معركة أولي البأس

لبنان

واشنطن تقسم الموقف اللبناني الموحّد.. والتأليف الحكومي على الرفّ
05/07/2022

واشنطن تقسم الموقف اللبناني الموحّد.. والتأليف الحكومي على الرفّ

لا تزال الأضواء مسلطة على الرسالة التي وجهتها المقاومة للعدو بالمسيّرات الثلاثة فوق حقل كاريش منذ أيام، وهي بقدر ما بيّنت عن إخفاق ميداني صهيوني باعتراف العدو، وتشكيك بفعالية صواريخه، فهي أزعجت واشنطن، ما تجلّى واضحًا في ضغوط سفيرتها في لبنان على بعض المسؤولين، ليخرج وزير الخارجية عبد الله بو حبيب بعد لقاء مع رئيس حكومة تصريف الأعمال بالأمس، بموقف يتنصّل فيه من إنجاز المقاومة ويبقي الرهان الرسمي اللبناني على ما سيقوم به المبعوث الامريكي في ملف الترسيم عاموس هوكشتاين.
أما في الملف الحكومي، فواضح أن المراوحة مستمرة، والخلاف بين الرئيس المكلف والتيار الوطني الحر الذي تجلى مؤخرًا، دفع ميقاتي لجولة على الفعاليات الدينية المسيحيةن معلنًا أنه سيناقش مسألة التأليف مع رئيس الجمهورية خلال اليومين المقبلين.

 

"الأخبار": أميركا تقسم الموقف الموحّد من الترسيم

الموقف اللبناني الموحّد الذي أُبلغ الشهر الماضي إلى «الوسيط» الأميركي عاموس هوكشتين في شأن ملف الترسيم لم يعد كذلك على الأرجح، وهو ما بدا جلياً أمس بعد لقاء الرئيس نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبدالله بوحبيب، وإعلان الأخير بعده أن «أي عمل خارج إطار مسؤولية الدولة غير مقبول»، مشيراً إلى أن المفاوضات الجارية بمساع من هوكشتين «بلغت مراحل متقدمة».

الموقف المستغرب لرئيس الحكومة ووزير خارجيته أتى ضمن سياق بدأ مع إعلان المقاومة الإسلامية، السبت الماضي، إطلاقها ثلاث مسيّرات فوق حقل كاريش، بعدما أعلن العدو إسقاطها. إذ سرعان ما اندلعت معركة ديبلوماسية في بيروت، قادتها السفيرة الأميركية دوروثي شيا وديبلوماسيون أوروبيون عملوا على إشاعة أجواء تهويل على أكثر من صعيد، مطالبين الحكومة بإصدار موقف يستنكر العملية. وهو ما يبدو أن ميقاتي خضع له أمس، وعلى الأرجح من دون وضع رئيس الجمهورية ميشال عون في أجوائه. علماً أن أوساطاً مطلعة قرأت في صمت بعبدا «استغراباً لهذا الموقف. إذ إن ميقاتي وبو حبيب لم يسألا أحداً عن الأمر، علماً أنه في صميم صلاحيات رئيس الجمهورية المكلّف التفاوض في هذا الملف». وأكّدت أن رئيس الجمهورية لا يريد بالطبع أن تتعطل المفاوضات، لكنه لم يرَ في عملية المسيّرات ما يؤذي موقف لبنان طالما أنه يأتي في سياق الدفاع عن الحقوق اللبنانية. كما أن النائب جبران باسيل ليس بعيداً من هذا الجو، وقد يكون له موقف اليوم في هذا الشأن. فيما أكدت مصادر قريبة من التيار الوطني الحر «أننا لا نقدم المقاومة على مذبح المفاوضات، خصوصاً أن الإسرائيلي يخترق سيادتنا كل يوم. وموقف ميقاتي هو نزع للشرعية عن المقاومة في حال قررت الدفاع عن الثروات اللبنانية».

وأكّد مصدر رسمي لـ«الأخبار» أن الجهات اللبنانية المعنية، في الدولة وخارجها، لم تتعامل مع عملية المسيرات بسلبية. وقال: «صحيح أن لبنان لن يصرح رسمياً بدعم هذه العملية، لكن الجميع، من دون استثناء، يعرفون أن العملية تعزّز موقع المفاوض اللبناني». ولفت إلى أن الرؤساء الثلاثة ومسؤولين آخرين «تواصلوا مع قيادة حزب الله في اليومين الماضيين، وتأكدوا أن المقاومة لا تريد حرباً أو جرّ لبنان إلى حرب، وهي ملتزمة بالقرار النهائي للحكومة حول ترسيم الحدود. كما سمعوا تأكيداً بأن المقاومة لن تسكت على أي محاولة من جانب العدو للاعتداء على حقوق لبنان أو تركنا من دون أعمال تنقيب واستخراج».

حملة التهويل الأميركية والغربية شملت الاتصال بمرجع معني لـ«الاستفسار عما حصل، وهل الحكومة اللبنانية على علم مسبق بالعملية، وما هو موقفها منه»، والتلويح بأن «أي رد إسرائيلي على إرسال المسيرات سيقود إلى تصعيد وهذا سيعطل المفاوضات حول ترسيم الحدود»، لتنتهي الرواية بأن «الأميركيين استوعبوا الأمر، لكنهم يريدون ما يعطيهم دفعاً للتفاوض من أجل تحقيق تقدم سريع». وأكّد وزير معني لـ«الأخبار» أن الأميركيين «قالوا صراحة إن ما قام به حزب الله استفزاز كبير، وعلى الحكومة أن تبادر إلى استنكاره والقيام بما يمنع تكراره، وتأخرها في اتخاذ مواقف وخطوات عملانية قد يؤدي إلى تعطيل المفاوضات أو توقفها».

رئيس الحكومة ووزير الخارجية يخضعان لحملة التهويل الأميركية والغربية

وبحسب مصدر رسمي، فإن السفيرة الأميركية سمعت من أحد المسؤولين اللبنانيين أسئلة مضادة منها: «ماذا عن عمليات الخرق اليومية التي تقوم بها إسرائيل للأجواء اللبنانية، واستخدامها المجال الجوي اللبناني للقيام بعمليات قصف في سوريا تؤدي إلى أضرار وإلى سقوط ضحايا؟ فيما لم تكن المسيرات مسلحة ولم تؤدِ طلعاتها إلى أي ضرر مادي أو بشري. لكن الأميركيين فضلوا كالعادة التستر وقالوا إن الأمرين مختلفان».

