لبنان
الجمود يسيطر على الأجواء.. والكهرباء بين برّي وميقاتي
لا يزال الجمود يسيطر على الأجواء السياسية في البلاد، يساعده في ذلك برودة الطقس وتدني درجات الحرارة، إضافة لانشغال اللبنانيين بمتابعة كأس العالم بكرة القدم، ولا تشي الأجواء بأي حلول مرتقبة في الملفات لا سيما رئاسة الجمهورية مع اقتراب الفراغ من دخول الشهر الأول.
وتتربص الأزمات بالمواطنين بدءًا من أول الشهر، حيث سيطوي الدولار مرحلة الـ1500 ليرة، ليصبح 15000 وما لهذا من ارتدادات سلبية على كافة القطاعات وارتفاع إضافي في الأسعار وسط غياب الرقابة ودخول أجهزة الدولة في سبات عميق.
وخرق الجمود اللقاء الذي جمع بين الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي في عين التينة، والذي تناول عدة ملفات على رأسها موضوع الكهرباء.
"البناء": الكهرباء بين بري وميقاتي… والتوافق اللازم لتأمين نصاب جلسات «تشريع الضرورة»
لا شيء إلا الجمود في ملف الجمود الرئاسي، والحراك السياسي ينصبّ على حلحلة بعض القضايا الخدميّة وأهمها تأمين التمويل اللازم للكهرباء من أجل البدء بخطة عشر ساعات ترافق زيادة التعرفة وتفعيل الجباية، وتأمين التمويل بعد مفاوضات رئيس الحكومة مع حاكم مصرف لبنان ينتظر تشريعاً يجيز الاستدانة لحساب كهرباء لبنان بضمانة الحكومة ومجلس النواب، وهو ما كان موضع البحث بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ومعه التوافق اللازم لتأمين النصاب لجلسات تشريع الضرورة التي أعلنت بعض الكتل معارضتها، إما بداعي عدم جوازها واعتبار مجلس النواب هيئة ناخبة لا تشريعية، أو بداعي موقف سياسي يقول إن الأولوية ليست للتشريع بل لانتخاب رئيس جديد، وإن تأجيل التشريع يضغط لتحريك الجو الانتخابي. وتقول مصادر نيابية إن فرصة تأمين نصاب جلسة خاصة لتمويل الكهرباء متوافرة، خصوصاً أن نواب ثنائي حركة أمل وحزب الله وكتلة التيار الوطني الحر وكتلة اللقاء الديمقراطي حسموا أمر مشاركتهم، إضافة لعدد من نواب التغيير ونواب كتلة الاعتدال أعلنوا أنهم سيقررون المشاركة، ما يعني أن النصاب سيتحرّك على هوية المواضيع المطروحة للتشريع، ودرجة اتصالها بشؤون تهم الناس بصورة تجعل مقاطعتها مصدر إحراج.
بانتظار جلسة جديدة للمجلس النيابي لانتخاب رئيس الجمهورية الخميس المقبل، لا يبدو في الأفق أيّ تطوّر أو معطى سيغير من رتابة المشهد السياسي والرئاسي قبل نهاية العام الحالي، لا سيما أن أياماً قليلة تفصلنا عن بدء شهر أعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية، لندخل إلى عام جديد مزدحم بالأزمات والاستحقاقات والتطورات الساخنة بأكثر من ملف لا سيما الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي ستتردّى أكثر وفق ما تبشر جهات سياسية وحكومية ويتوقع خبراء اقتصاديون، بموازاة مشهد إقليمي – دولي يتجه الى مزيد من السخونة والتصعيد والتعقيد.
