لبنان
بعد 13 شهرًا من الفراغ.. حكومة ميقاتية من 24 وزيرًا
وأخيرًا تصاعد الدخان الأبيض من قصر بعبدا معلنا عن ولادة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي من 24 وزيرًا، ووقعت المراسيم، على أن تكون أولى الجلسات يوم الاثنين في القصر الجمهوري برئاسة الرئيس ميشال عون.
المولود الجديد بعد انتظار 13 شهرًا أمامه استحقاقات كبيرة، أبرزها الأزمات المعيشية والاقتصادية والمحروقات ورفع الدعم، وصولًا إلى الانتخابات النيابية في أيار من العام المقبل، فهل ستكون ثمانية أشهر كافية وستساعد الظروف المحلية والإقليمية والدولية ميقاتي للمضي قدمًا في التقاط أنفاس البلاد؟!
"الأخبار": حكومة ترميم المنظومة: الثقة (شبه) مستحيلة
رأت "الأخبار" أنه إذا كان تأليف الحكومة الجديدة برئاسة نجيب ميقاتي انعكاساً لاستمرار سلطة «القوي» واستغلاله الطبقات الشعبية لتمتين نفوذه السياسي - الاقتصادي، فتنعم فئة قليلة جدّاً من المُنتفعين، فإنّ الأكيد أنّ التشكيلة الوزارية تُعبّر عن كلّ ما يتعارض مع مصلحة اللبنانيين لإنهاء الانهيار الاقتصادي - المالي - النقدي المستمر منذ سنتين. فبين وزراء يتبنّون علناً سياسات الولايات المتحدة الأميركية، ويأتون مُسبقاً بمواقف ترفض التعاون الاقتصادي مع دولٍ أخرى، ملتزمين أفكار المؤسسات الدولية المالية والدفاع عن مصالح المنظومة القائمة... فهذا يعني أنّه لا أمل ولا ثقة تُستشفّ منهم. صحيح أنّ الوجهة واضحة منذ لحظة تكليف ميقاتي، أحد أعضاء النواة الصلبة لهذه المنظومة، ولكنّ المسألة اتّخذت شكلاً أكثر فظاظة مع إعلان الأسماء. انطلاقاً من هنا، يُمكن تحديد بيان الطوارئ الذي يجب أن تحكم الحكومة وفقه. لا ثقة بالحكومة التي يترأسها نجيب ميقاتي إلّا إذا اتّخذت موقفاً ببناء دولةٍ مجتمعية تؤمّن عدالة الفرص لجميع السكّان وتوفّر لهم الخدمات الأساسية. عنوان الحلّ سياسي وليس تقنياً، أساسه الإجابة عن سؤال: عن مصالح مَن سيُدافع مجلس الوزراء الجديد؟ مصالح القطاع المصرفي والمالي وجميع المحظيين والمُنتفعين منه، الذين يُريدون تحميل نتائج خسائر البنوك لعامة السكّان؟ أم مصالح الطبقات الفقيرة والمتوسطة التي سُرقت ودائعها وفقدت رواتبها قيمتها وانهارت قدراتها الشرائية وحُرمت من الحصول على البنزين والمازوت والدواء والاستشفاء والسكن...؟
يُفترض أن لا تحكم الحكومة الجديدة أكثر من 8 أشهر، تسبق إجراء الانتخابات النيابية، إذا نُظّمت. المدّة قصيرة ولكنّها كافية لأن يتّخذ مجلس الوزراء إجراءات سريعة وفعّالة، يُمكنها أن تُشكّل أرضية للحلّ المستدام.
الخطوة الأساسية لمعالجة الأزمة هي الاعتراف بحصولها وبتحديد الخسائر المُترتبة عنها وكيفية توزيعها، أي وضع خطّة إصلاح مالي. هدف الخطة هو إظهار الخسائر في مصرف لبنان والمصارف؛ إعادة هيكلة المصارف بطريقة تُمكّنها من ممارسة دورها في الاقتصاد والعودة للقيام بوظيفتها «الطبيعية» وأهمها تفعيل الإقراض ولا سيما للقطاعات الإنتاجية؛ إعادة هيكلة الدين العام حتى لا تبقى استدامته عبئاً على كلّ الأجيال المستقبلية؛ تحديد الرؤية الاقتصادية للدولة وعلى أساسها يتمّ اعتماد نظام سعر صرف جديد لإنهاء «عجيبة» تعدّد أسعار الصرف وجريمة الاستمرار في تثبيت الليرة على السعر الوهمي 1507.5 ليرة/ دولار. الحكومة الجديدة ليست بحاجة إلى تشكيل لجانٍ عدّة وتعيين المستشارين للبحث في «خطّة الإنقاذ المالي»، ولا لإضاعة الوقت على عشرات الجلسات الوزارية، فالخطّة التي وضعتها حكومة الرئيس حسّان دياب موجودة، ويمكن اعتمادها كأساس لانطلاق خطة إنقاذ مالي - اقتصادي، بعد تعديل أرقام الخسائر والسياسات بما يتناسب مع التغييرات التي طرأت على مدى السنتين الماضيتين، وليس بما يتناسب مع مصالح «حزب المصرف». يعني ذلك وجوب إطلاق التدقيق الجنائي في حسابات البنك المركزي والمصارف، وعزل رياض سلامة من منصبه ومحاكمته كمُشتبه باختلاس وتبييض أموال واستغلال وظيفي.
