لبنان
مراوحة في التأليف الحكومي.. والترسيم على وقع رسائل المقاومة "المسيّرة"
أربك صوت الطائرات المسيّرة التي أرسلتها المقاومة فوق حقل "كاريش" العدوالصهيوني ومن خلفه "الوسيط" الأمريكي، وطغت الرسالة التي وجهتها للداخل والخارج على ما سواها من ملفات.
وفي وقت يسود فيه نوع من المراوحة في ملف التأليف الحكومي، من المرجح أن يعقد رئيسا الجمهورية والرئيس المكلف المزيد من الاجتماعات لمحاولة الاتفاق على عدد وزراء الحكومة وبعض الأسماء.
وكان بارزا الاهتمام العربي المستجد بلبنان، والاجتماع الوزاري في بيروت تمهيدًا للقمة العربية المرتقبة في الجزائر، والتي اهتم فيها المجتمعون خارج إطار الاجتماعات الرسمية بلقاءات جانبية وبعيدة من الإعلام، مع مراجع ومسؤولين لبنانيين، وركزوا على ثلاثة استحقاقات أساسية، هي الانتخابات النيابية التي جرت في أيار الماضي، وتأليف الحكومة، والانتخابات الرئاسية.
"الأخبار": المقاومة تتجاوز رهان القيود وتفتح الباب على المفاجآت
إرسال ثلاث طائرات مسيّرة غير مسلحة في اتجاه حقل كاريش، على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، ليس حدثاً آنياً ينتهي مع نهاية الحدث نفسه، ولا يشبه أياً من العمليات التي نفّذها حزب الله ضد العدو في السنوات القليلة الماضية، سواء في ما يتعلق بالدافع، أو بالظرف المرافق، أو بالغاية النهائية منه.
عبارة «وصلت الرسالة»، كما وردت في بيان حزب الله الذي تبنّى فيه إرسال الطائرات الثلاث، تختصر التحليلات. لكن ما هي الرسالة، وما هو موجبها، وإلى أين تريد أن تصل؟ أكثر من سؤال بات مطروحاً على طاولة البحث في واشنطن وتل أبيب، عن أصل الحدث وعن رسائله.
من الواضح للجميع الارتقاء في رسائل حزب الله، من الموقف السياسي المعلن والحازم إلى خطوات عملية ولو بالحدّ الأدنى.
صورة من مقطع فيديو تُظهر لقطات من مسيرة لمنصة FPSO التابعة لشركة «انيرجيان» في حقل «كاريش» (أ ف ب)
كذلك يبدو أن ما فرض هذه الخطوة التصعيدية، المحدودة، هو مسار مفاوضات الترسيم برعاية «الوسيط» الأميركي، والذي باتت تل أبيب وواشنطن فيه رهينتين للحسابات الخاطئة ولأطماع زادت عن حدها. ويمكن التقدير أن مسار المفاوضات ونتائجها الآنية، أو تلك التي يدفع باتجاهها العدو و«الوسيط»، لم تعد تسمح لحزب الله بالامتناع عن إرسال رسائل تحذير، عملية هذه المرة، كي يكف الجانبان، الإسرائيلي والأميركي، عن الحسابات الخاطئة التي قد تقود - بل تقود - إلى خيارات متطرفة.
أما في النتائج المباشرة لتسيير المسيّرات الثلاث، فيمكن إيراد الآتي:
أولاً، على إسرائيل من الآن أن تخفض سقف اطمئنانها المبني على توقع أن حزب الله لن يجرؤ على تحويل موقفه السياسي إلى خطوات عملية.
ثانياً، رهان العدو و«الوسيط» على أن الأزمة المالية والاقتصادية عامل كابح وضاغط على حزب الله، بات متضعضعاً، إن لم يكن قد تبدّد.
ثالثاً، بيّن تسيير المسيرات عقم رسائل التهديد التي أطلقها قادة العدو أخيراً ضد حزب الله ولبنان، وتحديداً عن وزير الأمن بني غانتس ورئيس أركان الجيش أفيف كوخافي، وهي تهديدات لم تؤثر في قرار حزب الله، بل حفّزته أكثر للمبادرة.
رابعاً، تبديد نظرية استغلال أزمات لبنان ودفعه لـ«قبول أي شيء» يعرض عليه. وهي نظرية «الوسيط» الأميركي التي أعلنها جهاراً، ويبدو أنه عمد بمعية العدو إلى دفعها على طاولة المفاوضات، أو «طاولة الفرض» كما تريدها إسرائيل.
