لبنان
الرد والتنحي .. وما بينهما
هاني ابراهيم
كثر الحديث في الاونة الاخيرة ـ لا سيما بعد الاحداث الامنية المتسارعة في البلد بدءأ من حادثة انفجار مرفأ بيروت وليس انتهاء بكمين الطيونة ـ حول الاجراءات القانونية والقرارات القضائية المتعلقة بضروة (رد) او (تنحي) اي قاضي معني بالتحقيقات في هذه الملفات عندما يسمح القانون بذلك او تتوافر الشروط اللازمة لها.
ان حالات الرد والتنحي كتوصيف قانوني للطلبات التي تقدم امام القضاء موجودة في معظم قوانين الدول لاسيما العربية منها وطبعا الفرنسية، حيث نص قانون المرافعات المصري وفي حالات محددة إمتناع القاضي عن النظر في اي قضية تعرض أمامه أو تنحيه عن إستكمال الفصل فيها، وقد شخّص هذه الحالات وحددها على وجه الدقة ومنحها للمتقاضي كحق أصيل في رد القاضي الذي ينظر نزاعا يخصه ونظمها وفقا لنصوص صريحة، ما جعل من هذه النصوص درعا وضمانة لتحقيق العدالة وخلاصا من أي شوائب قد تؤثر على نزاهة القاضي وحياديته.
لذا وبالنظر لتقارب القوانين في هذا الاطار ذكر القانون اللبناني في اكثر من مكان موضوع الرد والتنحي لا سيما في قانون اصول المحاكمات المدنية.
ما هو الرد وما هو التنحي في القانون اللبناني ؟ وماذا يترتب على كل منهما؟ هذا السؤال الذي يفرض نفسه هنا لمعرفة مدى تاثير ذلك على المحاكمات:
نصت المادة 120 من قانون اصول المحاكمات المدنية وذلك تحت الفصل الثامن حول رد القاضي او تنحيه عن الحكم بأنه يجوز للخصوم او لاحدهم رد طلب القاضي لاسباب عديدة، ولقد فصل المشرع تلك الاسباب من خلال بنود ثمانية، وما سنتناوله في هذه المقالة هما البندين السادس والسابع وذلك على الشكل التالي:
6 ـ إذا كان قد أبدى رأيًا في الدعوى بالذات ولو كان ذلك قبل تعيينه في القضاء ولا يصح إثبات هذا الأمر إلا بدليل خطي أو بإقرار القاضي.
7ـ إذا كانت بينه وبين أحد الخصوم عداوة أو مودة يرجح معها عدم استطاعته الحكم بغير ميل، ولا يستهدف القاضي للرد بسبب التحقير الذي يوجهه له أحد الخصوم.
وعند النظر بالبندين اعلاه واذا ما قاربنا ذلك مع ما يحصل في الاونة الاخيرة لا سيما في الملفات المعروضة امام القضاء والتي تتميز بجانب كبير من الحساسية والدقة بالنظر لأهميتها من جهة ولما تشكله من تاثير على الوضع العام في البلاد من جهة ثانية، نرى بان البندين رقم 6 و 7 هما الاكثر تطبيقا وانسجاما مع ما يحصل من طلبات للرد واخرى للتنحي، حيث ان ابداء القاضي رأيه بالملف قبل توليه القضية ينطبق على ذلك ايضا اعطاء الراي اثناء النظر بها، أضف الى ذلك الخصومة السابقة ايضا والمستجدة التي تجعل من القاضي اثناء النظر بالملف بعيد كل البعد عن فصل عمله كقاض وعن خصومته مع احد اطراف النزاع ما يجعل من البنود المذكورة متوافرة وبالتالي امكانية تقديم الخصم طلب الرد امام المرجع المختص.
هنا وقبل التطرق الى الية تقديم الطلبات في هذا الاطار، لا بد لنا من الاشارة الى امر مهم، وهو الفرق بين كل من الرد والتنحي.
عندما نسمع بان طلب لرد قاض ما تم تقديمه، هذا يعني بان احد اطراف الخصومة المتكونة بالملف الذي ينظر به القاضي قد لمس عدم حيادية لديه او اي شيء اخر ينسجم مع البنود الثمانية المذكورة في المادة 120 اصول محاكمات مدنية، ولكن هذا الامر يختلف عن ما نسميه التنحي، لكن كيف؟
ان مفهوم التنحي كما نصت عليه المادتان 121 و 122 من القانون نفسه هو القرار الصادر عن القاضي نفسه ودون تدخل من قبل اطراف الخصومة ما يعني بانه ووفق منطوق المادتين السابقتين فان القاضي اذا استشعر الحرج في النظر في دعوى معينة لاي سبب كان ان يعرض تنحيه.
