لبنان
البنك الدولي: الفراغ في لبنان سيؤخّر التوصّل لحلّ للأزمة المالية
تحت عنوان "حان الوقت لإعادة هيكلة القطاع المصرفي في لبنان على نحو منصف"، أصدر البنك الدولي اليوم تقرير "مرصد الاقتصاد اللبناني"، تناول خلاله "التطورات الاقتصادية الأخيرة والآفاق والمخاطر الاقتصادية للبلاد في ظل حالة عدم اليقين المستمرة منذ فترة طويلة"، مؤكدًا ضرورة المضي قدمًا في توزيع الخسائر المالية بصورة أكثر إنصافًا للمساعدة في وضع الاقتصاد اللبناني على مسار التعافي.
التقرير الذي نشر على الموقع الالكتروني للبنك الدولي، قال إنه "بعد مرور أكثر من 3 سنوات على نشوب أسوأ أزمة اقتصادية ومالية في تاريخ لبنان، لا يزال الخلاف بين الأطراف المعنية حول كيفية توزيع الخسائر المالية يمثل العقبة الرئيسية أمام التوصل إلى اتفاق بشأن خطة إصلاح شاملة لإنقاذ البلاد"، مرجّحًا أن "يؤدي الفراغ السياسي غير المسبوق إلى زيادة تأخير التوصل لأي اتفاق بشأن حل الأزمة وإقرار الإصلاحات الضرورية، مما يعمِّق محنة الشعب".
وأشار التقرير إلى "انكماش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 5,4 % في العام 2022، بافتراض استمرار حالة الشلل السياسي وعدم تنفيذ إستراتيجية للتعافي"، مضيفًا أنّ "الانكماش (في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي) الذي شهده لبنان منذ العام 2018 والبالغ 37,3 % - الذي يُعد من بين أسوأ معدلات الانكماش التي شهدها العالم - على ما تحقق من نمو اقتصادي على مدار 15 عامًا، بل ويقوض قدرة الاقتصاد على التعافي".
وتابع أنه "على الرغم من تدخلات مصرف لبنان لمحاولة تثبيت سعر الصرف في السوق الموازية على حساب الاحتياطي في العملات الأجنبية الآخذ في التناقص، فإن الانخفاض الحاد في قيمة الليرة اللبنانية مستمر (145 % خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الجاري) ما أدى إلى دخول معدل التضخم في خانة المئات منذ تموز/يوليو 2020"، متوقعًا أن "يبلغ متوسطه 186 % في هذا العام، وهو من بين أعلى المعدلات عالميًا".
وأضاف أن "لبنان يعد من أكثر البلدان تضرُّرًا من التضخم الذي طرأ مؤخرًا على أسعار المواد الغذائية التي تتأثر بها بشكل خاص الأسر الفقيرة والمحتاجة، إذ تشكِّل نسبة كبيرة من نفقاتها في ظل التآكل الشديد لقوتها الشرائية".
ورأى التقرير أنه "مع زيادة الخسائر المالية عن 72 مليار دولار أميركي، أي ما يعادل أكثر من ثلاثة أضعاف إجمالي الناتج المحلي في العام 2021، فإن تعويم القطاع المالي بات أمرًا غير قابل للتطبيق نظرًا لعدم توفر الأموال العامة الكافية لذلك"، مؤكدًا أن "أصول الدولة لا تساوي سوى جزء بسيط من الخسائر المالية المقدَّرة، كما لا تزال الإيرادات المحتملة من النفط والغاز غير مؤكَّدة ويحتاج تحقيقها سنوات".
وبحسب التقرير، يفتقر تعويم القطاع المالي إلى الإنصاف كذلك؛ فمن شأن مطالبة عامة المواطنين بتعويض المساهمين في البنوك والمودعين الأثرياء أن تؤدي إلى إعادة توزيع الثروة من الأسر الأفقر إلى الأسر الأغنى. على أية عملية إعادة هيكلة ذات مصداقية أن تعتمد مبادئ الإنصاف والعدالة لضمان حماية دافعي الضرائب وصغار المودعين الذين تحملوا حتى الآن وطأة هذه الأزمة. ويتماشى هذا مع أفضل الممارسات العالمية لإستراتيجيات إعادة هيكلة القطاع المصرفي التي تدعو إلى الاعتراف بالخسائر الكبيرة ومعالجتها بشكل مسبق، واحترام ترتيب المطالبات، وحماية صغار المودعين، والامتناع عن اللجوء إلى الموارد العامة. ويُعد الحل المتمثل في خطة إعادة هيكلة القطاع المصرفي قائمة على ترتيب الدائنين، إلى جانب إجراء إصلاحات شاملة، هو الخيار الواقعي الوحيد أمام لبنان لطي صفحة نموذجه الإنمائي غير المستدام.
هذا وعلّق المدير الإقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي جان كريستوف كاريه على التقرير قائلًا إن "عمق الأزمة واستمرارها يقوضان قدرة لبنان على النمو، إذ يجري استنفاد رأس المال المادي والبشري والاجتماعي والمؤسسي والبيئي بسرعة وعلى نحو قد يتعذر إصلاحه"، مضيفًا "دعونا مرارًا وتكرارًا، على لبنان اعتماد حل منصف وشامل على وجه السرعة يعيد الاستقرار للقطاع المالي ويضع الاقتصاد على مسار التعافي".