعمة لخدمة الإنسان وتحقيق العدالة والأمان والاستقرار في العالم يعيش في حالة من القلق الدائم والصراعات المستمرة والفوضى والخوف من حروب ممتدة وربما حرب عالمية ثالثة مباشرة مع أنه يعيش أصلاً في حرب كونية بالواسطة مع ما يعانيه من الجوع والحصار وافتقاد للأمن، ما يجعل العالم اليوم أشدّ حاجة لمعاني رسالة البعثة النبوية الشريفة التي هي المخرج الوحيد الذي ينأى به عن الهلاك، والعالم الإسلامي دولاً وشعوباً يتحمّل المسؤولية الكبرى في حمل هذه الأمانة التي شرّفه الله بها إلى الناس والعمل بها فــــ {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}.
  إنّ الله يحمّلكم هذه المسؤولية وشعوبكم التي تعيش الضيم والذلة بعد أن أعزّها الله بالإسلام تناديكم وتستنجدُ بكم لرفع الهوان عنها التي تحاول أن تذلّها شرذمة اذلاء، {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ}، فإن ما تعيشه الشعوب العربية فلسطينية ولبنانية وسورية من الاحتلال والحصار والجوع شاهد عليكم، ألا يكفي بعد كل التجارب الفاشلة مع هذا العدو أن نُعيد حساباتنا؟ فليس أمامنا الا العودة للتضامن ورسم استراتيجية عربية إسلامية لمواجهة الكوارث القادمة.
إننا نأمل خيراً من الانفتاح على سوريا في كارثة الزلزال وتقديم المساعدات للمصابين، وكما نأمل تسوية النزاعات بين سوريا وتركيا والمملكة العربية السعودية وإيران والتعاون بين البلدان العربية والاسلامية لانها ستكون أقوى في مواجهة التحديات.
أما بالنسبة للبنان فأقول للجميع: إنّ قدركم هو الحوار والتوافق فقد سبق واختلفت الاراء حول المقاومة ومع ذلك تمكّنتم من تجاوز هذه الخلافات في أوضاع لم تكن سهلة، فلنتجاوز اليوم خلافاتنا لإنقاذ البلد والناس وليبقى الحوار على الأمور الخلافية عسى أن نستفيد من عيد المبعث النبوي الشريف ومناسبة الاسراء والمعراج فرصة لإخراج لبنان واللبنانيين من محنتهم ونعيد إليهم البهجة والسرور.
كل عام وانتم بخير..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى

إقرأ المزيد في: لبنان

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة