لبنان
ردود الفعل على كلام السيد نصرالله تتواصل والمتملقون منهم يريدون رضى السعودية قبيل الإنتخابات
ركزت الصحف اللبنانية الصادرة فجر اليوم من بيروت على ردود الفعل على خطاب الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله الذي تتردّد في الفضاء السياسي الداخلي نظراً للمواقف العالية السقف والأولى من نوعها التي أطلقها ضد السعودية، ما يحمل قراراً لدى قيادة الحزب بالمواجهة الحاسمة مع المملكة حتى النهاية.
ردود الفعل هذه والهجمة السياسية ضد الحزب من أطراف داخلية لبنانية مؤيدة للسعودية جاءت كسباً لرضاها وتقديم أوراق اعتمادهم لها علهم يلقون الدعم السياسي والمالي قبيل الانتخابات النيابية.
"الأخبار": انطلاق السعار الانتخابي ضد المقاومة
بداية مع صحيفة "الأخبار" التي اعتبرت أنه فجأة، وبسحر «طويل العمر»، استفاقت الجوقة كلها في أجواء يرجح أن تزيد الأزمة السياسية تعقيداً، وتمدّد عمر الأزمة الحكومية المفتوحة منذ ثلاثة أشهر.
«سعار» ضد المقاومة، هو أقل ما يمكن أن توصَف به المواقف التي أُطلقت رداً على ردّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله على اعتداء ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز بوصفه المقاومة بالإرهاب. الطمع في رضا المملكة، عشية الانتخابات وما تتطلّبه من مصاريف، أيقظ الجميع من سباتهم تذللاً وتزلّفاً، معتمدين المنطق السعودي نفسه في ابتزاز اللبنانيين المقيمين في دول الخليج في لقمة عيشهم.
رئيس حكومة «معاً لإنقاذ كرامة المملكة» نجيب ميقاتي كان أول من سدّد سهماً ضد المقاومة، فور انتهاء نصرالله من خطابه، مخرجاً حزب الله من «التنوع اللبناني»، في استمرار للدونية التي يتعاطى بها مع مملكة القهر منذ افتعالها الأزمة الديبلوماسية مع لبنان، وإصراره على إقالة وزير الإعلام جورج قرداحي مقابل «مكرمة» هاتفية. وبحسب مصادر مطلعة لـ«الأخبار»، فإن ميقاتي وصله جواب على ما قاله، وبأنه «لن يمر مرور الكرام».
سعد الحريري الذي يكاد اللبنانيون ينسونه، صوتاً وصورة، رمى أيضاً بسهمه طمعاً في أن «يُشهد له عند الأمير»، مذكّراً بأن السعودية التي «احتضنته» في 4 تشرين الثاني 2017 وأجبرته على الاستقالة، «احتضنت اللبنانيين ووفرت لهم مقوّمات العيش الكريم». ونبّه من أن «التاريخ لن يرحم حزباً يبيع عروبته واستقرار وطنه ومصالح أهله لقاء حفنة من الشراكة في حروب المنطقة».
وليد جنبلاط، الطامح إلى نيل حظوة ملكية تماثل حظوة سمير جعجع، أخرج ما في جعبته من أسئلة، لم يكن سؤال «إلى أين» من بينها، وإنما «هل تقف حرب اليمن باعتبار اللبنانيين العاملين في السعودية منذ عقود رهائن؟» و«ماذا تريد إيران من لبنان ومن المنطقة؟»، وكأن من كان يتحدث أول من أمس إيراني لا يتكلم العربية، ولم يكن يردّ على اعتداء سعودي على أكبر الأحزاب اللبنانية وعلى شريحة واسعة من اللبنانيين.
وأدلى فؤاد السنيورة، صاحب جريمة الـ 11 مليار دولار بدلوه أيضاً في وصف كلام نصرالله بـ «الجريمة الموصوفة بحق لبنان واللبنانيين، وبما يعرض مصالحهم الوطنية للخطر»، متهماً نصرالله بأنه «يمعن في خنق لبنان وإقفال الأبواب والمنافذ عليه فوق ضائقته الاقتصادية والمعيشية والسياسية».
حزب الله، من جهته، لم يلتزم الصمت كعادته. فتولى بعض نوابه الرد على حملة التزلف للرياض. فقال النائب حسن فضل الله في بيان: «كنَّا ننتظر من رئيس الحكومة أن يُعلي من شأن الانتماء الوطني، وينتفض لكرامة وطنه في وجه الإساءات المتكرِّرة من السعودية ضد الشعب اللبناني»، لافتاً إلى أنه «بدل أن يُسارع دولته، الذي يُفترض أنه وفق الدستور رئيس حكومة جميع اللبنانيين، إلى الدفاع عن من يمثل دستورياً، فإنه ارتد ضد الداخل اللبناني، وأطلق عبارات التشكيك بولاءات جزء كبير من هذا الشعب، بكل ما يمثله تاريخياً وحاضراً ومستقبلاً». وأكد أن «انتماء المقاومة إلى وطنيتها اللبنانية لا يحتاج إلى شهادات بلبنانيتها، لأنها تمثل الانتماء الحقيقي الصادق لوطنها»، و«أكثر ما يسيء إلى لبنان ودوره ونديَّة علاقاته الخارجية، هو تخلي بعض مسؤوليه عن واجبهم الوطني في الدفاع عن دولتهم ومصالح شعبهم، وعدم الإقلاع عن مهاتراتهم، وتسجيل المواقف في حساب ممالك لن ترضى عنهم مهما قدّموا من تنازلات وهدروا من ماء وجههم». فيما غرّد النائب إبراهيم الموسوي عبر «تويتر»: «بئس الزمن الذي يطالب فيه البعض المقاومة بأن تكون جزءاً من التنوع اللبناني، هي التي حمت وضحت بدماء شهدائها وأرواحهم كي يبقى الوطن». وتوجّه إلى ميقاتي من دون أن يسميه: ««كلامك المتملق يمثّلك ويلزمك وحدك. وهو إساءة وإهانة لك قبل أن يكون كذلك لكل لبناني وطني شريف».
رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، من جهته، أكد «أننا نحرص على علاقات لبنان العربية والدولية لا سيما مع دول الخليج وفي مقدمتها السعودية»، لكنه شدّد على أن «هذا الحرص يجب أن يكون متبادلاً لأنه من مصلحة لبنان ودول الخليج على حد سواء».
تعرفة الكهرباء 20 مرّة أعلى
سريعاً تستكمل التحضيرات لزيادة تعرفة الكهرباء بحدّ أدنى يبلغ 16 ضعفاً وحدّ أقصى يبلغ 36 ضعفاً، وتترافق مع وعود بزيادة عدد ساعات التغذية اليومية بالتيار الكهربائي من 4 ساعات حالياً إلى 10 ساعات. لكن هذه التحضيرات تتغافل، جهلاً أو عمداً، عن النتائج الكارثية التي سيرتّبها إلغاء دعم الكهرباء وزيادة التعرفة على الأسر الفقيرة والمتوسطة الدخل قبل تصحيح الأجور بشكل مناسب، فيما لم تحصل مصر بعد على ضمانات أميركية بإعفائها مسبقاً من عقوبات «قيصر» لأنها ستزوّد لبنان بالغاز عبر سوريا... بالتالي زيادة التعرفة تأتي من دون ضمانة بزيادة ساعات التغذية!
مساء أمس، أرسل وزير الطاقة والمياه وليد فياض إلى مؤسسة كهرباء لبنان النسخة النهائية من اقتراح زيادة تعرفة الكهرباء، مرفقة بالدراسة التي استند إليها. النسخة التي اطّلعت عليها «الأخبار» تظهر أن التعرفة المطلوبة لوقف خسائر المؤسّسة يفترض أن تزيد على التعرفة الحالية بنحو 20 ضعفاً، باعتبار أن سعر مبيع الكيلواط يبلغ اليوم سنتاً واحداً، فيما كلفة التوليد والتوزيع وحدها تبلغ 14 سنتاً، وتفوق الكلفة الإجمالية لتحقيق التوازن المالي 24 سنتاً لكل كيلواط. اللافت أن هذا الحساب أُجري باعتبار أن مجمل الطاقة المنتجة حالياً في المؤسسة لا يتجاوز 500 ميغاواط، باستخدام نحو 60 ألف طن شهرياً من الفيول العراقي، أي على أساس ما بين 3 و4 ساعات تغذية يومياً.
