لبنان
التكليف بين التعجيل والتأجيل.. وعون: أفضّل الحكومة السياسية
اهتمت الصحف الصادرة صباح اليوم في بيروت بالاتصالات الجارية على مستوى تكليف رئيس للحكومة الجديدة على بعد يومين من الاستشارات النيابية الملزمة، وبقاء الرئيس نجيب ميقاتي الأوفر حظًا.
كما برزت مواقف لرئيس الجمهورة العماد ميشال عون الذي أكد فيها أنه يريد رئيساً للحكومة يمتلك تجربة واحترافاً في معالجة المشكلة الاقتصادية والمالية التي نتخبّط فيها.
"الأخبار": عون: أفضّل الحكومة السياسية ولا أفهم عدم الادّعاء على سلامة إلى الآن
تُجرى الخميس الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس مكلف تأليف آخر حكومات العهد. تأخّر موعدها شهراً ويومين مذ اضحت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في حكم المستقيلة. رغم انقسام الكتل على المرشح، إلا أن تأجيلها في اللحظة الأخيرة غير وارد في حسبان رئيس الجمهورية.
هذه المرة الاستشارات النيابية الملزمة غامضة. إلى الآن على الأقل. تشكو من عدم الاتفاق المسبق على الرئيس المكلف، أكثر من شكوى افتقارها إلى مرشحين متنافسين. مع أن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لا يزال صاحب الفرصة الفضلى، إلا أن الوصول إلى موعد الخميس مشوب بالشكوك. يوماً بعد آخر يؤتى على ذكر مرشحين محتملين، دونما أن يصير إلى تبني أحدهم كما لو أن المتوخّى محرقة أسماء لممارسة ضغوط على ميقاتي، وحمله على تقديم تنازلات في التأليف المفترض. يتصرّف الأفرقاء جميعاً كأن المعركة الأم هي على الرئيس المكلف، لا على الحكومة التي سيؤلفها.
يعزو رئيس الجمهورية ميشال عون تأخر تحديده موعد الاستشارات النيابية الملزمة إلى صواب حدسه: «تأخُّر اتفاق الكتل على الرئيس المكلف يبعث على القلق حيال ما يمكن أن ينبثق من الاستشارات الملزمة. تعمّدت تأخير الموعد ريثما تنضج فكرة التوافق على رئيس مكلف، لأن المعضلة هي في الخطوة التالية: تأليف الحكومة لا تسمية الرئيس المكلف. لم يتعدَّ التأخير أسابيع قليلة، مع أن لا مهلة دستورية ملزمة لرئيس الجمهورية لتوجيه الدعوة إليها. كنت في انتظار بلورة خيارات الكتل النيابية القديمة والجديدة. بعض النيات تكشّف عندما راحت كتل تتصرّف كما لو أن تسمية رئيس مكلف ستحملها إلى تسلّم السلطة كلها، وحكم البلاد بمفردها من خلاله. انتظرت بعض الوقت إلى أن طلعت أصوات قالت إن الرئيس يتأخر في تحديد موعد الاستشارات الملزمة لأنه لا يريد حكومة جديدة. الآن، ثمة دعوة بعد يومين. فليتفضلوا ويذهبوا إليها».
يضيف: «لا أحد لديه مرشح معلن، والكل يتحدثون عن مواصفات وشروط يطلبونها من الرئيس المكلف غير الموجود بعد. في المقابل أمامنا أسماء تظهر يومياً دونما أن يقول أصحابها هل هم فعلاً مرشحون لرئاسة الحكومة؟ وهل يريدون التكليف؟ هكذا، ندور من حول أسماء لا من حول اسم. للبعض المتداول سِيَر محترمة ومقدّرة وقد نكون في حاجة إليها. نحن في حاجة إلى رئيس حكومة يرافق الأشهر المقبلة التي لا تقتصر على انتخابات رئاسة الجمهورية، وليست الحكومة معنية بإجرائها بل مجلس النواب صاحب اختصاص انتخاب الرئيس. نريد رئيساً للحكومة يمتلك تجربة واحترافاً في معالجة المشكلة الاقتصادية والمالية التي نتخبّط فيها».
