لبنان
برّي يبدأ مشاورات لإطلاق حوار رئاسي.. وحجّ برتقالي إلى بكركي
اهتمت الصحف اللبنانية الصادرة صباح اليوم في بيروت بمبادرة رئيس مجلس النواب نبيه برّي للحوار حول موضوع رئاسة الجمهورية، والمفترض أن يكون مع الكتل النيابية المتنوعة، لا سيما بعد الفشل المستمر للمجلس النيابي بانتخاب رئيس عبر التصويت في جلسات كل الخميس، والتي بلغت 8 جلسات لم يخرج فيها الدخان الأبيض.
إلى ذلك، برزت زيارة الرئيس السابق ميشال عون ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل إلى البطريرك الماروني بشارة الراعي في بكركي.
كما حضر الملف اللبناني في العاصمة السعودية الرياض، خلال القمة الصينية العربية، حيث مثّل لبنان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، حيث أكد أن بيروت تريد تطوير العلاقات مع الدول العربية ومع الصين.
"البناء": بري يبدأ المشاورات… وعون وباسيل في بكركي لصناعة توازن جديد حكومياً ورئاسياً
بينما يستعدّ رئيس مجلس النواب نبيه بري لإطلاق الحوار الرئاسي عبر مشاورات بدأها مع الكتل النيابية لاستكشاف مناخاتها وقياس مدى نضج الأجواء للبدء بالحوار المنشود في فترة الأعياد وما بعدها، جاءت زيارة كلّ من الرئيس السابق العماد ميشال عون ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل الى بكركي، والتصريحات التي صدرت عنها اثر لقاء البطريرك بشارة الراعي توحي، وفقاً لمصادر نيابية تتابع مواقف وتحركات التيار الوطني الحر، بمساع لإقامة توازن جديد عبر بكركي في الملفين الرئاسي والحكومي، في ظلّ ما تقوله مصادر التيار عن الطابع المسيحي الذي يختزنه الملفان من جهة، والمتاعب التي واجهتها محاولات تحقيق التوازن المطلوب عبر التحالفات السياسية والنيابية، في ظلّ التباعد الحاصل بين التيار وحزب الله من جهة مقابلة.
وخطفت بكركي الأضواء التي قصدها رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل قبل أن يزورها رئيس الجمهورية السابق العماد ميشال عون لوضع «رأس الكنيسة» المارونية الذي كان خارج البلاد، في أجواء جلسة حكومة تصريف الأعمال التي انعقدت في ظلّ الشغور الرئاسي، وما رافقها من سجالات وخلافات سياسية ـ دستورية بأبعاد طائفية.
ووفق معلومات «البناء»، فإنّ زيارتي عون وباسيل الى بكركي كانتا منسقتين وتمّ ترتيبهما خلال وجود الراعي في الأردن، وهما كانتا ستحصلان خلال الأيام المقبلة بكافة الأحوال لاستكمال البحث في الملف الرئاسي وإمكانية الراعي لدعوة الأطراف المسيحية لحوار جماعي أو ثنائي، لكن الجلسة الحكومية وشكل توقيع المراسيم سرّعا الزيارتين للتنسيق بين المرجعيات السياسية والروحية المسيحية لتدارك الخطأ الفادح بتجاوز موقع رئاسة الجمهورية الذي حصل الاثنين الماضي وعدم تكراره في المستقبل والعمل لإنهاء هذه الحالة الدستورية الشاذة عبر انتخاب رئيس للجمهورية يستولد من كنف الحوار بين المكونات المسيحية مع الكنيسة ويتمتع بشخصية حوارية ووطنية قادر على التواصل مع الجميع.
والتقى باسيل البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي في بكركي وقال بعد اللقاء: «أحمّل الجميع مسلمين ومسيحيين مسؤولية ما حصل في مجلس الوزراء الاثنين وهو امر فظيع عبر حذف توقيع رئيس الجمهورية للمراسيم وهو ضرب للميثاق وللكيان والجمهورية وليس فقط لرئاسة الجمهورية».