ولاية الحكومة قصيرة، لكنها كافية لاتخاذ إجراءات سريعة وفعّالة
في مقابلة مع تلفزيون «الشرق» السعودي، قال ميقاتي أمس إنّه سيسعى لبدء المفاوضات مع صندوق النقد. تظنّ المنظومة الحاكمة أنّها «أذكى» من مؤسسات الاستعمار المالي، وتستطيع أن ترفض «إملاءاته»، وفي الوقت نفسه تحصل منه على قرضٍ يتراوح ما بين الـ4 والـ8 مليارات دولار كحدّ أقصى. الدولارات التي تبغاها الحكومة من صندوق النقد، هي قادرة على تأمين أكثر منها لو عَقدت العزم على العمل وفق خطة منطقية ومفيدة للسكان على المدى الطويل. تستطيع الحكومة أن تُجبر المصارف على إعادة الأرباح التي جنتها من الهندسات المالية التي نفّذها لها حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة منذ عام 2015. أكثر من 6.5 مليار دولار هي الأرباح التي جنتها المصارف عام 2016 وحدها جرّاء الهندسات، استعادتها بالتوازي مع تطبيق التعميم 154 الصادر عن «المركزي» ويطلب فيه من المصارف إعادة 30 في المئة من مجموع الدولارات التي حوّلها إلى الخارج أصحابها وكبار المساهمين والمدراء العامون والأشخاص المُعرضون سياسياً، واستعادة الدولارات الناتجة من الفوائد الخيالية على الودائع بالعملات الأجنبية، يُجنّب لبنان الخضوع لوصاية صندوق النقد وتقديم تنازلات سيادية ويؤمّن العملة الصعبة.
إدخال الدولارات إلى لبنان وكسر دوّامة «تهريبها»، يتم أيضاً من خلال تعزيز الإنتاج الوطني: زراعياً، صناعياً، تكنولوجياً، خدماتياً وحمايته. الحماية تعني إعادة دراسة سياسة الاستيراد من أصلها، لجهة المسموح والممنوع والرسوم الجمركية التي ينبغي أن يكون هدفها تطوير الإنتاج المحلي، وزيادة النمو. هذا الإجراء، يؤمّن إذا ما ترافق مع إقرار قانون المنافسة العامة، تفكيك سلطة الاحتكارات والكارتيلات، ومنع استبدادها بأمن السكّان الغذائي والطاقوي والصحّي والحياتي. النقطة المحورية أيضاً، ومن البنود الرئيسية على طاولة الحكومة، تصحيح النظام الضريبي، وجعله أقل ظلماً، عبر زيادته تصاعدياً على الدخل الموحد للأسر.
تحت هذه الإجراءات الأساسية اقتصادياً، وذات الانعكاسات الكبيرة اجتماعياً، يتفرّع العديد من العناوين وليست بحاجةٍ سوى إلى قرارٍ لتُنفّذ. أمام أزمة المحروقات التي يُعاني منها لبنان، واستمرار رياض سلامة في خنق المجتمع عبر تقنين الاعتمادات التي يفتحها لاستيراد البنزين والمازوت، يجب إطلاق خطة نقل عام لتخفيف الاعتماد على السيارات، بالتالي تخفيض استهلاك البنزين. تأهيل وزيادة إنتاج مؤسسة كهرباء لبنان، والبحث عن عقد اتفاقات من دولة لدولة جديدة لتأمين الطاقة، أمران ضروريان لتخفيف الاعتماد على المولدات الخاصة والفاتورة المرتبطة بها. وقد سلّطت الأزمة الضوء على أهمية الانتقال لاعتماد وسائل الطاقة البديلة، الشمسية مثلاً، فيتم ذلك بناءً على خطة وطنية بالتعاون مع البلديات. ولا يكتمل حلّ للأزمة من دون إنهاء سلطة «كارتيل الدواء» على وزارة الصحة والمؤسسات العامة، وفرضه الشروط التي تُناسبه لجهة الأسعار ونوعية الأدوية المستوردة وصولاً إلى إخفائها عن محتاجيها. تستطيع وزارة الصحة استيراد الدواء باتفاقيات من دولة لدولة، وإنشاء مراكز صحية يتمّ فيها توزيع الدواء على من يحمل وصفة طبية، أو بيعه بأسعارٍ رمزية.
أما في المواضيع السياسية، فأمام الحكومة تحدّي إعادة العلاقات مع سوريا إلى طبيعتها لتتوافق مع معاهدة التعاون الموقعة بين البلدين، وتتجانس مع واقع أنّ الدولتين - وتحديداً لبنان - لا يتعافى اقتصادياً إلا بعلاقة جيدة مع دمشق. أما على الحدود مع فلسطين المحتلة، فلا يجوز الانتظار أكثر لبدء التنقيب عن الغاز والنفط، أو ربط المسألة بالتفاوض مع العدّو. وواحد من أدوات تحقيق هذا الهدف، وضع حدّ للتغوّل الأميركي في الإدارات العامة وقيادة الجيش وبقية المؤسسات الأمنية. عدم الخضوع للتهديدات التي تحول دون تحقيق مصالح لبنان، يتطلّب بلورة خطاب دبلوماسي وخطة خارجية قائمة على تنويع العلاقات السياسية - الاقتصادية.