ماذا يتوقع من الاستشارات النيابية الملزمة الخميس؟
يقول الرئيس: «ستحصل حتماً وستخرج بنتيجة، وهو إصدار الرئاسة بيان تكليف، وأنا سأحترم إرادة النواب. أخشى أن نكون امام احتمالين. أول إيجابي ـ وهو ما أفضله ـ أن يتوافر توافق من حول رئيس مكلف بعدد لائق من الأصوات يساعده على تأليف الحكومة. يقلقني أن نكون في المقلب المعاكس، وهو الخروج بنتيجة سلبية تؤدي إلى تسمية رئيس مكلف إما بأصوات هزيلة أو تنقصه الميثاقية أو يفتقر إلى توافق طائفته عليه. عندئذ تصعب مهمة تأليف الحكومة كون تسميته، كرئيس مكلف ضعيف، انبثقت من انقسام نيابي من حوله. مسؤوليتي بصفتي رئيساً للجمهورية إجراء الاستشارات النيابية الملزمة وإعلان التكليف. لاحقاً تبدأ مهمة الرئيس المكلف عند الكتل النيابية، كي يتوافق معها على مواصفات الحكومة الجديدة. كلما انقسمت من حوله تضاعفت مشكلاته. مهمتي الفعلية الأخرى في المشاركة في مراحل التأليف، تأتي لاحقاً لأن رئيس الجمهورية يوقع أخيراً المراسيم. الختم معه».
أما كيف يريد الحكومة المقبلة، فالموقف بعيد من وجهة نظر ميقاتي. يؤيد عون «حكومة سياسية للمرحلة المقبلة، خصوصاً إذا كانت ستواجه استحقاقات وصعوبات. لم يعد في الإمكان القبول بأفرقاء يسمّون وزراء سياسيين، ونحن نسمّي وزراء تكنوقراط. إما كلها من تكنوقراط وليس على غرار الحكومة الحالية بعض وزرائها مقنعون، أو حكومة سياسية. قوة الحكومة في توازنها. عندما تكون حكومة سياسية متوازنة، ماذا يمنع أن تكون حكومة وحدة وطنية؟».
يثير عون أكثر من علامة استفهام حيال ربط أفرقاء بين خلافهم على التكليف واستعجالهم توقّع شغور في رئاسة الجمهورية: «لا أعرف لماذا يتحدثون عن استمرار حكومة تصريف الأعمال أكثر من تحدثهم عن حكومة جديدة، كما لو أنهم يريدون تلك وليس هذه؟ يأتون إليّ ويسألونني هل ثمة انتخابات رئاسية عند انتهاء الولاية؟ أتوا إليّ قبلاً، قبل أشهر من الانتخابات النيابية العامة وثابروا على المجيء حتى الأسبوع الأخير السابق لإجرائها، يسألون هل تحصل؟ كنت أرد بالإيجاب، فحصلت انتخابات 15 أيار. الآن أؤكد أن الانتخابات الرئاسية ستحصل في موعدها. لن يكون فراغ دستوري. سيكون هناك رئيس يخلفني في المهلة الدستورية، وأقدّر انتخابه ما بين 31 آب و21 تشرين الأول، في اليوم العاشر الذي يسبق نهاية ولايتي. إذا شئتَ سيكون رئيس ربع الساعة الأخير. يقيني مبني على أنني لا أراهن، بل أبني موقفي على الدستور الذي هو كتابي. ذلك ما يقتضي أن يفعله مجلس النواب أيضاً».
يتوقف رئيس الجمهورية عند استحقاق ينتصف استحقاقين آخرين: «ما بين تأليف الحكومة وانتخاب الرئيس المقبل، ثمة استحقاق لا ينتظر أياً منهما سواء تأخر الأول أو عُرقل الثاني، هو القضاء الذي يبقى يعمل عندما يستريح الآخرون. مع ذلك، لم أفهم سبب تهرّب القضاء من معركة تقع في صلب مهمته، وهي الادعاء على حاكم مصرف لبنان. لا أجد سبباً بعد لتلكُّئِه في الادعاء عليه. في حق رياض سلامة كمٌّ كبير من الاتهامات إما باختلاس أو جرائم أموال أو تزوير، وهو ملاحق من سويسرا بداية، قبل أن تنضم إليها فرنسا وبريطانيا وبلجيكا وألمانيا ولوكسبمورغ. مع ذلك يحمونه. في موضوع كهذا، بصفتي رئيساً للجمهورية، لست حَكَماً أو محايداً، بل أنا فريق أصلي ضد أولئك راعي الجريمة المرتكبة في حق الدولة اللبنانية واللبنانيين».
يضيف: «نحن على أبواب إنجاز التدقيق الجنائي. في 27 حزيران يصل الفريق الرئيسي المكلّف بالتدقيق الجنائي كي ينضم إلى الفريق الحالي في بيروت الذي بدأ الاطّلاع على وثائق مصرف لبنان وملفاته. سأختم التحقيق الجنائي قبل نهاية ولايتي، ولن يُعلن إلا من قصر بعبدا».