"البناء": ميقاتي والحريري يردّان على نصرالله… وفضل الله: الأوْلى بالردّ الكرامة المهدورة
بدورها، صحيفة "البناء" رأت أن الانسداد السياسي يستمر بعجز القوى المشاركة في الحكومة عن الوصول الى تسوية لقضية المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت طارق بيطار، ما يمنع انعقاد الحكومة دون التورّط بأزمة أكبر، بينما تبدو الدورة الاستثنائية لمجلس النواب موضوعاً للأخذ والردّ في السجال المفتوح بين الرئاستين الأولى والثانية، ومحاولات منح القاضي بيطار فرصة تنفيذ مذكرة التوقيف بحق النائب علي حسن خليل، فيما بيطار مجمّد عن العمل ومعه تحقيقاته، بعدما باتت قضيته مذكرة التوقيف بدلًا من الإعداد لإصدار القرار الاتهامي، ويتوقع وفقاً لمصادر حقوقية ان تتالى دعاوى الردّ والمخاصمة التي تطاله لإبقائه مجمّداً، بينما اللبنانيون هائمون على وجوههم تصطادهم إصابات كورونا التي سجلت رقم الخمسة آلاف وينهكهم سعر صرف الدولار الذي قفز على عتبة الـ 30 الف ليرة، دون أن يكون في الأفق ما يوحي بمعالجات، بعدما صار ثابتاً وفقاً لمصادر مالية انّ حاكم مصرف لبنان يمضي بطبع المزيد من الأوراق النقدية لتسديد الودائع بالتقسيط على أسعار صرف أقلّ من سعر السوق مصفياً الودائع والديون، وصولاً لشطب الخسائر قبل الدخول بتوقيع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وبعدما تراجعت القيمة الفعلية لرواتب الموظفين الى أقلّ من مليار دولار، والنتيجة الوحيدة لطبع العملة هو انهيار سعرها.
سياسياً، جاء ردّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله حول السعودية نقطة بداية لسلسلة ردود شارك فيها الرئيس سعد الحريري والنائب السابق وليد جنبلاط وحزب القوات اللبنانية، بينما ردّ النائب حسن فضل الله على رئيس الحكومة، والرئيس الحريري بالقول كانت الكرامة المهدورة لرئاسة الحكومة من التعامل السعودي أجدر بالردّ.
وبقيت أصداء خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله تتردّد في الفضاء السياسي الداخلي نظراً للمواقف العالية السقف والأولى من نوعها التي أطلقها ضد السعودية، ما يحمل بحسب مصادر مطلعة على موقف حزب الله لـ»البناء» قراراً لدى قيادة الحزب بالمواجهة الحاسمة مع المملكة حتى النهاية وعدم التراجع حتى لو أدّى إلى رفع وتيرة الضغوط السعودية – الخليجية ضد لبنان وردود فعل وهجمة سياسية ضد الحزب من أطراف داخلية لبنانية مؤيدة للسعودية كسباً لرضاها وتقديم أوراق اعتمادهم لها علهم يلقون الدعم السياسي والمالي قبيل الانتخابات النيابية. ولفتت المصادر الى أن «السعودية لن ترضى عن لبنان بكافة الأحوال إلا إذا تحول الى «مشيخة» سعودية أو يلبّي كل شروطها السياسية في لبنان والخارج»، متسائلة عن جدوى موقف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي المؤيد للمملكة فيما هي لم تعِرّه أي اعتبار واهتمام ولا خطت خطوة أو مبادرة باتجاه إعادة العلاقات مع لبنان الى طبيعتها؟ فيما ينقلب ميقاتي على مصلحة بلده وكرامته وسيادته لاسترضاء السعودية حرصاً على مصالحه السياسية والمالية»، متسائلة: هل غيّرت كل المواقف الداعمة للسعودية موقف المملكة من لبنان باتجاه فك الحصار المالي والاقتصادي والسياسي والدبلوماسي؟ وكشفت المصادر أن قيادة حزب الله تريثت بإطلاق مواقف ضد المملكة مفسحة المجال أمام المسؤولين في الدولة للرد على كلام الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، لكن ولما تلكأت الدولة والحكومة عن القيام بمسؤوليتها في الدفاع عن سيادتها وعن كل مكوناتها وشرائحها السياسية والشعبية بحجة تجنب الاحراج مع المملكة، اضطر السيد نصرالله للرد ورفع مستوى الخطاب والمواجهة، وأكدت المصادر أن السعودية لم يعد لديها ما تفعله ضد لبنان أكثر مما فعلت وبالتالي فقدت كل أوراقها باستثناء الابتزاز بورقة اللبنانيين العاملين في الخليج، وجزمت المصادر بأن الحزب لن يسكت بعد الآن على أي عدوان ولن يخضع لأي نوع من الضغوط والتهديدات.