24 وزيراً عُيّنوا بعد سنة وشهر من الفراغ الحكومي، خلفيات معظمهم تُلغي الحاجة إلى «منح الفرصة» لمعرفة ما سيُنتجون. بين رئيسها نجيب ميقاتي، ووزير المالية يوسف خليل، مُنفّذ ومغطّي مخالفات سلامة، ووزير الاقتصاد أمين سلام الذي يتباهى بعلاقاته الأميركية ويُنظّر لتوسيع النفوذ الأميركي في لبنان ومنع تمدّد حزب الله، ونائب رئيس الحكومة سعادة الشامي الممثل لمصالح البنك الدولي وصندوق النقد... يتطلّب تنفيذ هذه القرارات انقلاباً من الوزراء على أنفسهم. ليس المطلوب من هذه الحكومة تحقيق الحد الأدنى الذي يمنّي بعض أعضائها النفس به على قاعدة أن «البلد منهار، وكل ما سيتحقق يعني تحسيناً في حياة السكان»؛ بل المطلوب هو الحد الأقصى، لأن تضييع كل دقيقة من الوقت يعني بقاء اللبنانيين وعموم السكان عقوداً في حالة الدمار التي يعيشون فيها حالياً. كثير من الأسماء الواردة في التشكيلة الحكومية لا يوحي بأن ما تقدّم سيتحقق، بل يبشّر بأن الأكثر ضعفاً في المجتمع سيدفعون المزيد من الأثمان، وأن أقصى ما ستقوم به الحكومة هو ترميم ما أصاب المنظومة، على حساب الأكثر فقراً. في يوم ولادة الحكومة، من السذاجة عقد الأمل على أن يصدم وزراء المصارف ومؤسسات الاستعمار المالي عموم اللبنانيين، ويحوزوا ثقتهم!
حكومة الـ24
يتألّف مجلس الوزراء، برئاسة نجيب ميقاتي، من:
نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب، وزير التربية والتعليم العالي عباس حلبي، وزير الإعلام جورج قرداحي، وزير العدل هنري خوري، وزير الشباب والرياضة جورج كلاس، وزير الدفاع العميد موريس سليم، وزير المهجرين عصام شرف الدين شهيب، وزير المالية يوسف خليل، وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية نجلا رياشي، وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور الحجار، وزير الصناعة جورج بوشكيان، وزير الاتصالات جوني قرم، وزير السياحة وليد نصار، وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي، وزير الصحة العامة فراس الأبيض، وزير الطاقة والمياه وليد فياض، وزير الثقافة محمد وسام مرتضى، وزير البيئة ناصر ياسين، وزير العمل مصطفى بيرم، وزير الزراعة عباس الحاج حسن، وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية، وزير الاقتصاد والتجارة أمين سلام.
"البناء": 24 وزيراً بتوازن دقيق لمعادلة الثلث المعطل ومنح الثقة
ولدت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الثالثة وحكومة عهد الرئيس ميشال عون الرابعة، وربح لبنان فرصة الخروج من نفق الانهيار، بعد حرب ضروس استثمر خلالها الفساد والاحتكار مليارات الودائع المحجوزة في التهريب والسوق السوداء والتحويل اللاشرعي للأموال تحت ستار الدعم الفوضوي المبرمج لتبديد الأموال وإشهار الإفلاس، فالإفلاس كان مطلب صاحب الحرب التي خاضها على ثلاثة جبهات، اقتصادية مالية لتسريع السقوط إلى القاع وتعميم الفوضى والجوع، وسياسية لمنع ولادة حكومة جامعة ودفع المقاومة لتحمل مسؤولية الانهيار، وبالتوازي حرب إعلامية منظمة عبر الإمساك مالياً بأضخم مؤسسات الإعلام تحت عناوين الثورة ومكافحة الفساد، وتنشيط منظمات بديلة للإمساك بالشارع تحت عنوان تحميل المقاومة وسلاحها مسؤولية الأزمة وتفاقمها، وتحويل كل المساعدات الخارجية من فساد مؤسسات الدولة إلى فساد منظمات المجتمع المدني، بأمل قطاف النتائج في الانتخابات النيابية.
الحصار المالي بوقف كل التدفقات بالعملة الصعبة عن لبنان، من تحويلات الاغتراب التي لاحقتها العقوبات بتهمة تمويل حزب الله وشبهات التبييض والمخدرات المفتعلة، إلى السياحة التي كان الخليج موردها الأول قبل المنع السياسي، وصولاً لقطع شريان التجارة والترانزيت عبر العقوبات على سورية، واستنزاف ما تبقى من مقدرات عبر تعطيل كل حل لعودة النازحين السوريين على رغم جاهزية الدولة السورية لتسهيل العودة، والحصار السياسي الذي بدأ باستقالة الرئيس سعد الحريري قبل سنتين تلاه حرم التعامل الداخلي والخارجي مع حكومة الرئيس حسان دياب وصولاً لإسقاطها بالضربة القاضية، وبعدها تعطيل فرص ولادة الحكومة مع تكليف كل من السفير مصطفى أديب وإعادة تكليف الرئيس سعد الحريري وصولاً لتكليف الرئيس نجيب ميقاتي، الذي كاد يصطدم بذات عقبات التأليف، لولا أن حدث ما لم يكن في الحسبان وتغير المشهد رأساً على عقب.
التقطت المقاومة لحظة الانسحاب الأميركي من أفغانستان، والانهزام الإسرائيلي أمام المقاومة الفلسطينية في معركة سيف القدس، وقررت تحويل تحدي الانهيار إلى فرصة، ووضعت خطة فك الحصار من خلال تحويل سلاحها إلى مصدر قوة تحمي الحل الذي يخفف المعاناة عن اللبنانيين الذين وحدتهم طوابير الذل وأوجاع الأزمات التي التهمت مداخيلهم، وأضاعت ودائعهم، وكان إعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عن انطلاق سفينة أولى تحمل المازوت من إيران وفقاً لمعادلة تحذيرية واضحة، السفينة قطعة أرض لبنانية، واضعاً الأميركيين والإسرائيليين بين خياري الانكفاء وترك المقاومة تفتح مساراً يكسر الحصار، ويفتح مساراً لمواجهة التحديات الاقتصادية، والسلاح الذي أراد الأميركي تظهيره سبباً لأزمات يتحول إلى قوة تحمي الحلول، أو دخول مواجهة يعرف الجميع أن نتائجها ستكون في غير صالح الأميركي والإسرائيلي في ظروف أقل ما يقال فيها إنها غير مناسبة، فيكون خيار واشنطن الثالث، البدء بالتحول من بوابة التراجع الأميركي إلى ما قبل ساعة بدء الحرب على لبنان أملاً بإسقاط مقاومته، فاتحاً ثغرة في العقوبات على سورية لتسهيل استجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن، ويندفع لتسريع تشكيل حكومة ينادي بها حزب الله ويسعى إليها عساها تكون بديلاً يوقف تداعي فرض معادلات الردع في البحار والعودة للاكتفاء بها في اليابسة.