وفي عين التينة، أبلغ الرئيس نبيه بري المتصلين به أن العدو هو من يقوم يومياً بعمليات استفزاز للبنان، ويستخدم الأجواء اللبنانية لضرب أهداف في سوريا، ويصرح بأنه ضرب أهدافاً عسكرية تخص حزب الله. وقد ترجم موقف بري بوضوح شديد رئيس الحزب التقدمي وليد جنبلاط الذي قال إن «العدو مش مقصر».

أما في السراي الكبير ووزارة الخارجية فقد بدت الأجواء مختلفة قليلاً. فقد تلقى رئيس الحكومة اتصالات أميركية مباشرة، وسمع كلاماً عالي السقف حيال التأثيرات السلبية لعملية المسيرات على المفاوضات، وطلب الأميركيون بوضوح أن يكون للبنان موقف رسمي مستنكر. وتزامن ذلك مع اتصالات أجرتها السفيرة الأميركية مع وزير الخارجية الذي أكّد لها أن موقف لبنان الرسمي تعبّر عنه الحكومة وأن لبنان ماض في المفاوضات.

ومع ذلك، وفي موقف يذكر بالبيان المندّد بـ«الاجتياح» الروسي لأوكرانيا، والذي أصدره ميقاتي وبوحبيب منفردين في شباط الماضي، دعا رئيس الحكومة وزير الخارجية للتشاور، قبل أن يتبين أن فريق ميقاتي أعدّ بياناً صحافياً «سلبياً للغاية» حالت اتصالات دون صدوره، ليُكتفى بإعلان بو حبيب بعد الاجتماع أن عملية المسيرات «أمر غير مقبول» مع دعوة الأميركيين إلى بذل الجهود لتسريع المفاوضات لا وقفها، خصوصاً أن التقديرات بأن الموفد هوكشتين يتصرف ببطء ولا يضع المفاوضات في رأس أولوياته، وقد يؤخر الأمور عمداً بعد عملية المسيّرات متذرعاً بزيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للمنطقة.

مصادر مطلعة شرحت الأسباب التي دفعت بالمقاومة للقيام بعملية المسيّرات بالإشارة إلى ما وصل إلى لبنان رسمياً عن أجواء الموقف الإسرائيلي. وأوضحت أن كل المعطيات تؤكد أن الجواب الذي حملته السفيرة الأميركية إلى المسؤولين اللبنانيين بشأن المفاوضات «بقي مبهماً». واستغربت الأجواء التفاؤلية التي صدرت عن قيادات لبنانية اعتبرت أن الجواب الأميركي يمثل «تقدماً وإنجازاً»، مشيرة إلى أن الرئيس عون أشار صراحة إلى أن لبنان يطلب «أن يكون الجواب أكثر تفصيلاً، لناحية تحديد ماذا تقبل إسرائيل وماذا ترفض، وأن يكون مكتوباً». وأشارت المصادر إلى وجود خشية من مناورات جديدة مع تلميح هوكشتين إلى احتمال تأخر الجواب الكامل لنحو شهرين، وهي المدة التي يحتاجها العدو للبدء في أعمال الاستخراج.

وأكد مصدر رسمي أنه رغم أن المؤشرات الواردة من أميركا وأوروبا وإسرائيل تشير إلى أن الجميع صاحب مصلحة في تعجيل المفاوضات، إلا أن الرد الإسرائيلي لم يكن مرضياً، وهو ما تبلّغته شيا التي تسلّمت أسئلة واستفسارات يفترض بها أن تعود بأجوبة عليها. وقال المصدر إن لدى لبنان تصورات مستندة إلى تجارب عالمية لكيفية التعامل مع الحقول المتنازع عليها، كما أن لبنان مصر على خطوات عملانية في مجال السماح للشركات العالمية المباشرة بالعمل في الحقول اللبنانية. وأضاف: «الأميركيون قالوا إنهم يريدون العودة إلى الناقورة، وقالوا إن إسرائيل موافقة على الأمر، بالتالي ننتظر الدعوة إلى اجتماعات جديدة. تسلّمنا هذه الدعوة يعني أن العدو وافق على مقترحات يقبلها لبنان».


 

"الديار": إقرار «إسرائيلي» بالإخفاق الميداني بمواجهة «المسيرات» وتشكيك بفعالية صواريخ «باراك»

لم يبال احد في كيان العدو الاسرائيلي بتصريحات وزير الخارجية اللبناني عبدالله بوحبيب «المخجلة» بعد لقائه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي حول اعتباره اطلاق حزب الله 3مسيرات باتجاه حقل «كاريش» «عملا غير مقبول». فالقيادة الامنية والسياسية والعسكرية تدرك جيدا ان التفاوض الحقيقي بات منذ انطلاقة هذه المسيرات تحت سقف «الخطوط الحمراء» التي رسمتها المقاومة. كما تدرك جيدا ان الموقف الرسمي اللبناني لا يقدم او يؤخر في تغيير الوقائع على الارض لانه جاء بضغط اميركي مباشر طالبت به «اسرائيل»، لكنه يبقى «حبرا على ورق» لان المفاوض اللبناني بات واقعيا يستند الى قوة رادعة اثبتت ميدانيا انها لن تتوانى عن التحرك اذا اقتضت «المصلحة» ذلك. ولذلك يركز الاسرائيلي اهتمامه على فهم حقيقة «رسائل» الحزب وفتح تحقيقا في اسباب الاخفاق في التعامل مع «المسيرات».وكما لم تبال اسرائيل بالموقف الرسمي الذي صدر بعد تدخل مباشر من السفيرة الاميركية في بيروت دورثي شيا التي طالبت الحكومة باعلان موقف «ادانة» تحت التهديد بوقف «الوساطة»، فان حزب الله تجاهله حتى مساء امس، واكتفى «برسالة» «نارية» عبر مقدمة نشرة» قناة المنار» اشار فيها الى ان ما صدر من موقف رسمي هو وقوف على خاطر الاميركيين،واصفا من اطلق الموقف بانهم» بكاؤون تقف حدود قدرتهم على قراءة بيان استجابة لهذه الضغوط، لافتا الى ان هؤلاء يرضخون لحصار واشنطن ويقدمون «السمع والطاعة» للأميركي». هذا على الحدود، اما في الداخل، اعلان عن خطة «واعدة» لاعادة النازحين السوريين، اما حكوميا، فلا جديد،وهو واقع مرجح ان يبقى حتى نهاية العهد وسط معارك سياسية واعلامية طاحنة «مثيرة للغثيان» بين التيار الوطني الحر ورئيس الحكومة المكلف فيما الدولة تواصل الانحلال، والوضع الاقتصادي من «سيىء الى اسوأ» على كافة الاصعدة على الرغم من «التهليل» لسياحة تنتهي بعد اقل من شهرين، دون ان يكون لها الاثر الايجابي المطلوب لانقاذ بلد يعاني من خلل اقتصادي بنيوي. 