وأياً يكن الأمر، فإن مبادرة حزب الله من شأنها تعزيز الموقف الرسمي اللبناني المفاوض، أي موقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، علماً أن معظم البقية يتمايلون للانزياح لإرادة الأميركي. وفي محصلة النقاط المثارة هنا، سيكون العدو معنياً بأن يبحث جيداً في رسالة حزب الله: هناك سقوف لا يمكن القبول بها. فهل وصلت الرسالة؟ وكيف سيكون الرد عليها؟
رد فعل العدو
ردود الفعل لدى المسؤولين الإسرائيليين، كما لدى الخبراء، تسمح بتلخيص الموقف الإسرائيلي على الشكل الآتي:
على المستوى الرسمي جاء موقف وزير الأمن مطابقاً لما عاد وقاله رئيس الحكومة الجديد يائير لابيد الذي لم يغيّر كثيراً من العبارات. فقد حذر الجانبان من إرباك المسار التفاوضي. واعتبر غانتس أن إرسال المسيّرات «يقوّض المفاوضات والاتفاق الذي يتبلور»، ما يؤكد حقيقة التوجه لفرض الإرادة وإعطاء لبنان فتات الثروة الغازية، وهو التفسير أكثر معقولية من تفسير آخر قيل إنه يتعلق بخشية إسرائيل على مسار المفاوضات لذاتها. والمعنى استطراداً: خطوة المسيّرات هي بدء رد مقابل على خطة العدو و«الوسيط» لفرض حل بعيداً من مصلحة لبنان.
بات العدو، كما يفهم من المواقف الرسمية أو تلك التي وردت على لسان الخبراء والمراسلين والمصادر، أمام خيارات عملانية متعددة، وهي كلها تحت سقف الرد المباشر في لبنان نتيجة الخشية من التداعيات، وكما يرد في التعبيرات العبرية: «إسرائيل تدرك أنه في مقابل حزب الله لا يمكن للجيش الإسرائيلي الرد بشكل واضح وعلني لأن المسألة معقدة».
بدّدت المسيّرات نظرية «الوسيط» الأميركي باستغلال أزمات لبنان ودفعه لـ«قبول أي شيء» يعرض عليه
ويمكن اختصار مروحة الرد غير المعقدة بثلاثة خيارات:
أولاً، اللارد لأنه لم يحدث أي ضرر. لكن اللارد سيؤدي إلى تشجيع محاولات مماثلة من حزب الله في المستقبل.
ثانياً، الرد. على البنية التحتية لحزب الله في سوريا، وهو ما سيظهر أننا غير معنيين (خائفون) من المهاجمة في لبنان.
الرد: بـ«حرب الوعي» سيبرانياً، لكن هذا الرد أيضاً سينظر إليه على أنه تعبير عن موقف إسرائيل ضعيف.
في المواقف غير الرسمية، تجاذب المقاربة اتجاهان: تقارير مدفوعة من ماكينة الجيش عملت على «تمجيد» قدرة الاعتراض، مقابل تقارير تساءلت عن الإنجاز. وفقاً للاتجاه الأول، أظهرت إسرائيل قدرتها «الفائقة» على اعتراض المسيّرات. وفقاً للاتجاه الثاني، انتقادات واضحة للمقاربة الأولى والتضخيم فيها إذ إنهم «في الجيش الإسرائيلي يدركون جيداً أنهم لم يحبطوا اليوم أي عملية، لأنه لم تكن هناك محاولة لتنفيذ عملية» (القناة 12 العبرية)، ولأن «حزب الله قال عبر المسيّرات إن في إمكانه إرسال مسيرات غير مفخخة، ولكن في إمكانه أيضاً إرسال مسيرات مفخخة تنفجر في سفينة الاستخراج عندما يبدأ العمل فيها، ولدى حزب الله قدرات أكبر بكثير من تلك التي بدت بالأمس، والتي هدفت إلى إرسال رسالة وحسب، من دون التسبب بأضرار» (يديعوت أحرونوت).
هل يقدم الإسرائيلي، بإذن من الأميركي، على خطوات سلبية، سواء كانت سياسية أو عملياتية؟ هل يندفع الطرفان (أميركا وإسرائيل) إلى وقف العملية التفاوضية، علماً أن موقفاً كهذا من شأنه دفع حزب الله للارتقاء أكثر عملياتياً، أم سيقدمان على تعديلات نسبية في المقاربة التفاوضية؟ الأسئلة مفتوحة، وكذلك الأجوبة.
