لبنان
قاضٍ باع بريطانيا داتا اللبنانيين!
أشارت صحيفة "الأخبار" إلى أن "رئيس "التفتيش المركزي" القاضي جورج عطية أبرم مذكرة تفاهم مع السفارة البريطانية في بيروت أفضت إلى وضع كل "الداتا" المتعلقة باللبنانيين والأجهزة الأمنية أمام مؤسسة بريطانية غير حكومية سمّتها السفارة"، موضحة أن "تجاوزات عطية لدوره وصلاحياته وتعريضه الأمن السيبراني للخطر باتا محور تحقيق فتحه "ديوان المحاسبة"، ولفتت إلى ضغط بريطاني على رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وغيره من المعنيين لـ"لملمة" الملف.
وفي التفاصيل، ذكرت الصحيفة أن "إدارة "التفتيش المركزي" برئاسة عطية أطلقت مشروعًا تحت عنوان "الحوكمة والرقابة والمحاسبة في لبنان" (Governance, oversight and accountability in Lebanon- GOAL)، وبدأت تنفيذه وفق مذكّرة تفاهم وقّعتها مع وزارة الخارجية والتنمية البريطانية ممثّلة بالسفارة البريطانية في بيروت لمدة 3 سنوات (حتى 31 آذار/مارس 2022)، على أن تُنفذ المشروع مؤسسة "سايرن اسوشيتس" البريطانية غير الحكومية"، مضيفة أن "هدف المشروع، كما عرّف عنه التفتيش، هو دعم (إدارة التفتيش) ومساعدتها في بناء قدرتها وتطويرها وتعزيز رقابتها وتفعيل تعاونها مع الإدارات والمؤسسات العامة، وتحسين استجابتها مع المواطنين".
وأوضحت الصحيفة أن "العمل بُدئ بالبرنامج قبل 3 سنوات وتطوّر لاحقًا ليشمل إنشاء مواقع إلكترونية لتلقّي لقاحات "كورونا" وطلب أذونات للتنقل خلال فترة الحجر المنزلي، ثم إنشاء منصة impact التي سجّل المواطنون عبرها طلبات للحصول على البطاقة التمويلية وبرنامج شبكة الأمان الاجتماعي"، لافتا إلى أنه "ولأسباب غير واضحة، وقّع عطية والسفير البريطاني في لبنان إيان كولار مذكّرة التفاهم في أيلول 2021، أي بعد مرور نحو عام ونصف عام على بدء العمل بها".
وأضافت أن "العلاقة الملتبسة بين عطية والسفارة البريطانية دفعت رئاسة الحكومة، إلى تحويل الملف الى ديوان المحاسبة والنيابة العامة التمييزية، وتضمّن ذلك طلب الإضاءة على عدة نقاط لناحية "كشف داتا اللبنانيين أمام جهات غير رسمية والتلاعب والمُحاباة في اختيار المستفيدين من برنامج شبكة الأمان الاجتماعي وعدم الاستجابة لطلب الأجهزة الأمنية بالاطّلاع على منصة impact التي لا تسمح سوى لموظفي الشركة البريطانية بالوصول إلى قاعدة البيانات الخاصة بالمنصة"".
وكشفت الصحيفة أن "المذكّرة التي وقّعها عطية وكولار، ولم تُعرض على أي جهة رسمية، نصّت على تخصيص السفارة 2.5 مليون جنيه إسترليني (نحو ثلاثة ملايين دولار) مقابل التزام التفتيش بالعمل مع السفارة والشركة المكلّفة من قبلها "سايرن" بشفافية و"الاستجابة لطلباتهما بمرونة وفعالية وضمن مهل زمنية محددة"، علمًا أن هذه المعاهدة بين مؤسسة لبنانية وسفارة أجنبية لم يكلف رئيس التفتيش نفسه عناء عرضها على وزارتي الخارجية والعدل أو الأمانة العامة لمجلس الوزراء لتحيلها إلى الحكومة وإصدار قرار بالموافقة عليها. بدلًا من ذلك، ارتأى عطية صرف أموال ما سماها "هبة بريطانية" من تلقاء نفسه، ومن دون تطبيق المسار القانوني الذي يفرضه الدستور في حالات مماثلة، ومن دون التصريح عن طرق صرفها، كما فتح أبواب إدارته أمام مهندسي الشركة البريطانية للتحكم بكل مفاصل المنصة.
