لبنان
مراوغة ميقاتية حول الفيول الإيراني.. ومواجهة بين صندوق النقد والحكومة
ركزت الصحف اللبنانية الصادرة فجر اليوم من بيروت على أنّه منذ أن أعلن الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله الشهر الماضي استعداد إيران لتزويد معامل الكهرباء اللبنانية بالفيول مجاناً، بعد موافقة الحكومة اللبنانية، يدور الجدل عن الأسباب التي تمنع الحكومة ورئيسها من طلب المساعدة أو قبول الهبة. ومع أن ميقاتي يستمر في استخدام حجج ملتوية للتهرب من الموافقة الرسمية. فبعد اللقاء الذي جمع رئيس الحكومة بالسفير الإيراني الجديد مجتبى أماني لتقديم الأخير أوراق اعتماده، وتمّ التداول خلاله بالملف، استمرت الاتصالات لمناقشة ما يحتاجه لبنان وما تستطيع إيران أن تقدمه، وفقاً لورقة المواصفات التي أرسلتها وزارة الطاقة في تموز الماضي إلى السفير الإيراني في بيروت بعنوان "متطلبات إنتاج الطاقة الكهربائية" مرفقة بجداول مفصلة عن مواصفات الفيول والكميات المطلوبة. وقد أرسل السفير الإيراني الورقة إلى بلاده وجاء الجواب بأنها مؤمّنة، ولكن المطلوب أن توفد الحكومة اللبنانية وفداً رسمياً للتنسيق في الأمور التقنية.
الأخبار| الفيول الإيراني: ميقاتي "شحاد ومشارط"!
بداية مع صحيفة الأخبار التي رأت أنّه لن يرفّ جفن لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي حتى ولو «فطس» اللبنانيون جميعاً بسبب انقطاع التيار الكهربائي في أشد الأيام حرارة، طالما أن منازله في لبنان، وبطبيعة الحال في بلدان العالم «الأول»، مضاءة، وطالما أن السفارة الأميركية وبقية أوكارها السرية والمعلنة «مشعشعة». وهو، كرمى لعيون دوروثي شيا و«معلّميها» في واشنطن، لن يزعجه أن يواصل الهواية الأحبّ إلى قلبه: المماطلة وعدم قول الحقيقة.
مع «صفر كهرباء» -وقريباً ربما «صفر اتصالات»- همّ ميقاتي الأوحد إرضاء أميركا التي تملك دفتر عقوبات تضيف إليه من تشاء وتستبعد منه من تشاء، حتى ولو ابتلعت العتمة كل شيء. وهو مستعد للانتظار إلى أبد الآبدين «إذن» واشنطن الذي لن يأتي لاستجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية، على أن يشكّل وفداً يزور طهران للبحث في العرض الإيراني بتزويد لبنان بالفيول مجاناً. و«الميقاتي» أشطر من عليها في ابتداع الحجج والذرائع، مرة للتأكد من أن الهبة غير مشروطة، وأخرى للتأكد من مجانيتها، ومرة ثالثة للتأكد من المواصفات... حتى إذا ما أعيته الحجج لجأ إلى وضع الشروط على طريقة «شحّاد ومشارط»!
فمنذ أن أعلن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الشهر الماضي استعداد إيران لتزويد معامل الكهرباء اللبنانية بالفيول مجاناً، بعد موافقة الحكومة اللبنانية، يدور الجدل عن الأسباب التي تمنع الحكومة ورئيسها من طلب المساعدة أو قبول الهبة. ومع أن ميقاتي يستمر في استخدام حجج ملتوية للتهرب من الموافقة الرسمية. فبعد اللقاء الذي جمع رئيس الحكومة بالسفير الإيراني الجديد مجتبى أماني لتقديم الأخير أوراق اعتماده، وتمّ التداول خلاله بالملف، استمرت الاتصالات لمناقشة ما يحتاجه لبنان وما تستطيع إيران أن تقدمه، وفقاً لورقة المواصفات التي أرسلتها وزارة الطاقة في تموز الماضي إلى السفير الإيراني في بيروت بعنوان «متطلبات إنتاج الطاقة الكهربائية» مرفقة بجداول مفصلة عن مواصفات الفيول والكميات المطلوبة. وقد أرسل السفير الإيراني الورقة إلى بلاده وجاء الجواب بأنها مؤمّنة، ولكن المطلوب أن توفد الحكومة اللبنانية وفداً رسمياً للتنسيق في الأمور التقنية.
