لبنان
البيطار يربح جولة.. وميقاتي في المواجهة مع الدائنين
اهتمت الصحف الصادرة صباح اليوم بالقرار القضائي الذي أصدره قاضي محكمة الاستئناف في بيروت، نسيب إيليا، والذي رفض فيه طلبات الرد المقدمة من الوزراء السابقين المُدعى عليهم في كف يد القاضي طارق البيطار في قضية انفجار مرفأ بيروت.
كما اهتمت الصحف بالاستحقاقات المختلفة التي تنتظر حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، على وقع حركة ديبلوماسية غربية تجاه لبنان، أبرزها زيارة المنسق الفرنسي بيار دوكان ولقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين، إضافة للتدخل المستمر للسفيرة الأمريكية في الشؤون الداخلية للبلاد.
"الأخبار": جُرعتا دعم دولية وقضائية للمحقق العدلي: البيطار يربح جولة
بعد تبنّيه دولياً، حصل المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار على جرعة دعم قضائية تمثّلت بقرار محكمة الاستئناف في بيروت رفض طلبات الرد المقدمة من الوزراء السابقين المُدعى عليهم. ربِح البيطار جولة، فيما يتحضّر خصومه لجولات أخرى.
لم يأتِ قرار رئيس محكمة الاستئناف في بيروت، القاضي نسيب إيليا، برفض طلبات الردّ المُقدّمة من الوزراء السابقين المُدَّعى عليهم في ملف انفجار مرفأ بيروت (نهاد المشنوق، علي حسن خليل وغازي زعيتر) مُفاجئاً للمعنيين. فقرار إيليا الذي صدَر صباح أمس، مُهِّد له بتسريبات من المحكمة تحدثت عن احتمال عدم قبول الطلبات كونها تعتبر بأن ليس من صلاحياتها البت بها. وهكذا جاء في النص الذي رفض الطلبات شكلاً «لعدم الاختصاص النوعي»، مُلزِماً «كل طالبي الردّ بدفع غرامة مقدارها ثمانمائة ألف ليرة لبنانية، وتدريكهم الرسوم والنفقات القضائية كافةً سنداً لأحكام المادة 127 مدنية»، بتوقيع كل من إيليا والمستشارتين مريام شمس الدين وروزين حجيلي.
بلا شك يُعتبر القرار جولة رابحة لمصلحة المحقق العدلي القاضي طارق البيطار الذي سيعود لمتابعة التحقيقات. إلا أن خصومه في المعركة سيبدأون معه جولة أخرى بتقديم دعاوى جديدة لدى محكمة التمييز، خصوصاً أن قرار محكمة الاستئناف أعاد البيطار إلى عمله قبل 19 تشرين الأول (موعد العقد الثاني لمجلس النواب)، وهو الموعد الذي راهن عليه الوزراء السابقون لتفعيل حصانتهم. بالتالي يستطيع البيطار قبل هذا الموعد اتخاذ إجراءات في حقهم من دون الرجوع إلى مجلس النواب. لذا يتوقع أن يُسارع إلى إصدار مذكرات أو تحديد جلسات لاستجوابهم خلال هذا الأسبوع، ومتابعة ما بدأه قبل كف يده، لجهة استجواب كل من قائد الجيش السابق جان قهوجي ومدير المخابرات السابق كميل ضاهر ورئيس فرع الأمن القومي السابق في الجيش العميد غسان غرز الدين، والعميد السابق في المخابرات جودت عويدات.
لم يكُن قرار محكمة الاستئناف جرعة الدعم الوحيدة التي حصلَ عليها البيطار. فقد سبقتها جرعات أخرى من خارج الحدود، تمثّلت بالمواقف الدولية التي جاءت أولاً على لسان الناطقة باسم وزارة الخارجية الفرنسية آنييس فون دير مول التي دعت «السلطات اللبنانية لاستكمال التحقيق بكلّ شفافية، وبعيداً من التدخلات السياسية». ثم تلاها موقفان أميركيان، أحدهما للمتحدث باسم الخارجية دعا فيه «السلطات اللبنانية إلى الإسراع في استكمال تحقيق كامل وشفاف وعدم الرضوخ لتهديدات حزب الله»، وآخر عن لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأميركي «أشاد بنزاهة القاضي» البيطار.