«عبارة» تزعج حزب الله 
ووفقا لاوساط معنية بالملف، لم يكن موقف وزير الخارجية عبدالله بوحبيب بعد لقائه رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي حول «المسيرات» مفاجئا لاحد. فبعد ساعات على «رسالة» المقاومة انطلقت حملة ضغوط اميركية هائلة على الجانب اللبناني لاصدار موقف من الحدث، رافقته حملة اعلامية وسياسية من قبل فريق واشنطن السياسي والاعلامي في بيروت.ووفقا لمعلومات «الديار» لا يرغب حزب الله بالدخول بسجالات داخلية حول حدث استراتيجي على مستوى حماية ثروات لبنان الطبيعية، لكن «عبارة» التحلي بالمسؤولية الوطنية التي وردت في البيان لم تكن «موفقة» وغير «مقبولة» مهما كانت الدوافع وراء الرضوخ للضغط الاميركي، لان المقاومة بما فعلته كان قمة المسؤولية الوطنية لتصويب الكثير من الاخطاء التي حصلت خلال عملية التفاوض الاخيرة، وهو ما دفع الحزب هذه المرة ليكون متقدما على الدولة في موقفها، وليس وراءها، والان بات على «الطاولة» «ورقة قوة» قابلة للاستخدام من قبل كل وطني وحريص على الحقوق الوطنية. واذا كانت عملية التفاوض عبر «الوساطة» الاميركية تسير بإيجابية كما يروج له البعض، فما الذي تغير الان بعد «الرسالة» الميدانية؟ «المسيرات» لا تعطل التفاوض بل تمنحه دفعة الى الامام ولا تسمح للعدو وللأميركيين بالمماطلة او التعامل مع الموقف اللبناني من موقع ضعف. ولهذا لا يبالي حزب الله كثيرا بما صدر لانه لن يغير من الواقع شيئا. 

عون كان يعلم؟ 
ووفقا لمعلومات»الديار»، كما لم تتفاجأ اسرائيل بخطوة حزب الله، فان رئيس الجمهورية ميشال عون ومعه الفريق المفاوض باسمه كانوا على معرفة «ضمنية» بان حزب الله سيتحرك منذ خروج الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عن «صمته» واضعا معادلة وقف العمل في «كاريش» حتى تنتهي المفاوضات. لكن بقي التوقيت في جعبة المقاومة التي وجدت بحسابات دقيقة ان الوقت مناسب لايصال «الرسالة» قبيل ايام من وصول الرئيس الاميركي جو بايدن الى المنطقة،وفي فترة انتقالية تمر بها «اسرائيل». وهو يدرك ان خيارات اسرائيل ضيقة «واحلاها مر»، واذا كان يستعد للاسوأ الا انه يعرف بان العدو ليس جاهزا لاي حرب ستكون نتائجها كارثية. 

موقف لا يمثل كامل الحكومة! 
ووفقا لمصادر مطلعة، فان الموقف الرسمي اللبناني لا يمثل كامل اعضاء الحكومة، الا ان التخريجة جاءت مناسبة للجميع في ظل مرحلة تصريف الاعمال وانقذت البلاد من خضة سياسية بغنى عنها. واذا كان حزب الله يشكو ضعف الموقف الرسمي ولا يتفهم على الاطلاق هذا «الرضوخ» للابتزاز الاميركي، الا انه اعاد الاعتبار مرة جديدة لمكامن القوة التي حاولت اسرائيل تجاهلها، واليوم بات بين يدي رئيس الجمهورية ميشال عون «عصا غليظة» يمكنه من خلالها اعادة تصويب الإخفاقات المتعددة في ادارة هذا الملف، ولا حجة الان لدى المفاوض اللبناني لتقديم المزيد من التنازلات. وهذا جزء اساسي من «رسالة» حزب الله الى الداخل حاول الكثيرون طمسها خلال اليومين الماضيين. 

وكان بوحبيب اعلن أن أي عمل خارج إطار المفاوضات الجارية بوساطة أميركية لترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل يعدّ «غير مقبول» واعتبر ان أي عمل خارج إطار مسؤولية الدولة والسياق الدبلوماسي الذي تجري المفاوضات في إطاره، غير مقبول ويعرضه لمخاطر هو في غنى عنها. وشدد على أن المفاوضات الجارية بمساعي الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين «قد بلغت مراحل متقدمة»، داعياً الأطراف كافة إلى التحلي بروح المسؤولية الوطنية العالية والالتزام بما سبق وأعلن بأن الجميع من دون استثناء هم وراء الدولة في عملية التفاوض! 

«تخبط اسرائيلي» 
هذا الموقف تلقفته «القوات اللبنانية» «بسذاجة» حين اعتبرت انه حتى الحكومات المحسوبة على حزب الله لم تعد قادرة على التستر على أعماله وخلفيات هذه الأعمال، لكن صحيفة «يديعوت احرنوت» كشفت بوضوح عن الضغوط الاميركية على الحكومة اللبنانية، فقد اعتبرت انه ما كان ينبغي لمحاولة حزب الله إرسال ثلاث مسيرات نحو « كاريش» أن تكون مفاجئة. فالخلفية العامة هي الخلاف بين «إسرائيل» ولبنان على الحدود البحرية بينهما. وقالت ان ينبغي الافتراض بأنها لن تكون العملية الأخيرة في هذا الاتجاه وعلى الجيش الإسرائيلي ان يكون مستعداً، لكن «بيت القصيد» خلصت اليه الصحيفة بالقول» يجب إقناع الرئيس بايدن الذي يصل قريباً إلى إسرائيل، بمزيد من الضغط على حكومة لبنان للقبول بترسيم الحدود البحرية لـ»سحب البساط» من تحت أقدام حزب الله. الوضع الاقتصادي اليائس في لبنان يسمح للأميركيين بالتأكيد بعمل ذلك. حسب تعبير «يديعوت احرنوت». وفي موقف يعبر عن «التخبط» الاسرائيلي، لجات اسرائيل للشكوى لدى الاميركيين، ونقلت احتجاجا رسميا لواشنطن، واقر مسؤولوها ان السيد نصرالله فاجأ الاسرائيليين في اليوم الاول لحكومة لابيد، اما التحدي فيرتبط بكيفية مواجهة حزب الله دون الذهاب الى مواجهة شاملة. وفيما اكدت تقارير اعلامية ان اسقاط «المسيرات «معقد جدا كشفت ان حزب الله يمتلك طائرات لمديات طويلة ومنها تصل الى 1700 كيلومترا وهي تحمل 8 صواريخ ويمكنها البقاء في الجو 24 ساعة. وسط تساؤلات عما اذا كان الحزب اراد اختبار الانظمة الجوية الاسرائيلية؟ 

