لبنان
من الشيخ عبد الكريم عبيد الى أسرى فلسطين: معكم حتى التحرير
وجّه شيخ الأسرى المحرّرين في لبنان الشيخ عبد الكريم عبيد رسالة تضامن ومؤازرة للأسرى الفلسطينيين، أكد فيها أنه "لن يهدأ لنا بال ولن تقرّ لنا عين إلّا بعد تحرّركم بل حتّى تحرير فلسطين كلّ فلسطين من البحر إلى النهر".
وفيما يلي نصّ الرسالة:
بسم الله الرحمـٰن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا محمّد وعلى آله الطاهرين وصحبه المنتجبين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يقول تعالى في كتابه الكريم: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى (المائدة | 82).
التحيّة والسلام أوّلًا لأرواح الشهداء على طريق تحرير فلسطين، جميع الشهداء، والتحيّة لعائلاتهم والتحيّة
كذلك للجرحى وعائلاتهم، والتحيّة التي لا بدّ منها لأسرانا الصابرين في سجون العدوّ الصهيوني في أيّ سجن كانوا وعلى أيّ حال، أصحاب الأحكام المؤبّدة والكبيرة والتوقيف الإداري، وخصوصًا الأخوات رمز شرفنا وكرامتنا، وكبار السنّ العمداء في العمر وسني الأسر والمرضى والفتيان والشباب وكلّ الأسرى من كلّ مناطق فلسطين والخارج.
والتحيّة الأهمّ لمن كسروا قيودهم وكسروا سجّانيهم أبطال نفق الحريّة فهم الأحرار حتّى ولو أُسروا مجدّدًا وهم الرمز حتّى في داخل السجون.
والتحيّة اليوم للصائمين عن الطعام والمجاهدين بهذا السلاح الماضي الفعّال الّذين لهم فرحتان عند إفطارهم وحريّتهم وعند لقاء ربّهم ونقول لهم تمسّكوا بقوله تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (البقرة | 153).
فالصبر هو الصوم والصبر هو تحمّل العذاب والمصاعب والمكاره، والصبر من الإيمان كالرأس من الجسد، والصبر هو أمير جند المسلم، فمن لا صبر له لا إيمان له.
واعلموا أنّ النصر من عند الله، فإن تنصروا الله ينصركم، واعلموا أنّ أعداءكم هم الضعفاء وهو الخائفون وهم الزائلون، وأنّ هذا الكيان زائلٌ لا محالة وإن طبّع المطبّعون معه وإن صالحوه وسالموه فإنّ وعد الله عزّ وجلّ آتٍ لا محالة: "كتب الله لأغلبنّ أنا ورسلي"، ومهما طال الزمن وهو قصير بإذن الله لا بدّ أن يأتي هذا اليوم ولا بدّ كما قال الشاعر: "ولا بدّ للّيل أن ينجلي، ولا بدّ للقيد أن ينكسر".
والله تعالى قالها في كتابه: " إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (هود | من الآيات 81-82-83).
وقصّة أصحاب الفيل نعرفها جميعًا كيف أرسل الله الطّير الأبابيل: بسم الله الرحمـٰن الرحيم أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ (سورة الفيل)، وهذا وعدٌ من الله.
وإلى الأمّة جمعاء بل إلى العالم بأسره، إلى الأحرار في العالم من كلّ الديانات وكلّ الاعتقادات: أسرانا في سجون الظلمة، وحقّ على الحرّ أن ينصر الأحرار.
إلى الأمّة، إلى علمائها وأدبائها وشعرائها وكتّابها وصحافيّيها وسياسيّيها ورجالها ونسائها وشبابها وحتّى أطفالها وصغارها،
إلى هؤلاء جميعًا، أما سمعتم واعية النساء المسلمات المظلومات حتّى الحوامل منهنّ والبعض مع من ولدنَ في السجون؟!
أما تعلمون الحديث الشريف: "من سمع واعية أخيه ولم يجبه فليس بمسلم"، "من بات شبعانَ وجاره جائع فليس بمسلم"؟ فكيف بمن كان مظلومًا وفي أيدي أشدّ الناس عداوةً للّذين آمنوا؟
كيف تنامون؟ كيف تأكلون؟ كيف تضحكون؟ فوَالله لا ينفع في هذه إلّا قول أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام): "وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَعْدَائِكُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى المَرْأَةِ المُسْلِمَةِ، وَالأُخْرَى المُعَاهَدَةِ، فيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وَقُلْبَهَا وَقَلاَئِدَهَا، وَرِعَاثَهَا، ما تَمْتَنِعُ مِنْهُ إِلّا بِالاسْتِرْجَاعِ وَالاِسْتِرْحَامِ والنّداء يا للمسلمين، فلا يغيثها مغيث ولا ينصرها ناصر، ثُمَّ انْصَرَفُوا وَافِرِينَ، مَا نَالَ رَجُلاً مِنْهُمْ كَلْمٌ، وَلاَ أُرِيقَ لَهُ دَمٌ، فَلَوْ أَنَّ امْرَأً مُسْلِمًا مَاتَ مِن بَعْدِ هَذا أَسَفًا مَا كَانَ بِهِ مَلُومًا، بَلْ كَانَ بارًّا محسنًا وبِهِ عِنْدِي جَدِيرًا" (نهج البلاغة).
أين الأبطال؟ أين المهاجرون؟ أين الأنصار؟ أين الّذين يرخصون النفس والروح والدم والأولاد والمال وكلّ غال ونفيس في سبيل ذلك؟
يا نساء فلسطين أيّتها الأسيرات، يا رجال فلسطين أيّها الأسرى، يا فتيان فلسطين أيّها المعتقلون، أيّها المرضى والصائمون، أيّها الأعزّاء جميعًا:
نحن معكم بالصوت والكلمة والمواقف والنفوس والمال، نحن ندعمكم ونؤيّدكم ونشدّ على أياديكم ولن يهدأ لنا بال ولن تقرّ لنا عين إلّا بعد تحرّركم بل حتّى تحرير فلسطين كلّ فلسطين من البحر إلى النهر.
الغوث الغوث الغوث، والعون العون العون، والتحرّر والنصر لأهلنا في فلسطين، بالأخصّ أسرانا.
وما ذلك على الله بعزيز، والله على كلّ شيء قدير.