هذه المواقف عزّزت الارتياب في عمل المحقق العدلي، إذ إن مجرّد «تبنّيه» من الولايات المتحدة وجهات دولية يُشرّع التشكيك في أدائه، ويُدعِّم الفرضية التي تتحدث عن تسييس التحقيق الذي لا يريده البعض سوى أن يحمِّل حزب الله مسؤولية الانفجار. ثم إن توقيت قرار محكمة الاستئناف الذي أتى سريعاً بعد هذه المواقف يوحي بأن الخشية ستكون كبيرة أمام أي قاضٍ يحال إليه ملف ضد البيطار، وسيرفضه خوفاً من «النقمة الدولية»، وسيلجأ إلى أسلوب «التهرّب» الذي اتبعه القاضي إيليا.
محكمة الاستئناف رفضت طلبات الرد قبل اكتمال التبليغات
والسؤال اليوم، هو عن الخطوات التالية التي سيتخذها المدُعى عليهم في القضية، وكيف سيكون شكل المواجهة في المرحلة المقبلة؟
أمس، طرأ تطوّر جديد وهو تقدّم الوكلاء القانونيين للوزير السابق يوسف فنيانوس بإخبار ضد القاضي البيطار أمام النيابة العامة التمييزية بتهمة «التزوير» لأنه «راسل كلاً من وزارة الداخلية والأمانة العامة لمجلس الوزراء للحصول على إذن بملاحقة اللواءين طوني صليبا وعباس إبراهيم بعد تبلغه طلب الرد، وأنه زوّر تواريخ المراسلات ووقعها بتاريخ يوم الجمعة علماً أنه لم يأت إلى مكتبه، في حين أن القانون يمنعه من إصدار القرارات وتوقيعها خارج مكان عمله». وبذلِك تنضمّ هذه الدعوى إلى الدعوييْن اللتين تقدّم بهما فنيانوس وهما «الارتياب المشروع» لدى محكمة التمييز الجزائية، والدفوع الشكلية المقدمة إلى القاضي البيطار، والتي قد تصبِح جميعها في عهدة الغرفة السادسة لدى القاضية رندى الكفوري.
وفيما يفترض أن يعيّن النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات قاضياً للتحقيق مع البيطار في دعوى التزوير، علمت «الأخبار» أن المشنوق سيتقدّم عبرَ وكيله القانوني المحامي نعّوم فرح في اليومين المقبلين بدعوى «ارتياب مشروع» لدى محكمة التمييز لنقل الملف إلى قاض آخر. ولفت فرح إلى أن «التمييز لا تقبل دعاوى طلبات الرد لأنها تعتبر بأنه ليسَ من اختصاصها»، مشيراً إلى أن «قرار محكمة الاستئناف وعدم القبول بدعاوى طلبات الرد يعني أن البيطار فوق القانون والمحاسبة، ويستطيع القيام بأي إجراء واتخاذ أي قرار من دون أن يستطيع أحد الاعتراض»، علماً أنه «من غير المسموح أن تتمتع أي هيئة قضائية بصلاحية كاملة بحيث لا يُمكن الطعن بقراراتها». ومع أن محكمة التمييز اجتهدت في اعتبار أن طلبات الرد ليست من اختصاصها، قالت مصادر معنية بالملف إن «الوزيرين خليل وزعيتر سيتقدمان بطلبات رد لديها»، وهو ما فسره مرجع قضائي بأنه «عملية كسب للوقت» لأن «الارتياب المشروع» لا يمنع القاضي البيطار من استكمال التحقيقات أو اتخاذ الإجراءات. بينما اعتبر أن محكمة الاستئناف «خالفت القانون لأنها رفضت طلب الرد المُقدّم من خليل وزعيتر من دون اكتمال التبليغات».