وفيما توقعت مصادر سياسية عبر «البناء» مزيداً من التوتر والتصعيد في الساحة الداخلية والتصدع في الحكومة نتيجة المواجهة الجديدة بين الحزب والمملكة وموجة ردود الفعل والانقسام السياسي الحاصل حيال العلاقات مع السعودية لا سيما بين الضاحية والرئاسة الثالثة، علمت «البناء» أن السعودية ضغطت على القيّمين على الشأنين المالي والاقتصادي في لبنان لرفع سعر صرف الدولار مساء الاثنين – الثلاثاء الى 30 ألف ليرة أيّ بزيادة 2000 ليرة خلال 24 ساعة كردّ فعل أولي على خطاب نصرالله لتحميله مسؤولية الانهيار بسعر الصرف واستدراج الغضب الشعبي عليه.
وحمل حزب الله بقوة على ميقاتي رداً على مواقفه المنتقدة لخطاب السيد نصرالله، ولفت عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسن فضل الله في تصريح إلى أننا «ننتظر من دولة رئيس الحكومة الاستاذ نجيب ميقاتي أن يعلي من شأن الانتماء الوطني وينتفض لكرامة وطنه في وجه الإساءات المتكرِّرة من المملكة العربية السعودية ضدّ الشعب اللبناني، وآخرها تصريحات ملكها ضدّ شريحة واسعة من اللبنانيين باتهامها بالإرهاب بما يشكله ذلك من إساءة كبرى لمقدسات هؤلاء اللبنانيين وفي طليعتها دماء شهدائهم وتضحيات مقاوميهم في وجه العدو الصهيوني».
أضاف «بدل أن يسارع دولته، الذي يفترض أنه وفق الدستور رئيس حكومة جميع اللبنانيين، إلى الدفاع عن من يمثل دستوريا، فإنه ارتدّ ضدّ الداخل اللبناني، وأطلق عبارات التشكيك بولاءات جزء كبير من هذا الشعب بكلّ ما يمثله تاريخيا وحاضرا ومستقبلا، وهو ما كنَّا نربأ بدولته أن يرتكب مثل هذا الخطأ الفادح استجداء لرضى من يصر على الاستمرار في الاساءة إلى اللبنانيين جميعاً وفي طليعتهم الرئيس ميقاتي نفسه الذي رغم كل التنازلات التي قدمها بما فيها: استقالة وزير الإعلام، وإطلاق المواقف والتصريحات التي تخالف حتى ادّعاء النأي بالنفس، والمحاولات الدؤوبة التي بذلها هو ووزير خارجيته منذ توليهما المسؤولية، فإنه لم يحظ بمجرد اتصال من سفير المملكة في بيروت خلافا لكل الأعراف الديبلوماسية والأصول وأدب العلاقة والتخاطب».
وبعد موقف ميقاتي، أعرب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عن تمسكه بموقف لبنان الرسمي الذي عبّر عنه مجدداً في رسالته الاخيرة الى اللبنانيين لجهة الحرص على علاقات لبنان العربية والدولية، لا سيما منها دول الخليج العربي وفي مقدمها السعودية، ولفت الى ان «هذا الحرص يجب ان يكون متبادلاً لأنه من مصلحة لبنان والدول الخليجية على حدّ سواء».
واستنهضت السعودية القوى السياسية المؤيدة لها في لبنان للدفاع عنها والتصويب حملة واحدة على السيد نصرالله، لكسب الرضى السعودي، فخرج الرئيس سعد الحريري عن صمته الطويل وعزلته السياسية المفتوحة بتغريدة «غب الطلب»، كاتباً: «إلى السيد حسن نصرالله: إصرارك على استعداء السعودية وقيادتها ضربٌ متواصل من ضروب المغامرة بلبنان ودوره ومصالح ابنائه. السعودية لا تهدد دولة لبنان بالعاملين فيها والمقيمين بين اهلها منذ عشرات السنين». وتابع: «أعلم أنك لن تتراجع عن اساليب الاستفزاز والشتم لدول الخليج العربي، لكن الكل يعلم ان التاريخ لن يرحم حزباً يبيع عروبته واستقرار وطنه ومصالح اهله لقاء حفنة من الشراكة في حروب المنطقة».