يتوسّع في الشرح: «واجباتي طرح التدقيق الجنائي والإصرار عليه، وعمره حتى الآن مذ أقره مجلس الوزراء في 26 آذار 2020 ما يوازي سنتين وشهرين و25 يوماً حتى اللحظة. وحده التدقيق الجنائي يكشف المرتكبين الشركاء والمستفيدين. لم أقل يوماً بأنّ رياض سلامة وحده المسؤول. لديه شركاء. إلا أنه يأخذ بصدره الدفاع عنهم وإخفاءهم وحمايتهم. التدقيق الجنائي يكشف هؤلاء أخيراً.
التدقيق الجنائي لن يُعلن إلا من قصر بعبدا، والحكومة الجديدة أفضلها سياسية
خير مكان له كي يدافع بنفسه عن نفسه هو التدقيق الجنائي الذي سأختم عهدي به. الرجل متورِّط ومُورَّط».
عندما يأتي على ذكر الشركاء بلا أسمائهم، يوحي الرئيس بأنّه يعرفهم واحداً واحداً. هنا يستعيد ما حصل في إفطار أقامه في القصر الجمهوري في 14 تموز 2019. في الإفطار الرمضاني، الجميع كانوا كما يروي: «رؤساء الطوائف والرؤساء السابقون والوزراء والنواب والموظفون الكبار ورجال الاقتصاد والأعمال والإعلام، أصغوا إلى خطابي محذّراً من الانهيار. ما قلته هو أن مسيرة مكافحة الفساد لن تتوقف أياً اشتدت الضغوط وهي حجر الزاوية في العملية الإصلاحية. ما إن انتهيت حتى صفّقوا جميعاً، جميعاً بلا استثناء. لم يعترض أحد أو يسجّل ملاحظة. عندئذ قلت من خارج نص الخطاب: ما دمنا كلنا متفقين أصبحت العملية أكثر سهولة. طبعاً كنت في واد، وكانوا في واد آخر».
أما كيف ينظر إلى المتبقّي من ولايته، أقل من خمسة أشهر، وهو في مواجهة تحديات شتى تستهدفه؟ يقول باقتضاب: «لست ضعيفاً. لم أكن كذلك مرة في أيّ من مراحل حياتي ومواقعي. في الأشهر الأخيرة لست حتماً ضعيفاً، لكنني قرفان».
"البناء": التيار يفتح الباب لمناقشة فرضيّة ميقاتي إذا بدا سلام مرجحاً
وعلى مسافة يومين فقط من انطلاق الاستشارات النيابية الملزمة في بعبدا لتكليف رئيس لتشكيل الحكومة الجديدة، لا يزال الغموض يخيّم على المشهد الحكومي في ظل الإرباك الذي يعيشه معظم الكتل النيابية التي لم تستطع حسم مواقفها رغم الاتصالات والمشاورات التي تكثفت بين مختلف الكتل والقوى السياسية للتوصل الى أكثرية تستطيع إيصال مرشح الى سدة التكليف، رغم حفاظ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي على أسهمه المرتفعة وتصدّره لائحة المرشحين.
وإذ تستبعد مصادر «البناء» تأمين أكثرية لتكليف السفير السابق نواف سلام رغم الدعم الأميركي – السعودي لهذا الخيار، بظل الانقسام بين الكتل، نفى النائب عبد الرحمن البزري ترشحه لرئاسة الحكومة، مؤكداً أنه لم يتم البحث مع السفير السعودي في لبنان وليد البخاري مسألة المرشحين لرئاسة الحكومة، علماً أن السفارة السعودية في اليرزة تعجّ بالزوار اليوميين لنواب التغيير وفؤاد مخزومي وأشرف ريفي والرئيس فؤاد السنيورة وبعض المستقلين وموفدين من القوات والاشتراكي، ما يؤكد تدخل السعودية باستحقاق التكليف على غرار تدخلها المباشر بالاستحقاق النيابي. وتدفع السفارة السعودية باتجاه تأمين توافق على مرشح موحّد.
وفيما يتريث رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط بإعلان موقف كتلته النيابية بانتظار موقف حزب القوات اللبنانية وقوى التغيير وما إذا كانوا سيتفقون على مرشح واحد هو السفير السابق نواف سلام كي لا يحرق مراكبه مع ميقاتي وثنائي أمل وحزب الله، فشلت قوى التغيير بالاتفاق على مرشح واحد لها بعد مشاورات واجتماعات ماراتونية بين أعضائها بحسب ما علمت «البناء» التي تواصلت مع مجموعة متنوّعة من قوى التغيير والمستقلين وأكدوا لها جميعهم بأن الاتصالات لا زالت مستمرة ولم يتم التوصل الى مرشح جامع وتوافقيّ بسبب المقاربات المختلفة للمرحلة المقبلة ومواصفات الرئيس المقبل، واستبعدوا أن يتم التفاهم على اسم معين مرجحين أن يذهب نواب التغيير والمستقلون فرادى الى الاستشارات حاملين أسماء عدة.