وأشارت مصادر نيابية لـ»البناء» إلى أن «جلسة الخميس المقبل ستلتحق بالجلسات السابقة التي تحوّلت الى جلسات مملة لا تقدّم ولا تؤخّر سوى أنها تعطي إشارات سلبية للمواطنين وللمجتمع الخارجي وتنعكس سلباً على أسواق الدولار والمواد الغذائية والمحروقات». وتشير المصادر الى أن رئيس مجلس النواب نبيه بري قد يتوقف عن الدعوة إلى الجلسات بعد الخميس المقبل بسبب بدء شهر الأعياد، ولكي تكون العطلة فرصة لإجراء مروحة اتصالات وحوارات ثنائية مع مختلف القوى السياسية والكتل النيابية في محاولة لبناء أرضيّة داخليّة لأي تفاهم رئاسي يتلاقى مع تقاطعات دولية – إقليمية عندما تنضج تساهم في وضع حد للأزمة الرئاسية». ويعوّل الرئيس بري على جملة أمور منها اقتناع الكتل كافة بأن خياراتها فشلت في إنتاج رئيس وعليها العودة الى الحوار للتفاهم على مرشحين يحظون بأوسع تفاهم مسيحي ووطني، كما يعوّل على بعض الحوارات الإقليمية والدولية لا سيما الحراك الفرنسي باتجاه القوى الداخلية والقوى الخارجية المؤثرة في الملف اللبناني، وبالتالي على اللبنانيين تحضير الساحة الداخلية وتأمين الحد الأدنى من التوافق الداخلي وطرح مرشحين على طاولة الحوار لملاقاة أي انفراج خارجي أو مساعدة صديق».
وعلمت «البناء» أن الرئيس بري كان مستاءً في الجلسة الأخيرة من الفشل المتكرّر بانتخاب رئيس ومسلسل الجلسات غير المنتجة والتي تدفع المواطنين الى الاشمئزاز وتحميل المجلس مسؤولية التعطيل والفشل وتعطيل الدولة والمؤسسات. كما علمت أن عدداً من النواب سيقاطعون الجلسات المقبلة إذا ما استمرّ مسلسل تعطيل النصاب والفشل بانتخاب الرئيس منهم النائبان جميل السيد وسجيع عطيه.
وتؤكد مصادر «البناء» أن الحوار بين حزب الله والتيار الوطني الحر لن يتوقف في محاولة للتفاهم على الملف الرئاسي، لكن كل الاحتمالات واردة، وقد يذهب الفريقان في نهاية المطاف الى إدارة التباين بينهما حول اسم رئيس تيار المرده سليمان فرنجية لكن لا يؤدي الى خلاف بينهما بل تفاهم على هذا الخلاف. رغم أن الحزب وفق مصادره لا يزال متمسكاً بدعم فرنجية بعكس كل ما يُقال عن تفاوضه على أسماء مرشحين آخرين من تحت الطاولة. ومن المتوقع أن تعقد لقاءات بين الحزب ورئيس التيار النائب جبران باسيل خلال الأيام المقبلة لتقييم المرحلة ودرس لخيارات بموازاة نقاش يجري داخل التيار وتكتل لبنان القوي لحسم الموقف بين الاستمرار بالتصويت بورقة بيضاء أو ترشيح اسم من التيار أو مقرب منه لدفع تهمة التعطيل عنه، في ظل تعدد الآراء داخل التكتل، وهذا ما يعكسه تصويت نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب المتكرر للوزير السابق زياد بارود.
وكانت وسائل إعلام نقلت عن مصادر الحزب نفيها إرسال الثنائي حركة أمل وحزب الله وسيطاً إلى باريس لتأكيد موقفه بالتمسك بفرنجية.
وأكدت أوساط التيار الوطني الحر لـ»البناء» بقاء التيار على موقفه من فرنجية حتى إشعار آخر، وهذا موقف غير خاضع للتفاوض والمقايضة، والحل بالحوار لاختيار اسم آخر يحظى بأوسع توافق، لا سيما على الساحة المسيحية، متسائلة: كيف سيتمّ تأمين الميثاقية المسيحية لأي مرشح لا يحظى بحيثية شعبية مسيحية وازنة؟ مضيفة: منفتحون على النقاش والحوار على رئيس جديد وفق مرتكزات على رأسها استكمال المسار الذي انتهى منه الرئيس ميشال عون لا سيما على صعيد مكافحة الفساد والإصلاحات وإعادة بناء الدولة وأي مرشح لا يلتزم بها سيعيد البلد الى مرحلة ما بعد الطائف وتضيع آخر فرصة وأمل بإنقاذ لبنان اقتصادياً ومالياً وسياسياً».