الصحيفة أشارت إلى أن ما جرى يعني "تعرية" الأسر اللبنانية تمامًا عبر الاطّلاع على أرقام الحسابات المصرفية لأفرادها ورواتبهم ومساحات منازلهم وأرقام سياراتهم وما إذا كانوا يملكون برادًا أو غسالة وصولاً إلى عدد سفراتهم ووجهاتهم وأدقّ التفاصيل المتعلقة بحياتهم اليومية"، لافتة إلى أن ذلك "حصل كله على مدى 3 سنوات، وسط صمت مريب من الحكومة ومجلس النواب وكل المسؤولين، رغم مراسلات الأجهزة الأمنية".
وتابعت أن "رئيس الحكومة لم يكن ليتحرك لولا أن عطية -ولسبب غير واضح- قرّر في 5/4/2022 أي بعد 5 أيام على تاريخ انتهاء المذكّرة مع "سايرن"، إبلاغ رئاسة مجلس الوزراء بها عبر كتاب أرفق به نسخة عن المذكّرة طالبًا "الاطّلاع وتقرير المناسب آملين الموافقة على قبول هذا الدعم التقني والفني المقدّم لرفع قدرات التفتيش المركزي لما فيه من خير على العمل الرقابي والإداري وخدمة الوطن والمواطن".
كما أوضحت أن "الأمين العام لمجلس الوزراء محمود مكية أحال طلب رئيس التفتيش بقبول الدعم من البريطانيين إلى وزير المالية يوسف خليل للاطّلاع عليه، موردًا في متنه أن الملف "لم يتضمن أي رأي لوزارة الخارجية قبل توقيع المذكّرة، كما لم يصدر أي تفويض سابق بتوقيعها على النحو الذي يفرضه قرار مجلس الوزراء في 5/3/2015، والذي حدّد المسار الإداري لإعداد وإقرار الاتفاقيات والمعاهدات ومذكّرات التفاهم (…) والذي يبدأ باستطلاع وزارتي الخارجية والعدل، ومن ثم أخذ موافقة رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء على التفاوض، وبعدهما عرض المذكّرة على مجلس الوزراء للموافقة عليها والتفويض بالتوقيع، على أن يصار إلى إيداع الصكّ وزارة الخارجية لمتابعة دخوله حيز التنفيذ".
وبحسب الصحيفة، "ثمة مخالفة أساسية أشار إليها كتاب مكية تتعلق بـ"عدم صدور أي قرار عن الحكومة بقبول الهبة الممثّلة بالدعم التقني والفني الواردة في المذكّرة بميزانية إجمالية وصلت إلى 2.5 مليون جنيه إسترليني"، وخلو الملف من "أي كشوفات أو مستندات تُبيّن وجهة الصرف والإنفاق والقيود الثبوتية ذات الصلة"، وحذرت أن مكية أرسل نسخة من هذا الكتاب إلى ديوان المحاسبة، ونسخة من كتاب التفتيش إلى مديريتي الأمن الداخلي والأمن العام لإعلامهما بأن المذكّرة التي اطلعت عليها رئاسة الحكومة أخيرًا تتضمن التزامًا من السفارة البريطانية بدعم التفتيش المركزي من أجل تعزيز مراقبة بيانات المعلومات المُجمعة ووضع معايير خصوصية للبيانات وضمان الدعم المعلوماتي مع ما يتعلق من تركيب البرامج الرقمية وأمن البيانات".
واعتبر أن "الأخطر من ذلك أن المذكّرة تضمّنت التزام إدارة التفتيش الاستجابة لطلبات محددة من فريق مؤسسة "سايرن اسوشيتس" دون تحديدها، علمًا أن رئيس الحكومة شكّل في 30/11/2021 لجنة فنية برئاسة وزير الداخلية لدراسة الجانب الأمني والسيبراني لمنصة Impact والصفحات الإلكترونية المتفرعة منها علمًا أن المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم سبق أن نبّه رئيسَي الحكومة السابق حسان دياب ومجلس النواب نبيه بري في مراسلة رسمية إلى المحاذير الأمنية بعد توسع عمل المنصة ودخولها إلى مختلف الإدارات العامة، ومنها المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي والصليب الأحمر ووزارتا الشؤون والصحة والمتضررون من انفجار مرفأ بيروت والمصابون بفيروس "كورونا" ومختلف البلديات والمخاتير".
