لبنان
السيد نصر الله يرفع مستوى التحدي.. ودعم المحروقات على 8000 لا يحلّ الأزمة
اهتمت الصحف الصادرة صباح اليوم بمواقف الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله أمس، والتي رفع فيها سقف التحدي والمواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية لكسر حصارها الذي تفرضه على اللبنانيين، معلنا عن انطلاق سفينة إيرانية ثانية محملة بالمحروقات إلى لبنان خلال أيام قليلة.
وفي وقت لا تزال فيه الحكومة بخبر كان، ألقت أزمة المحروقات بثقلها على المواطنين واستمرت الطوابير على المحطات، ليخرج المعنيون بإجراء مؤقت لنهاية أيلول قضى بتسوية دُعمت فيها المشتقات النفطية على 8000 ليرة للدولار، دون أن يعني ذلك انفراجا في الأزمة وانتهاء ظاهرة تكدس السيارات في الطرقات.
"الأخبار": نصر الله يرفع مستوى التحدي: إيران جاهزة للتنقيب على النفط في لبنان
بالرغم من حسم كل النقاط الخلافية، إلا أن الرئيس نجيب ميقاتي لا يزال متردداً في الإقدام على تشكيل الحكومة لأسباب تتعلق برغبته بتمرير القضايا الخلافية على يد حكومة تصريف الأعمال. أبرز هذه القضايا، بعد تأجيل مسألة رفع الدعم، هي كيفية التعامل مع استيراد النفط من إيران. لكن في المقابل، فإن الأمين العام لحزب الله كان واضحاً في تأكيد أن اللجوء إلى إيران كان أمراً يحتمه رفض الذل الذي يواجه اللبنانيين. وإذ أعلن نصرالله أن سفينة إيرانية ثانية تنطلق قريباً، أكد ترحيبه بأي دعم يحصل عليه لبنان لمواجهة أزمته، لكنه نبّه إلى أن استجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن سيحتاج إلى ما يزيد على ستة أشهر، معتبراً أن الطريق الأسرع هو رفع الفيتو الأميركي عن دعم الدول الصديقة للبنان.
أدخل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، أمس، التنقيب عن النفط والغاز في البحر اللبناني في معادلة فك الحصار عن لبنان، التي كانت بدأت بإعلانه في العاشر من محرم عن انطلاق أول سفينة محروقات من إيران باتجاه لبنان. وقال نصرالله: «إذا أتى الوقت وليس هناك شركات تريد الحفر لاستخراج النفط والغاز من المياه الإقليمية فنحن جاهزون للاستعانة بشركة إيرانية ولديها خبرة كبيرة ولديها الجرأة ولا تخاف من العقوبات الأميركية ولتجرؤ إسرائيل على استهدافها».
نصرالله كان أعلن أن «سفينتنا الثانية المحملة بالمشتقات النفطية ستبحر من إيران خلال أيام قليلة إلى لبنان والموضوع ليس موضوع سفينة أو سفينتين وسنواصل هذا المسار طالما بقي الوضع في لبنان هكذا وطالما البلد محتاج». وأكد أن «ما سنأتي به هو للبنان ولكل اللبنانيين وليس لحزب الله أو للشيعة أو لمنطقة من دون غيرها، والهدف هو مساعدة كل اللبنانيين وكل المناطق اللبنانية وليس مساعدة فئة من دون فئة، ونحن لسنا بديلاً عن الدولة اللبنانية ولسنا بديلاً عن الشركات التي تستورد المشتقات النفطية ولسنا ننافس أحداً. هدفنا تخفيف الأزمة وزيادة العرض وضرب السوق السوداء». وأكد أن «شعبنا يذل ونحن لا نقبل أن يذل شعبنا ونحن نريد أن نخفف معاناة وبالأمور الثانية ما نقدر عليه سنساعد».
وأكد الأمين العام لحزب الله، في خطاب ألقاه في ذكرى أسبوع الشهيد عباس اليتامى، اطلاعه على تقارير عن وجود عشرات الملايين من ليترات البنزين والمازوت التي تخزنها الشركات والمحطات لتستفيد من السعر لاحقاً».