فشل اسقاط «المسيرات»؟ 
وبعد ساعات من الاحتفالات «الجوفاء باسقاط «المسيرات، نقل موقع «والاه» الاسرائيلي امس عن مصادر وازنة جدًا في المؤسسة الأمنيّة الإسرائيليّة، ان سلاح الجو الإسرائيليّ فشل في إسقاط طائرتين من بين ثلاث طائرات مسيرة .وبحسب التقرير، الذي أعدّه محلل الشؤون العسكريّة والأمنيّة في الموقع، أمير بوحبوط، واجّه طيارون إسرائيليون صعوبة في إسقاط طائرتي حزب الله المسيرتين، وفقًا لتحقيق داخليّ يقوم بإجرائه الجيش الاسرائيلي..ووفقا للتحقيق العسكريّ الاولي فأن طائرتين مقاتلتين من سلاح الجوّ قامت بإطلاق الصورايخ باتجاه الطائرات دون طيّارٍ، وتمكنت من اعتراض وإسقاط إحداها بواسطة صاروخ، وبعد ذلك واجه الطيارون الإسرائيليون صعوبة في متابعة مسيرة المسيرة الثانية، وعندما جرى إطلاق صاروخ نحوها أخطأها ولم يصبها. واكد  التحقيق العسكريّ أنّ الطيارين الإسرائيليين أخفقوا في رصد الطائرة المسيرة الثالثة، وذلك بسبب تحليقها على ارتفاع منخفض، وعقب ذلك تقرر في قيادة المنطقة الشماليّة بعد مشاوراتٍ بين كبار القادة أنْ تقوم بارجة صواريخ بالمهمّة، بعدها تمكّنت البارجة من تحديد موقعها، وأطلقت نحوها صاروخْين اثنيْن من طراز (باراك)، وهي المنظومة الجديدة التي تُعوّل عليها إسرائيل لصدّ هذا النوع من الهجوم. 

حزب الله لم يعد محايدا 
وفيما لا تزال القضيّة برّمتها قيد التحقيق نقل بوحبوط عن مصادر اسرائيلية مطلعة قولها «انّه صحيح تمّ بنجاح اعتراض وإسقاط الطائرات بدون طيّار لكن في المقابل فان المنظومة الأمنيّة الإسرائيليّة حصلت على نموذجٍ واضحٍ وجليٍّ حول قدرة حزب الله، وادركت انه لن يتخّذ جانب الحياد خلال المفاوضات بين لبنان وإسرائيل على ترسيم الحدود المائيّة». 

تشكيك بمنظومة «باراك» 
ووفقا للكاتب، فان ما حصل يُلزِم الجيش مُجددًا بإعادة تقييم سياسته في كلّ ما يتعلّق بالمجال المائيّ مع لبنان، واضاف: منظومة صواريخ (باراك) تمكّنت السبت من اجتياز التحدّي الأوّل لها، أيْ المُسيّرات التي أرسلها حزب الله، لكن الطائرات بدون طيّارٍ تطير بسرعةٍ بطيئةٍ ويبقى السؤال، هل هذه المنظومة قادرة على التعامل مع التهديد الحقيقيّ، والذي يتمثّل بصواريخ (ياخونت) المتطوّرة والمُتقدّمة، التي يمتلكها حزب الله؟. 

 


"البناء": الرئيس المكلف لبركة المرجعيّات المسيحيّة لتشكيلته الحكوميّة
لا تزال عملية المقاومة بإطلاق ثلاث مسيرات فوق حقل كاريش في المنطقة المتنازع عليها وردود الفعل الداخلية والخارجية تتصدّر واجهة المشهد الداخلي، نظراً لتداعياتها على ملف ترسيم الحدود البحرية وعلى المنطقة برمتها، لا سيما أن العملية وفق خبراء في الشأن الاستراتيجي، فتحت مرحلة جديدة من المواجهة الميدانيّة بين لبنان و»إسرائيل» قد تعقبها عمليات أخرى ومسيرات عدة للمقاومة التي قد تضطر الى استهداف الباخرة اليونانية إذا لم تتوقف عن أعمال استخراج الغاز في المنطقة المتنازع عليها.

إلا أن موقف الحكومة اللبنانية الذي عبر عنه وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بوحبيب بعد لقائه الرئيس نجيب ميقاتي بالتبرؤ من العملية، حرم لبنان والموقف الرسمي  الوطني اللبناني فرصة التحصّن بموقف المقاومة واستخدام هذه الرسالة في لجم الاندفاعة الإسرائيلية نحو استخراج الغاز في كاريش والمماطلة في العودة الى طاولة المفاوضات والتوصل الى حلّ لترسيم الحدود البحرية، وفق ما تقول مصادر سياسية لـ»البناء»، التي أكدت بأن أية مفاوضات مع العدو ولو كانت بوساطة أميركية لا تستند الى قوة المقاومة لن تستطيع انتزاع حقوق لبنان.

ولفتت مصادر مطلعة على موقف حزب الله لـ»البناء» الى أن «تحرك المقاومة ميدانياً جاء بعدما تأخر الوسيط الأميركي بالحصول على الرد الإسرائيلي على المقترح اللبناني للترسيم، ورفض «إسرائيل» وقف أعمال الاستخراج في المنطقة المتنازع عليها، وبعدما اتضح للمقاومة وجود مخطط يجري تمريره وفرض أمر واقع على لبنان عبر استكمال العدو أعمال الاستخراج». وتحذّر المصادر من استغلال العدو تضعضع الموقف اللبناني بعد تصريحات وزير الخارجية»، كاشفة أن أطرافاً في الدولة، تعمل على تحييد المقاومة عن ملف الترسيم، وتجويف المعادلة التي أطلقها السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير بضغوط خارجية.

