لبنان
ميقاتي لغوتيريس: للبدء بتنفيذ الآليات الدولية المعتمدة حول عودة اللاجئين
وجّه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس بيّن فيها أنّ ما يواجهه لبنان يقتضي مقاربة مختلفة في التعاطي مع أزمة النزوح السوري قبل أن تتفاقم بشكل يخرج عن السيطرة"، وشدّد على أنّ لبنان يدعو دون إبطاء إلى البدء بتنفيذ الآليات الدولية المعتمدة حول عودة اللاجئين.
ولفت ميقاتي في رسالته الموجهة إلى غوتيريس إلى أنّه "بعد مرور أحد عشر عامًا على بدء الحرب السورية وأزمة النزوح السوري إلى دول الجوار، يبقى لبنان، هذا البلد الصغير بمساحته (١٠٤٥٢كم٢) والكثيف بعدد سكانه الـ ٤ ملايين ونسبتهم (٦٥٠ نسمة في الكيلومتر المربع)، مستضيفًا لأعلى نسبة من النازحين في العالم بالنسبة لعدد سكانه".
وأضاف ميقاتي "لقد احتضن لبنان النازحين وأبدى كل تعاون مع المجتمع الدولي لمساعدتهم بانتظار انتهاء محنتهم وإيجاد حل مستدام للأزمة السورية، شرط أن لا يكون بأيّ شكل من الأشكال على حساب لبنان الذي يمنع دستوره بشكل قاطع أيّ إمكانية للتوطين أو الدمج على أراضيه".
وتابع "يهمنا كذلك أن نلفت كريم عنايتكم إلى أنّ لبنان يعاني منذ ثلاث سنوات واحدة من أشد وأقسى الأزمات الاقتصادية والمالية منذ منتصف القرن التاسع عشر، بحسب تقييم البنك الدولي. وفي حين يعمل لبنان لمعالجة الأزمة والسيطرة على تداعياتها التي وضعت أكثر من ٨٠% من اللبنانيين تحت خط الفقر، فإنّ تداعيات أزمة النزوح السوري، وكلفتها على الاقتصاد اللبناني التي تُقدّر بأكثر من ثلاثة مليارات دولار سنويًا، تجعل سرعة معالجة الأزمة الاقتصادية أمرًا بالغ الصعوبة".
وأشار ميقاتي إلى أنّ "الفئات الأكثر ضعفاً من المواطنين اللبنانيين بدأت تتنافس على الخدمات والموارد المحدودة مع النازحين السوريين الذين يُضاف إليهم اللاجئون الفلسطينيون، بحيث يشكلون معًا نصف عدد اللبنانيين أو ما يقارب المليوني نسمة".
ميقاتي نبّه بالقول "لا يخفى عليكم أنّ عبء النزوح يؤثر كذلك على الأمن المجتمعي، مما يثير الخوف من نشوء توترات وردات فعل خطيرة تنعكس سلبًا على أمن النازحين أنفسهم وعلى استقرار المجتمعات المضيفة"، وأضاف "من المؤشرات السلبية على المنحى الخطير الذي يتسبب به النزوح السوري، اهتزاز التركيبة الديمغرافية الحساسة حيث تجاوز عدد الولادات السورية الولادات اللبنانية وارتفاع نسبة الجريمة واكتظاظ السجون، بما يفوق قدرات السلطات اللبنانية على التحمل. كذلك أدى التنافس على فرص العمل المحدودة إلى زيادة التوترات والحوادث الأمنية، ناهيك عن تزايد ظاهرة زوارق الهجرة غير الشرعية باتجاه أوروبا، بالرغم من تشدد السلطات اللبنانية في محاولة منع تلك الظاهرة، وتأمين الحماية لأكثر من ستة آلاف مخيم غير شرعي للنازحين".