وعكست ردود نواب التغيير والمستقلين حول موقفهم من التكليف حالة من الإرباك والضياع والتخبط، ما دفعهم الى التهرب من الاطلالات الاعلامية والتصريح لتفادي الإحراج الذي يواجهونه، كما عكست أجواء الخلافات التي تسود داخل فريق قوى التغيير ومع المستقلين، وداخل القوى المستقلة نفسها، وبين قوى التغيير والمستقلين وبين القوات اللبنانية.
وانفرد حزب «تقدم» بالإعلان أن نائبيه مارك ضو ونجاة عون «سيسمّيان القاضي نواف سلام لرئاسة الحكومة وتأليفها لأنه يمتلك النزاهة والشفافية، والقدرة المطلوبة للعمل والمواجهة وليست لديه مصالح مع شبكة المحاصصة والفساد».
إلا أن مصدراً نيابياً في قوى التغيير كشف لـ«البناء» أن قرار النائبين ضو وصليبا منفرد وخرق للإجماع، وبالتالي أكثر من نائب في قوى المجتمع المدني ليسوا موافقين على تكليف نواف سلام، ولديهم مرشحون آخرون، ولن يسيروا بأي مرشح يتمّ فرضه على الآخرين.
من جهتها، تلعب القوات اللبنانية على الحبلين، فمن جهة تخوض مشاورات شاقة وصعبة قبل تحديد موقفها مع كل من قوى التغيير والحزب الاشتراكي للاتفاق على مرشح مواجهة مع الثنائي وقوى 8 آذار، تفتح قناة التواصل مع ميقاتي في محاولة لمفاوضته على مكاسبها والحصص الوزارية التي ستنالها إن سمته وأمنت له الميثاقية المسيحية وسهلت له التأليف ومنحته الثقة في المجلس النيابي، لكن القوات وفق مصادر مطلعة لـ«البناء» تحاول الالتفاف على التيار الوطني الحر وعقد اتفاق مع ميقاتي واللقاء الديموقراطي وإحراج التيار فإخراجه الى صفوف المعارضة والاستئثار بالحصة الوزارية المسيحية في حكومة إدارة الفراغ ما يمنح القوات قوة دفع تفاوضية في الاستحقاق الرئاسي.
إلا أن أوساطاً نيابية في الحزب الاشتراكي أكدت لـ«البناء» أن موقف اللقاء الديمقراطي لم يحسم حتى الآن والمشاورات مستمرة مع كافة القوى السياسية ولدينا متسع من الوقت حتى يوم الخميس لتظهير موقفنا النهائي، ولفتت الى أننا لن نعلن موقفنا قبل معرفة مواقف الآخرين الذين لم يحسموا امرهم بعد.
وعن موقفهم من ترشيح نواف سلام شددت الأوساط على أننا رشحنا سلام في مراحل سابقة، ولكن نريد مناقشة بعض الملفات الأساسية مع أي مرشح للتكليف وكذلك انتظار مواقف الكتل النيابية الأخرى قبل حسم الموقف. وشددت الأوساط على أنه لا يهمنا الشخص بقدر ما نضع معايير للاختيار وأولويتنا في هذه المرحلة هي معالجة الأزمات المالية والاقتصادية والوضع الاجتماعي الصعب، كاشفة أننا لم نحسم موقفنا تجاه تسمية ميقاتي حتى الساعة والأمور مفتوحة على احتمالات عدة.
وإذ أشارت معلومات الى وجود تواصل بين التيار الوطني الحر وبعض قوى المعارضة للتوصل الى مرشح موحد، علمت «البناء» أن التواصل حصل بين التيار والنائب عن الشمال رامي فنج ونواب آخرين، لكن مصدر نيابي في التيار أكد لـ«البناء» أن المشاورات مستمرة ولم يتم حسم الموقف وسيعقد تكتل لبنان القوي اجتماعاً مساء اليوم برئاسة النائب جبران باسيل لاتخاذ الموقف النهائي. وشدد المصدر على أننا لن نسمي الرئيس ميقاتي إلا إذا حصلت تطورات في ربع الساعة الأخير، وأوضح المصدر أن التيار يضع معايير لاختيار الرئيس المكلف وجدول أولويات تبدأ بقضية مرفأ بيروت والتدقيق الجنائيّ وخطة التعافي المالي والاقتصادي والإصلاحات والودائع المصرفية ومصير حاكمية مصرف لبنان وأزمة النازحين السوريين وترسيم الحدود، وأي رئيس مكلف يجب أن يقدم التزامات حول رؤيته وكيفية تصرفه ومقاربته لهذه المسائل الحيوية والمصيرية، وذلك كي لا نكرر تجربة الحكومات السابقة لا سيما الأخيرة التي ترأسها ميقاتي.