أضاف: «استكملت البحث في الملف الرئاسي مع الراعي حيث يجب إيجاد طريقة للوصول الى مرشح ينال ثلثي الأصوات ونحن منفتحون على الجميع لكن هناك من ليس منفتحاً ولا يمكن ان نجبره».
وفي دردشة مع الصحافيين، قال باسيل ردّاً على سؤال عما إذا كانت انتهت بينه وبين «الحزب» عند حدود البيانات: «الموضوع عندهم… أنا زلمي مسالم».
وعن إمكان ترشيح أحد من «التيار الوطني الحر» لرئاسة الجمهورية قال: «هيدا حكي للتسلاية».
وعمّا إذا كان يسير بإسم يطرحه الراعي لرئاسة الجمهورية اجاب «أولاً البطريرك لا يقبل ونحن لا نقبل بأن نضعه بهكذا موقف يُحمّله مسؤولية أيّ شيء يحصل خلال حكم الرئاسة الذي يمتدّ إلى 6 سنوات». وإذا كان يطرح لقاء مسيحيّاً برعاية بكركي وإذا كان جعجع يقبل بحضور اللقاء، قال باسيل «جعجع رافض لكلّ شيء.. لا بدّو يجي على بكركي ولا بدّو يعمل حوار».
من جانبه، قال الراعي تعليقاً على كلام باسيل على إمكان عقد لقاء مسيحي في بكركي: «لطالما كنّا من دعاة الحوار «وأنا يلّي بدعي لحوار من الـ 2009» ولا حلّ إلا بالحوار بين الأفرقاء إما بحوار ثنائي بيني وبين كلّ فريق وإما بحوار جامع والحوار الجامع تتخلّله صعوبات».
وحسم الراعي موقفه من دستورية الجلسة واعتبر أن «ما حصل من عقد لجلسة مجلس الوزراء «ما كان لازم يصير» وخصوصاً أنّ عدة أطراف كانت غائبة عن الجلسة».
وتوقعت مصادر سياسية لـ»البناء» أن يتريّث رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في أيّ دعوة لجلسة لمجلس الوزراء في المرحلة المقبلة بعد موقف الراعي والسجالات الطائفية التي رافقت انعقاد جلسة الاثنين.
في المقابل، ورداً على باسيل، غرّد رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع عبر حسابه على «تويتر» كاتباً «الحوار بدو أهل حوار».
أما الرئيس عون، فأكد في تصريح له بعد لقائه البطريرك بأنّ «الظرف يقضي ان نستودع البطريرك الوضع الحالي وما فيه من حقوق غير مصانة وضرب للميثاق وللدستور»، مضيفاً: «أكتفي بهذا القدر إذ يجب السكوت عن الكلام المباح لأنّ الأزمة كبيرة ولا يفيدها كثرة الكلام».
وسُجل يوم أمس هدوء على جبهة «حارة حريك» و»ميرنا الشالوحي»، وخلا من أيّ بيانات وسجالات، ما أوْحى بنجاح جهود الوسطاء لاحتواء السجال وتهدئة الخطاب وتبريد الجبهة والتمهيد لحوار قريب، إذ قرأت أوساط سياسية بالردّ المقتضب لباسيل على سؤال حول السجال مع حزب الله، بأنه يندرج في إطار التهدئة، على الرغم من أنّ مصادر التيار الوطني الحر تدعو عبر لـ»البناء» الى انتظار مواقف باسيل مساء غدٍ الأحد لمعرفة التوجه العوني في المواجهة ومسار العلاقة مع حزب الله.
ولفتت أجواء مطلعة على موقف الحزب لـ»البناء» الى أنّ «الخلاف بين الحزب والتيار لن يؤدّي الى قطيعة، وتصويت التيار في الجلسة الأخيرة مؤشر على ذلك، فلو كان التيار سيذهب الى القطيعة لكان صوّت لأحد المرشحين الأخصام للحزب، ما يعني أنّ الباب لا يزال مفتوحاً للتشاور بين الطرفين على الرئيس المقبل»، مشيرة الى أنّ «الخلاف ظرفي رغم أهميته، لكنه ليس استراتيجياً، وموضحة أنّ «الطرفين يقرّان بوجود مصلحة ببقاء تفاهم مار مخايل واستمرارية العلاقة لوجود مصالح متبادلة، لكن هناك ثغرات وملفات يجب معالجتها عبر الحوار الجدي والصريح لتبديد هواجس الطرفين خصوصاً من التيار تجاه حزب الله لتطمين بعضهما البعض»، وحذرت من أن جهات عدة ستقتنص الفرصة للاصطياد في الماء العكر، لكن بيانات حزب الله والتيار مضبوطة ضمن سقف معيّن»، لافتة الى أنّ «جمهور ومؤيدي الطرفين انضبطا ضمن السقف الذي وضعته القيادتين».