وكشفت معلومات «البناء» أن المسؤولين اللبنانيين لا سيما ميقاتي تعرّضوا لضغوط كبيرة من الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين ومن السفيرة الأميركية في لبنان دورثي شيا التي استنفرت هاتفياً خلال اليومين الماضيين، وذلك لدفع الحكومة والدولة للتنصل من عملية المقاومة وعدم تقديم التغطية والشرعية الرسمية لها، تحت طائلة التهديد بالعقوبات وتجميد خط الغاز العربي وتقديم المساعدات المالية للبنان.

وكان بوحبيب اجتمع مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في السراي الحكومي تم خلاله عرض مواضيع ونتائج الاجتماع الوزاري العربي التشاوري. وتطرق البحث الى الوضع في الجنوب وموضوع المسيّرات الثلاث التي أطلقت في محيط المنطقة البحرية المتنازع عليها وما أثارته من ردود فعل عن جدوى هذه العملية التي جرت خارج إطار مسؤولية الدولة والسياق الديبلوماسي، خصوصاً أن المفاوضات الجارية بمساع من الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين قد بلغت مراحل متقدمة، وفق ما قال بوحبيب.

ولفت بو حبيب الى أن «لبنان يجدد دعمه مساعي الوسيط الأميركي للتوصل الى حل يحفظ كامل الحقوق اللبنانية بوضوح تام، والمطالبة في الإسراع في وتيرة المفاوضات. كما أن لبنان يعوّل على استمرار المساعي الأميركية لدعمه وحفظ حقوقه في ثروته المائية ولاستعادة عافيته الاقتصادية والاجتماعية».

وأضاف بوحبيب: «إن لبنان يعتبر أن أي عمل خارج إطار مسؤولية الدولة والسياق الديبلوماسي الذي تجري المفاوضات في إطاره غير مقبول ويعرّضه لمخاطر هو في غنى عنها. من هنا نهيب بجميع الاطراف التحلي بروح المسؤولية الوطنية العالية والالتزام بما سبق. وأعلن بأن الجميع من دون استثناء هم وراء الدولة في عملية التفاوض. كما أن لبنان يجدّد المطالبة بوقف الانتهاكات الاسرائيلية المستمرة لسيادته بحراً وبراً وجواً».

ورأى وزير الخارجية الأسبق الدكتور عدنان منصور لـ»البناء» أن موقف وزير الخارجية والحكومة يضعضع الموقف اللبناني ويضعفه أمام العدو الإسرائيلي، وكان الأجدى بميقاتي وبوحبيب استثمار عملية المسيّرات وقوة المقاومة كورقة قوة في المفاوضات ولفرض حقوق لبنان، واستثمار ثرواته. وتساءل على ماذا يستند الموقف اللبناني من أوراق قوة إذا لم تكن المقاومة؟ وشدّد منصور على ضرورة إعادة لملمة الموقف اللبناني وتظهير موقف موحد على خط الحدود الذي يريده لبنان والالتفاف خلف المقاومة لتشكيل جبهة للدفاع عن ثروة لبنان ضد أطماع العدو الذي سيستغلّ الخلاف الداخلي لاستكمال عملية نهب ثرواتنا، ما سيحول دون حصولنا على الخط 23 أيضاً بعدما فقدنا الخط 29.

وأفاد مصدر رفيع المستوى في «​حزب الله​«، لقناة الـ»otv»، تعليقاً على إطلاق حزب الله لـ 3 مسيرات باتجاه ​كاريش​، بأن «هذه الرسالة كان يجب أن تصل ووصلت وجاءت لتقوّي موقف الدولة اللبنانية بالتفاوض ولتذكير الإسرائيلي جيداً بأنه لا يستطيع البدء بالعمل في كاريش من دون اتفاق مع لبنان»، وشدّد على أننا «معنيون بسيادة لبنان». وأشار المصدر إلى أن «هناك رسالة وصلت من الأميركيين مفادها أن أمام لبنان مهلة شهرين لإنجاز الاتفاق حول ترسيم ​الحدود​ وخلال هذين الشهرين إسرائيل ستعمل في ​حقل كاريش​، وبعدها إن حصل اتفاق أو لم يحصل فـ»إسرائيل» ستستخرج ​الغاز​ من كاريش»، متسائلاً: «ألا تمس هذه الرسالة السيادة اللبنانية؟».

وأثارت عملية المقاومة حالة من القلق والرعب والارتباك لدى الحكومة والجبهة الداخلية الإسرائيلية، إذ أفادت وسائل إعلام «إسرائيلية»، نقلاً عن ​تحقيق​ داخلي لجيش الاحتلال، بأن «سلاح الجو أخفق في إسقاط مسيرات أطلقها ​حزب الله​ نحو منطقة كاريش».

ويشير الخبير العسكري والاستراتيجي الدكتور هشام جابر لـ»البناء» إلى أن «المسيّرات الثلاث تحمل رسائل شبه عسكرية، وقد تقصّدت المقاومة في بيانها ذكر أن المسيّرات غير مسلحة، أيّ أنها عملية تذكيرية فقط في الوقت الضائع خلال الشهرين المقبلين في ظل غياب أي جواب من الوسيط الأميركيّ من الحكومة الإسرائيلية على المقترح اللبناني واحتمال أن تستغل «إسرائيل» الوقت الضائع وتبدأ الباخرة اليونانية باستخراج الغاز في أيلول المقبل». ويعتبر بأن الرسالة وصلت وأحدثت حالة من الهلع التي أصابت الكيان. وهذا ما عكسته مقاربة الإعلام الإسرائيلي للحدث. وكذلك بيان جيش الاحتلال الذي اعتبر أن «حزب الله يقوّض استراتيجية «إسرائيل» في البر والجو والبحر».

وتوقع جابر أن تفعل رسالة المقاومة فعلها بتراجع «إسرائيل» عن أعمال الاستخراج، لأن الشركات ستخرج من المنطقة المتنازع عليها عندما تصبح منطقة توتر وغير آمنة، لا سيما أن حزب الله بحسب جابر سيُتبع رسالته الأولى برسالة أكثر جدّية مثل مسيّرات مسلحة قد تقترب أكثر من باخرة الاستخراج، أما بحال لم توقف الشركة وتبتعد عن المنطقة، فقد يبادر الحزب الى توجيه ضربة لها من دون إشعال حرب. ولا يستبعد جابر إرسال الحزب غواصات بحرية صغيرة لاستطلاع المنطقة الجيولوجية والحركة الإسرائيلية في حقل كاريش، ويتوقع جابر مفاجآت لدى المقاومة ستكشف عنها في الوقت المناسب.