في المقابل أكد وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال زياد المكاري أن «حزب الله سيدعم رئيس تيار المردة سليمان فرنجية وأنا مسؤول عن كلامي ولا مشكلة بأن تكون العلاقة جيدة بين الحزب وقائد الجيش». وأضاف «حظوظ فرنجية بالوصول الى سدة الرئاسة لا زالت عالية جداً وهو الأوفر حظاً ولا يمكن لأحد أن يقول «ما في رئيس من دوننا» وهنا أقصد جبران باسيل». وتابع: «جبران باسيل يعتقد انه تحمل مسؤولية تحالفه مع حزب الله وفرضت عليه العقوبات وبالتالي يعتقد ان من حقه ان يضع شروطه بموضوع رئاسة الجمهورية ونحن أمام معركة نصاب وليس انتخاب وتأمين النصاب يعني تأمين الميثاقية، ومن الممكن ان يعلن حزب الله عن ترشيح ودعم سليمان فرنجية من دون موافقة التيار الوطني الحر».
بدوره، ردّ نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم على اتهامات الفريق الآخر للحزب بتعطيل النصاب والانتخاب، بالقول: «نحن لنا عدد معيَّن في مجلس النواب نؤثر بمقدار هذا العدد في انتخاب الرئيس والكتل الأخرى كل منها تؤثر بمقدار عددها. تبيَّن أنَّه لا توجد أكثرية في أي اتجاه سياسي، ومن كان يدّعي ان لديه 67 نائباً، كان يجمع ما لا يجتمع، أو كان متوهماً بمقبوليته أو مقبولية خياراته عند النواب الجدد أو المستقلين. وانكشف أنَّ اجتماع الثلث مع خياراته إنجاز استثنائي وهذا العدد لا ينجح رئيساً».
ولفت الى أنه «إن اذا لم يحصل في البلد، انتخاب رئيس للجمهورية فلا يمكن تحريك الوضع الاقتصادي والاجتماعي وخطة التعافي، لأنَّ الطريق الإلزامي لبداية الإصلاحات وبداية العمل لإنقاذ لبنان هو انتخاب الرئيس، لذا كل الكتل مسؤولة عن انتخاب الرئيس، فلا يحملنّ أحد «حزب الله» المسؤولية وحده».
وقال «الورقة البيضاء رسالة إيجابية بعدم الحسم، بينما بعض الأسماء التي طرحت تعيق الاتفاق لأنَّها استفزازية وهم يعلمون بأنَّها لن تنجح، ومشروعها السياسي ضد مصلحة لبنان، وهو يربط لبنان بالمصالح الأجنبية. إذا كانت المقاومة نقطة خلافية أحيلوها إلى الحوار ولنأت برئيس لديه قدرة على العمل الإنقاذي باشتراك كل اللبنانيين حول الموضوع الاقتصادي، وتكون لديه القدرة على إدارة طاولة حوار تستطيع أن تجمع اللبنانيين ليتناقشوا في موضوع الاستراتيجية الدفاعية، ولنر إلى أي نتيجة سنصل».
وحذّرت أوساط سياسية عبر «البناء» من العودة الى استخدام سلاح الدولار والظروف الاقتصادية والاجتماعية في معركة رئاسة الجمهورية، متسائلة عن سبب ارتفاع سعر صرف الدولار الذي تجاوز الأربعين ألف ليرة للدولار الواحد عصر أمس، إذ وصل الى 40300 ليرة، ما يناقض كلام حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي أكد قدرة المصرف على لمّ الكتلة النقدية بالليرة واستخدام مليار دولار في السوق.
وتوقعت الأوساط أن تتفاقم الأزمات وتخرج دفعة واحدة الى السطح مطلع العام المقبل، على الرغم من محاولات بعض المسؤولين الحفاظ على الحد المقبول من الاستقرار الأمني والاقتصادي والخدمي، من خلال تفعيل عمل الأجهزة الأمنية في موسم الأعياد ولجم سعر الصرف وزيادة التغذية الكهربائية. كما حذرت من التدخلات الخارجية والأميركية تحديداً في توتير الأجواء وتعطيل انتخاب الرئيس عبر حلفائها في لبنان لإطالة أمد الفراغ لكي تأتي التسوية المقبلة وفق مصلحتها وانتخاب رئيس يسير وفق رغباتها ومشاريعها».