بدوره سأل رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط، في تصريح: «هل تقف حرب اليمن باعتبار اللبنانيين العاملين والقاطنين في السعودية منذ عقود رهائن وهل تحل الامور بالتهجم الشخصي على الاسرة المالكة؟ ماذا تريد ايران من لبنان ومن المنطقة؟ علماً أن جنبلاط ناشد المملكة صبيحة أول أمس بدعم الحريري، ما يحمل اعترافاً بأنّ السعودية تمنع الحريري من خوض الانتخابات النيابية، فمن الذي يتدخل بالسياسة الداخلية اللبنانية ايران أم السعودية؟
وفي سياق ذلك، كلّف وزير الداخلية والبلديات القاضي بسام مولوي، المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي بإزالة الصور المسيئة الى الملك السعودي، وسفير المملكة في بيروت وليد البخاري، وكافة الصور واللافتات المسيئة للسعودية، والتي رفعت في بعض شوارع الضاحية الجنوبية لبيروت. ودعا وزير الداخلية كافة المواطنين، الى تغليب المصلحة الوطنية وتجنيب لبنان والمغتربين اللبنانيين عواقب الإساءة الى الأشقاء العرب. فيما تساءلت مصادر في فريق المقاومة عن صمت المسؤولين عن تصريحات السفير السعودي في لبنان ومسؤولين سعوديين آخرين تطاولوا على قامة وطنية وعربية وإسلامية كالسيد نصرالله؟ ودعت الى إصدار بيان من رئيس الحكومة ووزارة الخارجية يدين هذه التصاريح اللاأخلاقية التي تصدر عن المملكة.
في غضون ذلك، لم يبرز أيّ معطى جديد عن الأزمة الحكومية التي تراوح مكانها وسط تأكيد أوساط ثنائي أمل وحزب الله لـ «البناء» بأن لا حلّ قبل استقالة رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبّود وليس فقط المحقق العدلي القاضي طارق بيطار، كاشفة أنّ عبّود هو رأس الأفعى الذي يدير برنامج عمل بيطار ويؤمّن له الحماية القضائية. وكشفت أيضاً عن اتجاه لدى بيطار الى تحريك مذكرة توقيف النائب علي حسن خليل بعد قرار محكمة التمييز بشأن دعاوى ردّ الطلب التي كفت يده عن الملف بانتظار قرار المحكمة وذلك لتوتير الأجواء أكثر واستدراج قوى سياسية الى الفتنة تنفيذاً لقرار خارجي بتفجير الوضع الداخلي.
في المقابل دعا تكتل لبنان القوي، بعد اجتماعه الدوري الى تفعيل عمل «المؤسسات الدستورية وفي طليعتها مجلس النواب ومجلس الوزراء». ورأى أنّ «اللامركزية الإدارية هي إطار قانوني عصري ومتطور لإدارة المناطق وتفعيل قدراتها الذاتية في الإنماء والشفافية، وهي مرتبطة حكماً باستقلالية مالية نسبية لكل وحدة من الوحدات اللامركزية. وهذا لا يتناقض مطلقاً مع النظام المركزي الذي تناط به السياسات الدفاعية والمالية والخارجية، فضلاً عن المشاريع الكبرى في الطاقة والمواصلات والاتصالات وغيرها». وأكد أن «الحملة الخبيثة ضد اللامركزية هدفها الإبقاء على النظام السياسي الريعي، القائم على غياب الشفافية والتسلط على المال العام والتحكّم بإدارته وتوزيعه مناغم ومحاصصات، وهو نظام أثبت فشله وأوصل البلاد الى الإنهيار».
ورأى أن «إدارة المجلس النيابي هي المسؤول الأول عن الإنتاجية على مستوى اللجان التي يشهد بعضها الكثير من العمل الجدي والمنتج كلجنة المال والموازنة التي التأمت اكثر من 63 مرّة في السنة. فيما لجان اخرى لم تعقد أيّ جلسة، كما على مستوى الهيئة العامة، مع الإشارة الى أنّ جلسات المساءلة التي يفترض النظام الداخلي عقدها مرة كل 3 جلسات تشريعية، لم تلتئم لو مرة واحدة».