ولفت إلى أن استجرار الغاز المصري يساعدنا في تشغيل الطاقة الكهربائية في لبنان، كما يسهم في كسر قانون قيصر ويحل مشكلة كبيرة في أزمة الكهرباء في لبنان. وقال «أهلاً وسهلاً بكل مسعى يؤمن الكهرباء في لبنان وأي أحد يريد أن يساعد لبنان نرحب بذلك، والمهم أن يعرف اللبنانيون أن أمر استجرار الغاز المصري عبر الأردن فسوريا وصولاً إلى شمال لبنان يحتاج إلى 6 أشهر على الأقل، كما أن خطوة استجرار الغاز المصري بحاجة إلى مفاوضات وقبول من البنك الدولي وبحاجة إلى التفاوض مع سوريا».
واعتبر أن السفيرة الأميركية «تبيعنا أوهاماً، لكن إذا تحققت فلن نشعر بالانزعاج لأن هذا يعني كسر الحصار، وهناك كثير من الدول التي يمكن أن تقدم الكثير لنا لكن أميركا تمنعها وتضع الفيتو». وأوضح أن على الإدارة الأميركية رفع الفيتو عن تقديم الدعم إلى لبنان إن كانوا عازمين على المساعدة. واعتبر أن كلام السفيرة الأميركية عن السماح باستجرار الكهرباء الأردنية والغاز المصري عبر سوريا «يدينها، لأن كل اللبنانيين يعرفون أن هاتين الفكرتين كان يتم العمل عليهما منذ سنوات، لكن الفيتو كان أميركياً وعلى الإدارة الأميركية رفع الفيتو عن تقديم الدعم إلى لبنان إن كانت عازمة على المساعدة».
نصر الله: سفينة ثانية تنطلق قريباً... والمسار مستمر
ولفت نصرالله إلى أن الولايات المتحدة الأميركية والسفارة الأميركية تتحملان مسؤولية الحصار في لبنان وهي تتدخل في كل شيء من شركات المحروقات إلى شركات الأدوية وتتدخل مع منظمات المجتمع المدني والأحزاب وأيضاً تتدخل مع البلديات. وذكّر بأن الأميركيين والسعوديين «عملوا خلال السنوات الماضية على إيجاد حرب أهلية لكنهم فشلوا، وحاولوا جرنا إلى صدام وفشلوا فلجأوا إلى البديل وهو التفتيت وبدأوا بذلك منذ 17 تشرين في 2019، والأمر يتجاوز تأليب بيئة المقاومة على المقاومة وما يحدث أكثر منذ ذلك إلى ضرب الحياة اللبنانية عبر ضرب اللبناني في حياته وعيشه وبيته وهذا ما تديره السفارة الأميركية».
وذكر السيد نصرالله بأنه «بعد أن يأس الأميركيون من الأحزاب لجأوا إلى الـ«NGOs»، وتحت تأثير غياب الأمن الاجتماعي يلجأون إلى الحكومات التي يريدونها ويأخذون لبنان إلى التفريط بحقوقه وإلى الذهاب للتطبيع مع العدو الإسرائيلي، ولا يوجد شيء اسمه عقوبات دولية على إيران وإنما فقط عقوبات أميركية لكن للأسف بعض المسؤولين اللبنانيين يخافون من أميركا أكثر مما يخافون من الله».
وسأل نصرالله ألا يستحق خرق الطائرات الإسرائيلية الأجواء اللبنانية وتعريض الطيران المدني للخطر إدانة من السياديين؟»، وأوضح بأن «السفيرة الأميركية والسفراء المتعاقبين يديرون كل المعركة ضد المقاومة والقوى الوطنية الحقيقية، والمعلومات والوثائق ووثائق ويكيليكس تقول ذلك، وكيف يتدخل هؤلاء بالتفاصيل اللبنانية ويتدخلون بالانتخابات وبالتعيينات وكل شيء».