"الأخبار": التفتيش عن رئيس «هزيمة» بتوصيف توافقي
طرح فكرة التوافق على رئيس جديد للجمهورية تختلف عن طرح اسم رئيس توافقي. البحث عن رئيس بمواصفات توافقية لا يعني الحوار الداخلي بقدر ما يعني الإتيان بشخصية تعبّر عن مرحلة هزيمة أشبه بمرحلة التسعينيات
تفتيش حزب الله - أو الثنائي الشيعي - عن رئيس توافقي، فكرة لا تجد قبولاً لدى خصوم الحزب، وأيضاً لدى حلفاء له، ليس لجهة رفض التوافق، وإنما لخلفيات تتعدى المبدأ بذاته، لتطرح في العمق مستقبل الحالة اللبنانية التي باتت منقسمة على ذاتها. فالبحث الحقيقي يدور حول ماذا يريد حزب الله وحلفاؤه، وماذا يريد السنّة ولو تشرذمت قياداتهم، من موقع الرئاسة الأولى. وهل يعني التوافق اختيار شخصية رئاسية لا تمثيل ولا وزن سياسياً لها، أم تعني الاتفاق الفعلي على رئيس له حضور فاعل وشخصية لا التباس على موقعها ودورها؟
إذا كانت كل القوى السياسية تتعاطى واقعياً مع عدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية في المدى القريب، فإنها في المقابل تختلف على توصيفه، ليس بهويته أو اسمه ولا بانتمائه السياسي. التوصيف الذي يدور البحث فيه يتعلق بالمقارنة بين مرحلتين، مرحلة التسعينيات ومرحلة تشكيل الحكومات التي أعقبت مرحلة عام 2005. فمرحلة الوجود السوري أفرزت رئيسين وحكومات في شكل مخالف كلياً لما كان يريده المسيحيون، ومرحلة ما بعد عام 2005، أفرزت واقعاً لم يأخذ برأي الأكثرية النيابية التي ربحت الانتخابات في دورتي 2005 و2009.
لم يكن حزب الله ممثلاً في مرحلة التسعينيات بما يجعل منه قوة مشاركة في القرار الذي كان يتخذه النادي السياسي حينها. أما في المرحلة التي تلت عام 2005، فقد أصبح مشاركاً أساسياً في القرار وآلياته. وحين أراد الرئيس سعد الحريري بدعم من الرئيس نبيه بري إجراء تسوية مع رئيس تيار المردة سليمان فرنجية عام 2016، كاستعادة لمرحلة التسعينيات، وقف حزب الله والقوات في وجه التسوية الباريسية فأسقطاها. اليوم تكمن خشية قوى معارضة، وحلفاء لحزب الله وتحديداً التيار الوطني الحر، في أنه انحاز إلى استعادة فكرة النادي السياسي للتسعينيات خارجاً من ظل الرئيس القوي مرة أخرى. قد تكون أخطاء الرئيس السابق ميشال عون كبيرة جداً، وقد يكون عهده من أسوأ العهود التي عرفها لبنان، لكن فكرة الإتيان برئيس قوي ممثل لطائفته وله كتلة وازنة، بعد مرحلة الوجود السوري ومرحلة التسويات التي أعقبت عام 2005 ومن ثم اتفاق الدوحة، كأنها لم تعد تغري حزب الله ولا أي قوة سياسية أخرى من حلفائه.
تخطى حزب الله في نظر خصومه وحلفائه بأشواط فكرة رئيس للجمهورية، متعب بالمعنى السياسي ولو كان حليفاً، ورئيساً يطالب بحصصه وحصة كتلته النيابية كلما احتدمت المشكلات الداخلية في المحاصصة. وتخطى الفريق السني بدوره ذلك، لأسباب تتقاطع مع حزب الله، يضاف إليها ما تركه من ارتدادات سلبية عهد عون وأداء رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في محاولة تقاسم تركة الدولة وتوظيفاتها وصفقاتها.