"البناء": لودريان يفشل في تحقيق اختراق مع ابن سلمان
على الصعيد الحكومي، لا يزال السعي لفتح الأبواب السعودية أمام الحكومة ورئيسها متعثراً، بعدما تحدثت مصادر دبلوماسية عن فشل وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان في رفع التحفظات السعودية خلال لقائه بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بينما كانت أولوية المفاوضات مع صندوق النقد الدولي تجد ترجمتها في لقاء جمع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير المال يوسف خليل وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، مع تواتر المعلومات حول انطلاق المفاوضات نهاية الشهر الجاري، بعدما بدأت وزارة المال جولة بحث أولى تقنية مع وفد من الصندوق، بانتظار أن تنجز اللجنة التي شكلها مجلس الوزراء لإدارة المفاوضات، رؤيتها الموحدة للتفاوض خصوصاً لجهة تحديد حجم الخسائر وكيفية توزيع أعبائها، بعدما شكل الخلاف حول هذين العنوانين سبب تعثر المفاوضات السابقة التي أدارتها حكومة الرئيس حسان دياب، عندما وقفت الحكومة على ضفة ومصرف لبنان والمصارف على ضفة مقابلة.
المسار التفاوضي حول ترسيم الحدود البحرية سجل بالتوازي، نقطة تقدم عملية مع تعيين وسيط أميركي جديد هو أموس هوتشكاين، الذي تحدثت مصادر على صلة بالملف عن وصوله إلى بيروت في النصف الثاني من الشهر الجاري تمهيداً لتحديد موعد لانطلاق جولة جديدة من التفاوض، بعدما تسبّب الإعلان عن تلزيم «إسرائيلي» للتنقيب في حقول تقع داخل المناطق التي يدور حولها التفاوض، بتصعيد دبلوماسي كان قد سبقه تحذير من الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله من تردّد الشركات العالمية في التنقيب داخل الحقول اللبنانية عارضاً جلب شركات إيرانية للقيام بالمهمة.
وحمل مطلع الأسبوع تطورات بارزة في ملفات عدة اقتصادية وقضائية، فقد شهد الأول إعلان وزارة المال استئناف التفاوض مع صندوق النقد الدولي، بينما سجل الثاني قرار محكمة الاستئناف برد طلبات الرد المقدمة من عدد من النواب في ملف تحقيقات في تفجير مرفأ بيروت.
وأصدرت محكمة الاستئناف المدنية برئاسة القاضي نسيب إيليا وعضوية المستشارتين القاضيتين روزين حجيلي وميريام شمس الدين بالاتفاق، ردّ طلبات الردّ المقدمة من النواب نهاد المشنوق وعلي حسن خليل وغازي زعيتر، والمتعلقة بكف يد المحقق عن التحقيقات شكلاً لعدم الاختصاص النوعي، وإلزام المستدعين طالبي الرد دفع غرامة مالية مقدارها 800 ألف ليرة عن كل واحد منهم. وفيما لم يتبلغ بيطار بعد بالقرار سيباشر بتعيين جلسات استماع للمتهمين فور تبلغه، وأفادت معلومات بأن بيطار سيستعجل الاستدعاءات قبل 19 الجاري موعد بدء الدورة العادية الثانية لمجلس النواب.
كما أفادت المعلومات بأن محامي الوزير السابق يوسف فنيانوس، تقدّم بدعوى تزوير بحقّ القاضي البيطار.