في الموازاة، تنتظر اللبنانيين حملة بدأت بالفعل فور الإعلان عن المسيّرات، تقودها جماعة أميركا في لبنان، مبنية على فذلكة ممجوجة ضد المقاومة: حزب الله يحرم اللبنانيين من ثروتهم عبر استثارة الإسرائيلي ومنع المفاوضات. وهي محاولة قلب حقائق وتشويه تكرّر نفسها ضد أي إنجاز أو مقدمة إنجاز يحققه حزب الله في مواجهة اعتداءات العدو وحماية الثروات اللبنانية من أطماعه. وبدلاً من أن تكون خطوة المسيّرات حدثاً يعزز الموقف اللبناني، يتحول لدى هؤلاء إلى النقيض تماماً. علماً أنه الدور الطبيعي والتقليدي الموكل أميركياً لهؤلاء.
تبقى الإشارة إلى أن إسرائيل تدعو مقابل التهديد القولي، والآن العملي، إلى ضرورة التمسك بالديبلوماسية، وتصف خطوة المسيرات بالتقويضية للعملية التفاوضية والحلول التسووية. فلا تهديدات إسرائيلية ولا «فشخرات»، وهو الأمر اللافت بقوة.
يعود ذلك إلى جملة عوامل تدفع تل أبيب إلى الانكفاء التهديدي. فهي، إضافة إلى أنها لا تريد في الأساس مواجهة مسلحة واسعة ضد حزب الله، أو محدودة من شأنها أن تتحول إلى واسعة، معنية أكثر في مرحلة ما بعد الغاز والنفط وانتشار المنشآت في عرض البحر، بأن لا تتسبب بأي ضرر للبنية التحتية، فوق الماء وتحتها، لغازها ونفطها، بما يشمل الاستخراج والنقل والتخزين في البحر والبر، وهي نقطة ضعف إسرائيلية إضافية يبدو من الصعب الدفاع عنها في زمن الحروب، وربما أيضاً لدى العمليات المركزة المضادة من الخارج.
أيضاً، إسرائيل معنية بأن لا تتضرر بيئة الأمان لمنشآت الطاقة وبنيتها التحتية، وأن لا تكون محلاً للتهديد والسجال حوله، وهو سجال سيتسبب بأضرار غير محصورة، من بينها أن الشركات صاحبة الامتياز ستعاني من أكلاف كبيرة جداً لتأمين المنشآت، وهي أكلاف من شأنها إبعاد الاستثمار وهروبه أو جعل شروطه صعبة على إسرائيل. ناهيك عن أن ضعف عامل الثقة الذي يتغذّى حتى من الإشاعات، يثقل على إسرائيل وعلى الشركات، التي ستواجه ضغط شركات التأمين العالمية وصولاً إلى حد وقف التأمين نفسه، ما يعني، عملياً، وقف عمل المنشآت.
"البناء": وزراء الخارجيّة العرب سمعوا وناقشوا كلاماّ لبنانياّ واضحاّ حول ملف النازحين وعودة سورية
نقلت مصادر دبلوماسية لبنانية واكبت اجتماع وزراء الخارجية العرب التشاوريّ في بيروت، بعض الأجواء التي رافقته، خصوصاً لجهة نجاح لبنان على المستويات الرئاسية والوزارية بإثارة النقاش الهادئ والجدّي لملفي عودة النازحين السوريين، وعودة سورية إلى الجامعة العربيّة، وقالت المصادر إن العرض اللبناني الذي انطلق من اعتبار الوقائع السياسية الحاسمة لجهة استحالة عودة الوضع في سورية إلى الوراء، ونجاح الدولة السوريّة بتجاوز مرحلة الخطر وإثبات حضورها واستعادة أغلب مناطق الجغرافيا السورية، تستدعي بمعزل عن المواقف التي رافقت التعامل مع الأزمة السورية، اعتماد الواقعية السياسية لما يحقق المصلحة العربية بإعادة تفعيل صورة التضامن العربي، أمام وجود ثلاث قوى فاعلة في المنطقة، تمتلك سورية خطوط تماس معها، سلباً أو إيجاباً، وهي إيران وتركيا و»إسرائيل»، ولا يمكن مقاربة العلاقة العربية بها دون سورية، ورد المسؤولون اللبنانيون على الشروط التي يضعها بعض القادة العرب لتحقيق هذه العودة، سواء ما يتصل بتقدم الحل السياسي أو تخفيض مستوى التحالف مع إيران، بالدعوة لاعتبار عودة سورية شرطاً للنجاح بتشجيع سورية على التقدم بقوة على المسار السياسي، أو بتحقيق التوازن في علاقاتها.