لذا تحول الحديث في الحوارات المتداولة حول التوافق على اسم رئيس للجمهورية، يعبّر عن مرحلة انكسار وهزيمة بدل أن يكون معبّراً عن مرحلة انتصار أفرزتها الانتخابات. وإذا جرى تخطي نتائج الانتخابات فإن ما يتم تداوله هو رئيس يشبه شخصيات مسيحية سبق أن عرف لبنان مثيلاً لها في مراحل سابقة، والديوانيات واللقاءات التي كانت تعقد تحت مسميات معروفة الاتجاه، من دون أن يكون المقصود اسماً محدداً، لأن الحديث يتشعب إلى مروحة من الأسماء بعضها قيد التداول وبعضها لا يزال في المغلفات المغلقة، ويجنح نحو اختيار شخصيات معروفة لكنها لا تعكس حقيقة دوراً مفترضاً لرئيس الجمهورية، ولا تؤدي ما هو مطلوب منه بعد مرحلة الانهيار السياسي والاقتصادي الذي يعرفه لبنان. إذ ستكون للرئيس الجديد أجندة كبيرة من الاستحقاقات السياسية والمالية والتوظيفات وخطة النهوض والتعافي، وأي رئيس للجمهورية كبعض الشخصيات المطروحة يعني أن القوى السياسية التي ستأتي به ستظل متحكمة بمفاصل الدولة ومقدراتها. وهنا يبرز اختلاف بين قوى المعارضة والموالاة في التعامل مع هذه الأسماء. فالتيار الوطني الحر في محاولته القبول على مضض فكرة تخطي الرئيس القوي، بعكس كل أدبياته السابقة، بات ينظر نحو الرئيس «التوافقي» من خلال حسابات أقل من الطموحات التي ينادي بها منذ سنوات. أي بمعنى تأمين مسبق لتقاسم الحصص والمواقع، بدل التمسك بفكرة التوافق على الرئيس الأنسب ولو لم يكن الأقوى في طائفته. وهذا الأمر لا بد أن ينعكس عليه سياسياً، في قبوله بأي شخصية رئاسية مقابل إرضائه بتعيينات في مواقع حساسة أمنية أو مالية. ما يشكل بالنسبة إليه هزيمة سياسية، لأن ما قبل الرئاسة غير ما بعدها مهما حصل على تعهدات من الرئيس المفترض. أما قوى المعارضة فيساهم تشرذمها كذلك على المدى البعيد في وصول شخصية توافقية، ولو كانت دون الحد الذي يمثل تطلعاتها، وهذا يكرس بالنسبة إليها كذلك هزيمة سياسية، وهي لا تزال تحتفل بانتصاراتها الانتخابية.
"الجمهورية": الإنقسام يغامر بالاستقرار.. كارثة مالية وشيكة
يقترب لبنان من خاتمة الشهر الأول للفراغ في سدّة رئاسة الجمهورية، والمجريات التي تلاحقت، قدّمت دليلاً دامغاً لا يرقى اليه الشك، بأنّ اطراف الانقسام الداخلي بات ميؤوساً منها.
أصبحنا دولة يُرثى لها، وشعباً مثيراً للشفقة، حال لبنان في ذروة الاختناق، وباعتراف الداخل والخارج، أسوأ بكثير ممّا شهده في الحرب الاهلية وما تلاها من ويلات ونكبات، فيما اطراف الانقسام الداخلي ماضون في الهدم، والتنافس على إعدام أي محاولة لإنعاشه، وحرمانه حتى من فرصة تنفس يحث عليها الصديق والشقيق. على ما نشهده في مقارباتهم للملف الرئاسي، والهروب من التوافق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية، يجمع الداخل والخارج على أنّه يشكّل باباً للنجاة، وكلّ تأخير فيه تتضاعف أثمانه على مختلف الصعد الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية وحتى الأمنيّة.
المناخ الداخلي، لا يبدو محكوماً بتعقيدات ورؤى سياسية مختلفة او متصادمة حيال الملف الرئاسي، وسائر الملفات والعناوين الداخلية الاخرى، بقدر ما هو محكوم بأطراف معقّدة، تبدو وكأنّها تعاني اضطرابات نفسية، تتبدّى أعراضها في سلوك شوّه العمل السياسي، معادٍ لمصلحة البلد، أعماه الحقد ونزعة التخريب والعبث بحاضر ومصير شعب ووطن، وزرع في أذهان اللبنانيين شكوكاً في أنّ وطناً اسمه لبنان سيبقى موجوداً على خريطة الدول، كأنّها تقوده عمداً الى التشرذم والانهيار؟!