وفيما رأت مصادر قانونية وسياسية لـ«البناء» أن قرار الاستئناف كان متوقعاً لما يرتبه النظر بدعوى رد الطلب من مسؤولية على المحكمة وعلى القضاء بشكل عام كون أي قرار سيؤثر في استمرار قاضي التحقيق في منصبه ومهمته أم عدمه، ما يفرض تعيين قاضٍ آخر وهذا صعب في ظل الواقع الحالي»، أوضح الخبير الدستوري والقانوني د. عادل يمين لـ«البناء» أن «قضاة التحقيق العدليين لهم وضعية خاصة من حيث تعيينهم ولا يتبعون أي محكمة وأن محكمة الاستئناف المدنية في بيروت غير مختصة للنظر بطلب ردهم، وعليه فإن قضاة التحقيق العدليين غير خاضعين لنظام طلب الرد، وهو يختلف عن نظام طلب نقل الدعوى حيث يتعين انتظار قرار محكمة التمييز في هذا الخصوص»، مشيراً إلى «أن النظر بدعوى طلب الرد ليست من اختصاص أي محكمة». ولفت يمين إلى أن «القاضي بيطار يستطيع أن يكمل مهمته كاملة بعد تبلغ الأفرقاء القرار، ولحين بت محكمة التمييز الواضعة يدها على طلب النقل للارتياب المشروع بالطلب حيث يتقرّر ردّ طلب النقل واستمرار قاضي التحقيق العدلي بعمله أو قبول الطلب وبالتالي كف يده».
وعلق وزير العدل القاضي هنري الخوري على قرار محكمة الاستئناف بالقول: «اطلعت على خلاصة القرار، وقد رأى رئيس المحكمة أن الملف الذي قدم له لا يستوفي الشروط القانونية ورده. احترم هذا القرار ولدي ملء الثقة بالمحكمة والهيئة التي أصدرت القرار».
وأشارت معلومات «البناء» إلى أن «المطلوب خارجياً استمرار القاضي بيطار في منصبه ومتابعة مهمته لكي تبقى القضية مفتوحة وورقة لاستثمارها في المواجهة السياسية الدائرة»، مرجحة أن يستمر البيطار في إدارة هذا الملف حتى الإعلان عن القرار الظني قبيل نهاية العام الحالي وحينها ينتهي دوره وينتقل الملف إلى الجهات القضائية المختصة».
في غضون ذلك بقي المشهد السياسي تحت وطأة موقف الكونغرس الأميركي بإعلان دعم القاضي بيطار والتأكيد على نزاهته وكفاءته في التحقيقات في قضية المرفأ، ورد رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله السيد هاشم صفي الدين عليه بلهجة تصعيدية وحاسمة.
وأبدت مصادر مطلعة على موقف حزب الله لـ«البناء» استغرابها الشديد أزاء موقف الكونغرس الأميركي الذي يؤكد أمرين: الأول التدخل في عمل القضاء والتأثير في مسار التحقيقات والاستثمار في هذه القضية ضد أعداء الأميركيين والصهاينة، والثاني عمق وحجم النفوذ الأميركي في مؤسسات وأجهزة الدولة القضائية والأمنية والعسكرية والمالية والنقدية ما يدحض كل اتهام يطال حزب الله بأنه المهيمن والمسيطر على الدولة ومؤسساتها وقرارها ويقيم دولة ضمن الدولة، بل أن الحقيقة التي كشفها الموقف الأميركي بأن واشنطن تقيم دولة مؤسسات أو نفوذ خاصة بها ضمن الدولة»، واتهمت المصادر الأميركيين وجهات داخلية حليفة لها باستثمار ملف تفجير المرفأ لاتهام الحزب والادعاء بأنه يضغط على القضاء تمهيداً لفبركة مسؤولية ما للحزب بالتفجير»، وحذرت المصادر من توجه لاتهام حزب الله بالضلوع في هذه القضية على غرار الاتهام الذي وجه إلى الحزب بقضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري واستخدامها كأدة سياسية مسلطة على رقبة الحزب لسنوات كورقة ضغط في المفاوضات في المنطقة». وأضافت أن الهدف من زج الحزب في هذه القضية هو إرباكه وإرباك الساحة الداخلية وإحداث شرخ مجتمعي وتقليب أهالي الشهداء والجرحى والمتضررين من التفجير والرأي العام عموماً على الحزب واتهامه بالوقوف عقبة أمام كشف الحقيقة وحماية المتورطين بهدف تشويه صورة الحزب وتحجيم إنجازاته على كافة الصعد أكان في إلحاق الهزائم المتكررة بالعدو الإسرائيلي وتكريس معادلات الردع معه أو على صعيد القضاء على التنظيمات الإرهابية على الحدود الشرقية أو على صعيد انخراطه في المواجهة مع وباء كورونا خلال العام الماضي أو على صعيد الأمن النفطي بتأمين جزء من حاجة لبنان إلى المحروقات». وأكدت المصادر أن الحزب متنبه لهكذا اتهامات ومشاريع ثبت فشلها في ثني المقاومة عن دورها ومهماتها في الدفاع عن لبنان والمنطقة»، وجزمت المصادر بأن حزب الله لا يتولى أي مسؤولية في مرفأ بيروت ولا يملك أي مخازن أو مواد أو معدات أي كان نوعها، كما ليس لديه أي سلطة مباشرة أو غير مباشرة في المرفأ الخاضع لسلطة الأجهزة الأمنية والعسكرية والجمركية المختصة كما أنه لا يضغط على القضاء بل يقول موقفه بكل وضوح وجرأة ولا يخفيه».