وأردف ميقاتي قائلًا إنّ "الوضع الصعب الذي يواجهه لبنان يقتضي مقاربة مختلفة نوعيًّا في التعاطي مع أزمة النزوح السوري قبل أن تتفاقم الأوضاع بشكل يخرج عن السيطرة، لا سيما أنّه لا يمكن الطلب إلى بلد يستضيف هذا العدد الكبير، ويتكبد هذه الخسائر، أن يستمر بانتظار حلول سياسية لم تظهر مؤشراتها لتاريخه، مع غياب كامل لدى المجتمع الدولي لأيّ خارطة طريق واقعية لحل أزمة النازحين السوريون وإعادتهم إلى بلدهم أو إرسالهم إلى بلد ثالث"، وأوضح "لقد فرض القانون الدولي، لا سيما قانون اللجوء الدولي، إبقاء خيار العودة كخيار دائم والاستمرار بالعمل لأجل جعله ممكنًا، لا سيما في حال وجود تدفق كبير (large influx) لا يستطيع البلد المضيف الاستمرار بتحمل أعبائه المباشرة وغير المباشرة طويلًا".
ولفت ميقاتي إلى أنّ "التطورات الميدانية داخل سوريا من خلال تراجع حدة العمليات العسكرية في العديد من المناطق أتاحت فرصًا للعودة الآمنة ينبغي دراستها وتوسعة الفرص التي تتيحها، لا سيما أنّ عددًا كبيرًا من النازحين المتواجدين في لبنان هربوا أساسًا من العمليات العسكرية والوضع الاقتصادي الصعب، ولم يثبت توفر فيهم شروط معاهدة 1951 التي لم ينضم إليها لبنان أصلًا، ولا أيّ من الشروط التي ينص عليها القانون الدولي لمنح حماية قانونية".
وحذّر ميقاتي من أنّ "الاستمرار في إقفال الباب أمام دراسة أيّة فرصة لعودة متماشية مع القانون الدولي يزيد من تأزم الوضع في دول اللجوء، لا سيما لبنان، ويفوت فرصة أن تكون عمليات العودة الآمنة محفزًا لتقدم المسار السياسي الهادف الى حل مستدام يراعي مقتضيات الشرعية الدولية ويصون استقرار وسلامة أراضي سوريا ووحدة شعبها".
وتابع ميقاتي رسالته بالقول "لبنان يدعو بدون إبطاء إلى البدء بتنفيذ الآليات الدولية الواردة في النصوص المعتمدة لدى المفوضية العليا للاجئين ومجلسها التنفيذي حول عودة اللاجئين، لا سيما أن تلك النصوص تفرض في نصها وروحها أخذ الوضع في البلد الأصلي بالاعتبار، وكذلك الوضع في بلد اللجوء، في معرض إقرار العودة. كما أنّ النصوص المعمول بها تفرض على المجتمع الدولي دعم تلك المسارات ومساعدة العائدين على إعادة الاندماج في مجتمعهم الأصلي، قبل أن يصبح النزوح المتمادي في الزمن سببًا لتمزيق النسيج الاجتماعي للبلد الأصلي، بشكل تصعب معالجته مع مرور كل يوم على الوضع الحالي".
وبيّن ميقاتي أنّ "لبنان كذلك يطلب بالسرعة المرجوة مساعدة الجهات المعنية في إجراء عملية مسح (profiling) تراعي المعايير الدولية، وتسمح بتحديد الإطار القانوني الصالح للتطبيق، سواء كان القانون الدولي أو القوانين الداخلية التي ترعى إقامة الأجانب وعملهم".
ونوّه إلى أنّه "في سياق التعاون الودّي مع المفوضية العليا للاجئين، سوف يثير لبنان النقاط الواردة أعلاه انطلاقًا مما تنصّ عليه الأنظمة الدولية عن المسؤولية الأساسية لسلطات الدولة المضيفة عن أزمة اللجوء، ودور المفوضية المساعد لها وفق الولاية الممنوحة لها، إضافة لما تفرضه الأنظمة المرعية بالنسبة للعمل بشكل حثيث على التخطيط وعلى تحقيق العودة، منذ اللحظات الأولى لأي أزمة لجوء".