معركتان .. ورهانان
في زمن التعقيدات السياسية والعِقَد النفسيّة، يصبح الحديث عن إمكان اختراق داخلي في الجدار الرئاسي خارج الواقع. فعدم التوافق حتّم معركتين مفتوحتين؛ الأولى آنية دائرة في مسلسل متواصل على حلبة جلسات مجلس النواب الفاشلة في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، والثانية لاحقة، أي معركة الثلث المعطل لنصاب إنعقاد جلسات الانتخاب.
وما بين المعركتين، كما تقول مصادر سياسية واسعة الاطلاع لـ»الجمهورية»، لا يبدو انّ الملف الرئاسي سيتحرّك قيد أنملة خارج حقل الألغام الداخلية التي تزنّره. ومردّ ذلك إلى انّ المنطق الداعي إلى التوافق على رغم انّه الوصفة الوحيدة لتجاوز هذه الأزمة، غلبه منطق التعطيل وأحبطته خلفيات ورغبات اطراف، اختارت سبيلاً تصعيدياً، أغلقت فيه كلّ منافذ الانفراج، وقطعت من خلاله كل خطوط الرجعة نهائياً، برِهانها على أمرين كلاهما مستحيل التحقيق:
الأول، أن ينجح تصعيدها في الوصول إلى لحظة حاسمة تغلّب منطقها، بما يمكّنها من حمل الاطراف الداخلية الاخرى على الرضوخ الى منطقها، وجرّها إلى تقديم تنازلات سياسية تسيّلها في الملف الرئاسي، بما يحقق هدفها بإيصال مرشحها إلى رئاسة الجمهورية.
الثاني، انّ ترسم بتصعيدها مساراً مسبقاً لأي تحرّك خارجي، في الاتجاه الذي يحقق هدفها، ما يعني تغليب فئة على فئة.
في رأي المصادر، انّ خطورة هذا المنحى التصعيدي، تكمن في كونه اقرب إلى مقامرة ومغامرة باستقرار البلد، تقفز فوق واقع البلد وخريطة التوازنات فيه، وتحضّر أرضيته لتلقّي صدمات وتداعيات شديدة الخطورة والكلفة، والوضع المتدحرج سياسياً، سيصل إلى لحظة الاصطدام، إن عاجلاً او آجلاً. وأخطر ما فيها إن حصلت، انّ التداعيات والمخاطر لن تكون محصورة في مجال او قطاع دون آخر، بل شاملة كل شيء، حتّى الطائف والنّظام لن يكونا بمنأى عنها.
ممهدات التداعيات
على أنّ ممهدات هذه التداعيات بدأت تتظهر سريعاً في موازاة هذا المنحى، وخصوصاً على المستويين الإجتماعي والاقتصادي. وفي هذا الجو يقرع خبير مالي جرس الخطر المالي، بقوله لـ»الجمهورية»: «المستغرب هو استسهال السياسيين للفراغ في سدّة رئاسة الجمهورية والخلل القائم على مستوى المؤسسات، وإعماء أبصارهم عن الكلفة العالية التي يدفعها لبنان. وإذا كانت صرخة المواطن اللبناني تتعالى من وجعه من الضائقة التي يعيشها، والارتفاع الرهيب واليومي في الاسعار، الّا انّ الصرخة الأخطر لا يطول الوقت وتتعالى من الخزينة. فالفراغ في رئاسة الجمهورية مضى عليه ثلاثة اسابيع، فهل يعرف السياسيون انّ هذه الاسابيع الثلاثة دفع فيها لبنان كلفتها نزيفاً حاداً بعشرات ملايين الدولارات؟».
ولفتت المصادر، إلى انّ «كل شيء غير قابل للسيطرة، في حال تدحرج الوضع السياسي إلى ما هو أسوأ من الصدام الحالي، ولكن الأخطر من كل ذلك هو ما يحيط السوق المالي من احتمالات. فإذا أمكن لمصرف لبنان أن يسيطر على سعر صرف للدولار بالحدود التي هو عليها في هذه الايام، تبقى الامور تحت السيطرة من الآن وحتى الربيع المقبل على أبعد تقدير، اما اذا تعذّر، وكل المؤشرات تؤكّد ذلك، فلن يعود في الإمكان الحديث عن سقوف، او تقدير حجم الانهيار. وهو ما اكّدت عليه مستويات مالية دولية في تحذيرات صريحة ومباشرة أُبلغت في الفترة الأخيرة إلى مراجع اقتصادية ومالية».