رئيس الحكومة يواصل المماطلة ويريد من طهران 8 ساعات تغذية
وقالت مصادر مطلعة إن «ميقاتي عاد وتحدث عن عدم مطابقة الفيول الإيراني للمواصفات، علماً أن ذلك ليسَ صحيحاً»، مشيرة إلى أن هناك «نقطة وحيدة يمكن معالجتها وهي احتواء الفيول على نسبة عالية من الكبريت، وهو أمر واجهناه مع الفيول العراقي». وكشفت المصادر أن «الجهات التي تعمل على حل هذا الملف عرضت على ميقاتي حليّن لذلك: الأول، الاستعانة بشركة متخصصة تعمل على خفض نسبة الكبريت في الفيول عبر استخدام مواد معينة، وهناك تجارب سابقة للبنان في هذا المجال. إذ تمت الاستعانة في التسعينيات بشركة سويسرية لمهمة كهذه. والثاني، اعتماد الخيار الذي اتبعته الدولة مع الفيول العراقي عبر إجراء عملية استبدال (swap) مع شركة خاصة تزوّد لبنان بنفط مطابق». وعلمت «الأخبار» أن الخيارين نوقشا مع رئيس الحكومة، وطلبَ إليه التواصل مع نظيره الإيراني أو تشكيل وفد ليزور طهران، علماً أن وزير الطاقة وليد فياض يدفع في اتجاه تشكيل الوفد ولا يمانع أن يذهب هو شخصياً إلى إيران للبحث فيه. وقالت مصادر وزارية إن «مستشاراً من وزارة الطاقة زارَ السفارة الإيرانية في بيروت أخيراً لهذه الغاية».
ويقول معنيون بالملف إن «الجانب الإيراني لن يرضى بإرسال الهبة من دون موافقة رسمية مسبقة خشية أن تصل البواخر إلى بيروت فتسحب الدولة اللبنانية يدها من الأمر وترفض استلام الفيول خوفاً من الغضب الأميركي». إلا أن المفارقة تكمن في طلبات مستجدة لرئيس الحكومة الذي «يسأل عن إمكان أن تؤمّن إيران فيولاً يكفي لنحو 8 ساعات من التغذية يومياً، تضاف إلى ساعتَي تغذية يؤمنهما الفيول العراقي وساعتين أخريين يمكن تأمينهما عبر اتفاق مع شركة سوناطراك الجزائرية». واستغربت المصادر هذا «الطلب غير المنطقي»، وسألت: «كيف يمكن أن نشترط أن تكون الهبة كافية لتأمين هذا العدد من ساعات التغذية، وهو ما لم يؤمنه الفيول العراقي الذي ندفع ثمنه؟»، مشيرة إلى أن كل ذلك «مجرد حجج وعقبات يضعها ميقاتي لتبرير عدم قبول الهبة بشكل رسمي، وذلك بطلب من السفيرة الأميركية في بيروت».
البناء: صندوق النقد يجاهر بخلافاته مع الحكومة... وأبو غزالة يحجز على "سوسيتيه" الأردن
من جهتها اعتبرت صحيفة "البناء" أنّ العلاقة السلبية بين خبراء صندوق النقد الدولي والفريق المعتمد من الرئيس نجيب ميقاتي لإدارة الملف المالي برئاسة النائب السابق نقولا نحاس دخلت مرحلة المواجهة العلنية مع الرسالة التي وجهها الصندوق الى مجلس النواب احتجاجا على قانون السرية المصرفية الذي تم تسويقه أنه بطلب من الصندوق وهو مخالف لكل ما طلبه الصندوق، وقالت مصادر مالية متابعة لهذه العلاقة أن الخلاف مستحكم بين الفريقين في كل الملفات، بما فيها الكابيتال كونترول والدولار الجمركي والموازنة والية تعديل الرواتب بالمفرق من بوابة سعر الصرف، الذي يصر الصندوق على توحيده، وصولا الى اصل المشكلة في أرقام خطة التعافي وكيفية توزيع أعباء سد الفجوة المالية ونسبة ما يجب أن يتحمله مصرف لبنان والمصارف منها، وتقول المصادر أن خبراء الصندوق يحذرون من لعبة المماطلة لفتح الطريق لتذويب ودائع المودعين وجعلهم يدفعون الخسائر قبل البدء جديا بالبحث بالخطة المالية، وسجلت المصادر المالية مصدرا جديدا للخطر ينتظر المودعين، بعدما بدأت المحاكم العربية والدولية استصدار أحكام بالحجز على مصارف لبنان مالية لسداد حقوق مودعين حرموا من الوصول إلى ودائعهم، ما قد يؤدي الى فقدان المصارف أموالها في الخارج التي تشكل آخر ما يمكن البناء عليه في اي خطة لتنظيم حقوق المودعين، والأحكام القضائية التي انتظرت ثلاث سنوات على المصارف لتنظيم أوضاعها بدأت بالتتابع، فبعد احكام صدرت في محاكم بريطانية نجح الدكتور طلال أبو غزالة بالحصول على حكم قضائي في الردن بالحجز على مصرف سوسيتيه جنرال.