وانتقلت المواجهة بين بعبدا وعين التينة من الصراع على تفعيل مجلس الوزراء الى الخلاف على فتح دورة استثنائية لمجلس النواب وسط رفض من عون، وتوقعت مصادر نيابية لـ»البناء» أن ينجح رئيس المجلس النيابي نبيه بري بتأمين الغالبية لتوقيع عريضة نيابية للطلب من رئيس الجمهورية توقيع مرسوم العقد الاستثنائي للمجلس، في ظل تأييد عدد من الكتل للعريضة كالتنمية والتحرير والوفاء للمقاومة وكتل فريق 8 آذار وكتلة المستقبل، فيما أكد مصدر في الحزب الاشتراكي لـ»البناء» أن كتلة اللقاء الديمقراطي ستوقع على العريضة لأنها مقتنعة بضرورة مواكبة المجلس النيابي لهذه المرحلة الحساسة والدقيقة تشريعياً للكثير من الملفات الأساسية. فيما أشار أكد مسؤول الإعلام والتواصل في حزب القوات اللبنانية شارل جبور أن «القوات» لن توقع على العريضة لاعتبار أنه بقدر أهمية فتح دورة استثنائية ايضاً هناك أهمية لتفعيل عمل الحكومة للتصدي للأزمات الداهمة، لافتاً الى أن «القوات» لن تلبي دعوة رئيس الجمهورية للحوار لأنها تأتي عشية الانتخابات النيابية والاولوية لاجراء هذه الانتخابات وإعادة إنتاج سلطة جديدة تقود الحوار الوطني وليس مع سلطة سقطت مصداقيتها وأثبتت فشلها.
وفيما ترتفع سخونة المعركة السياسية المتعددة الأوجه والمحاور، يمضي سعر صرف الدولار بالارتفاع مسجلاً رقماً قياسياً في غضون 28 ساعة ليلامس الـ 30 ألفاً مع توقعات بتخطيه هذا الحاجر ليقفز بعده الى 35 ألفاً، ما يهدّد الامن الاجتماعي والميداني بحسب ما حذر خبراء اقتصاديون وامنيون عبر «البناء».
وبعد الارتفاع بسعر الصرف، سجلت أسعار المحروقات ارتفاعات إضافية ملحوظة ما انعكس على الأسواق الاستهلاكية، ما شكل صدمة للبنانيين الذين عبروا عن غضبهم الشديد إزاء هذا الواقع الذي لم يعد يُحتمل.
وأوضح عضو نقابة أصحاب محطات المحروقات جورج براكس في تصريح أنّ «ارتفاع اسعار المحروقات اليوم يعود الى ارتفاع اسعار النفط عالمياً وسعر صرف الدولار محلياً مقابل الليرة». وقال: رفع مصرف لبنان سعر صرف الدولار المؤمَن من قبله لاستيراد %85 من البنزين من 23200 الى 23500 ليرة. اما سعر صرف الدولار المعتمد في جدول تركيب الأسعار لاستيراد %15 من البنزين والمحتسب وفقاً لأسعار الاسواق الموازية والمتوجب على الشركات المستوردة والمحطات تأمينه نقداً، احتسب بمعدل 28787 بدلاً من 27317 ليرة». وبشر براكس بأنّ «اسعار المحروقات المقبلة ستشهد ارتفاعات جديدة وعلينا ان نتوقع وصول سعر صفيحة البنزين الى 400 الف». بدوره، اعتبر ممثل موزعي المحروقات فادي ابو شقرا ان «سبب ارتفاع اسعار المحروقات هو التوتر في الخطابات والدولار السياسي الذي اوصلنا الى ما نحن عليه اليوم، وقلنا في السابق اننا ذاهبون الى الهاوية وفي النهاية المواطن هو الذي يدفع الثمن».