وفيما أكد المصدر أن التواصل مقطوع مع ميقاتي، لا تستبعد مصادر أخرى حصول اتفاق ربط نزاع بين باسيل وميقاتي في ربع الساعة الاخير، يربط باسيل تسمية ميقاتي والمشاركة بالحكومة ومنحها الثقة بمدى التزام ميقاتي بجدول أولويات حدده التيار. وكان لافتاً موقف ميقاتي المتقدم أمس من أزمة النازحين السوريين بتلويحه بأن لبنان سيعمل على إخراج السوريين من لبنان بالطرق القانونية، إذا لم يستجب المجتمع الدولي والقوى الغربية بالعمل على إعادتهم الى سورية. توقيت موقف ميقاتي يرسم علامات استفهام ما إذا كان رسالة حسن نية للتيار حول ملف لطالما شكل محل خلاف بين عون وميقاتي.
وفيما رفضت دار الفتوى بحسب المعلومات دعوة من رئاسة الجمهورية لزيارة بعبدا وتزكية شخصية سنية لتكليفها تأليف الحكومة، أكد المفتي دريان خلال لقاءاته في دار الفتوى مع عدد من نواب الشمال أن دار الفتوى «حاضنة لكل اللبنانيين، ولا تفرّق بين أحد من أبنائها وتتعامل معهم على أساس الأخوة والمحبة والاحترام والإرشاد والتوجيه لتأكيد ما تسعى إليه من احتضان مختلف الطاقات والقدرات والكفاءات اللبنانية المميزة في سبيل النهوض بلبنان من كبوته وأزماته، التي نسأل الله تعالى أن يجعل لها فرجاً ومخرجاً عما قريب». ودعا الأطياف السياسية كافة التي تتمثل في المجلس النيابي الى «توحيد الصف والكلمة لتمرير تسمية رئيس مكلف لتشكيل الحكومة التي يكون على عاتقها متابعة تحقيق الإصلاحات المطلوبة لإخراج لبنان من أزماته المالية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية والوصول الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية».
ونقل النائب وليد البعريني عن دريان تأكيده أن المفتي على مسافة واحدة من الجميع ولا يدخل في التسميات لرئاسة الحكومة.
وفيما تؤكد مصادر ثنائي أمل وحزب الله وفريق 8 آذار لـ«البناء» أنها تفضل ميقاتي لإدارة المرحلة المقبلة لتمريرها بأقل خسائر ممكنة حتى الاستحقاق الرئاسي، تشير الى أن الثنائي سيسمّي ميقاتي مع كتلة المردة وانماء عكار والنواب المتحدرين من تيار المستقبل، لكن في حال اجتمعت القوى الأخرى من القوات والكتائب والتغييريين وجنبلاط على مرشح واحد أكان نواف سلام أم غيره، فإن الثنائي سينتقل الى الخطة «ب» اي الاتفاق مع التيار الوطني الحر للاتفاق على مرشح موحّد لمواجهة مرشح القوى الأخرى ومنع تكليفه.
وأعلن رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة»، النائب محمد رعد أن «الكتلة ستسمي رئيس الحكومة المكلف الذي تراه مناسبًا لإدارة المرحلة الحكومية الراهنة من دون توهّم، أنّه سيكون من الأولياء أو من الملائكة، لكن من الضروري أن يكون منفتحًا على المعالجات الواقعية وفي الوقت نفسه أن يعرف قدر وأهمية المقاومة في حماية البلاد وخطورة أيّ تفريط برصيدها ودورها الوطني الضروري للبنان واللبنانيين». ورأى أن «المرحلة الحاضرة تتطلّب قرارات صعبة وجريئة ومنصفة في آن، كما تتطلب الكثير من الدقة والأمانة وبُعد النّظر».
ولفت الى أن «لبنان يعاني من أزمة على الصّعد كافة، ومن المفروض علينا بعد انتهاء الانتخابات النيابية أن نتصدّى لهذه الأزمة ونجد الحلول للمشاكل التي تدهم كل بيت بدءًا من غلاء المعيشة وارتفاع أسعار السّلع والمواد، وتفلّت سعر صرف الدولار وعدم استقرار الوضع الاجتماعي والاقتصادي والتربوي، وصولاً إلى أزمة أقساط المدارس وكلفة النّقل ومستحقات المعلمين، إضافةً الى عجز الكثيرين عن تسجيل أولادهم».