ولفتت المصادر الى أنّ «حزب الله متمسك بحلفه المسيحي ضمن رؤية وطنية عامة، ما يعطي الحزب والمقاومة بعداً وطنياً في الداخل والخارج وبالتالي الحزب غير مستعدّ أن يخسره في ظلّ استمرار الهجمة الأميركية الغربية الخليجية عليه، كما للحزب مصلحة أن يبقى التيار قوياً في الساحة المسيحية لكي لا يصبح لقمة سائغة للقوات التي تعمل منذ 6 سنوات على إضعاف التيار لالتهامه، في المقابل التيار لن يتخلى عن تحالفه مع الحزب في مواجهة القوات المتحالفة مع السعودية والأميركيين لكي يحقق نوعاً من التوازن في الاستحقاقات الانتخابية، فضلاً عن رؤية عون الوطنية والمشرقية البعيدة عن الانعزالية والتطرف، كما أنّ مشروع مكافحة الفساد والإصلاح وبناء الدولة الذي يسعى اليه التيار يحتاج الى شريك قوي كحزب الله نظيف الكف ولم يتلوث بالفساد وحريص على مصلحة البلد».
واعتبر الوكيل الشرعي العام للسيد علي الخامنئي في لبنان، رئيس الهيئة الشرعية في حزب الله الشيخ محمد يزبك أن «وجع الناس يكبر، والأبواب مسدودة في وجه الإصلاح والحوار والتفاهم والتوافق، ولا خلاص إلا بفتح الأبواب والقلوب لإنقاذ الوطن من قعر بئر الانهيار، فالتلاقي والتوافق والتوجه بمسؤولية إلى انتخاب رئيس للجمهورية يكون أهلاً للإنقاذ والحفاظ على قوة لبنان، لا يفرّط بحبة تراب ولا ذرة ماء من أرضه ومياهه، ولا بحقّ من حقوقه، قادر على التعاون مع حكومة إصلاح وانقاذ، والانسجام مع المجلس النيابي لتشريع القوانين والمراقبة، وبإحياء المؤسسات الثلاث، وبذلك تتحقق المعافاة من كلّ ما أصاب الوطن، واللبنانيون قادرون بأنفسهم على صنع ذلك».
الى ذلك حضر الملف اللبناني في القمم الاقتصادية ذات الأبعاد السياسية والاستراتيجية التي جمع السعودية ودول الخليج مع الصين، والذي شارك فيها لبنان ممثلاً برئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في ظلّ غياب رئيس الجمهورية، وأجمعت المواقف الصينية والسعودية والخليجية على دعم لبنان وأمنه واستقراره.
وأكدت السعودية والصين، حرصهما على الإجراءات اللازمة لحفظ أمن واستقرار لبنان. وشدّد البيان الختامي للقمة السعودية – الصينية على «أهمية إجراء الإصلاحات اللازمة، والحوار والتشاور بما يضمن تجاوز لبنان لأزمته، تفادياً لأن يكون منطلقاً لأيّ أعمال إرهابية وحاضنة للتنظيمات والجماعات الإرهابية التي تزعزع أمن واستقرار المنطقة، أو مصدراً أو معبراً لتهريب المخدرات».
بدوره، أكّد المجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، على «مواقف مجلس التّعاون الثّابتة مع الشعب اللبناني الشّقيق، ودعمه المستمر لسيادة لبنان وأمنه واستقراره، وللقوّات المسلّحة اللّبنانيّة الّتي تحمي حدوده، وتقاوم تهديدات المجموعات المتطرّفة والإرهابيّة».