على صعيد الملف الحكوميّ لم يخرج من دائرة المراوحة منذ اللقاء الأخير بين رئيسي الجمهورية ميشال عون والحكومة المكلف نجيب ميقاتي، إذ استمر الخلاف على حجم الحكومة التي يريدها عون ثلاثينية بهدف أوسع تمثيل نيابي وسياسي، فيما يتمسك ميقاتي بحكومة من 24 وزيراً، لكن وزارة الطاقة هي إحدى العقد الأساسية التي تعرقل التأليف وفق مصادر مواكبة للمشاورات الحكومية، علماً أن ميقاتي طرح على عون وفق المعلومات الإبقاء على الطاقة مع التيار الوطني الحر شرط تغيير الوزير الحالي وليد فياض. لكن وفق معلومات «البناء» فإن الاتصالات مستمرة بين عون وميقاتي مع تحرّك وسطاء على الخط للتوصل الى صيغة حكومية مشتركة وحلحلة بعض العقد الأساسية.

وكشف ميقاتي أنه سيزور رئيس الجمهوريّة خلال اليومين المقبلين.

وإذ يتمسك عون بالتوازن الطائفي والسياسي والميثاقية في أية حكومة جديدة، لفت مصدر في التيار الوطني الحر لـ»البناء» الى أن التيار لا يتمسك بوزارة الطاقة لكن من حقه الاحتفاظ بها أسوة ببقية الأطراف التي احتفظت بحصصها.. فلماذا لم تشمل المداورة بقية الطوائف والأحزاب؟ مشددة على أن التيار منفتح على النقاش وهو مسهّل للحل ولن يقف حجر عثرة أمام اتفاق عون وميقاتي. ونفى المصدر اتهام التيار بربط وزارة الاقتصاد بالطاقة.

في المقابل أوضح النائب السابق نقولا نحاس أنّ «المُداورة في الحقائب الوزاريّة ليست بالأشخاص بل بالنتيجة، لأن رئيس الحكومة مسؤول عن حكومته وعندما يرى أن وزيراً لا يستطيع إدارة وزارته بالشكل المطلوب، فإنه من الطبيعي استبداله». وفي حديثٍ إذاعي، قال نحاس «لا بدّ من أن يصل الشريكان في التأليف إلى حلّ وعندما تكون الخيارات ضيّقة فيجب الذهاب نحو الممكن وهو الحفاظ على التركيبة الحالية مع استبدال الوزراء الذين هناك خلاف معهم». وتابع: «ربّما تكون هناك أمور شخصية أدّت إلى استبدال وزير المال يوسف الخليل بالنائب السابق ياسين جابر، ولكن هناك علاقة جيدة ومحبة بين الخليل والرئيس ميقاتي».

وإذ لا تجد جهات سياسية داخلية وخارجية مصلحة بتأليف حكومة في العهد الحالي لإخراج عون من قصر بعبدا تحت ضغط وصورة تحميله المسؤولية الكاملة عن خراب البلد ولصق السبب بتحالفه مع حزب الله، تسعى الجهات نفسها الى محاولة تأمين توافق على انتخاب رئيس للجمهورية قبل تأليف الحكومة ضمن تسوية تشمل الاستحقاقين معاً، ويجري استطلاع موقف المراجع المسيحية إزاء إمكانية اتفاق المسيحيين على رئيس على غرار ما حصل في الاستحقاق الماضي.

وظهر الربط واضحاً بين تأليف الحكومة وانتخاب رئيس للجمهورية بموقف رئيس حزب القوات سمير جعجع الذي فتح أمس باب النقاش والجدل حول الأسماء المرشحة للرئاسة، إذ علق على فرضية وصول مرشح من قوى 8 آذار إلى الرئاسة، بالقول: «إذا لم تتوحّد المعارضة فثمة خطر فعلي إذا نجح فريق 8 آذار بإيصال رئيس للجمهورية، أيا كان اسمه». وتابع: «لذا فإن الخطوة الأهم والتي يفترض القيام بها في أقرب وقت ممكن، هي توحيد المعارضة.. فإذا توحّدت المعارضة على مرشح واسم واحد لرئاسة الجمهورية فإن هذا التوجه يحمينا من رئيس تابع لـ 8 آذار». وأضاف «إذا أجمعت المعارضة على وصولي إلى رئاسة الجمهورية، فإن كل شيء سيتغير، وضعنا ليس مستحيلاً».

ولفتت حركة ميقاتي باتجاه المرجعيات الروحية المسيحية في أعقاب عملية تأليف الحكومة وفي ضوء الخلاف المستعر مع رئيس الجمهورية، فغداة زيارته الديمان السبت الماضي ولقائه البطريرك الماروني مار بشارة الراعي، زار ميقاتي أمس، متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عودة في دار المطرانية.

 

"الجمهورية": التأليف رهن بحسم «المعايير».. ميقاتي: الخلاص قريب
الموقعة الليلية بين الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي و«التيار الوطني الحر»، الذي يتطابق موقفه مع موقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، تعكس بلا أدنى شك، عمق الهوة الكامنة في مسار التأليف، وحدّة الانفعال من التشكيلة التي قدّمها الرئيس المكلّف، والاعتراض على انتزاعها وزارة الطاقة من يد التيار.

إصراران متناقضان!

ومع هذه الموقعة، بحدّة التخاطب التي تخلّلتها، دخل الحديث عن تأليف حكومة في دائرة الاحتمال الأضعف، حيث لم يعد خافيًا انّ وزارة الطاقة، باتت العقدة التي يبدو أن لا طاقة متوفرة لدى أي طرف لحلّها، وبالتالي تشكّل العبوة السياسية الناسفة لإمكانية توليد حكومة، وتبعًا لذلك بات مسار التأليف محكومًا بإصرارين:

الأول، إصرار واضح من قِبل الفريق الرئاسي على فرض المعايير الرئاسية وبالتالي البرتقالية على التشكيلة الحكومية الجديدة، ويندرج في صدارتها إبقاء وزارة الطاقة في يده، عبر وزير يسمّيه هو ويزكّيه رئيس الجمهورية.

الثاني، إصرار في المقابل من قِبل الرئيس المكلّف على رفض إسناد هذه الوزارة الى التيار بصورة مباشرة او غير مباشرة، لأسباب عديدة، غالبيتها مرتبطة بما آل إليه حال الكهرباء، وبأداء التيار في هذه الوزارة طيلة الفترة التي تناوب فيها وزراؤه على تولّيها، وبعضها مرتبط بسبب رئيسي، وهو انّ التيار لم يسمِّ ميقاتي في الاستشارات الملزمة، كما انّه أعلن انّه لن يشارك في الحكومة، وبحسب ما نُمي إلى الرئيس المكلّف، فإنّه لن يمنح الحكومة الثقة، فكيف والحالة هذه أن يكون له الحق في أن يطرح شروطًا ومعايير ويتمسّك بوزارة الطاقة؟

التأليف على الرفّ!