قدرة الصمود منعدمة
وإذا كان رئيس مجلس النواب نبيه بري قد وصف وضع البلد بأنّه «بالويل»، مؤكّداً انّه لا يحتمل اسابيع، ولا بدّ من اختراق جدار الأزمة بتوافق اللبنانيين على انتخاب رئيس للجمهورية كبند أول في جدول إعادة الدولة الى سكة الانتظام رئاسياً وحكومياً، فإنّ مصادر سياسية مسؤولة تستغرب ما سمّته الهروب من المسؤولية، وتحضير أرضية البلد لأزمة اعظم.
وقالت المصادر المسؤولة لـ»الجمهورية»، انّها تخالف القائلين بإمكان صمود لبنان في وضعه الراهن من الآن وحتى الربيع المقبل، فهذا افتراض فيه شيء من التفاؤل، فالوضع لا يبشر ابداً، وقدرة البلد على الاحتمال والصمود منعدمة، وباتت تقاس بأسابيع قليلة جدّاً.
ورداً على سؤال، اكّدت المصادر: «انّ الحل للأزمة الرئاسية وما حولها من ازمات، هو من عنديات اللبنانيين انفسهم، ولا سبيل له سوى من الداخل، فلننظر إلى خريطة اهتمامات واولويات العالم، كلها محصورة بالحدث الاوكراني وتداعياته. واما وضع لبنان فهو مجرد تفصيل صغير على الهامش، يُطرح من باب إلقاء المسؤولية الاولى والاخيرة على اللبنانيين في التوافق على تخطّي أزمتهم. ومع الأسف لا يوجد اي معطى داخلي يؤكّد هذه المسؤولية، بل حالة من الاستعصاء، تراوح في الفشل في انتاج رئيس، ومراكمة العناصر والاسباب الدافعة إلى السقوط الكارثي».
تحرّك برّي
من هنا، تؤكّد المصادر انّ «التسليم بالإستعصاء الداخلي، معناه تشريع الباب امام العاصفة. وإذا كان الرئيس بري قد اعلن تعليق مبادرته بجمع الاطراف الى طاولة حوار توافقي، الّا انّ أمام الواقع المأزوم، عاكف على تجميع أوراقه للانطلاق بتحرّك جديد يقوم به في المدى القريب، يرتكز على مشاورات ثنائية مع الكتل السياسية والنيابية، وهي محاولة أخيرة لإيقاف مسلسل الفشل الذي يتلاحق في مجلس النواب، وتجنيب لبنان مخاطر حقيقية تتهدّده، ليس فقط على المستوى المالي والاقتصادي والاجتماعي، بل في استقراره وعلى المستوى الوجودي للبنان كوطن ودولة».
على انّ اللافت للانتباه في هذا السياق، هو انّ المصادر عينها لا تقلّل من صعوبة أي مسعى داخلي لاستيلاد رئيس جديد للجمهورية من حقل التناقضات الداخلية، الّا انّ التحرّك في هذا الاتجاه محكوم بأن يراهن على ضوء في نهاية النفق، وخصوصاً انّ المسعى الجديد سيقوم بشكل أساس على قاعدة الاختيار بين واحد من امرين: بقاء لبنان واستمراره، او تركه ينهار ويسقط ونسقط معه جميعاً. ولم تستبعد المصادر ان يقترن المسعى الداخلي بقوة دفع خارجية جدّية من قبل أصدقاء لبنان وأشقائه.