لم يكن التبدل في النبرة الفرنسية دليلاً كافياً على الموقف الأميركي الجديد، فتحركت الدبلوماسية الأميركية مباشرة من واشنطن عبر مساعدة وزير الخارجية تتابع يومياً مسار التأليف، وأعطي الضوء الأخضر لفرنسا بعدما حجب عنها سنة كاملة، فاتصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي داعياً للتعاون في تسريع تشكيل الحكومة، فكانت الحكومة التي وصفها رئيسها بحكومة العزم والأمل، وقال عنها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إنها أفضل الممكن، وعقب رئيس مجلس النواب نبيه بري على ولادتها بالقول حيا على خير العمل.
عن توازنات الحكومة تقول المصادر المتابعة لمسار تأليفها إنها طمأنت رئيس الجمهورية لمخاوفه من الفراغ الدستوري وتحول صلاحيات رئيس الجمهورية إلى الحكومة، ما كان يشكل سبب قلقه من عدم امتلاك الثلث المعطل، بضمان إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، وبتثبيت حقه باستقطاب الوزراء المسيحيين إلى معسكره إذا وقع الفراغ الدستوري، لضمان التوازن الوطني بين الطوائف في حكومة ترث صلاحيات رئيس الجمهورية الذي يمثل المسيحيين في الدولة، بينما ضمنت للرئيس ميقاتي غياب الثلث المعطل حتى نهاية ولاية مجلس النواب، أي نهاية العمر الدستوري للحكومة، بالتالي اصطفاف الوزيرين المسيحيين المتفق على عدم تبعيتهما لأي معسكر سياسي خارج حصة رئيس الجمهورية حتى موعد الانتخابات النيابية، ليكون تزخيم هذه التسوية المرضية للفريقين بمنح التيار الوطني الحر الثقة للحكومة.
المصادر التي تؤكد أن الحكومة كانت جاهزة للإعلان منذ الاثنين، وأن كل التعديلات التي لحقتها منذ الاثنين كان يمكن أن تحدث بساعات إذا التقى الرئيسان، لكن التوقيت الفرنسي للإعلان كان على صلة بالتواصل الفرنسي- الإيراني المستجد، والرغبة الفرنسية بتظهير ولادة الحكومة كثمرة لهذا التواصل في سياق تحضير باريس للعب دور في مفاوضات فيينا الخاصة بالملف النووي الإيراني، والمتوقع عودتها الأسبوع المقبل في ضوء الاتصالات التي حملتها الساعات الأربع والعشرين الماضية، بعدما نجحت المداخلة الروسية بالتوصل إلى معادلة العودة غير المشروطة لما كان عليه الوضع عشية الانسحاب الأميركي من الاتفاق قبل ثلاثة أعوام، سواء لجهة العقوبات الأميركية أو الالتزامات الإيرانية.
وبعد سنة وشهر على الفراغ الحكومي والصراع الداخلي والضغوط الخارجية والحصار الأميركي السياسي – الحكومي – الاقتصادي على لبنان، وعلى وقع الانهيارات المالية والاقتصادية المتتالية واقتراب لحظة الانفجار الكبير مع رفع الدعم الكامل عن المحروقات الأسبوع المقبل، أبصرت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي النور مؤلفة من 24 وزيراً من الاختصاصيين بتمثيل سياسي واسع شمل مختلف الكتل النيابية والقوى السياسية باستثناء حزبي القوات والكتائب اللبنانية.
وبعدما نجحت الاتصالات بتذليل آخر العقد المتمثلة ببعض الحقائب توجه الرئيس ميقاتي بعد ظهر أمس إلى بعبدا حاملاً التركيبة الوزارية وملوّحاً بها للإعلام وعقد اللقاء الرابع عشر مع رئيس الجمهورية، ثم حضر إلى القصر رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي قال بعد خروجه من الاجتماع الرئاسي الثلاثي: «من هون ورايح عليكن خير».
ثم تلا الأمين العام لمجلس الوزراء محمود مكية مراسيم قبول استقالة حكومة حسان دياب وتعيين ميقاتي رئيساً لمجلس الوزراء وتأليف الحكومة الجديدة، معدداً أعضاءها وحقائبهم، ومعلناً عن أن الجلسة الأولى للحكومة ستكون الاثنين المقبل في بعبدا، عند الحادية عشرة من قبل الظهر، بعد التقاط الصورة التذكارية.
وبحسب مصادر «البناء» فإنّ مجلس الوزراء في جلسته الاثنين سيشكل لجنة لصياغة البيان الوزاري على أن يقر البيان في مجلس الوزراء في الجلسات المقبلة لكي تنال الحكومة الثقة على أساسه في المجلس النيابي، كما أكدت المعلومات أن تكتل لبنان القوي سيمنح الحكومة العتيدة الثقة وذلك في إطار تفاهم مبدأي بين ميقاتي والنائب جبران باسيل على إدارة المرحلة المقبلة والتعاون لمعالجة الأزمات. وأشارت مصادر مطلعة على الوضع السياسي لـ»البناء» إلى أن «الحكومة لديها مهمات محددة تتمحور حول الحد من الانهيار وضبط الفلتان ومعالجة الأزمات الحياتية وتمرير المرحلة المؤقتة بأقل الخسائر الممكنة حتى موعد الانتخابات النيابية، والمهمة الثانية إجراء هذه الانتخابات وبالتالي لا يمكن انتظار المعجزات منها وهي ستعمل قدر الإمكان على تجاوز المطبات والملفات المتفجرة السياسية في الحكومة وستركز جهودها على العمل الاقتصادي والمالي والتفاوض مع صندوق النقد الدولي».