عمليًا أُدخل التأليف في ذات النفق الذي سبق أن أُدخلت فيه كل الحكومات التي تشكّلت في عهد الرئيس ميشال عون، ولكن بفارق انّه في السابق لم تكن ثمة استحقاقات تضغط، وباب المماحكات والمماطلات والمناورات، كان يُفتح على مصراعيه على حلبة صراع أحجام وشروط ومعايير، إلى أن تتشكّل الحكومة بشق النفس، ولو بعد أشهر، لم يكن للوقت قيمة آنذاك، خلافًا للمرحلة الحالية، حيث أنّ الاستحقاق الرئاسي صار على مرمى اربعة أشهر، وكلّ المعنيين بملف التأليف أمام خيار من إثنين: إمّا تأليف حكومة الآن، وإما لا حكومة. وخصوصًا انّ عامل الوقت يضغط، وكلّ دقيقة يُحسب حسابها، وهامش المناورة انعدم إلى حدّ أنّ احدًا لا يملك قدرة جرّ الآخرين إلى ملهاته، ولا أوراق قوّة يُملي من خلالها إرادته على الآخرين.

التشكيلة هي الاساس!

وسط هذه الأجواء المتشنجة، ووفق معلومات «الجمهورية»، فإنّ الطريق بين القصر الجمهوري والسرايا الحكومية ما زالت سالكة حتى الآن، وأجواء القصر الجمهوري لا تشي بانسداد أفق التأليف، بل تشير إلى انّ رئيس الجمهورية ما زال ينتظر ردّ الرئيس المكلّف على الملاحظات التي أبداها على تشكيلة ميقاتي في لقائهما الأخير يوم الجمعة الماضي. والجو السائد على الضفة الرئاسية يفيد بأنّ انعقاد اللقاء المقبل بين الرئيسين عون وميقاتي او عدمه، رهن باستجابة الرئيس المكلّف، أو عدمها، لملاحظات رئيس الجمهورية.

وأجواء عدم الانسداد نفسها سائدة في أوساط الرئيس المكلّف، حيث يؤكّد المقرّبون منه لـ«الجمهورية»، انّ «ميقاتي، ورغم كل المنطق الهجومي الذي يستهدفه، لم يقفل الباب على تشكيل حكومة اليوم قبل الغد، وهو اعلن بالأمس انّه سيقوم بزيارة رئيس الجمهورية خلال «هاليومين».

وبحسب هؤلاء المقرّبين، فإنّ الرئيس المكلّف «يعمل في اتجاه ولادة سريعة للحكومة، وقراره تجاوز ايّ عراقيل مفتعلة من قِبل أي طرف، والتشكيلة التي قدّمها ما زالت تشكّل الأساس الصالح لكي تُبنى عليه الحكومة الجديدة. ولا بدّ هنا من التأكيد، انّ الأولوية هي لتأليف الحكومة دون أي تأثر بمداخلات تعطيلية، وبالتالي فإنّ لعبة الإحراج للإخراج، إن كانت في ذهن أحد، فهي بالتأكيد لا في زمانها ولا في مكانها، ولن يتأتى منها سوى تضييع الوقت لا أكثر».

إفتراق جوهري!

وإذا كان الرئيس المكلّف قد أبقى اللقاء المقبل مع رئيس الجمهورية دون ان يعيّن موعدًا محددًا لزيارته، فإنّ ذلك في رأي مصادر مسؤولة مواكبة لملف التأليف، مؤشّر إلى أنّ الامور ما زالت في حاجة إلى إنضاج، وقد لا تنضج بسهولة، بالنظر الى الافتراق الجوهري بين تشكيلة ميقاتي وملاحظات الرئيس عون التي تنسفها، علماً انّ الرئيس المكلّف اكّد انفتاحه على النقاش الجدّي في ملاحظات موضوعيّة على تشكيلته، وليس ملاحظات وتعديلات تعطى صفة الإلزام، تحت مسمّى «معايير» تحاكي فقط ما يريده طرف سياسي قدّم نفسه على انّه متعفّف لا يريد شيئًا، فيما هو يريد كلّ شيء ضمنًا».

هل تعطّل التأليف؟

وفيما بدا من أجواء لقاء الجمعة الماضي بين عون وميقاتي، انّ تأليف الحكومة بات مركونًا على «رفّ المعايير»، يقارب مرجع سياسي مسؤول ملف التأليف بتشاؤم بالغ، معيدًا ذلك إلى «توجّه بعض الأطراف إلى إدخال التأليف في بازار، وخنقه بمداخلات في صلاحيات الشريكين حصرًا في تأليف الحكومة، وباشتراطات تعطّل هذا الاستحقاق، وتعطّل معه البلد».

وقال المرجع لـ«الجمهورية»: «السقف الأبعد لتأليف الحكومة يجب الاّ يتجاوز عشرة ايام تلي التكليف، ومضي هذه الفترة بلا حكومة، يعني لا حكومة».

أضاف: «كلنا نرى حال البلد، والانهيار المتسارع فيه يبدو انّه لن يقف عند حدود، بمعنى أوضح «راح البلد». نبالغ كثيرًا إن قلنا انّ تأليف الحكومة سيقلب الميزان الداخلي ويخلق حلولًا فورية للأزمة ومصاعبها التي نعيشها، بل يؤمل منه ان يشكّل فرصة لولادة حكومة تبطئ الانحدار نحو الكارثة التي تنتظرنا، وتؤسس لإجراءات وخطوات تفرملها. وهو ما يستوجب بالحدّ الأدنى تنازلات متبادلة من اجل البلد قبل أي أمر آخر او أي اعتبارات ومعايير. الّا انّ المشكلة المستعصية تكمن في بعض الذهنيات المصرّة على ان تبقي نفسها محصورة ضمن نطاق مصالحها السياسية وحساباتها الحزبية، وهو الامر الذي يجعلنا ننعى إمكان تأليف حكومة في المدى المنظور».

الخطر الأكبر!