لم تسجل الساحة السياسية أيّ تطورات بارزة لا على صعيد تأليف الحكومة ولا على الاستحقاق الرئاسي على الرغم من الدخول في المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية، بانتظار تبلور مواقف القوى السياسية والكتل النيابية وحسم تحالفاتها والمشاورات الداخلية والخارجية التي يطلبها إنجاز هذا الاستحقاق كما درجت العادة.
وكذلك الأمر لم تظهر اية مؤشرات إيجابية تزيل الغموض في صورة ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، بانتظار الزيارة المرتقبة للمبعوث الأميركي عاموس هوكشتاين الى لبنان والتي رجحت حصولها مصادر مطلعة لـ «البناء» الأسبوع المقبل، ريثما يتلقى الوسيط الموقف «الإسرائيلي» النهائي من مسألة استمرار المفاوضات وتوقيع اتفاق الترسيم وموعد استخراج الغاز. وإلى أن يستقرّ المشهد بملفاته الثلاثة، تتعمّق الأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية مع تحليق سعر صرف الدولار الى ما فوق 35 ألف ليرة ما أحدث صدمة لدى المواطنين وفي الأسواق التي تأثرت سلباً بهذا الارتفاع.
في غضون ذلك، لم تخرج الحكومة من دائرة الجمود والمراوحة، إذ لم يُفضِ اللقاء الأخير بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي الى أيّ نتيجة. وأشارت مصادر الرئيس ميقاتي لـ «البناء» الى أنّ «الرئيس المكلف قدّم التسهيلات لتأليف الحكومة وكان مرناً بالتعاطي مع رئيس الجمهورية لا سيما في اللقاء الأخير الذي جمعهما في بعبدا، حيث طلب ميقاتي من الرئيس عون أن يقترح مجموعة أسماء لوزارتي الاقتصاد والمهجرين لكي يقوم بتسويقهما عند رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط وعند كتلة نواب عكار، لكن عون لم يطرح أية أسماء»، كاشفة أنّ زيارة ميقاتي الأخيرة تضمّنت هذا الاقتراح لكنه قوبل برفض عون وأصرّ على أن يسمّي الوزيرين كونهما من حصته»، ولفتت الى أنّ «ميقاتي يصرّ أن يلقى وزير المهجرين موافقة جنبلاط لكي تمنح كتلته الثقة النيابية للحكومة وكذلك موافقة كتلة عكار على وزير الاقتصاد كونها سمّت ميقاتي في الاستشارات النيابية»، وشدّدت المصادر على رفض ميقاتي لمقترح الرئيس عون بإضافة ستة وزراء على الحكومة، لأنه سيفتح الباب أمام سلة مطالب وشروط ويخلط أوراق التأليف ويعطل ولادة الحكومة ويفتح شهية القوى والكتل على الاستيزار وندخل بلعبة الأسماء والحصص والتوازنات»، وأوضحت المصادر أنّ «ميقاتي يرفض أن يكون وزيرا الاقتصاد والمهجرين من الفريق العوني أو التيار الوطني الحر بل من الطبيعي أن يكونوا من التكنوقراط على غرار وزراء الحكومة الحالية، لأنّ الموافقة على طلب عون بتسمية وزراء حزبيين سيمُسّ بتركيبة الحكومة وشكلها وأهدافها وسيدفع بالأطراف الأخرى للمطالبة باستبدال وزراء تكنوقراط بسياسيين».