وهنا يظهر لنا الفرق بان الرد هو اجراء يقوم به احد الخصوم تجاه القاضي الذي ينظر بالدعوى فيما التنحي هو اجراء يمارسه القاضي من تلقاء نفسه بالنظر للبنود المذكورة في المادة 120 من أ.م.م وقد صدر قرارت عديدة في هذا الاطار ومنها على سبيل المثال ، محكمة التمييز المدنية - بيروت رقم 65 تاريخ 29-05-1968.
ان سبب التنحي غير مشمول بأسباب الرد ولا يحول ذلك دون حق القاضي بعرض تنحيه عفوا عندما يشعر بحرج لانهاء دعوى معينة.
اما النتيجة فهي واحدة كف يده عن النظر بالدعوى ما يعني ايضا هنا ، بان كف اليد هو تعبير لغوي للرد او التنحي وليس اجراء قانوني ينص عليه اصول المحاكمات المدنية.
وهنا نصل الى نتيجة هذه الطلبات من الرد او التنحي، حيث نصت المادة 125 من قانون اصول المحاكمات المدنية بانه منذ تبلغ القاضي المطلوب رده طلب الرد يجب عليه أن يتوقف عن متابعة النظر في القضية إلى أن يفصل في الطلب. إلا أنه يجوز للمحكمة التي تنظر في طلب الرد في حال وجود ضرورة أن تقرر السير في المحاكمة دون أن يشترك فيها القاضي المطلوب رده.
اما لجهة الاجراءت التي يجب اتباعها في هذا الاطار فقد نصت المادة 123 من القانون نفسه بان تقديم طلبات الرد فيما خص قضاة محاكم الدرجة الاولى تكون من اختصاص محكمة الاستئناف، ما يعني ان ينظر في هذا الطلب لدى محكمة درجتها أعلى من محكمة القاضي الذي يراد رده، بينما ان طلب رد قاضي في محكمة الاستئناف يقدم الى نفس المحكمة من حيث الدرجة ولكن الى غرفة اخرى يتم تعيينها من قبل الرئيس الاول لمحاكم الاستئناف وهنا مفارقة في هذا الاطار حيث كان من المفترض ان تنظر محكمة التمييز في احدى غرفها في هذا الطلب اما اذا كان طلب الرد لاحد قضاة التمييز فتنظر في هذا الطلب ايضا غرفة من غرف التمييز يعينها الرئيس الاول ايضا.
وعليه نصل الى نقطة ما بين الرد والتنحي وهي نقل الدعوى، ولكن ما هو نقل الدعوى وما هي اسبابها وهل تشترك مع الرد والتنحي بشيء؟
نصت المادة ١١٦ من قانون اصول المحاكمات المدنية بان تنقل الدعوى من محكمة إلى محكمة من درجتها ـ وذلك لاسباب اربعة لكن ما يهمنا هو كل من السبب الثالث والرابع وهما:
• إذا وجد سبب يبرر الارتياب بحياد المحكمة
• إذا كان من شأن نظر الدعوى لدى إحدى المحاكم أن يحدث اضطرابًا بالأمن
و هنا لا بد من طرح السؤال التالي الم يتوفر بند من هذين البندين في ما هو مطروح على الساحة القضائية في لبنان ؟ الجواب السريع : بلى.
لذلك فان النظر في هذه الحالة اي نقل الدعوى توقف السير بالمحاكمة بمجرد تقديم الطلب في ما خص وجود ارتياب بحياد المحكمة كما نصت المادة 119 من قانون اصول المحاكمات المدنية.
لذا نرى بان ما نصت عليه المادة المذكور تؤدي الى نفس النتيجة المرجوة وهي وقف السير بالمحاكمة بمجرد تقديم الطلب.
اما اذا اردنا مقاربة هذه الاجراءات مع تلك التي تتعلق بالمجلس العدلي فان ذلك غير متوفر لجهة تعدّد الغرف لديه، وهذه برأيي خطأ تشريعي لا بد من معالجته ان لجهة درجات التقاضي او لجهة وجود هيئة اتهامية تنظر بطلبات الدفوع والتوقيف واخلاء السبيل هذا من جهة، اما موضوع الرد والتنحي فان هاتين العبارتين ذكرتا في المادّة 357 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، لكن لم يحدّد فيه القانون الإجراءات والمرجع الواجب التقدّم أمامه بطلب الردّ، وهذه ايضا سقطة تشريعية توجب تدخّل المجلس النيابي لتنظيم أحكام ردّ قضاة المجلس العدلي.
القضاءالمحاكمةقانون أصول المحاكماتالردالتنحينقل الدعوىكف اليد
إقرأ المزيد في: لبنان
22/11/2024