"الجمهورية": التكليف بين التعجيل والتأجيل
على الرغم من أنّ إسم الرئيس نجيب ميقاتي، هو المتقدّم في نادي المرشحين لتشكيل آخر حكومة في عهد الرئيس ميشال عون، فإنّ الأجواء السابقة لاستشارات التكليف المحدّدة بعد ثلاثة ايام، تصعّب إمكانية الحسم المسبق لإسم الشخصية التي سيرسو عليها التكليف بعد ظهر الخميس المقبل.
هي المرة الأولى في تاريخ الاستشارات النيابية الملزمة التي يبقى فيها اسم الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة في عالم المجهول، وإن كانت الترجيحات المرتبطة بهذا الإستحقاق ما زالت تغلّب إمكان إعادة تكليف الرئيس ميقاتي، الّا انّ لا شيء محسوماً حتى الآن، في ظلّ الغموض الذي يحيط بمواقف غالبية الكتل والتوجّهات النيابية. وكذلك في ظلّ زحمة اتصالات تجري على أكثر من صعيد للتنقيب عن تلك الشخصيّة من بين مجموعة من أسماء يتمّ التداول فيها داخل الغرف المغلقة.
الواضح حتى الآن، انّ هذه الإتصالات لم ترسُ بعد، على شخصية معيّنة، وخصوصاً انّ أطرافها، وإن كانوا يشكّلون جبهة اعتراضية في وجه ميقاتي، تمتدّ من «التيار الوطني الحر» إلى سائر القوى التي تسمّي نفسها سيادية وتغييرية، لا يتقاطعون على اسم شخصية محدّدة، حيث انّ كل طرف يسعى الى تمرير مرشّحه، على اعتبار انّه يمتلك المواصفات التغييرية التي تؤهّله لقيادة المرحلة وتحدّياتها.
أوراق مستورة
وعلى ما تقول مصادر سياسيّة مطلعة لـ«الجمهورية»، انّ «استشارات الخميس تبدو وكأنّها قد أُدخلت في لعبة «أوراق مستورة»، يُظهر فيها كل طرف نفسه وكأنّه ينام على إسم معيّن ليفرج عنه يوم الاستشارات. الّا انّ الاجواء السائدة في هذه اللعبة لا توحي حتى الآن بوجود شخصيّة يمكن اعتبارها منافساً جّدياً للرئيس ميقاتي في استشارات الخميس، وربما يكون مرد ذلك انتظار «كلمة سرّ» تهمس بها «مصادر الوحي» الداخلية والخارجية.
وضمن سياق هذه اللعبة، تعكس الوقائع المتلاحقة على مشهد الاستشارات، انّ الجسم النيابي منقسم على نفسه. وفي هذا السياق، تتحدث مصادر واسعة الاطلاع لـ»الجمهورية» عن ضفتين:
- الضفة الاولى، حسمت خيارها مع ميقاتي، يتقدّمها الثنائي الشيعي وحلفاؤهما المباشرون، وترى ضرورة إعادة تكليفه تشكيل الحكومة، بما يمثله، وهو وإن كان خارج البرلمان، فذلك لا يعني انّه لا يمثّل بعداً شعبيّاً وسنيّاً مشهوداً له، خلافاً لشخصيات أخرى بعضها «مغمورة» لا وزن لها ضمن طائفتها، وبعضها الآخر «مطواعة»، يجري إسقاطها بـ«باراشوت السياسة والحسابات الشخصية» على رئاسة الحكومة، ليس فقط من باب النكاية الشخصية بميقاتي، بل من باب أخطر، وهو الاستئثار بالحكومة واحتواء رئيسها في هذه المرحلة، وهذا من شأنه ان يشكّل استفزازاً صارخاً للطائفة السنّية.
ماذا يريد التيار؟
وإذا كان ثمة في هذه الضفّة من يقارب استشارات الخميس بتفاؤل حذر حيال إمكان نيل الرئيس ميقاتي أكثرية توجب تكليفه تشكيل الحكومة، الّا انّ هؤلاء يرسمون علامات استفهام حول موقف «التيار الوطني الحر» ورئيسه جبران باسيل، «فحتى الآن لا نعرف ماذا يريد من تصعيده الذي بدأه مع انتخابات رئاسة المجلس النيابي، ويكمله الآن في استشارات التكليف، بالحملة الشرسة على الرئيس ميقاتي في الوقت الحرج الذي يتطلب فيه البلد أعلى درجات الهدوء والاستقرار السياسي».
كما انّ هؤلاء الذين يتفهمون مواقف «القوات» و«الكتائب» و«التغييريين»، يعكسون شعورهم بـ»النقزة» من موقف «الحزب التقدمي الاشتراكي» ورئيسه وليد جنبلاط، ولا يخفون خشيتهم من ان تجري رياح «اللقاء الديموقراطي» يوم الاستشارات النيابية الملزمة في الاتجاه الآخر. حيث انّ من شأن ذلك ان يفتح البلد، ليس فقط على تكليف جديد، بل على واقع جديد حافل بتداعيات واحتمالات، أقلّها وضع مصير الحكومة الجديدة في دائرة التعطيل.