أما في ملف عودة النازحين فقد انطلق لبنان من اعتبارين، الأول الزمن الذي تجاوز العشر سنوات للنزوح، والثاني الكلفة التراكمية الباهظة التي يتكبّدها لبنان، وعطفا على تحسن الأوضاع الأمنية في أغلب المناطق السورية، يختصر لبنان دعوته بفتح المجال لنقل المساعدات التي يتلقاها النازحون من لبنان الى سورية، وتصير مساعدة عائد بدلاً من مساعدة نازح، ملوّحاً بأنه سيلجأ الى اصدار تقييدات قانونية تتيح فرض العودة بدون التراضي الذي يمكن توفيره لأي خطة عربية دولية منصفة، ورداً على بعض المواقف العربية حول ربط العودة بإعادة الإعمار، رد المسؤولون اللبنانيون بأن المقارنة لا تقوم بين عودة الى ما كانت عليه الحياة قبل الحرب واللاعودة، بل بين ظروف وشروط النزوح القاسية في مخيمات تفتقد الى أبسط شروط الكرامة الانسانية، وشروط العودة الكريمة، وبين عائد المساعدة على النازحين في لبنان وأسعاره المرتفعة، وعائدها على العائدين الى سورية وتفاوت كلفة المعيشة. وتقول المصادر الدبلوماسية اللبنانية إن حاصل المداولات ربما يكون أفضل من أي اجتماع رسمي، فالنقاش المفتوح في اجتماع لا صفة تقريريّة له هو تمهيد لبناء قناعات تنعكس في أي تداول رسميّ لاحق.
على مستوى ترسيم الحدود البحرية، كانت عملية المقاومة الإسلامية بإطلاق ثلاث طائرات مسيّرة فوق حقول بحر عكا، حدثاً لبنانياً وإقليمياً ودولياً، فمثلت إعلاناً من المقاومة ببقائها شريكاً خلف الدولة اللبنانية، تتولى منع الاستثمار في المناطق المتنازع عليها حتى ينتهي التفاوض، بينما يقع ملف التفاوض بيد الدولة، وهذه الرسالة ردّ على التحذيرات التي سمعها بعض المسؤولين اللبنانيين من التورط بأيّ تهديد لحرية العمل في حقول بحر عكا، لأنها باتت جزءاً من الأمن القومي الأوروبي بعد توقيع عقود استجرار الغاز منها بين حكومة الكيان والاتحاد الأوروبي، أو من اعتبار دخول المقاومة على الملف تهديداً لاستمرار الوسيط الأميركي بمهمة الوساطة، بعدما جاءت التطمينات الأميركية الكلامية تستعيد ما جرى في ملف استجرار الكهرباء من الأردن بالغاز من مصر، والوعود المتكررة بلا طائل، والخشية من تكرار بيع الوعود للبنان لضمان إطلاق يد الاحتلال في استخراج الغاز وبيعه، شكلت أحد عناصر مبادرة المقاومة التحذيريّة لرد الاعتبار لمفهوم المناطق المتنازع عليها، التي يريد الاحتلال ومن خلفه اعتبار إسقاطها شرطاً لمواصلة التفاوض، بينما ترد عملية المقاومة إحياء معادلة المناطق المتنازع عليها تسقط فقط عند إنجاز اتفاق الترسيم بصورة نهائية، وحتى ذلك الحين كل عمل فيه اعتداء على لبنان سيلقى رداً مناسباً.
في الشأن الحكومي يتوقع أن يلتقي اليوم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بالرئيس المكلف بتشكيل الحكومة نجيب ميقاتي، وقالت مصادر على صلة بالملف الحكومي إن الرئيس ميقاتي طلب من الرئيس عون إيداعه أسماء مقترحة لوزارتي الطاقة والاقتصاد، تحقق التوازن الطائفي، إذا كان هذا هو المأخذ على الأسماء المطروحة، ولا مانع من دراستها وفقاً لمعيار التعاون الذي يجب أن يحكم هذه الحقائب خصوصاً في علاقتها برئيس الحكومة.
دخل ملف تشكيل الحكومة في دوامة جديدة بعد أن كانت الأجواء عصر السبت تميل الى الايجابية، إلا أنها سرعان ما تبدّدت بعد جملة التسريبات الجديدة من قبل التيار الوطني الحر ضد الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، الأمر الذي استدعى رداً من مكتبه الإعلامي على ما ورد، مفنداً حقيقة ما حصل في ملف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، لجهة التحفظ على قرار الإقالة قبل الاتفاق على البديل ومتحدثاً عما تقوم به الحكومة على صعيد ملف الترسيم والإصلاحات فضلاً عن ملف النازحين، ليعود التيار الوطني الحر ويردّ عبر مكتبه الاعلامي رامياً كرة التعطيل عند الرئيس ميقاتي ومتحدثاً عن الصلاحيات والدستور، مشيراً إلى أنّ مسودات التشكيلات الحكومية لا سيما الأولى منها غالباً ما تكون في سياق عملية الأخذ والردّ وضمن الهوامش المتاحة.