وبرز استقبال رئيس الحكومة نجيب ميقاتي سفيرة الولايات المتحدة دوروثي شيا، وذلك بعد مضي يوم واحد على الرسائل الشديدة اللهجة والأولى من نوعها التي وجهها السيد صفي الدين إلى الأميركيين، وتم خلال اللقاء عرض التطورات العامة في لبنان والمنطقة.
"الجمهورية": ميقاتي في المواجهة مع الدائنين
وتساءلت "الجمهورية"، هل بدأت فعلاً تظهر علامات «الفشل المبكر» على حكومة الرئيس نجيب ميقاتي؟ وهل «مُهلةُ السماح» التي تطلبها، لـ90 يوماً، هي فقط من باب المراهنة على الغيب، كما المهلةُ التي طلبتها حكومة الرئيس حسان دياب؟ وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا تمَّ ترحيل دياب والمجيء بميقاتي؟
يعترف القريبون من ميقاتي بوجود علامات سلبية ظهرت أمامها، في أول الطريق، تحديداً على المستويين الاقتصادي والاجتماعي. وفي عبارة أوضح، تراجعت العلامات الإيجابية القليلة التي ظهرت عند التكليف، وتقدَّمت الأزمات المستعصية التي كانت قائمة قبله، أو بقيت تراوح مكانها:
عودة الدولار إلى الصعود، الإرباك في ملفات الكهرباء والمحروقات والبطاقة التمويلية، الغموض في إدارة مبلغ المليار و135 مليون دولار الآتي من صندوق النقد الدولي، وملامح الإرباك الجديد في مفاوضة الصندوق. وفوق ذلك، شلل الإدارات والمصالح والأجهزة العامة، وغياب الرؤية الواضحة لمفاوضة إسرائيل في ملف الحدود البحرية.
ولكن، يقول القريبون: «نحن لسنا مصدومين. نعرف أنّ الأمور ليست سهلة. الرئيس ميقاتي ليس «سوبرمان»، والحكومة لا تدَّعي القدرة على إخراج البلد قريباً من الهوة العميقة التي استمر هبوطه فيها سنوات. لكننا في وضعية الاستنفار الأقصى، ونبحث عن أي ثغرة تسمح بخرق الجدار المسدود، وسنبدأ من أي مكان نراه مناسباً. ومن الظلم الاستعجال والقول إننا نتعثر».
في أول الطريق، أوحى وجود حكومة جديدة، يقودها ميقاتي، بوجود فرصة على الأقل للتخفيف من حدّة «الارتطام الكبير»، أو لبدء عملية العودة إلى الحياة، بعد انتخابات جرى تقديم موعدها إلى آذار. ولكن، عندما نالت الثقة، وبدأت ممارسة السلطة، وَضع الجميع أرجُلهم على أرض الواقع لتلمُّس الواقع. فالمشكلات العالقة تبدو أكبر من الحكومة ومن البلد، ولا يمكن تجاوزها بسهولة.