- الضفة الثانية، إعتراضية لاسباب مختلفة، منها ما هو مرتبط بالعاملين السياسي والشخصي، كما هو الحال بين «التيار الوطني الحر» وميقاتي، ومنها ما هو مرتبط بمواقف وبعوامل سياسية، لا تقتصر امتداداتها على الداخل فقط، وهنا يندرج موقفا «القوات اللبنانية» و«الحزب التقدمي الاشتراكي». ومنها ايضاً ما يرتبط بالاعتراض المبدئي والمعلن سابقاً، الذي عبّر عنه فريق النواب «التغييريين»، بأنّهم لن يسمّوا أي شخصية سبق أن كان لها دور او موقع في السلطة وفي التسبّب بالأزمة على ما يقولون.
بازار .. ومناورات!
على أنّ اللافت للانتباه، ضمن الضفة الثانية، ما بدا أنّه بازار مفتوح على محاولة صياغة تحالفات معلنة او غير معلنة، بين الأضداد، لقطع طريق التكليف أمام ميقاتي.
ويتبدّى ذلك جلياً في محاولات مباشرة وغير مباشرة للتقاطع حول اسم معيّن بين «التيار الوطني الحر» وقوى تغييريّة وسيادية. وتردّدت معلومات عن انّ الاتصالات بين «التيار» ونواب تغييريين قد بلغت مرحلة متقدّمة.
ويتزامن ذلك مع ما تبدو أنّها «مناورات» يقوم بها بعض الاطراف، عبر طرح اسماء معيّنة، لتقدير مدى قدرتها على جذب أطراف لتسميتها، وخصوصاً انّ لبعض هذه الاسماء مقبولية لدى بعض الأطراف. وكانت لافتة للانتباه امس، بادرة نواب تغييريّين إلى طرح اسم السفير السابق نواف سلام، في الوقت الذي تجري فيه محاولات في هذا الجانب لتسويق مجموعة اسماء مثل صالح النصولي، خالد زيادة، والمسؤول في صندوق النقد الدولي عامر البساط، الذي قيل انّه يُجري لقاءات واتصالات لبحث إمكانية تسميته لرئاسة الحكومة.
وبرز في هذا السياق ما أعلنه عضو «اللقاء الديموقراطي» النائب هادي ابو الحسن، من انّ اللقاء لا يزال يجري مشاورات حول الاستشارات، وقال: «كنا اول من سمّى السفير سلام سابقاً، واليوم الموضوع يتعدّى تسمية الشخص للبرنامج والمهمّة».
وكذلك ما أعلنه عضو كتلة «الجمهورية القوية» النائب فادي كرم، رداً على سؤال عن اتفاق بين «القوات» و«التقدمي» لتسمية ميقاتي، انّ «في حال لم يكن هناك اتفاق موحّد مع «التقدمي» و«التغييريين» والمستقلين، قد يكون هناك تمايز بموقفنا عن الحزب الإشتراكي».
هل ستجري الاستشارات؟
وإذا كانت الصالونات السياسية على اختلافها منهمكة بالهمس بأسماء المرشحين لرئاسة الحكومة، الّا انّه في موازاة ذلك، فإنّ بعض الاوساط السياسية، لا تزال تزرع شكوكاً حول إمكان إجراء الاستشارات في موعدها، وذلك ربطاً بالتناغم الكلي بين موقف رئيس الجمهورية وموقف تياره السياسي الذي يعارض إعادة تكليف ميقاتي.
وبحسب ما يتردّد في تلك الاوساط، فإنّ عدم وجود مرشح قوي في وجه ميقاتي متبنّى من غالبية نيابية مرجحة له، كما انّ وجود اكثر من مرشّح، فمعنى ذلك انّ كفّة التكليف في الحالتين ستميل حتماً لصالح ميقاتي، وهو امر قد يعزز احتمال ان يبادر رئيس الجمهورية ميشال عون، انسجاماً مع موقف تياره، إلى تأجيل موعد الاستشارات، بذريعة إجراء المزيد من الاتصالات والمشاورات، كما فعل في حالات سابقة، وتحديداً مع الاستشارات الملزمة التي سبقت تكليف الرئيس سعد الحريري. ويومها أجّل الاستشارات بناءً على رغبة كتلة حزب «الطاشناق».