لكن المصادر كشفت أنّ ميقاتي سيستمر بجهوده لتذليل العقبات وسيزور مجدداً رئيس الجمهورية في أي وقت لمعاودة الطلب منه تقديم أسماء لوزيري الاقتصاد والمهجرين، لكن الأمر يستوجب من رئيس الجمهورية المرونة والاقتناع بأن يكون الوزيران وسطيين ويحظيان بموافقة الأطراف المعنية.
واتهمت المصادر نفسها النائب جبران باسيل بمحاولة عرقلة تأليف الحكومة لأسباب سياسية، إذ أنّ تأليف حكومة أصيلة وكاملة الصلاحيات سيفقد رئاسة الجمهورية وهجها وكذلك حماسة واندفاعة الأفرقاء لانتخاب رئيس، ما سينزع من باسيل ورقة تفاوضية قوية خلال المفاوضات على رئاسة الجمهورية، ولذلك يريد تأجيل الحكومة والرئاسة بانتظار تسوية خارجية ـ داخلية يأخذ حصته فيها أكان في الحكومة قيد التشكيل أو رئاسة الجمهورية أو الحكومة التي ستشكل في العهد الجديد. ولذلك يشعر باسيل وفق المصادر أنه يفقد أوراقه مع نهاية ولاية الرئيس الحالي وسيفقد الثلث المعطل في الحكومة ولن يستطيع فرض شروطه في رئاسة الجمهورية المقبلة ولا في حكومة العهد الأولى في ظلّ رئيس جمهورية جديدة، لذلك يسعى الى عرقلة التسوية الحكومية الحالية إلا إذا نال مطالبه، ويذهب الى افتعال اشتباك سياسي ودستوري بانتظار التسوية الخارجية.
ولفتت المصادر الاتهامات بحقّ ميقاتي بربطه تأليف الحكومة بملفات أخرى، موضحة أنّ «القاصي والداني يعرف أن لا رئيس جمهورية ولا رئيس حكومة يمكنهما إقالة حاكم مصرف لبنان وهذا أمر له حسابات داخلية وأبعاد خارجية لا يمكن أن يحصل إلا بتوافق داخلي وبرضى خارجي وأميركي تحديداً»، متسائلة: «أليس من الأفضل بالنسبة لميقاتي أن يترأس حكومة كاملة الصلاحيات والمواصفات تحكم بأريحية وتتسلم صلاحيات رئيس الجمهورية بغطاء سياسي ودستوري وشرعية نيابية، على أن يبقى حكومة تصريف أعمال عرجاء؟ ودعت الى تأليف حكومة أو إذا لا يريد عون وباسيل ذلك، فلنعد تشكيل وتكوين السلطة عبر انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة لتفادي الفراغ والإشكاليات الدستورية والأزمة السياسية التي ستنشأ في تشرين المقبل. وأكدت المصادر أنّ ميقاتي وفي حال دخلنا في الفراغ الرئاسي سيمارس صلاحياته المنصوص عنها في الدستور مع صلاحيات رئيس الجمهورية لأنّ السلطة لا تعرف الفراغ، كما ليس لدى ميقاتي أيّ مانع من تعويم الحكومة الحالية كما قال رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، لكن مع بعض التعديلات عليها لا سيما وزيري الاقتصاد والمهجرين.
وعلمت «البناء» أنّ «التواصل مستمرّ وقد فُعّل في الأيام القليلة الماضية بين حزب الله وميقاتي وأنّ العلاقة بينهما جيدة، والتنسيق متواصل على الصعيد الحكومي أو في الملفات الأخرى».
في المقابل تشير أوساط التيار الوطني الحر لـ «البناء» الى أن «القضية أبعد من أسماء ووزارات وحصصٍ تمثيلية، بقدر ما هي مبدأ ومعايير، تتعلق باستهداف ميقاتي حصة رئيس الجمهورية واختيار وتغيير وزراء محسوبين على رئيس الجمهورية كالطاقة والاقتصاد والمهجرين دون غيرهم من الوزراء، وينكرون عليه تسمية بدلاء عنهم، والهدف المس بحصة رئيس الجمهورية وبالتالي التوازنات السياسية والطائفية وليس مجرد تغيير وزراء رغم أنّ عون يوافق على استبدال وزير المهجرين بسبب نتائج الانتخابات النيابية». وشدّدت الأوساط على أنّ عون سيبقى يمارس صلاحياته لآخر دقيقة في ولايته ولن يوقع مرسوم حكومة لا تراعي المعايير الموحدة والتوازنات المعروفة. نافية أن يكون باسيل المسؤول عن تعطيل الحكومة، متهمة ميقاتي بأنه لا يريد تأليف حكومة في الوقت الراهن لأسباب عدة. محذرة من التصعيد السياسي خلال الشهرين المقبلين.