وإذا كانت ضرورات الأزمة توجب وجود حكومة تواجهها، إلّا انّ موجباً آخر يحتّم وجود حكومة قبل انتهاء ولاية رئيس الجمهوريّة في 31 تشرين الاول المقبل، وذلك تداركًا لعدم الوقوع في ما يصفه مرجع دستوري «الخطر الأكبر».

وأبلغ المرجع إلى «الجمهورية» قوله: «الوضع التنفيذي في لبنان، في ظل حكومة مستقيلة لا قدرة لها على الحكم واتخاذ القرارات، وفي غياب حكومة كاملة الصلاحيات، هو وضع شاذ يتطلب ضبطه في المسار الطبيعي عبر المبادرة السريعة إلى تأليف حكومة. وهذا الضّبط ممكن في هذه المرحلة مع وجود رئيس للجمهورية، ما يعني انّ الامور ما زالت تحت السيطرة، وثمة إمكانية متاحة لإصلاح هذا الوضع الشاذ، وبالتالي المطلوب عدم التراخي او التلكؤ في هذا الاتجاه».

ويحذّر المرجع عينه من «ان يعمّر الوضع الشاذ أكثر، وينسحب إلى ما بعد 31 تشرين الاول، على ان يصل الوضع في لبنان إلى لحظة يصطدم فيها الجميع بفقدان السيطرة على البلد»، ويقول: «الاستحقاق الرئاسي صار قاب قوسين او أدنى، والنص الدستوري يوجب انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية خلال مهلة الستين يومًا السابقة لانتهاء ولاية رئيس الجمهورية الحالي، أي ما بين اول ايلول وآخر تشرين الاول المقبلين، وحتى الآن لا توجد أي مؤشرات حول ما إذا كان الرئيس عون سيسلّم إلى رئيس جديد او إلى الفراغ».

ويلفت المرجع الى «انّ تسليم الرئيس عون الأمانة الرئاسية إلى رئيس جديد للجمهورية، يكون من حظ البلد، بحيث لا تعود هناك مشكلة، لأنّ مع وجود الرئيس الجديد تسهل إعادة انتظام الدولة والحياة السياسية في لبنان. الّا انّ انتهاء ولاية رئيس الجمهورية دون التمكّن من انتخاب رئيس جديد قبلها، يعني الوقوع في محظور يتهدّد مستقبل النظام السياسي القائم».

ويشير المرجع، إلى «انّ الدستور، وفي حالة شغور سدّة الرئاسة الاولى لأي سبب كان، ينيط صلاحيات رئيس الجمهورية بمجلس الوزراء مجتمعًا، وقصد المشترع في هذه الحالة حكومة كاملة الصلاحيات، وليس حكومة مستقيلة منزوعة الصلاحيات وتصرّف الاعمال في حدودها الضيّقة. وهذا الشغور إن حصل في حالة لبنان الراهنة، يشكّل من جهة، السابقة الأولى من نوعها التي يتزامن فيها استحقاق رئاسي مع حكومة تصريف أعمال لا تُجيّر لها الصلاحيات الرئاسية. ويعني من جهة ثانية انّ لبنان في هذه الحالة سيكون امام أمر واقع جديد عنوانه التعطيل الكامل وربما أزمة نظام: لا رئيس جمهورية، ولا رئيس مكلّف، حيث ينتهي التكليف مع نهاية ولاية رئيس الجمهورية، ولا حكومة تدير شؤون الدولة والناس، ومجلس النواب لا يستطيع ان يحلّ لا محلّ رئيس الجمهوريّة ولا محلّ السلطة الإجرائيّة اي الحكومة، يعني لا دولة، وساعتئذ يجب ان نتوقع احتمالات سلبية على كل المستويات».

ميقاتي يزور عودة

إلى ذلك، وفي سياق متصل بالتأليف، قام الرئيس المكلّف بزيارة إلى متروبوليت بيروت وتوابعها لطائفة الروم الارثوذكس المطران الياس عودة، حيث قال ميقاتي بعد اللقاء: «تشرفت بلقاء صاحب السيادة، ومن الطبيعي عندما نلتقي أن نتحدث عن الأوضاع الراهنة، وقد تشاورت معه في كل الأمور. وقد نقل صاحب السيادة هواجس الناس وآلامهم خصوصًا في المواضيع الاستشفائية، والتربوية، والمعيشية، وقال إنّه يتحسس بها يوميًا، إضافة إلى موضوع مدخرات المواطنين اللبنانيين في المصارف. وشرحت بإسهاب كل هذه المواضيع، وأعتقد انّه كان مطمئنًا لأنّه بارك كل الأعمال».

وردًا على سؤال قال انّه سيزور الرئيس عون خلال هذين اليومين، مضيفًا: «طالما نعمل بصدق وانتماء ووطنية فبإذن الله سيكون الخلاص قريبًا».

أمل

في الإطار نفسه، وجّهت حركة «امل» دعوة الى اللبنانيين إلى «ضرورة الالتقاء على القواسم الوطنية والمشتركات التي تحفظ الوطن وتصون حقوقه في البحر والبر والجو، وإخراج عناصر منعتنا من سوق المزايدات والخلافات الطائفية و«الزواربيّة» الضيّقة.

واكّدت الحركة في بيان لمكتبها السياسي أمس «انّ احتياط لبنان من الوقت قد نفد، وعليه لم يعد من متسعٍ للنكد والحرد السياسي والتلكؤ بتشكيل حكومة جديدة تتحمّل المسؤولية الكاملة، وتعمل على متابعة القضايا الحياتية الضاغطة وتنفيذ آليات خطة نهوض اقتصادي ونقدي، بعد ما أطبقت الدوائر على اللبنانيين من كل اتجاه وفي القضايا الحياتية كافة. ومن جهة أخرى التشديد على معالجة الإضراب في القطاع العام وانعكاسه تعطيلاً لكل الدوائر ومؤسسات الدولة وأمور الناس في معاملاتهم ومصالحهم».

ومن جهة ثانية، شدّدت على «التمسّك بوحدة الموقف اللبناني تجاه قضية ترسيم الحدود البحرية وحماية ثرواته، والإصرار على الاستفادة الكاملة منها في مقابل المحاولات الإسرائيلية المستمرة للاعتداء عليها وتوظيف كل عناصر القوة من أجل هذا الأمر. وتجدّد الحركة المطالبة بالإسراع بالبدء في عمليات التنقيب في البلوك رقم 9، والضغط على الشركات الملتزمة بهذا الاتجاه، وتجاوز الضغوطات المعطلة لهذه العملية».
 

حقل كاريش

إقرأ المزيد في: لبنان

خبر عاجل