إلى ذلك، قال مرجع مسؤول لـ«الجمهورية»: «نسمع الكثير من التساؤلات حول مصير الاستشارات الملزمة، وما إذا كانت ستجري في موعدها، او انّ امراً ما سيطرأ في آخر لحظة يضعها امام احتمال التأجيل، وإن كانت هذه الاسئلة مبرّرة، فإننا لا نرى ما يوجب التأجيل، علماً انّه حتى الآن لا توحي اجواء القصر الجمهوري بشيء من هذا القبيل، ولكن لدينا تجارب سابقة، تبقي كل الاحتمالات واردة، وأي تأجيل معناه المزيد من التعقيد».
موقف دار الفتوى
وفيما تكثفت اللقاءات النيابية التي يجريها السفير السعودي في لبنان وليد البخاري في هذه الفترة، شهدت دار الفتوى حركة زيارات نيابية ملحوظة في الساعات الماضية، سعياً للوقوف على موقف دار الفتوى من الاستشارات الملزمة، وأي المرشحين لرئاسة الحكومة الذي يحظى برعايتها.
وفي وقت اكّدت فيه مصادر قريبة من دار الفتوى لـ«الجمهورية»، انّ «الدار تنأى بنفسها عن موضوع الاستشارات ولا تتبنى مرشّحاً معيناً»، لفت ما صدر عن مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، حيث اكّد «انّ «الاستشارات النيابية في القصر الجمهوري لتسمية رئيس مكلّف بتشكيل الحكومة هي أمانة لاختيار من لديه حكمة ومعرفة، ولديه رؤية واضحة لمعالجة الوضع الصعب الذي يمرّ فيه لبنان».
وشدّد دريان على «انّ دار الفتوى هي «حاضنة لكل اللبنانيين، ولا تفرّق بين أحد من أبنائها، وتتعامل معهم على أساس الإخوة والمحبة والاحترام والإرشاد والتوجيه، لتأكيد ما تسعى إليه من احتضان مختلف الطاقات والقدرات والكفاءات اللبنانية المميزة، في سبيل النهوض بلبنان من كبوته وأزماته، التي نسأل الله تعالى أن يجعل لها فرجاً ومخرجاً عمّا قريب».
ودعا المفتي دريان الأطياف السياسية كافة التي تتمثل في المجلس النيابي، إلى «توحيد الصف والكلمة لتمرير تسمية رئيس مكلّف لتشكيل الحكومة، التي يكون على عاتقها متابعة تحقيق الإصلاحات المطلوبة لإخراج لبنان من أزماته المالية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية والوصول الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية».
وتوجّه الى النواب بالقول:«عززوا وحدتكم وتضامنوا وتكاتفوا، واجعلوا مصلحة لبنان نصب أعينكم وأول أهدافكم».
«أمل»
إلى ذلك، ومع اقتراب الاستشارات الملزمة، دعت حركة «أمل» في بيان لمكتبها السياسي أمس، إلى عدم تضييع الوقت الذي لا يملك لبنان ترفه، وإلى عدم الدخول في متاهات التسويف والمماطلة والشروط والشروط المضادة في الفترة المتبقية للاستحقاق الرئاسي، لأنّ البلد لم يعد يحتمل خسارة أي فرصة».
ودعت الاطراف السياسية إالى «وضع عنوان للمرحلة المقبلة هو ماذا نريد من الحكومة العتيدة؟ وليس بحث كل طرف عن مصلحته في اي حكومة، خصوصاً انّ الوضع الاجتماعي المتأزّم الى أقصى الحدود، والانهيار الاقتصادي الذي يضرب كل القطاعات، يستوجبان الإسراع في ورشة حكومية جدّية، تضع خارطة طريق واضحة للاصلاحات الداخلية والمطلوبة من المجتمع الدولي، وإعادة النزر سريعاً في خطة التعافي الاقتصادي وإقرارها وفق الاصول، بما يسمح بقيامة لبنان من عثراته وحفظ حقوق الناس».
واستغربت طريقة تعاطي حكومة تصريف الاعمال مع الأزمات وتجاهل اضراب موظفي القطاع العام، ودعت إلى تفعيل أجهزة الرقابة والمحاسبة الفورية للتجار والمحتكرين وللكارتيلات التي تستسهل المتاجرة بلقمة عيش المواطن.
وحذّرت من «خطورة المرحلة المتأزّمة التي تستوجب تضامناً وطنياً جامعاً، لمواجهة ما يُرسم في دوائر القرار للمنطقة، والسعي الفعلي والجدّي لحفظ لبنان وثرواته ومصالحه الحيوية ودوره وموقعه». وشدّدت على «ضرورة تماسك الموقف اللبناني في مقاربة ملف ترسيم الحدود وحماية الحقوق، والمباشرة فوراً في الإجراءات التطبيقية للبدء في التنقيب عن الغاز».
إقرأ المزيد في: لبنان
13/11/2024