وتحدث ميقاتي بعد خروجه من لقاء عون حيث اغرورقت عيناه بالدموع وقال: «الوضع صعب ويجب أن نضع يدنا في يد بعضنا ولا شيء كاملاً ولكن نؤكد أننا سنكون فريق عمل بيد واحدة وسنعمل بأمل وعزم». وأضاف: «أعد اللبنانيين أنني سأتصل بكل الهيئات الدولية لتأمين أبسط أمور الحياة. سنعمل بمبدأ وطني ولسنا مع فئة ضد فئة ولن أفوّت فرصة لدقّ أبواب العالم العربي ويجب أن نصل ما انقطع ولبنان ينتمي إلى هذا العالم العربي وهو فخور بهذا الأمر».
ورداً على الأسئلة، قال ميقاتي: «دمعتي من القلب ويكفينا جدلاً «ثلث وثلثان» ولنترك السياسة جانباً ونريد العمل وورشة العمل ستكون لتأمين الحد الأدنى المطلوب للناس، آمل أن ننهض بهذه الحكومة وأن نوقف على الأقل الانهيار الحاصل وإعادة لبنان إلى عزّه وازدهاره».
مضيفاً «الرئيس عون أكد أنه يتواصل مع تكتل «لبنان القوي» الذي حتماً سيمنح الحكومة الثقة، والتواصل مع رؤساء الحكومات السابقين مستمر وهم أعطوني ثقتهم وأنا أقوم بما يمليه عليّ ضميري والمهم عندهم تشكيل الحكومة وأتعهّد بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها، وهناك نيّة لديّ بإجراء الانتخابات البلدية والاختيارية أيضاً في موعدها في 8 أيار».
وقال ميقاتي: هناك خطوات ستقوم بها الحكومة في أسرع وقت لإنقاذ البلد وفي ما يتعلق برفع الدعم «نحن منشفين»، ولا رغبة لدينا برفع الدعم لكن لا أموال للاستمرار به».
"اللواء": حكومة «التقاط الأنفاس»: توازنات في التأليف والتعطيل ممنوع!
من جهتها اعتبرت صحيفة "اللواء" أن هذا هو لبنان، تنام على أمر، وتصحو على آخر، لكن في موضوع الحكومة، وكما ذكرت «اللواء» في عددها أمس، حدث ان ولدت حكومة العهد الرابعة، وهو على مشارف السنة السادسة والاخيرة، بعد سنة وشهر (13 شهرا) على استقالة حكومة تصريف الأعمال التي يرأسها حسان دياب.
ومع هذه المحصلة، يسدل الستار عن مرحلة، ويفسح في المجال أمام مرحلة جديدة، حاول كل من رئيسي الجمهورية ميشال عون ونجيب ميقاتي رسم معالمها، في ما خصَّ إدارة الشأن العام، وما يرتبط من نتائج.
وبانتظار بعد غد الاثنين موعد الاجتماع الأوّل للحكومة لالتقاط الصورة التذكارية ولتأليف لجنة صياغة البيان الوزاري، تحدثت معلومات عن بيان «ببنود محددة» وبعيداً عن الجنوح الانشائي أو «الفضفضة».
ووسط ترحيب من الأطراف المعنية اوروبياً ودولياً، لا سيما الرئيس ايمانويل ماكرون، الذي رأى في تأليف الحكومة «خطوة لا غنى عنها»، مذكراً القيادات المعنية بوجوب الوفاء بالالتزامات الضرورية لاجراء الإصلاحات التي تسمح للمجتمع الدولي بتقديم المساعدات. لفتت الأوساط المعنية إلى ظروف ولادة الحكومة: الوضع المالي والاقتصادي الصعب، الهريان في الإدارة، الاحباط العام، الفوضى في المدن، والاقضية والمحافظات، والاشكالات اليومية، بما فيها اللجوء إلى الرصاص والعنف من أجل البنزين والمازوت والغاز، ولقمة الخبز.
وإذا كان الرئيس نبيه برّي، لدى مغادرته قصر بعبدا، دعا إلى العمل فإن الرئيس ميقاتي، وهو يتحدث من «القلب» عن وضع صعب، لكن معالجته غير مستحيلة» متحدثاً عن فريق عمل لمنع الاحباط.. رافضا الكلام عن «ثلث المعطل».. فلا نريد لأحد ان يعطل، ومن يريد التعطيل فليخرج من الحكومة، ويتحمل مسؤولية عمله، ويستبعد الرئيس ميقاتي ان تمنح كتلة لبنان القوي «الثقة للحكومة».
اما الرئيس عون، الذي يعتقد ان ولادة الحكومة، ضخت دماً جديداً في السنة الأخيرة من عهده، أوضح ان كلامه عن جهنم أسيء فهمه.. مؤكداً «سنخرج من الهوة الكبيرة ونحل المشاكل». مشيرا إلى ان الثقة تمنح لبرنامج الحكومة.. معتبرا ان أولوية المعالجة ستتناول البنزين والمازوت والخبز.
لا خاسر في الحكومة
وبعيداً عمّا قاله الرئيس عون من اننا «أخذ ما يجب اخذه»، نافيا الحصول على ثلث معطّل.. والمهم يكمن في التوافق في العمل الذي سيكون السبب الأوّل للنجاح.. وإعلان الرئيس ميقاتي للعمل معاً.. فإن نظرة على توزع الوزراء توصل إلى نتائج عملية، واقعية وسياسية، لم تستبعد ايا من الكتل التي أعلنت مشاركتها في الحكومة، أو سمت الرئيس ميقاتي.