ولفت نصرالله إلى أن حادثة التليل ماتت في غضون أيام قليلة والتحقيق متوقف، «وهنا نسأل من المسؤول ومن يجب أن يحاسب؟».
وفيما كرر نصرالله دعوته إلى تشكيل الحكومة، كانت المراوحة سمة نهاية الأسبوع. فلم يزر الرئيس المكلف نجيب ميقاتي بعبدا، وإن لم تتوقف المفاوضات بين ممثلي الطرفين.
وأكدت مصادر مطلعة أن كل العقبات قد ذللت، متوقفة باستغراب عند عدم مبادرة ميقاتي إلى حسم الأمر، تمهيداً لإعلان التشكيلة. فبعد أن اتفق على الصيغة الحكومية وعلى توزيع الحقائب، لم يعد مسموحاً، بحسب المصادر، تأخير التشكيل بحجة عدم الموافقة على هذا الاسم أو ذاك. واستنكرت المصادر افتعال ميقاتي مشكلة تتعلق بالثلث المعطل، مؤكدة أن هذه مشكلة لا أساس لها، إذ إن كل الأطراف، عند الجد، تملك الثلث المعطل.
وفيما تردد أن ميقاتي كان يخشى التشكيل قبل حسم مسألة رفع الدعم، دعته مصادر مسؤولة إلى الاستفادة من الاتفاق الذي حصل في بعبدا وقضى بنزع فتيل مشكلة رفع الدعم حتى نهاية أيلول.
وأشارت المصادر إلى أن عليه الإسراع في تشكيل الحكومة للاستفادة من فترة السماح التي حصل عليها على الصعيد المعيشي، على أن يبدأ بالتصدي للأزمات التي تواجه اللبنانيين. وفيما ألمحت المصادر نفسها إلى أن رغبة ميقاتي بأن تمرر حكومة تصريف الأعمال كل الملفات الإشكالية قبل تسلمه رئاسة الحكومة، اعتبرت أن ذلك ليس هو الحل، بل المطلوب أن يخرج من دائرة التردد قبل أن تتوسع، مستفيداً من استمرار الدعم الدولي والمحلي له. ودعته إلى عدم التوقف عند موقف صدر عن مسؤول سابق في الإدارة الأميركية (ديفيد شينكر) لا صفة له حالياً. علماً أن شينكر كان دعا ميقاتي إلى مواجهة حزب الله بموقف واضح من خلال رفضه استقبال النّفط الإيراني في لبنان. وفي حديث لموقع «أساس»، اعتبرَ شينكر أنّ العوائق أمام ميقاتي ليست محصورة بحزب الله فقط: «فهناك مطلب الرّئيس عون والنّائب جبران باسيل بالحصول على الثّلث المُعطِّل، وفي حال لم يُنفِّذ ميقاتي هذا المطلب فإنّ كلّ الاحتمالات مفتوحة». وأشارَ في الوقت عينه إلى أن الرّئيس ميقاتي يعرف الظّرف الطّارئ الذي يمرّ به لبنان والحاجة المُلحّة إلى تشكيل حكومة، لكنّ أمامه عقبات أساسيّة عنوانها «رفض الإصلاحات الجدية في لبنان».
اغتيال عنصر مخابرات سابق في طرابلس
أقدم مجهولون، في وقت متأخر من ليل أمس الأحد، على إطلاق النّار من سلاح حربي باتجاه أحمد مراد (الملقب أبو زياد مراد)، وهو عنصر سابق في مخابرات الجيش اللبناني، في محلة طريق المئتين عند مفرق مدرسة روضة الفيحاء في طرابلس، ما أدّى إلى إصابته بثلاث طلقات في الرأس، نقل على أثرها إلى أحد مستشفيات المدينة للعلاج، لكنه ما لبث أن فارق الحياة لاحقاً متأثراً بجروحه. وأفادت معلومات بأن مراد كان على متن دراجة نارية، برفقة زوجته التي أصيبت بدورها بطلق ناري في يدها، وكان في طريق عودته من أفران لبنان الأخضر القريب من موقع الجريمة (يبعد نحو 300 متر تقريباً)، وكان معه ربطات خبز اشتراها لعائلته من الفرن، فيما فرّ مطلقو النار إلى جهه مجهولة، على متن دراجة نارية أيضاً.