وتلفت المصادر الى انّ الأساس في أي مسعى داخلي هو محاولة بلوغ نتائج ايجابية سريعة. فعامل الوقت يضغط في هذا الاتجاه، حيث انّ لبنان لم يعد من المناعة التي تمكّنه من الصمود لفترات طويلة، وبالتالي إنّ عدم بلوغ اللبنانيين التوافق على رئيس في المدى القريب المنظور، يُخشى معه ان يرحّل الملف اللبناني إلى مديات زمنية بعيدة ويركن إلى جانب الملفات الاخرى الساخنة في المنطقة، من الملف السوري، إلى الملف النووي، إلى ملف اليمن، إلى ملف العراق، التي باتت مربوطة ببعضها البعض، وربما صارت مربوطة جميعها بالملف الاوكراني، في انتظار ان يصبح الملف اللبناني جزءًا من صفقة دولية تشمل كل تلك الملفات، وهي صفقة غير متوفرة حالياً، وقد لا تتوفّر في أي وقت، فهي بالحدّ الأدنى تتطلب معجزة.
ماذا عن الخارج؟
إلى ذلك، اكّد مطلعون على الحركة الديبلوماسية لـ»الجمهورية»، انّ الحديث عن تحرّك خارجي مرتقب، يفترض الّا يصرف اللبنانيين عن اولوية التفتيش عن مخرج توافقي لأزمتهم.
وشدّدت المصادر، في معرض قراءتها للمشهد الخارجي، على أنّ اللبنانيين يرتكبون خطأ فادحاً في الرهان على مسعى قبل ان يتبلور ويُلمس لمس اليد، ذلك انّ لا شيء ملموساً بعد، صحيح انّ الفرنسيين انخرطوا باكراً في المشهد الرئاسي، الّا انّ ذلك لم يخرج بعد عن سياق اتصالات متقطعة وكلام رئاسي بالعموم، مع دول لها حضورها ودورها في لبنان مثل السعودية.
ويشير المطلعون إلى انّ بعض المعطيات الخارجية تخالف 180 درجة ما تردّد عن إشارات خارجية حول تحرّك خارجي وشيك لمساعدة لبنان على تجاوز أزمته. وقالت: «في الاستحقاق الرئاسي اللبناني مجموعة من اللاعبين، اللاعب اللبناني، وقد ثبت عجزه عن تسجيل هدف رئاسي في جدار التعطيل، ولاعب درجة اولى خارجي ولاعب درجة ثانية. وحتى الآن ورغم كل ما يُقال عن الخارج، فإنّ اللاعب الاول خارجياً ما زال منكفئاً ومبتعداً عن المشهد الرئاسي اللبناني».
وفي رأي هؤلاء، فإنّ اللاعب الاول هم الاميركيون، واما كل الآخرين، فهم لاعبون درجة ثانية، يلعبون فقط ضمن حدود مساحة الوكالة الممنوحة لهم من اللاعب الأول، وتبعاً لذلك لا توجد أي مقدمات او إشارات لأي تحرّك اميركي مباشر على خط الملف الرئاسي، او بمعنى أدق، لا يُرى في أفق الأزمة الرئاسية ضوء اخضر اميركي لإطلاق أي مبادرة او تحرّك. بل انكفاء واضح نحو الملفات الأكثر اولوية بالنسبة إلى الادارة الاميركية.
وفي خلاصة كلام المطلعين، انّ واشنطن لم تخف انكفاءها عن الدخول في شكل مباشر على الملف اللبناني، أقلّه في هذه المرحلة، واكتفت بحث اللبنانيين على انتخاب رئيس وتشكيل حكومة تلبّي طموحات الشعب اللبناني. وكان على اللبنانيين ان يقرأوا بتمعّن الرسالة الاميركية التي وجّهتها واشنطن مع بدايات الفراغ الرئاسي عبر مساعدة وزير الخارجية الأميركيّة لشؤون الشرق الأدنى باربارا ليف، التي حذّرت من أنّ «عدم انتخاب رئيس للجمهورية سيؤدّي بلبنان إلى فراغ سياسي غير مسبوق، ما ينذر بانهيار الدولة مجتمعياً». وقالت: «مجلس النواب في لبنان فشل بانتخاب رئيس، ما يترك لبنان في فراغ غير مسبوق..هذا الشيء لا نستطيع أن نفعل به شيئاً، فهم عليهم فعل ذلك».
بري وميقاتي
وكان الملف الرئاسي إلى جانب ملفات سياسية واقتصادية، محور بحث بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، الذي اكتفى بالقول، انّ «البحث تناول اموراً سياسية واقتصادية عدة ومن بينها موضوع الكهرباء».