وأكثر العارفين بهذا الواقع هو ميقاتي نفسه. هو يدرك أنّ في الداخل منظومة مصالح معقّدة، سياسية ومالية وإدارية، تتحكّم بمسار عمله. وهذه المنظومة ترعاها القوى الإقليمية والدولية النافذة. ويستحيل تغيير المنظومة أو إضعافها أو خرق نفوذها في الداخل إلّا بموافقة خارجية.
واستطراداً، يدرك ميقاتي أنّ حكومته نفسها لم تتشكّل إلّا بعد اتفاق القوى الإقليمية والدولية، ولا سيما منها الولايات المتحدة الاميركية وإيران، بوساطة فرنسية قوية. ولذلك، هو لم يهدر الوقت. ومنذ اللحظة الأولى، بدأ نشاطه من باريس لا من بيروت أو سواها، مستنجداًَ بوساطة الرئيس إيمانويل ماكرون في كل الاتجاهات الإقليمية والدولية.
ويشبّه ديبلوماسي عتيق حكومة ميقاتي برَجُلٍ استدانَ من جهات مختلفة مبالغ كبيرة من المال ليشتري منزلاً يأويه. وعندما دخل المنزل، وجد الدائنين قد سبقوه، وأخذ كلٌّ منهم يملي عليه الشروط. فماذا سيفعل ميقاتي لإرضاء الجميع؟ وهل تتاح له التسوية التي ترضيهم جميعاً أم يبيع المنزل ليردَّ عنه شرَّ الدائنين؟
خريطة «الدائنين» في لبنان واضحة: إيرانية، أميركية، سعودية، سورية وإسرائيلية... والوسيط فرنسي، والاتكال عليه وحده.
واليوم، تدور المساومات حول 4 خطوط أساسية، وعلى حكومة ميقاتي أن تحدِّد طريقة المقاربة لكل منها وحدود التنازل، كشرط للحصول على الدعم المطلوب وفتح الأبواب للمساعدات:
1- هناك مسار المفاوضات حول سوريا، بين الرئيس بشّار الأسد والجبهة العربية التي تضمّ الأردن ومصر ودول الخليج العربي. وهذا المسار اقتصادي في الظاهر، لكنه سياسي بامتياز في العمق. وتوحي خطواته المتسارعة، خصوصاً بعد اتصال الأسد والملك عبدالله الثاني، بأنّه يتقدَّم نحو تسويات معينة. فما موقع لبنان في هذا الملف، وكيف ستتعاطى معه حكومة ميقاتي، وما حدود التنازلات المطلوبة منه اقتصادياً وسياسياً؟
2- مسار المفاوضات السعودية ـ الإيرانية التي رعى انطلاقها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في بغداد، على مدى 4 جولات حتى الآن. وجديدُها كان إعلان وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، عن جولة محادثات عُقدت بين مسؤولين سعوديين وإيرانيين في 21 أيلول الفائت. وهو اللقاء الأول للجانبين بعد تولّي الرئيس إبراهيم رئيسي مهماته في طهران.
فهل تبرد المواجهة الجارية حالياً بين الطرفين في اليمن ولبنان وسوريا والعراق وجبهات عربية أخرى؟ وهل سينعكس ذلك تسهيلاً لبرنامج حكومة ميقاتي وإفراجاً عن المساعدات السعودية، والخليجية عموماً؟
3- مسار المفاوضات الإميركية - الإيرانية المتوقف، وما ستقود إليه. وما انعكاس ذلك على ملفات النزاع في الشرق الأوسط ولبنان، والعقوبات الأميركية؟
4- الاتجاه الذي ستقرِّر إسرائيل سلوكه في مسألة التنقيب عن الغاز في المنطقة التي أعلن لبنان أنّها حقٌّ له، أي 2290 كلم2، ومدى حصولها على التغطية الأميركية في موقفها، واستطراداً مدى الضغط الذي ستمارسه على لبنان للتنازل.