1- دستورياً: جاءت الحكومة مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، عملاً بالبند «أ» من الدستور، الذي ينص: تمثل الطوائف بصورة عادلة في تشكيل الحكومة.
2 - تمثل المسيحيون بتسمية من الرئيس عون، وتكتل لبنان القوي وتيار المردة والطاشناق والحزب السوري القومي الاجتماعي، الذي تمثل بنائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، وأدى امتناع «القوات اللبنانية» والكتائب عن المشاركة إلى حصر التمثيل المسيحي بشكل أساسي بفريق العهد.
3 - إعطاء الحكومة كلهم من الجدد، وان كانت المرجعيات التي سمتهم أو زكتهم سياسية فاقعة، على نحو مباشر.. وهم من غير المعروفين في الوسط السياسي أو الحفل العام، وبعضهم كان يعيش في الخارج.
4 - غلب التوافق على عملية الانقاء، لدرجة ان موقع «الانتشار» ذكر ليلاً ان وزير الاقتصاد والتجارة أمين سلام، زكاه الرئيس عون، من ضمن لائحة مرشحين، لاعتبارات بعضها عائلي وبعضها يتعلق بموقعه الاقتصادي وخبراته.
5 - على خلاف الحكومة السابقة، التي تمثلت الحكومة فيها بأربع نساء، تمثلت الحكومة المالة بامرأة واحدة، استندت إليها وزارة الدولة للتنمية الإدارية.
6 - جاءت حصة الرئيس عون المباشر على النحو التالي: وزارات الدفاع والخارجية والعدل والطاقة والشؤون الاجتماعية، ويمكن احتساب وزارة الصناعة التي يتولاها حزب الطاشناق من حصته، وكذلك وزارة المهجرين التي عين فيها وزير محسوب على الحزب الديمقراطي اللبناني الذي يرأسه الأمير طلال أرسلان.
7 - وجاءت حصة الرئيس ميقاتي على النحو التالي: الداخلية، الاقتصاد، الصحة، البيئة، ومن ضمن الوزراء وزيران محسوبان على الرئيس سعد الحريري الذي أعلن دعمه القوي للحكومة الميقاتية.
8 - وحصل تيّار المردة على الاتصالات، ويقال ان وزير الإعلام الجديد جورج قرداحي محسوبا عليه. اما حصة الثنائي الشيعي، فكانت: المالية، والثقافة والزراعة والاشغال العامة والعمل.
9 - ونجح النائب السابق وليد جنبلاط من الاحتفاظ بمطلبه بوزارة التربية والتعليم العالي. إلى جانب ممثّل النائب أرسلان.
10 - اما وزير الشباب والرياضة جورج كلاس فهو من الحصة الكاثولكية، ويتقاطع انتمائه بين التيار الوطني الحر، وفريق وازن في 8 آذار.. ويكاد ان يكون الوزير الملك.
11 - اما الثلث المعطل، فهو في التحالفات، وليس في الحسابات العددية فقط.. وان كان هذا الخيار ليس في حسابات أحد في هذه المرحلة.
12 - الأهم في النتائج الانهيار المريع لسعر صرف الدولار، أما تراجع إلى ما دون الـ1600 ألف ليرة لبنانية.. فتوقف الصرافون عن شراء الدولار في السوق السوداء، ليعود ويرتفع إلى سعر لم يتجاوز الـ16000 ليرة لبنانية.
لماذا ولدت الحكومة
والسؤال: ما هي العوامل التي حسمت ولادة الحكومة، سبق ووضعها فريق العهد:
تكشف مصادر سياسية النقاب عن سلسلة تحركات داخلية وخارجية، اعقبت امعان رئيس الجمهورية ميشال عون والنائب جبران باسيل، بعرقلة إصدار مراسيم تشكيل الحكومة الجديدة،كما كان متفقا عليه،الاربعاء الماضي،بطرح مطالب جديدة، بعدما وضعت اللمسات الاخيرة على التشكيلة الوزارية،ما شكل مفاجأة مستغربة، كادت تطيح بعملية التشكيل كليا.
وحددت المصادر هذه العوامل الضاغطة التي سرعت بولادة الحكومةالجديدة بالاتي:
١-اتساع وتيرة النقمة الشعبية، وتدهور الاوضاع على نحو غير مسبوق، بعد تسارع حوادث التفلت الامني والفوضى على محطات المحروقات،والنقص الفادح بمادة المازوت وتاثيره على وتيرة العمل في كافة القطاعات الحيويه بالبلاد.
٢-استياء الرئيس المكلف نجيب ميقاتي من المماطلة غير المبررة، وابلاغ من يعنيهم الامر، اصراره على تشكيل الحكومة بسرعة،وبانه اذا كان الهدف حمله على الاعتذار، فلن يعتذر، بل سيعتكف بمنزله،مهما طال الوقت، اذا بقيت اساليب التعطيل على وتيرتها، وليتحمل من يعرقل التشكيل مسؤولية التدهور الحاصل.
٣- تحرك فرنسي مواكب لما يجري،وابلاغ بعبدا وباسيل تحديدا استياء فرنسي شديد اللهجة من التأخير الحاصل بتشكيل الحكومة الجديدة والتشديد على تسريع التشكيل وابلاغ من يعنيهم الامر، بقرار فرنسي حازم بعدم التهاون مع من يعطل التشكيل والاتجاه جديا، هذه المرة بفرض سلسلة من العقوبات عليه.٤- قيام موفد من حزب الله بنقل رسالة من الامين العام لحزب الله حسن نصرالله الى رئيس الجمهورية ميشال عون عبر باسيل،تشدد على ضرورة الاسراع بتجاوز الخلافات القائمة وتسريع تشكيل الحكومة العتيدة، لان الأوضاع المتردية لم تعد تحتمل مزيدا من المراوحة،ولا بد من قيام حكومة جديدة، تتولى معالجة الازمة الضاغطة.