واشارت مصادر مطلعة لـ “البناء” الى انّ الرئيس المكلف يتعاطى في ملف التأليف انطلاقاً من مواد الدستور وهو يضع التصور لتشكيل الحكومة ونتشاور مع رئيس الجمهورية مع تشديد المصادر على أن الرئيس ميقاتي لطالما كان ولا يزال منفتحاً ومناقشة الأسماء مع الرئيس ميشال عون.
وقال المستشار الإعلامي للرئيس ميقاتي فارس الجميّل عبر قناة “الجديد”: طالما أنّ “التيار الوطني الحر” لم يسمّ رئيساً للحكومة وأعلن نيته عدم المشاركة في الحكومة فلماذا يريد أن يلعب دور الوصيّ على عملية التشكيل؟
وقال رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد إننا “نريد للحكومة أن تتشكل بأسرع وقت ممكن، دون تضييع وقت ودون تنافس على زيادة حصة من هناك أو زيادة حقيبة من هنالك، لا سيما أن ما نحن فيه اليوم في لبنان والمنطقة، يدفعنا لتجاوز الكثير من العقبات والمعوقات والإسراع في تشكيل الحكومة، تمهيداً لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، يمكن أن تتغير معه الأجواء وتصبح أكثر ملاءمة لمجاراة التطورات التي تحصل في الإقليم والعالم، منبها لـ “مخاطر التطبيع مع العدو الإسرائيلي، الذي يريد من خلاله أن يوجه قدراته ولؤمه وخبثه من أجل أن يستأصل جذوة المقاومة وبيئتها التي تنمو وتتنامى وتتعزز قدراتها في منطقتنا العربية والإسلامية”.
ومن عين التينة، وبعد لقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري، قال رئيس حزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط إن الاجتماع الاخير لوزراء الخارجية العرب يفسر لنا الى حد ما الخروج من جو الطوق او الحصار العربي، وذلك نتيجة جهود الرئيس بري وجهود الآخرين، لكن بالتحديد الرئيس بري وأيضاً المساعدة القطرية للجيش اللبناني هي مؤشر وإن شاء الله تأتي المساعدة الاميركية التي وعدنا بها للجيش ولقوى الأمن واتفاق الإطار الذي نادى به الرئيس بري وخرجنا عنه وأضعنا وقتاً ومن ثم عدنا اليه بما يتعلق بـ 23 و29 عدنا اليه”.
وأضاف: “بشوية شغل وشوية هدوء وشوية عقلانية ان شاء الله المستقبل قد يتحسن، وعلى بعض الفرقاء في الداخل ألا يضع شروطا تعجيزية في ما يتعلق بتشكيل الحكومة”.
وحول موضوع المُسيّرات التي أطلقتها المقاومة أجاب جنبلاط: “العدو مش مقصّر” العدو ليس مقصراً باستخدام الاجواء اللبنانية. ايضاً هناك قواعد للعبة التي للأسف البعض من اللبنانيين لا ينتبه إليها ولا يراها”. وحول ما إذا كان يخشى على لبنان من حرب اسرائيلية: قال “لا أبداً لا حرب”.
وطالب البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي بـ “إلحاح” بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر على الأقلّ أو شهرين على الأكثر، معتبراً أنّ الشعب ينتظر أن يكون رئيساً واعداً ينتشل لبنان من القعر الذي أوصلته إليه الجماعة السياسية، أكانت حاكمة أم متفرجة. وطالب الراعي، خلال عظة الاحد، المسؤولين السياسيين بتأليف حكومة جديدة في أسرع وقت ممكن لحاجة بلادنا إليها أكثر من أي يوم مضى، مشدداً على أننا نريدها حكومة، كما ينتظرها الشعب، جامعة توحي بالثقة من خلال خطها الوطني ومستوى وزرائها، وجديتها في إكمال بعض الملفات العالقة، وضمان استمرار الشرعية وحمايتها من الفراغ.