وشدّد، في بيان، بعد انعقاد دورته الثّالثة والأربعين، على «أهميّة تنفيذ إصلاحات سياسيّة واقتصاديّة هيكليّة شاملة، تضمن تغلّب لبنان على أزمته السّياسيّة والاقتصاديّة، وعدم تحوّله إلى نقطة انطلاق للإرهابيّين أو تهريب المخدرات أو الأنشطة الإجراميّة الأخرى الّتي تهدّد أمن المنطقة واستقرارها».
وركّز المجلس على «أهميّة بسط سيطرة الحكومة اللبنانية على جميع الأراضي اللّبنانيّة، بما في ذلك تنفيذ أحكام قرارات مجلس الأمن ذات الصّلة واتفاق الطائف، من أجل أن تمارس سيادتها الكاملة فلا يكون هناك أسلحة إلّا بموافقة الحكومة اللبنانية، ولا تكون هناك سلطة سوى سلطتها».
ودعا جميع الأفرقاء اللّبنانيّين إلى «احترام الدستور والمواعيد الدّستوريّة، والعمل على كلّ ما من شأنه تحقيق تطلّعات الشّعب اللّبناني الشقيق في الاستقرار والتّقدّم والازدهار»، مشيداً بـ»جهود أصدقاء لبنان وشركائه في استعادة وتعزيز الثّقة والتّعاون بين لبنان ودول مجلس التعاون، ودعمهم لدور الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي في حفظ أمن لبنان».
في غضون ذلك، سجلت مواقف روسية تجاه لبنان عبر السفير الروسي في بيروت ألكسندر روداكوف، مشدّداً على أنّ «روسيا جاهزة لمساعدة لبنان»، كاشفاً أنّ بلاده لن تتدخل بملف رئاسة الجمهورية. وأشار روداكوف، إلى أنّه «في حال فوز رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية نحن نقول الحمدلله أن فترة الفرغ الرئاسي انتهت ونتمنى له التوفيق»، لافتاً إلى أنّ فرنجية لديه علاقات مع الجميع.
"الأخبار": بكركي لم تقتنع بعد بدورها كمرجعية لأي مرشح رئاسي: هل اجتمع ميقاتي مع ابن سلمان؟
عادت الاتصالات بشأن الملف الرئاسي إلى دائرة الضوء بقوة محلياً وخارجياً. ويبدو أن البطريرك الماروني بشارة الراعي سيكون في المرحلة المقبلة محوراً أساسياً في هذا الملف. علماً أن الجهود التي بدأها النائب جبران باسيل منذ الصيف الماضي لم تصل إلى نتيجة تحسم إقناع بكركي بإدارة الملف من زاوية أن أي رئيس للجمهورية يجب أن يحظى بشرعية حقيقية عند المسيحيين أولاً. وتنطلق مبادرة باسيل من فكرة أن الراعي يمكنه إدارة حوار مسيحي – مسيحي حول الأمر قبل الذهاب نحو تفاوض يؤمن غالبية لبنانية داعمة للمرشح الرئاسي.
في غضون ذلك، تواصل باريس والدوحة مساعيهما للتوصل إلى تسوية تقوم على مرحلتين: الأولى تستهدف التفاهم مع مسيحيي لبنان أولاً، والثانية تستهدف التفاهم مع حزب الله. وأن عنوان المساعي حول التوصل إلى مرشح لا يتصادم مع «المجتمعين العربي والدولي»، أي عملياً أن يحظى الرئيس المقبل برضى الأميركيين والسعوديين. ومع أن المرشح الفعلي هو قائد الجيش العماد جوزيف عون، فإن هذا التحالف لمس من خلال مفاوضات جرت خلال الأسبوعين الماضيين، بأنه لا يمكن فرض قائد الجيش على غالبية وازنة من القوى السياسية. وقرر الجانبان الفرنسي والقطري تطوير التواصل مع قائد الجيش الذي يجري التحضير لزيارة رسمية له إلى قطر، مع همس حول إمكانية ترتيب زيارة أيضاً إلى السعودية في حال أفلحت الاتصالات الخارجية في إقناع ولي العهد السعودي بالانخراط بشكل أكبر في الملف اللبناني.