واكدت المصادر ان هذه التحركات المتسارعة شكلت عامل ضغط قوي على عون وباسيل، لم يعد بالامكان تجاوزه او تجاهله، ولذلك تسارعت الخطى، واعيدت قنوات الاتصالات الى وتيرتها السابقة وتم التفاهم على التشكيلة الوزارية المتكاملة خلال بضع ساعات والاعلان عن ولادة الحكومة الجديدة.
وكان من نتائج الاتصال الهاتفي بين الرئيسين الإيراني والفرنسي ان لهم شكل ضغطاً اضافيا ساعد على الولادة.
"الجمهورية": عون: سنغادر جهنّم .. بري: الى العمل.. ميقاتي: ورشة إنقاذ
وأخيراً ولدت الحكومة التي انتظرها اللبنانيون على مدى 13 شهراً عجاف، خُنقوا فيها بحبل أزمات لا حصر لها، وذاقوا فيها أبشع تنكيل وإذلال في كل مفاصل حياتهم ومعيشتهم، وأفظع محاولات للقتل الجماعي. وشهدوا خلالها أسوأ نموذج في الأداء السياسي الذي رمى البلد على جمر حارق منذ استقالة حكومة حسان دياب في آب من العام الماضي.
ولدت الحكومة، وكل اللبنانيين يعلّقون عليها أملاً كبيراً، كفرصة خلاص لهم من عذاباتهم، وككابح لارتطام البلد في قعر هاوية كارثيّة كادت تذهب بهذا البلد وأهله الى مصير مشؤوم. وأما وقد تمّت الولادة الميمونة على ارضية توافقية بين الشريكين في تأليفها الرئيس ميشال عون والرئيس نجيب ميقاتي، فتاريخ ولادتها في 10 أيلول 2021، بات تاريخاً فاصلاً بين مرحلة سوداء تعرّض فيها البلد لانهيارات متتالية، وأخضعته لعصابات السوق السوداء والاحتكارات وتجار السياسات الرخيصة، ومرحلة يفترض انّها مشرقة، إنْ سارت الحكومة في الاتجاه الإنقاذي السليم، من دون مداخلات أو معطّلات سياسية، كتلك التي كانت على مدى السنوات الماضية، السبب المباشر لإشعال الأزمة ومفاقمتها.
الكلّ رابحون
وبمعزل عن التوزيعة الحكومية الجديدة ونوعيّة الوزراء الذين ضمّتهم، فإنّ كلّ المعنيين بها، يتجاوزون الخلفيات السياسية التي سمّت هؤلاء الوزراء، و يعتبرون أنفسهم رابحين فيها، مع تأكيدهم على أنّها حكومة متوازنة لا ثلث معطلاً فيها لأيّ طرف، مع أن ثمّة غمزاً في اوساط سياسية معنية بالحكومة، تحدّثت عن أثلاث مقنّعة داخلها، مفترضة وجود من يسمّون «وزراء ملوك» ضمن هذه التشكيلة.
وفيما أحدث اعلان التشكيلة الحكومية، ما بدا انّها صدمة ايجابية في المشهد الداخلي، انعكس صداها اختلالاً في سوق الصرف وانخفاض سعر الدولار لنحو 4 آلاف ليرة، بحيث هبط من 19000 ليرة ليلامس الـ15000 ليرة، فإنّ بعض الاصوات قد ارتفعت في موازاة هذه التشكيلة، قاربتها باعتراض على طريقة تشكيلها والمحاصصة التي رافقتها، وأدرجتها كتتمة للحكومات السابقة تجاوزت الغضب الشعبي وانتفاضة 17 تشرين.
وبمعزل عمّا يقال عن حكومة متوازنة او حكومة بثلث معطّل مقنّع، فإنّ المهم هو أنّ الحكومة تشكّلت، على قاعدة انّها حكومة مهمّة انقاذية، ولا ينبغي الحكم المسبق عليها، بل انّ العبرة الحقيقية تبقى في أداء هذه الحكومة وطريقة مقاربتها للكمّ الهائل من الأزمات التي يفترض أن تتصدّى لها، فور نيلها الثقة من مجلس النواب، والمتوقّعة مبدئيّاً أواخر الاسبوع المقبل او مطلع الاسبوع الذي يليه، وخصوصاً انّ الاثنين المقبل يشكّل اليوم الأول لانطلاق الحكومة الميقاتية، بدءًا بالصورة التذكارية للحكومة، وتليها جلسة اولى لمجلس الوزراء في القصر الجمهوري، تعيّن خلالها لجنة اعداد البيان الوزاري، على أن يُقرّ البيان في جلسة ثانية لمجلس الوزراء، حيث اكّدت مصادر مطلعة لـ»الجمهورية»، انّ البيان الوزاري سيكون مقتضباً، يحدّد مجموعة العناوين المعروفة التي تشكّل خريطة عمل الحكومة، فإن تمّ ذلك، فثمّة احتمال كبير في أن تُعقد جلسة الثقة في المجلس النيابي أواخر الأسبوع المقبل، وإن تعذّر ذلك فستُعقد الجلسة في موعد مبدئي الاثنين 20 ايلول الجاري.
خسر المعطّلون
وإذا كان جميع الاطراف يقاربون التشكيلة الحكومية كرابحين فيها، الّا انّ الرابح الأوّل على ما يقول مرجع مسؤول لـ»الجمهوريّة»، هو البلد الذي تتيح له الحكومة الجديدة فرصة إعادة انتظام وضعه الحكومي، وفرصة لإعادة التقاط انفاسه وإمساك زمام الامور وأخذها في اتجاه كسر حلقات الأزمة وتعقيداتها. واما الخاسر الوحيد، فهم المعطّلون، وخصوصاً أولئك الذين اقتاتوا على الفراغ الحكومي من مواقعهم كمستشارين أو منجّمين أو اعضاء في الغرف السوداء.