عملياً، يدرك ميقاتي أنّ الغطاء الحقيقي لحكومته سيأتي من خلال هذه المسارات، وأنّ كل الحراك الداخلي يبقى عقيماً إذا لم تصل الملفات الساخنة المطروحة إلى التبلور، وإذا لم تُصدِر القوى النافذة المعنية بها تعليمات إلى القوى التي تغطيها في الداخل اللبناني بالتسهيل.
عند هذا المفترق، يقف ميقاتي متَّكلاً على الوساطة الفرنسية وحدها، فقط لا غير. لكن للفرنسيين حدودهم التي يعرفونها.
فهل يعاند ميقاتي وينازل الطواحين ليثبت للجميع أنّه ليس ضعيفاً كما كان حسان دياب، أو كما كان الرئيس سعد الحريري الذي أنهكه فريق رئيس الجمهورية وحلفاؤه في وضعية التكليف 9 أشهر حتى أحرجوه فأخرجوه؟
أم يُكرِّر ميقاتي نموذج دياب، فيجلس منتظراً في السرايا، من تأجيل إلى تأجيل، لعلّ الوقت يتكَّفل بولادة التسويات ووصول الضوء الأخضر من الخارج؟
"اللواء": المفاوضات مع الصندوق
وقالت "اللواء" إن الجديد على صعيد تحرك الحكومة، ما اعلنه المتحدث باسم صندوق النقد الدولي أننا «تلقينا رسالة من الرئيس نجيب ميقاتي عبّر فيها عن تطلّع السلطات اللبنانية للحصول على برنامج تمويلي، وإجراء محادثات تقنية تتعلق بالسياسات والاصلاحات لمواجهة الازمة المالية والاقتصادية في لبنان على ان تبدأ المحادثات في الأيام المقبلة».
اضاف: كما أعلنت وزارة المال أنها استأنفت التواصل مع صندوق النقد الدولي. وأصدرت بياناً تناولت فيه إعادة تعامل لبنان مع الصندوق واستراتيجية إعادة هيكلة الدين العام. كذلك أعلنت أنها ترحّب بمشاركة حَمَلة السندات في عملية إعادة الهيكلة.
واوضح الصندوق ان وزارة المالية اعلنت انه «بالتوازي مع التعامل مع صندوق النقد الدولي، تظل الحكومة ملتزمة تماماً بالمشاركة في عملية بناءة وشفافة وعادلة لإعادة هيكلة الديون مع جميع أصحاب المصلحة الآخرين، وترحب باهتمام حملة السندات، بما في ذلك حملة السندات المتخصصة: «Ad Hoc Lebanon Bondholder Group»، للمشاركة في هذه العملية. وفي ضوء ما سبق، تؤكد الحكومة من جديد التزامها بإيجاد حل عادل وشامل للجميع، وستشارك الدائنين، بدعم من مستشاريها الماليين والقانونيين، بحسن نية مع جميع جهات الدائنين في أقرب وقت ممكن عملياً».
وبموجب كتاب ميقاتي للصندوق،، بدأت اجتماعات تقنية مع الصندوق عبر تقنية «زووم» على أن تبدأ بعدها المفاوضات الرسمية. ويشار الى أن الاجتماعات التقنية تتناول الأرقام والرؤى الاقتصادية والأبواب المطلوب الإصلاح فيها، واذا سارت الأمور كما هي عليه، يؤمل أن تنتهي هذه المفاوضات في نهاية العام.
ومن المقرر أن تُعقد هذا الأسبوع اجتماعات متتالية للوفد الوزاري المكلف بالتفاوض من مجلس الوزراء.
الى ذلك، عقد امس، اجتماع للجنة الوزارية لمعالجة تداعيات الأزمة المالية على سير المرفق العام برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي، جرى خلاله البحث في تعديل بدل النقل اليومي للموظفين ورفعه إلى اكثر من 24 الف ليرة. ومنح سلف إضافية على الرواتب بقيمة نصف شهر لمدة مؤقتة.