"الجمهورية": إرتباك بين التأليف والترسيم .. وهوكشـتاين على الخط بعد المسيّرات
توزعت الاهتمامات في عطلة نهاية الاسبوع بين وقائع الاجتماع التشاوري لوزراء الخارجية العرب وملف ترسيم الحدود البحرية، في ضوء المسيّرات الثلاث التي اطلقها «حزب الله» فوق حقل «كاريش»، وتطورات ملف التأليف الحكومي، وما يدور حوله من خلافات واشتراطات حول الحكومة الموعودة ومهماتها، بما يعكس التعقيدات الكبيرة التي يواجهها هذا الاستحقاق الدستوري، رغم الدعوات الكثيرة في الداخل والخارج إلى الإسراع في تأليف الحكومة وتلافي الفراغ الحكومي، قبل الدخول في المهلة الدستورية لانتخابات رئاسة الجمهورية مطلع ايلول المقبل. ويُنتظر ان يحفل هذا الاسبوع بمزيد من التطورات، خصوصاً على الصعيدين، الحدودي، باحتمال تلقّي لبنان الردّ الاسرائيلي على اقتراحاته من الوسيط الاميركي عاموس هوكشتاين، والحكومي، بحصول مزيد من الحراك على جبهة تأليف الحكومة.
شكّل انعقاد اللقاء التشاوري لوزراء الخارجية العرب في بيروت جرعة دعم معنوية للبنان الذي يواجه أزمة مالية حادة، على وقع فراغ حكومي وبدء العد العكسي لنهاية ولاية الرئيس ميشال عون، الذي لن يتمكّن من المشاركة في القمة العربية الدورية المقرّرة في الجزائر، أوائل تشرين الثاني، بسبب انتهاء ولايته في 31 تشرين الأول. وعلى الرغم من انّ مستوى المشاركة العربية كان منخفضاً، حيث تَمَثَّلَ أقل من نصف الدول الـ 21، بوزراء الخارجية، إلّا انّ هذا الأمر لا يقلِّل من أهمية انعقاد هذا اللقاء في بيروت، الذي يؤشر بوضوح إلى حرص عربي على استقرار لبنان، وهذا ما تمّ تأكيده والتركيز عليه.
وقالت مصادر إطّلعت على اجواء الاجتماع الوزاري لـ«الجمهورية»، إنّ «الحرص العربي الصادق لن يخرج عن سقفه المعنوي، فلا مساعدات للبنان بمعزل عن الإصلاحات والشروط الدولية المطلوبة منه، إنما حدود هذا الحرص يتمثّل بتوجيه ثلاث رسائل أساسية:
ـ الرسالة الأولى، إلى المسؤولين اللبنانيين، بضرورة تحمُّل مسؤولياتهم في إدارة الدولة وتأليف حكومة ومنع الفراغ الرئاسي وإيجاد الحلول اللازمة للخروج من الأزمة المالية، وحضّهم على الاتكال على أنفسهم، لأنّ أحدًا لن يساعدهم في حال عدم تحمّلهم مسؤولياتهم، كون لبنان بلدهم ومن غير الجائز استمرار سياسة المناكفات على حساب البلد والناس.
- الرسالة الثانية، إلى الشعب اللبناني، مفادها انّ الدول العربية لن تترك هذا الشعب الذي يعاني من أزمة غير مسبوقة، أدّت إلى ارتفاع منسوب الفقر والهجرة، وستقف إلى جانبه وتمدّه بالدعم المطلوب، من أجل ان يتمكن من الصمود لتجاوز أوضاعه الصعبة. وجاء توقيت انعقاد اللقاء بعد الانتخابات النيابية وقبل تأليف الحكومة، بمثابة تحية إلى الشعب اللبناني الذي بدّل في نتيجة الانتخابات، وانّ الدول العربية لن تسمح بانهيار البلد وفقدانه استقراره.
- الرسالة الثالثة، إلى الدول الغربية والإقليمية بضرورة مساعدة لبنان وتحييده عن النزاعات وتوفير مقومات الدعم والصمود لشعبه. وجوهر هذه الرسالة انّ الدول العربية لن تترك لبنان لمصيره ولن تسمح بإخراجه من المنظومة العربية».
وفي معلومات لـ«الجمهورية»، انّ الديبلوماسيين العرب عقدوا خارج إطار الاجتماعات الرسمية لقاءات جانبية وبعيدة من الإعلام، مع مراجع ومسؤولين لبنانيين، في محاولة لتكوين صورة متكاملة حيال ثلاثة استحقاقات أساسية:
ـ الاستحقاق الأول، هو الانتخابات النيابية التي جرت في 15 أيار الماضي، حيث أصرّ الديبلوماسيون على محاولة معرفة حقيقة التوازنات السياسية التي أفرزتها هذه الانتخابات، وما إذا كان هناك من أكثرية في يد فريق معيّن، وعلى أي أساس يمكن هذه الجهة او تلك ان تستميل هذا النائب او ذاك، وهل التموضعات هي نهائية أم انّ الاصطفافات تحصل حسب القضية المطروحة. وإلى ما هنالك من تساؤلات لمعرفة حقيقة ميزان القوى النيابي داخل البرلمان.