غير أن الجديد - القديم هو سعي البعض إلى أن تشمل التسوية الرئاسية ملف الحكومة المقبلة. وفيما يقود التيار الوطني الحر معركة الإتيان بحكومة لا يتولى رئاستها شخصيات مثل الرئيس نجيب ميقاتي، فإن الأخير، الذي يتولى جانباً من الاتصالات مع الفرنسيين، يسعى بقوة من خلال باريس للوصول إلى تفاهم مع السعودية ومصر ليكون على رأس الحكومة المقبلة، أياً يكن رئيس الجمهورية المقبل. وأن في حالة الموافقة العربية فإن الأميركيين لن يقفون في وجهه.
وينطلق ميقاتي في مساعيه من نتائج سابقة للحوار الفرنسي - السعودي حول دور رئيس الحكومة. ويومها قال السعوديون للفرنسيين «إنكم تتحدثون معنا عن سعد الحريري ونجيب ميقاتي، الأول كان هو رجلنا وصار في حضنكم ولكن الثاني هو رجلكم وبقي في حضنكم» وهو السبب الذي وقف خلف امتناع السعودية عن إطلاق أي موقف إيجابي من حكومة ميقاتي.
ميقاتي يسعى مع فرنسا والسعودية ليبقى رئيسا لحكومة العهد الجديد
وأبلغت مصادر مطلعة «الأخبار» أن ميقاتي نجح على ما يبدو في كسر الحصار. وتمكن من عقد لقاء مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. وسط تضارب في المعلومات حول مكان اللقاء وزمانه ومدته، بينما قال مطلعون إن الاجتماع تم في شرم الشيخ وليس على هامش افتتاح بطولة كأس العالم في قطر، وإنه لم يدم طويلاً. لكن آخرين قالوا إن الاجتماع استمر لأكثر من 45 دقيقة، لافتين إلى أن ميقاتي لن يأتي على ذكر الأمر، بل قد ينفيه لتجنب إزعاج السعوديين الذين بدأوا أخيراً نقاشاً حول طريقة التعامل مع الملف اللبناني انطلاقاً من الاستحقاق الرئاسي.
وكان باسيل زار أمس البطريرك الماروني وبحث معه في أمرين، الأول يتعلق بإمكانية أن تقود بكركي حواراً مسيحياً – مسيحياً حول الرئاسة، وقد اقترح باسيل أن يوجه الراعي دعوة إلى القيادات المسيحية البارزة، لكن الأخير أبلغه أن قائد القوات اللبنانية سمير جعجع ليس في وارد مثل هذه اللقاءات الموسعة، وأن آخرين لديهم مواقف مشابهة. ولذلك تم اقتراح أن يتولى الراعي شخصياً حوارات ثنائية مع جميع الأقطاب المسيحيين قبل الوصول إلى خلاصة في شأن الملف الرئاسي.
وإلى جانب الملف الرئاسي، كان موضوع «التعدي على صلاحيات رئاسة الجمهورية» محور الاجتماعين بين الراعي وباسيل على حدة ومع الرئيس السابق ميشال عون من جهة ثانية. وكان واضحاً أن الرئيس عون لا يريد توسيع دائرة السجال العلني حول ما حصل في الملف الحكومي.
باسيل عادَ وأكد من بكركي أن «ما حصل بشأن انعقاد جلسة مجلس الوزراء لا يجب أن يمر بشكل عادي»، مشيراً إلى أنه استكمل مع البطريرك الراعي ما كنا بدأناه في موضوع الرئاسة، للوصول إلى شخصية تحظى بتأييد الثلثين. وهذا الموقع له رمزيته وعلينا مسؤولية بالانفتاح على الجميع»، ودعا إلى متابعة حلقته التلفزيونية يومَ غد على قناة الـ «أل بي سي»، معلقاً على الخلاف مع حزب الله بالقول «هم من يقرر مصير العلاقة. وأنا رجل مُسالم». وفيما اعتبرت مصادر بارزة أن «ما يحاول باسيل القيام به على المستوى المسيحي لن يؤتي ثماره لأن أحداً من القوى السياسية لن يقبَل به»، أشارت إلى أن «كلامه يوم الأحد سيكون مفصلياً لجهة العلاقة مع الحزب والتي سيحددها السقف الذي سيعتمده في مقاربته للأزمة»، مرجحة أن «لا يذهب بعيداً في تعميق الخلاف».