ويعقد باسيل مؤتمراً صحافياً الثلاثاء المقبل بعد اجتماع تكتل لبنان القوي. وعلمت «البناء» أنّ باسيل يستعدّ لإطلاق مواقف ستكون عالية السقف من جملة ملفات وتطورات عدة، وسيفنّد ملف تأليف الحكومة والاشتباك الدستوري حول حكومة تصريف الأعمال في ظل الفراغ ويرد على مواقف الرئيس نبيه بري التي صوبت على التيار بشدة وبشكل مباشر، كما سيصوّب الموقف من الاستحقاق الرئاسي ويردّ على مواقف الأطراف منه لا سيما القوات اللبنانية وقوى التغيير والمجتمع المدني. كما سيتحدث باسيل عن ملف ترسيم الحدود وضرورة دعوة الشركات لاستئناف أعمالها والتشديد على أهمية استخراج الغاز واستثماره في ظلّ الازمة الاقتصادية والمالية الخطيرة التي يمر بها لبنان.
وكان سعر صرف الدولار حلّق أمس، وألهب أسواق المحروقات والسلع والمواد الغذائية. ويرى خبراء لـ «البناء» أنه على الرغم من الأزمات الاقتصادية المتعددة التي تؤثر على سوق الصرف بطبيعة الحال، لكن الدولار هو سياسي أولاً، ويتأثر بالمناخ السياسي المتأزمة الآن من التأخير بتأليف الحكومة الى السجال السياسي والاشتباك الدستوري وغموض مصير الاستحقاق الرئاسي، فضلاً عن مناخ الحرب الذي يسود في البلاد الدخول في مطلع أيلول الذي سيشهد استحقاقات حاسمة لا سيما ترسيم الحدود. ويوضح الخبراء أنّ الدولار تحول الى سلاح سياسي في المعركة السياسية القائمة وأداة ضغط نقدية واقتصادية لدى الخارج في المواجهة مع أطراف داخلية مناهضة له لفرض رؤيته في الاستحقاقات والسياسات الداخلية.
الى ذلك، انطلق النشاط السياسي بخجل مع الدخول في المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس، إذ استقبل البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي في الديمان، النائب ابراهيم كنعان وعرض معه الملفات المطروحة. وبعد اللقاء قال كنعان: «تأليف الحكومة يجب أن يحصل لأنّ استقرار لبنان والمساعي التي تبذل دولياً ومحلياً لإنقاذ البلاد مالياً واقتصادياً وسياسياً تحتاج الى سلطة شرعية وقائمة تقوم بواجباتها بشكل يومي، وتعالج الملفات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وأمور الناس». وشدّد كنعان على أن «الاستحقاق الرئاسي لا يقبل التأجيل تحت أي عنوان كان».
ويعقد تكتل نواب قوى التغيير مؤتمراً صحافياً اليوم للإعلان عن مبادرته الرئاسية الإنقاذية. وعلمت «البناء» أنّ المبادرة لن تتضمّن أسماء بل فقط معايير للانتخاب ومواصفات للمرشحين، نظراً لفشل قوى التغيير بالاتفاق على مرشح واحد، وسيُصار الى ربط موقفهم ببرنامج عمل المرشح وسياساته الخارجية وقدرته على جمع الأطراف ومخاطبة الخارج ونيل موافقته ووضع الخطط لمعالجة الازمات الاقتصادية والمالية.
وفي انتظار عودة المبعوث الأميركي، علمت «البناء» أنّه لم ينقل أيّ رسالة للمسؤولين اللبنانيين منذ زيارته الأخيرة حتى الآن، كما لم يتمكن من الحصول على موقف إسرائيلي نهائي، ترجح مصادر سياسية أن تتجه الحكومة الإسرائيلية الى تأجيل استخراج الغاز من كاريش الى أجل غير مسمّى لتفادي المواجهة مع حزب الله، على أن يتم التوصل الى صيغة للتفاوض على ترسيم الحدود في نهاية المطاف.