- الاستحقاق الثاني، هو تأليف الحكومة بعد تكليف الرئيس نجيب ميقاتي تأليفها، وقد وصلوا إلى خلاصة مفادها انّ حكومة جديدة قبل الانتخابات الرئاسية لن تتشكّل، لأنّ العهد لن يتنازل قبل أشهر من نهاية ولايته، والرئيس المكلّف لن يتنازل لمصلحة تشكيلة تخدم العهد وتسيء إلى صورته ودوره كرئيس حكومة محتمل في العهد الجديد.
- الاستحقاق الثالث، هو الانتخابات الرئاسية، حيث حاول الديبلوماسيون معرفة من هم المرشحون خارج إطار المرشحين التقليديين، وما إذا كان «حزب الله» سيدعم ترشيح رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل أم ترشيح رئيس تيار «المردة» النائب السابق سليمان فرنجية أم شخصية أخرى من خارج الاصطفاف السياسي. وتساءلوا حول مدى قدرة المعارضة على توحيد صفوفها وتبنّي ترشيح واحد، وانّها في حال تمكنت من ذلك هل تنجح في إيصاله. وحذّروا من الفراغ الرئاسي، كون الوضع المأزوم في لبنان لا يتحمّل مسلسل الفراغ الذي اعتاد عليه هذا البلد، وكان له مساهمة أساسية في الانهيار الحاصل.
هوكشتاين على الخط
وعلى صعيد ملف ترسيم الحدود وإطلاق «حزب الله» أمس الاول 3 طائرات مسيّرة فوق حقل «كاريش»، أجرى الوسيط الأميركي المكلّف ملف ترسيم الحدود البحرية آموس هوكشتاين ليل السبت - الاحد، جولة من الاتصالات الهاتفية مع بيروت، مستطلعًا ما حصل وطالبًا توضيحات ومتسائلًا عمّا إذا كان المسؤولون اللبنانيون على علم بهذه العملية، وما يمكن ان تؤدي اليه في هذه الفترة بالذات، وصولًا الى ما يهدّد سير المفاوضات التي يجريها، والتي توصلت إلى مرحلة متقدّمة في اتجاه تقريب وجهات النظر بين لبنان واسرائيل.
وقالت مصادر واسعة الإطلاع لـ «الجمهورية»، انّ اتصالات هوكشتاين شملت عددًا من المسؤولين اللبنانيين مدنيين وأمنيين من المعنيين بملف الترسيم، ومن بينهم نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب، توجّه من خلالها اليهم بمجموعة من الاسئلة عن الأسباب التي دفعت إلى هذه العملية، ومستطلعًا رأيهم في ما جرى ومتمنيًا تبريرًا مقنعًا لما حصل.
وفي هذه الأجواء، تتبّع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عملية ارسال المسيّرات، طالبًا المعلومات التي تسمح بالتعاطي مع هذه القضية، خصوصًا بعدما اطلع على أجواء اتصالات هوكشتاين وما تضمنته من رسائل يرى لبنان نفسه معنيًا بالردّ عليها. فالوسيط الاميركي، وكما تبلّغ لبنان قبل ايام من السفيرة الاميركية، كان قد توصل إلى مرحلة متقدّمة من المفاوضات مع إسرائيل.
وكشف أحد الذين اتصل بهم هوكشتاين، انّه كان متخوفًا من هذه العملية ومتوجسًا من ردّات الفعل عليها، لما تشكّله من عقبة قد تودي بما تحقق في المفاوضات من إيجابيات، تنعكس سلبًا على مهمته في المستقبل.
وفي معلومات «الجمهورية»، انّ السفيرة الاميركية دوروثي شيا اتصلت بالمسؤولين اللبنانيين، مواكبة ما حصل، والتشاور في ما يمكن القيام به لحماية ما تحقق في المفاوضات الجارية، وخصوصًا انّها عادت من واشنطن بأجواء ايجابية.
الردّ على الاحتجاج
وكشف وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بوحبيب، انّه التقى شيا، وأنّ اجتماعاً سيُعقد اليوم، من دون ان يشير إلى مستواه ومكان انعقاده «من اجل تجهيز الردّ على الاحتجاج الأميركي في شأن اطلاق »حزب الله» مسيّرات فوق حقل «كاريش».