من جهة أخرى، حضر الملف اللبناني في القمة السعودية – الصينية التي انضم إليها ميقاتي، من خلال عبارات أكدت على سياسة الرياض تجاه لبنان في السنوات الأخيرة، وأتت مشابهة للبيان السعودي – الفرنسي المشترك الذي صدر قبل عام إثر زيارة قامَ بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المملكة، مؤكدة «أهمية إجراء الإصلاحات اللازمة، والحوار والتشاور بما يضمن تجاوز لبنان لأزمته، تفادياً لأن يكون منطلقاً لأي أعمال إرهابية وحاضنة للتنظيمات والجماعات الإرهابية، التي تزعزع أمن واستقرار المنطقة، أو مصدراً أو معبراً لتهريب المخدرات».
"الجمهورية": الحوار الرئاسي يختبر التناقضات.. وبري يريده منتجاً
اسبوع فاصل عن جلسة الخميس المقبل، يشكّل فرصة ممنوحة للمكوّنات الداخلية لإجراء مقاربات عقلانيّة للملف الرئاسي ومراجعات جديّة ومسؤولة لمسلسل الفشل في انتخاب رئيس للجمهورية، بعيدًا من الغوغائيّة والشعبويّة، لعلّها تؤسّس لاختراق في جدار التناقضات، يفضي إلى توافق يقصّر عمر الفراغ في سدّة الرئاسة الاولى.
محطة الإختبار الأساسية، وربما الأخيرة، لهذه الفرصة، هي يوم الخميس المقبل، بين ان يشهد فشلًا عاشرًا في انتخاب الرئيس، وبين أن يكون منطلقًا لحوار بين المكوّنات السياسيّة والنيابيّة، يُخرج الملف الرّئاسي من خلف السّدود السياسيّة والطائفيّة والفوقيّة والكيديّة المانعة لإتمامه، ويقوده الى برّ الانتخاب.
ومن الآن وحتى الخميس المقبل، يفترض ان يتبين الخيط الابيض من الخيط الاسود، مع أنّ السواد هو الاكثر ترجيحًا وهو ما تعكسه صراعات مكوّنات الانقسام السياسي، التي تجعل من الصعب الاعتقاد بأنّ التناقضات العميقة قد تشهد تبدلًا بين ليلة وضحاها، وخصوصًا انّها قيّدت نفسها على اشجار عالية من الشروط والمعايير المتصادمة.
لا ثقة
وإذا كانت اصوات نيابية وسياسية قد ارتفعت في الساعات الاخيرة اعتراضًا على الاستمرار في دوامة الفشل، وطالبت رئيس المجلس النيابي نبيه بري بقيادة حوار يضع حدًا ويؤسّس لتوافق على انتخاب رئيس، فإنّ المشكلة الأساس، كما تقول مصادر سياسية لـ«الجمهورية»، «ليست في إطلاق الحوار، وخصوصًا انّ بري ومنذ ما قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، اكّد انّ المعبر الوحيد لانتخاب رئيس الجمهورية هو الحوار والتوافق، ولكنه اصطدم بالتناقضات. بل أنّ المشكلة قائمة حصراً في مكوّنات لا تثق ببعضها، وفي نزعة الإلغاء والتحكّم لدى البعض، وخصوصًا بين الكتل المسيحية».
مهمة صعبة وشائكة
وقالت مصادر واسعة الإطلاع لـ«الجمهورية»: «حتى الآن، لا يمكن القول بوجود ضوء في آخر النفق الرئاسي، فما رافق جلسة الفشل التاسع من مواقف اعتراضية على استمرار هذا المسلسل، وصولًا الى حدّ اعتبار البعض انّ هذا الوضع بات يدفع إلى القرف والغثيان، لا يعني بالضرورة الاستعداد للتنازل والاستجابة لمنطق التوافق، ذلك أنّ غالبية الاطراف ما زالت ثابتة في مربعات المكابرة والتعطيل، وخطابها تصعيدي في كل الاتجاهات، يهدّد بالويل والثبور وعظائم الامور».