ولفتت الصحيفة إلى أن "نشاط المنصة شمل قطاعات حكومية ورسمية، فيما لُزّمت إدارة هذا المشروع برمّته إلى مؤسسة غير حكومية، ما يسمح لها بالسيطرة على كل تفاصيل المشروع والبيانات الخاصة باللبنانيين"، مشيرة إلى أن "مهندسي المنظمة يشرفون تقنيًا على المنصة، وبالتالي لا قدرة لموظفي التفتيش على مجاراتهم تقنيًا ما يعني سيطرة تامة للمؤسسة البريطانية".
ووفقًا للكتاب المرسل من الأمن العام، "فإن الشركة البريطانية استضافت المنصة على خوادم أجنبية (تم استئجارها من leaseweb في ألمانيا وهولندا) لحفظ "الداتا" أي أن كلّ بيانات اللبنانيين وبيانات الإدارات التي اشتركت في هذه المنصة أصبحت على خوادم خارج لبنان، وليس معروفًا من له حق الولوج والتحكم بتلك الخوادم وسحب البيانات منها، وأشارت المراسلة إلى عدم وجود ضمانات تقنية وأمنية تؤكد عدم اختراق تلك البيانات من قبل جهات معادية إن عبر قرصنتها وسرقة نسخة عنها أو عبر تعديلها والعبث بها"، حسبما ذكرت "الأخبار".
وأردفت الصحيفة، أنه "نتيجة لمراسلة إبراهيم، شُكّلت لجنة برئاسة وزير الاتصالات حينذاك طلال حواط لدرس موضوع المنصة من الناحية الأمنية، وأصدر وزير الداخلية السابق محمد فهمي تعميمًا على الإدارات والمديريات والبلديات يطلب فيه عدم التعاون مع المنصة إلا أن وزير الداخلية الحالي بسام المولوي أطاح بتعميم فهمي عبر وقف العمل به بحجة أن اللجنة الوزارية المختصة بتحديد آلية ومعايير تطبيق البطاقة التمويلية أثبتت أن ملكية معلومات البطاقة تعود للدولة اللبنانية ممثّلة بمجلس الوزراء.
الصحيفة أشارت إلى أن "مجلس شورى الدولة سبق أن أوضح في 3 كتب مختلفة عدم جواز استضافة التفتيش المركزي لمنصة impact انطلاقًا من أنها مسؤولية السلطة التنفيذية التي يفترض أن تكون خاضعة لرقابة التفتيش، وبالتالي لا يعقل في حال اضطلاع التفتيش بدور تنفيذي أن يقوم بمراقبة نفسه، كما أشار كتاب السراي إلى تقاعس رئيس التفتيش عن تزويد رئاسة مجلس الوزراء بالداتا لتمكينها من التدقيق في عمل المنصة في ضوء المراجعات المتكررة حول التلاعب والمحاباة في اختيار المستفيدين من برنامج المساعدات المالية، وتسريب المعلومات إلى جهات غير رسمية.
ولفتت إلى أن "رئيس ديوان المحاسبة القاضي محمد بدران فتح تحقيقًا في الملف واستدعى رئيس التفتيش لاستصراحه منذ نحو شهر تقريبًا لكن عطية رفض الحضور بحجة أنه يدير هيئة رقابية ويعتبر نفسه "فوق المساءلة"، على الرغم من أنه تخطّى دوره الرقابي وتورط في مهام تنفيذية".
وبحسب مصادر "الأخبار"، فإن الديوان يتابع تحقيقه وقد استصرح وزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجار وغيره وهو في صدد إصدار قرار بشأن رئيس التفتيش، فيما الخشية قائمة من أن تساهم الضغوط الممارسة على الحكومة في إقفال الملف.