الى ذلك، أكد السفير الإيراني في لبنان، محمد جلال فيروزنيا، «وقوف الجمهورية الاسلامية الإيرانية دائماً وأبداً الى جانب لبنان الشقيق، شعبا وحكومة ومقاومة، حيث بذلت كلّ ما بوسعها في هذا المجال». وشدّد خلال احتفال أقامته السفارة الإيرانية للذكرى السنوية الثانية لاغتيال قاسم سليماني ورفاقه في الغبيري، على أننا «ما زلنا على عهدنا في تقديم الدعم والمساندة للبنان في مختلف المجالات المتاحة. كما أنّ دعمنا المقترح للبنان ليس مشروطاً ومستعدون تماما لمساعدة لبنان، حكومة و شعبا، للخروج من الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يعاني منها حاليا».
"النهار": "حزب الله" يشعل الجبهتين وعون يتماهى وحليفه
أما صحيفة "النهار"، لفتت الى أنه لو كان في لبنان دولة طبيعية بالحدود الدنيا لمفهوم الدولة لكان الحدث المخيف امس تمثل في ارقام مفزعة تصاعدية سواء في تفشي جائحة كورونا مع بلوغ الإصابات رقما قياسياً مخيفاً هو 5087 إصابة و19 حالة وفاة، ام على الصعيد المالي والاقتصادي حيث اخترق الدولار في السوق السوداء سقف الثلاثين الف ليرة وألهب معه أسعار المحروقات كما الأسعار الاستهلاكية كافة. ولكن في "لا دولة" لبنان تقدمت "فتنة" التآمر على مصالح لبنان كل ما يتصل بكارثة الانهيار، بل شكلت هذه الفتنة بعينها مسبباً من مسببات التفلت اللاهب للدولار بعدما اشتعلت البلاد بأوسع موجة من السجالات والحملات المتبادلة مهددة بمزيد من الاشتباكات السياسية والتعقيدات الإضافية في ازمة شل الحكومة كما باستعار المعارك العلنية والضمنية بين الرئاسات.
ولبنانيًا، تسعير التوترات السياسية بل أيضا الطائفية والمذهبية على خلفية انكشاف الوضع السلطوي والحكومي كأنه منعدم الوجود امام التسلط الذي يبيح لحزب الله لنفسه الامعان في التباهي به، الامر الذي اطلق في وجهه ردود فعل وإدانات واسعة ولكنها تبقى من دون الأثر اللازم والغطاء الرسمي الضروري لتصويب الخلل الكبير، اذ يكفي ان يأتي تعليق رئيس الجمهورية ميشال عون امس على هذا الموضوع على طريقة " بدل ما يكحلها عماها "من خلال موقفه المائع ومساواته السعودية بحليفه "حزب الله".
وبدا واضحا ان موقف نصرالله لم يقف في استهدافاته عند حدود المنصة الخطابية التي خطط لها في ذكرى مقتل قاسم سليماني كمحطة استعراض للنفوذ الإيراني الآخذ في استرهان الساحة اللبنانية فيما تنصرف طهران الى التفاوض مع "أعداء" ذراعها اللبناني، بل تطور سلبا في اتجاه تعقيد الازمة الحكومية من خلال رد اتسم بحدة عالية على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، علما ان هذه التطورات جاءت وسط معلومات مؤكدة توافرت لـ"النهار" عن مشاورات وجهود كانت جارية لإيجاد تسوية تكفل عودة احياء جلسات مجلس الوزراء، ومن غير المؤكد ما اذا كان التصعيد الواسع الأخير قد أطاح هذه المحاولة. كما ان افتعال التصعيد الجنوني ضد السعودية وتحميل تبعته للبنان بكامله استكمل بمشهد شعبي في الشارع اذ اعلن مساء امس ان وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي "كلف المديرية العامة لقوى الامن الداخلي إزالة الصور المسيئة الى جلالة الملك السعودي وسفير المملكة في بيروت وكل الصور واللافتات المسيئة التي رفعت في بعض شوارع الضاحية الجنوبية لبيروت". ودعا الوزير مولوي "جميع المواطنين الى تغليب المصلحة الوطنية وتجنيب لبنان والمغتربين اللبنانيين عواقب الإساءة الى الأشقاء العرب".