وفيما حضرت القوى الأمنية إلى المكان وفتحت تحقيقاً بالحادثة، سُجّل انتشار أمني كبير في شارع المئتين ومتفرعاته، حيث أغلق الجيش اللبناني كلّ الشّوارع والطرقات في المنطقة، وطوّقها من جميع الجهات، أملاً في العثور على مشتبه فيهم أو أدلّة.
مصدر أمني أوضح لـ«الأخبار» أنّ مراد «أصيب برصاص متفجّر في الرأس والصدر»، لافتاً إلى أن طريقة تنفيذ الجريمة توحي بعملية اغتيال مدبّرة، لافتاً إلى أن مراد، قبل تقاعده، كان يتابع ملفات «الحركات الإرهابية».
"البناء": ميقاتي يحدّد نهاية الشهر كمهلة لولادة الحكومة
على إيقاع ما بعد الهزيمة الأميركية في أفغانستان ونهوض المقاومة في فلسطين، تحركت سفن المقاومة من إيران، وفرض هذا المشهد المثلث حضوره على السياسات الأميركية، مطلقاً تحركاً لمسابقة المقاومة وسفنها تحت شعار إسقاط أسبابها، بالإيحاء بأنّ زمن الحلول الأميركية قائم وقادر على مواجهة التحديات، التي خلقتها السياسات الأميركية نفسها أملا بإسقاط المقاومة في مستنفع هذه الأزمات، وواشنطن اليوم تكتشف ان المقاومة نجحت بتحويل التحدي الى فرصة وراحت تسابق الزمن لإغلاق الباب أمام الفرصة، وبحساب الزمن يبدو ميدان السباق الوحيد المجدي والذي يُحكم من خلاله على الجدية الأميركية هو تسهيل ولادة الحكومة الجديدة، التي لا يزال بيد الأميركيين مفاتيح ولادتها وأقفال منعها من الولادة.
في جديد تداعيات خطوة المقاومة ببدء استيراد المشتقات النفطية من إيران بالليرة اللبنانية، كانت عودة مصرف لبنان عن قرار وقف الدعم وابتداعه مخرجاً يسمّى بإقراض الدولة لمواصلة الدعم على سعر 8000 ليرة للدولار، وهو مخرج كان موجوداً قبل انطلاق سفينة المقاومة، لكنه كان مرفوضاً من المصرف وبقدرة قادر أو تدخل سفارة صار ممكناً، كما كان رفع الحظر عن عبور الغاز المصري والكهرباء الأردنية للأراضي السورية ممكناً وممنوعاً وصار مسموحاً، والقرار الحكومي الذي ترجم هذا التبدّل في موقف مصرف لبنان سيعني تأجيل رفع الدعم حتى ولادة البطاقة التمويلية وتفعيلها قبل نهاية أيلول، ما يعني انّ الأزمة ستنتقل عندها الى مرحلة جديدة تجعل السفن الإيرانية ضرورة قصوى سواء لتأمين المشتقات النفطية بسعر معقول عند رفع الدعم، أو لتخفيف الضغط على سوق الصرف وفرملة الارتفاع المتوقع لسعر الدولار وبالتالي لأسعار المشتقات المستوردة، طالما انّ السفن الإيرانية وحدها سيتمّ تسديد قيمتها بالليرة اللبنانية.