واعتبرت المصادر انّ «هذا المنحى، يجعل مهمة الرئيس بري في قيادة حوار رئاسي، شائكة ومحفوفة بصعوبات كبرى، فرئيس المجلس يسعى للاستثمار على هذه الفرصة المتاحة من الآن وحتى الخميس المقبل، لبلوغ حوار شرطه الأساس ليكون مجدياً ومنتجاً ومعبراً إلى التوافق على انتخاب رئيس، هو صفاء النيات وصدق التوجّه إلى انهاء الوضع الشاذ في رئاسة الجمهورية، وهو ما لم يُلمس بعد».
الحوار في المجلس
وعلى ما اعلن الرئيس بري، انّه سيستمزج آراء الكتل النيابية من الآن وحتى الخميس، قبل ان يتخذ موقفه بعقد حوار إن لمس ايجابيات، او بعدمه إن كانت الآراء ما زالت في خانة السلبية، وخصوصاً انّ ثمة اطرافاً سبق لها ان قاربت بالسلبية والرفض، مبادرته التي كان يسعى اليها قبل اسابيع، لصياغة توافق رئاسي. على انّه في حال رجحت كفة الايجابيات، فإنّ بري، وكما اكّدت مصادر موثوقة لـ«الجمهورية»، سيبادر للدعوة الى الحوار بين الكتل النيابية المختلفة في مجلس النوّاب وليس في مقرّ رئاسة المجلس النيابي في عين التينة.
واكّدت المصادر، «أنّ الحوار في حال انعقاده، لن يكون مفتوحاً الى ما شاء الله، بل ان تُجنى ثمار صفاء النيات سريعاً، وضمن فترة لا تتجاوز بداية السنة الجديدة. ذلك انّ الوقت لا يلعب لمصلحة لبنان»، الّا انّها لفتت الانتباه الى «انّ الأساس هو الذهاب الى حوار منتج وناجح، وليس الى حوار فاشل سلفاً، يتحول إلى مناسبة للمماحكات والعراضات السياسية والشعبوية، نتيجته الحتمية انسداد الأفق الداخلي بالكامل وكلفته باهظة يدفعها البلد».
ورداً على سؤال قالت المصادر: «الحوار المرتقب يفترض ان يدور حول بند وحيد هو رئاسة الجمهورية والاتفاق على رئيس. قد ترغب بعض الاطراف في طرح الحوار حول سلة متكاملة تطال رئيس الجمهورية وما بعدها، ولاسيما في ما خصّ الحكومة الجديدة، علماً انّ لهذا الامر ايجابية وسلبية في آن معاً. فإيجابيته ستكون كبرى ان تمّ التوافق على سلة متكاملة، الّا انّ سلبية طرح هذا الامر تكمن في انّه قد يفتح باباً لا نهاية له، من شأنه أن يعطّل الهدف الأساس، اي التوافق على رئيس الجمهورية. المهم هو ان يتمّ الاتفاق على عقد الحوار لصياغة توافق، قبل الحديث عمّا اذا كان سيبقى محصوراً ببند وحيد او انّ بيكاره سيتوسّع اكثر من البحث بالبند الرئاسي».
إلى ذلك، وفي الطريق الى الخميس المقبل، كشفت مصادر مجلسية لـ«الجمهورية»، أنّ التحضيرات بدأت في اوساط رئيس المجلس لإطلاق ورشة عمل مكثفة وفق جدول لقاءات مكثفة سيجريها الرئيس بري مع الكتل النيابية والسياسية في الساعات المقبلة.
مرشحان ولا فيتوات
إلى ذلك، كشفت مصادر ديبلوماسية من باريس لـ«الجمهورية»، انّ الملف الرئاسي اللبناني حاضر في النقاشات الجارية بين اصدقاء لبنان، وخصوصاً بين الاميركيين والفرنسيين، دون ان يعني ذلك جهوزية لاطلاق تحرّك رئاسي تجاه لبنان في المدى المنظور، وذلك في انتظار ما ستؤول اليه المشاورات بين اللبنانيين. واكّدت: «اننا ننظر بإيجابية إلى المبادرات الحوارية الرامية الى تمكين اللبنانيين من اختيار رئيسهم».