وأفادت وسائل اعلام محلية، بأن «هوكشتاين يحمل عدة نقاط أبرزها أنّ أميركا مصممة على إنهاء النزاع البحري اللبناني الإسرائيلي عبر التفاوض غير المباشر حصراً ويجب إعطاء الوقت اللازم للمفاوضات للوصول الى نتيجة، كما أنه يجب أن يحصل اتفاق شامل كيفية التنقيب والاستخراج»، ولفتت الى أنّ «هوكشتاين سيحمل كلّ ما سمعه من الجانب الإسرائيلي من الترسيم للتعاطي مع التنقيب والاستخراج»، مؤكدة أنه «مطمئن لجهة أن شركة توتال متريثة بالعمل بالبلوك 9 قبل الوصول الى اتفاق بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي».
في المقابل نقلت هذه الوسائل عن مصدر لبناني رسمي، قوله انّ «ليس هناك من موعد لزيارته ولا طروحات أو اقتراحات جديدة بشأن الترسيم وهناك لعبة بالإعلام الإسرائيلي عن مقترحات جديدة، ولبنان الرسمي لازال على موقفه من حقه بالحصول على الخط 23 مع كامل حقل قانا».
في سياق ذلك، وضعت قواعد المقاومة وتشكيلاتها العسكرية في جهوزية كاملة تحسّباً لأي توتر حدودي قد يتطور الى حرب عسكرية واسعة مع العدو الاسرائيلي. واشار موقع «والا»، أن «المؤسسة الأمنية الاسرائيلية تقدّر أنه في حال اندلعت حرب مع حزب الله، ستسقط آلاف الصواريخ على إسرائيل خلال أيام ولن يتمكن الجيش من مواجهة كمية النيران، وقد يضطر الجيش والقوات البرية للمناورة في عمق الأراضي اللبنانية لتدمير منصات إطلاق الصواريخ». ولفت الموقع، إلى أنه «على عكس عمليتي «حارس الأسوار» و»الفجر الصادق»، فكلّ الأسلحة الهجومية والمعلومات الاستخباراتية الدقيقة لن تكون كافية لإيقاف قدرة «حزب الله» الصاروخية».
في المقابل أكّد نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، في المؤتمر السابع للجمعية العامة لـ»المجمع العالمي لأهل البيت» في طهران، الذي افتتحه الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أنّ «حزب الله ساهم في تغيير معادلات المنطقة، فتغيَّر الاتجاه من تثبيت الكيان الغاصب إلى مسار تحرير فلسطين، ومن تكريس التبعيَّة للغرب إلى استقلال الشعوب، ومن الإحباط والاستسلام إلى المقاومة وتحقيق العزة والكرامة».
بدوره، أشار مسؤول العلاقات الإعلامية في الحزب محمد عفيف خلال تكريمه في سهل بلدة حدث بعلبك، إلى أنّ «المقاومة أصبحت اليوم قوة محلية بنفوذ متسع، ولاعباً على مسرح الإقليم بدور لم يكن يتوقعه أحد، والأهمّ جيل شاب ينظر إلى المستقبل، وخلفه خبرة السنين تظلله رايات النصر، يكاد يقفز من شوقه يعبر الأسوار إلى الجليل».
النهار: حمى التدهور المالي على وقع الاستحقاقات المأزومة
بدورها صحيفة "النهار" كتبت: في مطالع “اقلاعة” البلد بالاستحقاق الرئاسي ووسط التخبط الواسع التصاعدي في ازمة الاستحقاق الحكومي العالق على تعقيدات الصراع بين بعبدا والسرايا، استعاد مجمل المشهد الداخلي اهتزازاته الحارة ماليا واقتصاديا واجتماعيا على وقع موجات متجددة من حمى ارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء، وما يستتبعه ذلك من اضطرابات موازية ومواكبة في الكثير من القطاعات بدءا بسوق المحروقات المهتزة أساسا. ورسمت تطورات الأسواق المالية وأسعار المحروقات المتراقصة على وقع غير مألوف بحيث باتت عمليات التسعير مرتبطة ارتباطا فوريا بـ”نوبات” حمى الدولار، واقعا وسيناريو بالغي القتامة والتشاؤم حيال المرحلة القصيرة المقبلة الفاصلة عن نهاية ولاية العهد العوني الحالي، وما يمكن ان يستتبع هذه المرحلة الانتقالية من تداعيات في أزمات الانهيار، ما لم ينتخب رئيس للجمهورية في اسرع وقت واقله ضمن المهلة الدستورية. ذلك ان الأجواء الغامضة التي تتخبط فيها الاستحقاقات ولا سيما منها الاستحقاق الرئاسي بدأت تشكل تربة خصبة جديدة لتغذية مناخ الشكوك العميقة في مستقبل البلاد الامر الذي يؤثر بخطورة متنامية على واقع الأسواق المالية والمناخات الاقتصادية . كما ان التصريحات التي تحدثت عن تراجع مطرد تحت الخط الأحمر في احتياطات مصرف لبنان بالدولار، بدت بمثابة جرس انذار متوهج بإزاء قدرة المصرف المركزي على احتواء الاتي الأخطر من الازمات، ما لم تظهر بوارق احتمالات إيجابية لانتخاب رئيس الجمهورية وتجنب خطر الفراغ الذي بدأ يشكل، وحتى اشعار آخر، الاحتمال الأكثر رجحانا على السنة معظم القوى السياسية الداخلية.