لم تتأخّر
على انّ ما تلفت إليه مصادر معنية بالحكومة الجديدة لـ»الجمهورية»، هو انّ الحكومة وبالمقياس الزمني، شُكّلت في فترة قصيرة قياسية، أي أقل من 50 يوماً، وهي فترة تُعدّ من الأقصر في تاريخ تشكيل الحكومات في لبنان، حيث نجح الرئيس ميقاتي في ما فشل فيه آخرون، وأخرج حكومة ضمن الهامش الزمني الذي وضعه لنفسه فور تكليفه تشكيل الحكومة في 26 تموز الماضي. وبصيغة يعتبرها فريق عمل متجانساً وقادراً على التصدّي للمرحلة المقبلة، والشروع في وضع العلاجات اللازمة للأزمة.
المهمّة الأساس
وتبعاً لذلك، فإنّ الاوساط السياسية على اختلافها، تُجمع على انّ هذه الحكومة ستكون في سباق مرير مع الوقت، اعتباراً من اللحظة التي ستنال فيها ثقة المجلس النيابي، ومهمّتها الأولى إعداد سلّة واسعة من الاصلاحات الضرورية، التي تراعي متطلبات الشعب اللبناني، وتلبّي في الوقت نفسه نصائح المجتمع الدولي، الذي اكّد انّ مفتاح المساعدات الدولية للبنان مرتبط بخطوات جدّية تعيد ثقة المجتمع الدولي بالحكومة اللبنانية، وبإصلاحات تحاكي تطلعات اللبنانيين، وفي مقدّمها مكافحة الفساد.
وإذا كان الرئيس نبيه بري قد لخّص خريطة العمل الحكومي في المرحلة المقبلة بقوله: «من الآن فصاعداً حيّ على خير العمل»، فإنّ الحكومة الميقاتية امام مهمة صعبة وشائكة، بالنظر الى الكمّ الهائل من الأزمات والعقبات والمعضلات التي نبتت في قلب الأزمة المالية والاقتصادية والاجتماعية وعلى ضفافها. ولعلّ الأساس والملحّ، هو إعداد العدّة للشروع في مفاوضات جدّية ومنتجة مع صندوق النقد الدولي، علماً انّ صندوق النقد اعرب عن استعداده للوصول الى اتفاق على برنامج مع الحكومة اللبنانية حال شروعها في اجراء الاصلاحات المطلوبة. وذلك بالتزامن مع خطوات تمكّنها من كبح الاسواق السوداء التي ازدهرت خلال اشهر التعطيل، في التلاعب بالدولار، او الدواء او المحروقات، وكذلك ردع عصابات الاحتكار ورفع الاسعار، ومافيات التخزين والتهريب.
ضغوط لإخراج التشكيلة
واذا كان المعنيون بالحكومة يقدّمون اعلانها باعتباره انجازاً لهم، فإنّ الممهّدات التي قادت الى تشكيل الحكومة في هذا التوقيت بالذات، اكّدت أنّ هذه الولادة تمّت بدفع خارجي قوي جداً هذه المرة، ولولا هذا الدفع الخارجي، لكانت الحكومة ما زالت عالقة في المماحكات ذاتها بين الاطراف الداخليين.
وبحسب معلومات مصادر موثوقة لـ»الجمهورية»، فإنّ قوة الدفع المباشرة كانت أميركية، عبر مسؤولين في الخارجية الأميركية، جرى أكثر من تواصل بينهم مع مسؤولين لبنانيين كبار، وفرنسية عبر الايليزيه، من خلال فريق العمل الفرنسي المعني بالملف اللبناني الذي شكّله الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، الذي كان حاضراً بقوة في الايام الاخيرة على مجموعة خطوط في آن واحد، سواء مع بيروت او طهران، وثمة من تحدث عن خط مفتوح مع الرياض.
وتشير المعلومات، إلى انّ الدخول الخارجي الأميركي والفرنسي على الخط الحكومي، اتّخذ هذه المرة صفة الاستعجال الشديد على تشكيل الحكومة، وبنبرة انطوت على إلزام القادة اللبنانيين بوقف مسلسل التعطيل المستمر منذ اكثر من سنة. وتحدثت المعلومات عن نبرة عالية سمعها المعنيون بتشكيل الحكومة جوهره التعجيل بالحكومة، وعدم قبول التعطيل من أي طرف كان، تحت طائلة فرض عقوبات فورية وشديدة القساوة على المعطّلين، حتى ولو كانوا يحتلون مناصب رفيعة في الدولة.
وقالت المصادر الموثوقة لـ»الجمهورية»، انّ الزخم الاميركي والفرنسي لتشكيل الحكومة، يعكس حرصاً دولياً على منع انهيار لبنان، الذي صار الفراغ الحكومي يهدّد بحصوله في اي لحظة، وخصوصاً في ظل المشاهد الكارثية التي تناقلتها القنوات التلفزيونية، وعكست هول ما وصل اليه اللبنانيون، والذي بات ينذر بأخذ البلد الى فوضى وفلتان في كلّ لبنان، ما يفتحه على شتى الاحتمالات الخطيرة ليس اقلها نشوء وضع يحكمه السلاح، وينذر بتداعيات قد لا تبقى محصورة ضمن الخريطة اللبنانية، وبالتالي صار لا بدّ من وضع حدّ لهذا الوضع الشاذ، واعادته إلى سكة الانتظام، عبر حكومة تحظى بدعم دولي واقليمي.
إقرأ المزيد في: لبنان
19/11/2024