عون والحليف
غير انه غداة موقف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الرافض لما قاله نصرالله، اتسم موقف رئيس الجمهورية ميشال عون بميل مكشوف الى مسايرة حليفه اذ وزع موقف له "اعرب فيه عن تمسكه بموقف لبنان الرسمي الذي عبر عنه مجددا في رسالته الاخيرة الى اللبنانيين لجهة الحرص على علاقات لبنان العربية والدولية، لا سيما منها دول الخليج العربي وفي مقدمها المملكة العربية السعودية، ولفت الى ان هذا الحرص يجب ان يكون متبادلا لأنه من مصلحة لبنان والدول الخليجية على حد سواء".
وعكست موجة الادانات الواسعة لموقف نصرالله واقع التسلط الذي يمارسه، وكان ابرز ما سجل في هذا السياق إعادة الاشتباك الإعلامي بين "تيار المستقبل" و"حزب الله " بعد خروج الرئيس سعد الحريري عن صمته اذ وجه رسالة مباشرة الى نصرالله قال فيها : "إصرارك على استعداء السعودية وقيادتها ضربٌ متواصل من ضروب المغامرة بلبنان ودوره ومصالح ابنائه... السعودية ومعها كل دول الخليج العربي احتضنت اللبنانيين ووفرت لهم فرص العمل ومقومات العيش الكريم. من يهدد اللبنانيين في معيشتهم واستقرارهم وتقدمهم، هو الذي يريد دولة لبنان رهينة دولة ايران وامتداداتها في سوريا والعراق واليمن ولبنان .. أعلم أنك لن تتراجع عن اساليب الاستفزاز والشتم لدول الخليج العربي، لكن الكل يعلم ان التاريخ لن يرحم حزباً يبيع عروبته واستقرار وطنه ومصالح اهله لقاء حفنة من الشراكة في حروب المنطقة".
وبدوره سأل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط "هل تقف حرب اليمن في اعتبار اللبنانيين في المملكة العربية السعودية رهائن وهل تحل الامور من خلال التهجم الشخصي على الاسرة المالكة؟. وسأل: "الى اين تذهب بنا الجمهورية الاسلامية وماذا تريد من لبنان والمنطقة؟".
وفي المقابل واصل الحزب تصعيده حاملا هذه المرة على الرئيس ميقاتي الذي هاجمه النائب حسن فضل الله قائلا "بدل أن يسارع دولته، الذي يفترض أنه وفق الدستور رئيس حكومة جميع اللبنانيين، إلى الدفاع عمن يمثل دستوريا، فإنه إرتد ضد الداخل اللبناني، وأطلق عبارات التشكيك بولاءات جزء كبير من هذا الشعب بكل ما يمثله تاريخيا وحاضرا ومستقبلا، وهو ما كنَّا نربأ بدولته أن يرتكب مثل هذا الخطأ الفادح استجداء لرضى من يصر على الاستمرار في الاساءة إلى اللبنانيين جميعا وفي طليعتهم الرئيس ميقاتي نفسه الذي رغم كل التنازلات التي قدمها بما فيها: استقالة وزير الاعلام، وإطلاق المواقف والتصريحات التي تخالف حتى إدعاء النأي بالنفس، والمحاولات الدؤوبة التي بذلها هو ووزير خارجيته منذ توليهما المسؤولية، فإنه لم يحظ بمجرد اتصال من سفير المملكة في بيروت خلافا لكل الأعراف الديبلوماسية والأصول وأدب العلاقة والتخاطب".
الدورة الاستثنائية
في غضون ذلك تواصل العمل على جمع تواقيع الأكثرية النيابية على عريضة تطالب بفتح دورة استثنائية ل#مجلس النواب. وأفادت المعلومات ان اكثر من أربعين نائبا كانوا وقعوا العريضة حتى مساء امس وان العريضة ستكفل تجاوز عدد الموقعين الـ65 نائبا وربما تصل الى سبعين. غير ان حزب "القوات اللبنانيّة" اكد انه لن يوافق على فتح دورة استثنائيّة إلا إذا عاودت الحكومة عقد جلساتها. وفي هذا السياق اعلن رئيس لجنة الادارة والعدل النائب جورج عدوان ان "تفعيل عمل جميع المؤسسات الدستورية من حكومة ومجلس نواب مسؤولية واجب وطني لم يعد جائزا التهرب منه، لا سيما في الظروف المأسوية التي نعيشها. المطلوب عودة الحكومة الى الاجتماعات فوراً وبالتوازي فتح دورة إستثنائية للمجلس النيابي فيتكامل عمل المؤسسات خدمة لمصالح الناس".