لبنان
"عصابة" تسرق الطحين المدعوم
كشف تقرير أعدّه فرع المعلومات التابع للمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي عن وجود كميات ضخمة من الطحين المدعوم ضبطت في المستودعات منذ شباط الماضي، وتضمّن التقرير آليات النهب بالتفصيل لجهة الأسماء والكميات.
وبحسب صحيفة "الأخبار"، فإن التقرير أكد أن هناك "عصابة تتواطأ لسرقة الطحين المدعوم لبيعه في السوق السوداء لتحقيق أرباح هائلة، مشيرًا إلى "ضبط كميات كبيرة من الطحين المدعوم مخبّأة في مستودعات في الجنوب والشمال وبيروت".
وذكر التقرير أنّ "عمليات الضبط بدأت منذ شهر شباط/فبراير الفائت، إذ كان الناهبون على دراية بأنّ البلد مقبلٌ على أزمة يمكن استغلالها لشراء كميات بالسعر المدعوم وبيعها بسعر السوق".
ووفقًا للتقرير، فإنّ ضباط فرع المعلومات درسوا سلسلة البيع المتصلة بتوزيع الطحين المدعوم لمعرفة دور كل حلقة فيها، فالوزارة تدعم من المال العام استيراد القمح المخصّص للخبز العربي بسعر صرف يبلغ 1520 ليرة مقابل الدولار، ويفترض أن توزّع الكميات على مطاحن، ومن هناك يتم توزيعها على الأفران"، وطرحت هنا الصحيفة تساؤلًا حول كيفية تلاعب المعنيين بهذه السلسلة ونهب الدعم؟".
وأوضح التقرير أن "توزيع الطحين على الأفران يتم بواسطة بونات تستند إلى لوائح معدّة في مديرية الحبوب والشمندر السكري وتتضمن أسماء الأفران وحصص كل منها"، وأضاف أنه "بعد مراقبة البونات ومساراتها، تبين أن صاحب الفرن يعمد إلى بيعها بدلاً من عجنها وخبزها، إذ إن البيع يوفّر أرباحًا أسرع من صناعة الرغيف بكلفة استهلاكية مرتفعة"، فعلى سبيل المثال، يبلغ سعر طنّ الطحين المدعوم (وفق سعر صرف 1520 ليرة لكل دولار) نحو مليونين و850 ألفًا أي ما يقارب 1900 دولار، فيما يمكن بيع الطن بما يراوح بين 1000 أو 1500 دولار نقدًا، أي ما يزيد على 40 مليون ليرة.
وقالت "الأخبار": "إنّ السؤال الثاني يتعلّق بحلقة المطاحن، هذه الأخيرة وعوضًا عن طحن كل الكميات المدعومة لتوزيعها على الأفران، تقوم بإخفاء قسم من الكميات المدعومة لطحنها لزوم استخدام صناعة الحلويات، ما يكسبها الكثير من الأرباح الإضافية أيضًا".
وأشارت الصحيفة إلى أنّ "الحلقة تبدأ بالمستوردين من أصحاب المطاحن، وتصل إلى مصرف لبنان ووزارة الاقتصاد ثم تستكمل لدى أصحاب الأفران، ووسط هؤلاء كلهم هناك سماسرة ينشطون في شراء البونات وبيعها"، وكشفت أن "الوزير السابق وائل بو فاعور اتصل بكل من المدعي العام المالي علي إبراهيم والقاضية دورا الخازن التي تتولى التحقيق في الملف وزوّد إبراهيم بتقرير مفصّل ليل أمس يتضمن أسماء مدراء وموظفين وسماسرة متواطئين في ملف أزمة الطحين".
وتابعت الصحيفة أن "التقرير يتضمن لوائح تُظهر عمليات توزيع الطحين والنهب اللاحق بها، فعلى سبيل المثال، ليس واضحاً لماذا يحصل الـ wooden bakery على 370 طنًا من الطحين، يذهب قسم كبير منها إلى إنتاج الحلويات؟ ولماذا يعدّ "فرن قمرين" من الأفران المحظية لدى الوزير؟"، لافتة إلى أن "ابو فاعور ضمّن في تقريره اسم كل من شقيق الوزير كريم سلام ومستشاره محمد الحريري" على حد قول الصحيفة.
الصحيفة أكدت أن "الإجابة تكمن في آلية النهب المعتمدة، إذ إنّ صاحب الفرن يتقدم بطلب لدى رئيس دائرة التموين حسن حمود، يطلب فيها الكمية التي يحتاجها. يدرس حمود الطلب ليُقدر الكمية، ثم يُرسل تقريره إلى مدير عام الحبوب في وزارة الاقتصاد جريس برباري الذي يقع على عاتقه إجراء التدقيق اللازم قبل أن يُرسلها إلى الوزير أمين سلام للاستحصال على موافقته"، وأضافت: "في محطات مختلفة من هذه العملية، تزدحم أرقام الكميات ليتم توزيعها بين أفران محظية وأخرى محرومة تبعًا لحجم العلاقات التي يملكها الشخص أو ارتباطه بالسمسار.
وفي هذا السياق، أوضحت "الأخبار" أنّ "التحقيقات كشفت أنّ هناك أفرانًا مقفلة تمكنت من الحصول على بونات طحين مدعوم، كما تبين أنّ كميات كبيرة من الطحين المدعوم بدلًا من استخدامها في إنتاج الخُبز، تستخدم في صناعة الكرواسان والحلويات".
وسألت الصحيفة: "هل تقوم مديرية الحبوب بوظيفتها لجهة التثبت من استيفاء الأفران الشروط؟ أو للتأكّد من الوضعية الفعلية لهذه الأفران وما إذا كانت وهمية أم قائمة وتعمل فعلاً؟ والشكوك تثار كذلك حول دور الوزير ومستشاريه في الضغط على المديرية، أو التباطؤ في ما بينهم وبين الأفران والمطاحن، ولا سيما أنّه من صلب مهام هذه المديرية، بحسب القانون، الإشراف على عمل المطاحن ومراقبة إنتاجها وعمل الأفران والسهر على بيع هذا الإنتاج بأسعار مدروسة ومقبولة. هذا ما يرد حرفيًا في نص النظام الداخلي".
وكشفت "الأخبار" عن "معلومات تشير إلى وجود فواتير مضخّمة و"تمريقات" لمطاحن من دون أخرى واستفحال أزمة الطحين، علمًا بأن النيابة العامة المالية تتولى التحقيقات: كيف تصدر البونات؟ من يُقرر الكمية الموزّعة؟ من المستفيدون؟ من المتواطئون؟".
وذكرت الصحيفة أن "هذه الأسئلة الأولية بدأ التحقيق فيها بعد الإخبار الذي تقدم به وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام الذي استمعت القاضية الخازن لإفادته الأربعاء بناء على الإخبار المقدم، ثم عمدت إلى استدعاء كل من جريس برباري وحسن حمود واستجوبتهما لساعات طويلة قبل تركهما"، مضيفة أنه "يجب النظر إلى المسألة من زاوية أوسع، إذ إن فساد المطاحن والأفران والوزارة ليس جديدًا، فقد حصل الأمر أيام وزير الاقتصاد سامي حداد، واستمرّ لغاية اليوم من دون أي مساءلة أو محاسبة رغم تحقيقات كثيرة أجريت".