وقال بو حبيب: «إجتمعت مع السفيرة الأميركية وكانت متفائلة في شأن الوصول لاتفاق بشأن ترسيم الحدود البحرية الجنوبية». مؤكّدًا انّ «التفاوض في شأن ترسيم الحدود البحرية في مرحلة متقدّمة جدًا وآخذ في التفاؤل، ومن الآن حتى شهرين تتضح مساراته». وختم: «انّ السفيرة الأميركية أبلغتني احتجاجها لاطلاق «حزب الله» مسيّرات فوق حقل كاريش، وهناك اتفاق على أن لا تتمّ أي إثارة للوضع خلال المفاوضات. وأنّ لبنان لم يتلقّ ردًا مكتوبًا لكنه متمسك بالـ860 كيلومتراً متعرجًا كان أو جالسًا، ونريد حقل قانا بكامله».
الموقف الاسرائيلي
وأشار رئيس الوزراء الإسرائيلي، إلى أنّ «مسيّرات حزب الله حاولت المساس بمنشآت إسرائيلية في المياه الاقتصادية الإسرائيلية». وأضاف: «حزب الله يواصل بطرق إرهابية المساس بقدرة لبنان على التوصل لاتفاق لترسيم الحدود». ولفت إلى أنّ «إيران وحماس وحزب الله لا ينتظرون، وعلينا أن نتحرك ضدّهم في جميع المجالات، وهذا ما سنفعله».
بين التأليف والتصريف
وعلى صعيد ملف التأليف الحكومي، أبلغت اوساط سياسية مطلعة الى «الجمهورية»، انّ «تشكيل حكومة جديدة يواجه عقداً غير سهلة، منها الصارخ ومنها ما هو جمر تحت الرماد». ولفتت الى انّه لا بدّ من إيجاد مقاربة وسطى بين طلب رئيس الجمهورية ميشال عون اعتماد حكومة ثلاثينية تضمّ وزراء سياسيين، وبين طرح الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي الداعي الى إبقاء الحكومة الحالية مع بعض التعديلات، وإلّا فإنّ استمرار تصريف الأعمال حتى الانتخابات الرئاسية قد يصبح خيار الأمر الواقع».
واعتبرت الاوساط، انّ «من مكامن الخلل في تشكيلة ميقاتي سحب حقيبة أساسية هي الطاقة من الأرثوذكس وإعطائهم في المقابل حقيبة المهجرين الهامشية».
واشارت هذه الاوساط، الى انّ العقدة الأكبر هي انّ جوهر التعديلات الوزارية المطروحة استهدف حصراً فريق عون «ذلك أنّ غالبية الوزراء المقترح استبدالهم مصنفون ضمن خانة هذا الفريق، وهم وزير الطاقة وليد فياض المحسوب على «التيار الوطني الحر»، ووزير المهجرين عصام شرف الدين الذي يمثل طلال أرسلان حليف عون و»التيار»، ووزير الاقتصاد أمين سلام الذي توجد علاقة جيدة بينه وبين جبران باسيل».
ولفتت الاوساط، إلى محاولة استبدال هؤلاء الوزراء بأسماء هي خارج مظلة العهد و«التيار»، «إذ انّ وليد سنو المقترح لوزارة الطاقة، قريب من ميقاتي، ووليد عساف المطروح للصناعة قريب من وليد جنبلاط، وسجيع عطية المسمّى لوزارة المهجرين يحظى بدعم نائب رئيس الوزراء السابق عصام فارس، الأمر الذي يشكّل خللًا كبيرًا في توازنات الحكومة، لا يمكن أن يقبل به عون وباسيل».
ولاحظت، انّ من علامات الضعف الواضحة في طرح ميقاتي، إدراج الطاقة ضمن المداروة «فيما اعترف هو شخصيًا بأنّ الظرف ليس ملائمًا الآن لتطبيقها على وزارة المال، ما يؤشر إلى انّ المداورة انتقائية وانّ هناك صيفًا وشتاءً تحت سقف تشكيلة واحدة». واعتبرت «انّ الأفضل لكسب الوقت قبل الدخول في مرحلة الاستحقاق الرئاسي هو إبقاء الحكومة الحالية مع بعض التغييرات الموضعية في صفوفها، انما يجب أن يكون التعديل متوازناً، حتى لا يبدو موجّهًا ضد طرف لمصلحة طرف آخر».
الحكومة اللبنانيةالحدود البحرية اللبنانية