اما الجانب الاخر من التداعيات السلبية التي تؤثر بقوة على الوضعين المالي والاقتصادي، فتتمثل في تصاعد القلق من التطورات الإقليمية المحيطة بلبنان. ذلك ان لبنان ينتظر راهنا بترقب حذر جدا الزيارة المقبلة للمبعوث الأميركي في ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل عاموس هوكشتاين، وكأن عينه على الحدود الجنوبية وعينه الأخرى على الارتدادات المتوقعة لاحداث عدة في المنطقة ابرزها ملف الاتفاق النووي الإيراني .
الأزمة الحكومية
ولكن مجمل هذه المعطيات لم تشكل بعد الضغوط الكافية كما يبدو لبت الخلاف المستحكم حول ملف تاليف الحكومة الجديدة. وبعدما تشبث رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بطرحه تعيين ستة وزراء دولة سياسيين في الحكومة لا يبدو باب التفاوض مفتوحاً على صعيد رئاستي الحكومة ومجلس النواب لناحية اقتراح تشكيل حكومة بمقاعد ثلاثينية. وبحسب مصادر رئاسة الحكومة لـ”النهار”، فان التداول سينحصر في قابل الأيام بإمكان تعويم الحكومة الحالية مع استكمال النقاش حول تبديل وزيري الاقتصاد وشؤون المهجرين. ويُختصر موقف السرايا بأنّ إعادة استنهاض الحكومة الحالية بنسخة محدّثة من 24 وزيراً سيحصل لا محالة في التوقيت المناسب قبل انقضاء المهلة الدستورية لاستحقاق الرئاسة الأولى. وكان رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي انطلق في لقائه الأخير مع الرئيس عون من تأكيده ضرورة استبدال وزير الاقتصاد أمين سلام بشخصية تمثّل محافظة عكار كشرط أساسي لضمان منح تكتل “الاعتدال الوطني” الثقة للحكومة العتيدة، لئلا يحجبها؛ من دون اعتراضه على انطلاق تسمية الوزير الجديد والتوافق عليه مع رئيس الجمهورية باعتبار أن حقيبة الاقتصاد محسوبة توزيرياً على العهد الرئاسي الذي كان اختار سلام. وتبدو النقطة الثانية المتمثلة باستبدال وزير المهجرين عصام شرف الدين أكثر سهولة للتوصل إلى توافق قريب حولها. وقد تباحث عون وميقاتي في طرح شخصية درزية تنبثق تسميتها من رئيس الجمهورية ويوافق عليها الرئيس المكلف، على ألا تنال اعتراض رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط كصيغة لاختيار الوزير الدرزي الثاني.
وبحسب الصحيفة، بدا لافتًا في هذا السياق تكرار التحذيرات الفرنسية من خطورة الأوضاع في لبنان من دون ملامسة باريس ملف الاستحقاق الرئاسي. وفي هذا السياق حذرت وزيرة اوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية كاترين كولونا من “هشاشة الوضع اللبناني المنهك” ودعت المسؤولين فيه الى اتخاذ القرارات الحاسمة للاصلاح ومن اجل العدالة وطالبتهم بالتوافق في ما بينهم وبين اللبنانيين، مشيرة الى ان فرنسا ستستخدم نفوذها لوقف الاهمال والتعسف. واعتبرت في خطاب لمناسبة اختتام الاجتماع السنوي للسفراء الفرنسيين المعتمدين في العالم “ان لبنان منهك، وشدة الازمة الاقتصادية ليس لها مثيل... مسؤوليتنا هي دعم الشعب اللبناني المنهك، واستخدام نفوذنا لوقف الاهمال والتعسف.”ولاحظت “ان اسباب الامل موجودة فقد حصلت الانتخابات النيابية وتم توقيع اتفاق فني مع صندوق النقد الدولي.” وحذرت “ان انهيار لبنان سيستمر من دون جهد المسؤولين اللبنانيين، لذلك سنكون متيقظين بالكامل حتى يحقق المسؤولون اللبنانيون هذه المطالب للاصلاح والعدالة ويتوافق اللبنانيون في ما بينهم”.