ورداً على سؤال كرّرت المصادر الديبلوماسية القول، بأن لا «فيتو» موضوعاً من قِبل أي من اصدقاء لبنان حيال أي شخصية مقترحة لرئاسة الجمهورية. نحن نسمع كما يسمع الكثيرون بأنّ مرشحين اساسيين يتصدّران القائمة، هما الوزير سليمان فرنجية وقائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون. وكما هو جلي، فإنّ اصدقاء لبنان لا يفاضلون بين اسم وآخر، وليسوا اصلاً في هذا التوجّه، بل انّ هذا الامر عائد للبنانيين دون غيرهم، والمجتمع الدولي وفي مقدمته واشنطن وباريس، يشكّل في نهاية الامر عاملاً مساعداً للبنانيين لا أكثر، ويحثّ على انتخاب سريع لرئيس الجمهورية وتشكيل حكومة تلبّي تطلعات الشعب اللبناني بالإنقاذ وإجراء الاصلاحات».
حج إلى بكركي
في هذه الأجواء، برز امس، حج برتقالي إلى الصرح البطريركي، تجلّى في زيارة قام بها الرئيس السابق ميشال عون إلى بكركي عصر امس، سبقه اليها نهارًا رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل.
وقال الرئيس عون بعد لقائه البطريرك الماروني مار بشارة الراعي: «هناك ضرب للميثاق والدستور وحقوق غير مصانة، والأزمة كبيرة ولا مجال للكلام المباح». فيما قال باسيل بعد لقائه الراعي: «أحمّل الجميع، مسلمين ومسيحيين، مسؤولية ما حصل في مجلس الوزراء الاثنين. وهو امر فظيع، عبر حذف توقيع رئيس الجمهورية للمراسيم. وهو ضرب للميثاق وللكيان والجمهورية وليس فقط لرئاسة الجمهورية». مضيفاً انّ «الشراكة عندما تنكسر تصبح عرجاء، سواء كانت وطنية ام حزبية». وتابع: «وقفنا معهم سنتين في الشارع ايام الحكومة التي سُمّيت بالبتراء، فهل تصبح الحكومة اليوم ميثاقية بوجود سعادة الشامي ونجلا رياشي»؟
واشار باسيل إلى انّه استكمل مع البطريرك الراعي البحث في الملف الرئاسي، «حيث يجب إيجاد طريقة للوصول إلى مرشح ينال ثلثي الاصوات. ونحن منفتحون على الجميع. لكن هناك من ليس منفتحاً ولا يمكن ان نجبره».
وعمّا إذا كان يسير بإسم يطرحه الراعي لرئاسة الجمهورية اجاب: «أولاً البطريرك لا يقبل، ونحن لا نقبل بأن نضعه بهكذا موقف يُحمّله مسؤولية أيّ شيء يحصل خلال حكم الرئاسة الذي يمتدّ إلى 6 سنوات».
وعمّا إذا كان يطرح لقاءً مسيحيًّا برعاية بكركي، وإذا كان جعجع يقبل بحضور اللقاء، قال باسيل: «جعجع رافض لكلّ شيء.. لا بدّو يجي على بكركي ولا بدّو يعمل حوار».
واما الراعي فقال للاعلاميين رداً على سؤال عن امكان عقد حوار مسيحي في الصرح البطريركي: «لطالما كانوا دعاة حوار، لا حلّ الّا بالحوار بين الاطراف، اما حوار ثنائي بيني وبين كل طرف، وإما بحوار جامع»، لافتاً الى انّ «الحوار الجامع تتخلّله صعوبات».
ورداً على سؤال آخر رأى الراعي: «كان يجب الاّ تنعقد جلسة مجلس الوزراء، خصوصاً انّ اطرافاً عدة كانت غائبة عن الجلسة».
«الحوار بدو أهل حوار»
وفي وقت لاحق، أطلق رئيس «حزب القوات اللبنانية» سمير جعجع تغريدة فُسّرت على انّها ردّ غير مباشر على باسيل، اكتفى فيها بالقول: «الحوار بدو أهل حوار».