وقالت وزيرة الدولة لشؤون التنمية الادارية نجلاء رياشي بعد انتهاء الاجتماع: تم التوصل الى الآتي: في ضوء التطورات الدراماتيكية التي تمر بها البلاد والتضخم غير المسبوق، عرض رئيس مجلس الوزراء للمشكلات التي تعيق عمل الادارة على المستويات كافة. وكان الجميع على يقين بأحقية مطالب الموظفين وضرورة ايجاد الحلول المناسبة لها، وبنتيجة البحث طلب الرئيس ميقاتي من وزير المالية، وبصورة عاجلة اقتراح ثلاثة أمور على اللجنة:
اولا زيادة بدل النقل اليومي.
ثانيا : تقديم منحة مالية كمساعدة اجتماعية موقتة.
ثالثا: اعداد مشروع قانون لتأمين سلفة لتغطية المصاريف الطارئة التي من شأنها تأمين سير عمل الادارة.
وردا على سؤال قالت: ان الزيادة الجديدة لبدل النقل ستتم بموجب اقتراح جديد سيقدمه وزير المالية، بعدما ارتأى الجميع أن زيادة بدل النقل التي اقرت سابقا لم تعد كافية.
واستبعدت «مناقشة الاقتراحات الجديدة في الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء لضيق الوقت، علماً ان وزير المال يحتاج الى عدة ايام لاعداد الدراسات في ضوء الارقام، وربما تطرح المواضيع في الجلسة التي تلي الجلسة المقبلة، مع اقتراح سلفة بالمبالغ المطلوبة حتى آخر السنة لتقديمها الى مجلس النواب، بما يؤمن سير المرافق العامة في انتظار الحلول الجذرية».
واشارت الى» ان المشكلات الاخرى التي تواجه الادارة ستكون من ضمن السلفة التي ستقترح».
واستقبل الرئيس ميقاتي سفيرة الولايات المتحدة دوروثي شيا، وتم خلال اللقاء عرض التطورات العامة في لبنان والمنطقة. كما استقبل سفير تونس في لبنان بواري الإمام وتم خلال اللقاء بحث العلاقات الثنائية بين البلدين.
واستقبل رئيس مجلس الوزراء ممثل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين إيتو اياكي وتطرق البحث الى النشاطات التي تقوم بها المفوضية في لبنان.
واستقبل ميقاتي المدير العام لإدارة المناقصات جان العلية الذي قال: حيث تناول البحث قانون الشراء العام في ضوء قرار المجلس الدستوري رقم 5/2021، واستمعت الى توجيهاته، وقد أصبح هذا الموضوع اليوم في أيد أمينة.
كما استقبل رئيس ديوان المحاسبة القاضي محمد بدران على رأس وفد قدم له تقريرا عن قطع الحساب عن العام 2019. اثر اللقاء اعلنت القاضية نيللي ابي يونس باسم الوفد «ان ديوان المحاسبة مستمر في تدقيق الحسابات وهو في انتظار تسلم حسابات العام 2020 من وزارة المالية لاستكمال التدقيق فيها وقطع حساباتها».
وفي سياق متصل، عقد المنسق الفرنسي بيار دوكان لقاءً مع وزير الاشغال علي حمية، وجرى عرض وتقييم لمشاريع النقل والاشغال من الجسور والطرقات المدرجة في مؤتمر سيدر.
اموس في بيروت
على خط آخر، وبعد تكليفه ادارة ملف ترسيم الحدود البحرية خلفاً لجون دوروشيه، افادت اوساط دبلوماسية غربية ان المسؤول الاميركي الجديد اموس هوكشتاين الذي سبق وادار الملف وتوصل مع الرئيس نبيه بري الى اتفاق اطار انطلقت على اساسه المفاوضات غير المباشرة، سيصل الى لبنان في النصف الثاني من الشهر الجاري، للبحث في استئناف المفاوضات.
إقرأ المزيد في: لبنان
19/11/2024