ما بين الدولار والمحروقات
في غضون ذلك ووسط كل هذا التخبط الداخلي والغموض الخارجي مع بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية، ازداد الوضع المعيشي سوءا وتدهورا، وحلق امس سعر صرف الدولار، وسط تباين أسعاره في السوق السوداء صباحا. فبعض المنصات أظهرت سعر 34 ألفاً و350 ليرة لبنانية، في حين ظهرت على منصات أخرى أسعار أعلى مثل 35 ألف ليرة مقابل الدولار الواحد، وأخرى 35 ألفاً و600 ليرة، الأمر الذي أدّى إلى خلل في السوق، فتوقف عدد من الصرافين عن بيع الدولار.
وسرعان ما انعكست هذه التقلبات على القطاعات الحيوية والاساسية وابرزها المحروقات. فأعلن تجمّع أصحاب محطات المحروقات في بيان، انه “بعد ارتفاع سعر صرف دولار السوق السوداء واصبح الفرق يشكل اكثر من 70 بالمائة من الجعالة التي لا تصل كلها أصلاً ولا تكفي لسد حاجات المحطات، وبعدما كنا نبّهنا الى أن الإقفال سيكون قسرياً، بدأنا نرى غالبية المحطات تغلق أبوابها لوقف النزف الذي بدأ منذ بداية الأزمة في ظل عدم اكتراث من المعنيين”. وذهب عضو نقابة أصحاب المحطات جورج البراكس الى القول ان “مجزرة تحصل بحق أصحاب المحطات. نشتري الدولار اليوم 35200 ليرة لتسديد ثمن البنزين ونبيعه 33800 وفقاً لجدول الاسعار. خسارة 21000 ليرة في كل صفيحة بنزين. كفى آذاناً غير صاغية لوجعنا. يجب إيجاد آلية تسعير جديدة لوقف هذا النزيف. يُلزمونا شراء البنزين بالدولار ومن ثم يُلزمونا بيعه بالليرة”. وصدرت بعد الظهر تعريفة جديدة سجلت ارتفاعا إضافيا ملحوظا في أسعار المحروقات .
الى ذلك، أعلنت نقابة العاملين والموزعين في قطاع الغاز ومستلزماته أنه “إثر التقلبات الحادّة والمستمرة التي يشهدها سعر صرف الدولار الأميركي بالليرة اللبنانية، تواصل النقيب فريد زينون مع مكتب وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض طالبا منه إصدار جدول أسعار جديد للغاز المنزلي، يمكّن موزعي الغاز والمحطات العاملة على كل الأراضي من متابعة تسليم المادّة في السوق، على أن يأخذ هذا الجدول بالاعتبار التغيرات في سعر الصرف كما وحماية مصالح الموزّعين والمواطنين على حدّ سواء”.
في هذه الاثناء، وبعد تدني قيمة رواتب موظفي القطاع العام بفعل الوضع الإقتصادي المتدهور، طلبت رئاسة مجلس الوزراء إلى كل الإدارات العامة والمؤسسات العامة والبلديات واتحادات البلديات والمجالس والصناديق والهيئات والإدارات ذات الموازنات الملحقة تحديد كامل التقديمات والمنافع التي يستفيد منها العاملون لديها وأي نفقة الزامية أخرى مرتبط احتسابها بالحدّ الادنى الرسمي للأجور، على أن تكون المعلومات شاملة وتفصيلية وواضحة وعلى مسؤولية من أعدها، وعلى أن ترفع المعلومات المطلوبة إلى المديرية العامة لرئاسة مجلس الوزراء خلال مدة 20 يوماً .
النفطالدولارالمحروقاتالحكومة اللبنانيةصندوق النقد الدوليدوروثي شياوزارة الاتصالات اللبنانيةمؤسسة كهرباء لبنانالفيولعاموس هوكشتاين