المقاومة تحدثت بلسان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وأعلنت أن الأمر ليس سفينة ولا سفن بل مسار ممتد ومستمر طالما البلد في أزمة، وطالما الناس تعاني، مؤكداً انّ المشتقات المستوردة ستخضع في توزيعها لسلم أولويات ينطلق من كونها مخصصة لكلّ الشعب اللبناني وليس لحزب او فئة او طائفة او منطقة، مشيراً إلى أنّ المستشفيات ومصانع الأدوية والأمصال والأفران تقع في طليعة سلم الأولويات، وكان لافتاً ترحيب السيد نصرالله بما أوحت السفيرة الأميركية دوروتي شيا أنه قيد التنفيذ، لجهة مشاريع نقل الغاز من مصر والكهرباء من الأردن، متمنياً النجاح لهذه الخطوات لتخفيف المعاناة اللبنانية، رغم ما أوضحه مما تفضحه الموافقة الأميركية على رفع الحظر لجهة مسؤوليتها عن الحصار والمنع، مضيفا ان هذه المشاريع تستدعي التحدث مع سورية بصورة لائقة من جهة وإلى وقت لا يقلّ عن ستة شهور من جهة أخرى، لكن السيد نصرالله فجّر مفاجأة جديدة في إطلالته أمس، تشبه ما سبق وأعلنه عن العرض الإيراني لتأمين المشتقات النفطية بالليرة اللبنانية، قبل أن يقول إنّ المقاومة ستضطر للقيام بمهمة الإستيراد طالما انّ الدولة تلكأت عن التعامل بالجدية اللازمة مع هذا العرض، وفي الجديد قول نصرالله ان هناك عرضاً إيرانياً لإستخراج النفط والغاز من المياه اللبنانية بعيداً عن انتظار الإذن الأميركي والقبول “الإسرائيلي”، داعياً للتعامل مع هذا العرض بجدية، وهو ما قالت مصادرسياسية إنه قد يسلك طريقاً مشابهاً لطريق استيراد المشتقات ما لم يتمّ النظر اليه جدياً من المؤسسات الرسمية.
المسار الحكومي الذي يشكل الامتحان الأهمّ لكشف حجم الحركة الدولية وفي طليعتها التسهيل الأميركي لمعالجة الأزمات المتراكمة ومنع الانهيار، يدخل مرحلة مفصلية خلال الأسبوع المقبل، وفقا لمصادر سياسية تتابع بإهتمام الحوار بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف بتشكيل الحكومة نجيب ميقاتي، فالإمتحان داخلي أيضاً كما هو خارجي، وفي الشق الداخلي كشفت المصادر عن أنّ المهلة التي حددها الرئيس ميقاتي لتشكيل الحكومة هي نهاية الشهر الحالي، وأنه ما لم تنته الأمور بولادة حكومة قبل نهاية المهلة فالإعتذار سيكون هو الخيار المطروح على الطاولة، وتقول المصادر إنّ الأمتار القليلة التي أشار إليها الرئيس ميقاتي قبل أسبوع تمّ التقدّم منها الى نهاية المسار رغم التبدّلات التي لحقت بهيكلية توزيع الحقائب والطوائف في ضوء طلبات الكتل النيابية، وأن المتبقي عملياً الاتفاق على اسمي الوزيرين الأخيرين، اللذين كانا موضع اتفاق مبدئي على تسميتهما بالتشارك بين الرئيسين، وفيما تقول أوساط تكتل لبنان القوي أن الرئيس عون منفتح بكل إيجابية على صياغة هذا التفاهم وتذليل بعض العقبات التي تمثل روتوشات على ما تم إنجازه، تقول أوساط متابعة لحركة الرئيس ميقاتي انّ النقاش حول إسمي الوزيرين سيكشف قضية الثلث المعطل، فمرونة رئيس الجمهورية في التوصل لتلفاهم عليهما تعني صدقية الإعلان عن عدم سعي رئيس الجمهورية لثلث معطل والتعنت في مقاربة التسمية عند أسماء معينة تحتسب ضمناً على الفريق الرئاسي سيعني التمسك بالثلث المعطل وبالتالي فشل المسعى الحكومي، وعندها سيكون اعتذار الرئيس ميقاتي على الطاولة.
لا تزال الحكومة العتيدة اسيرة المشاورات والمفاوضات حول بعض الحقائب والاسماء، فالعقبات لا تزال على حالها ولم تحل بعد عقد حقائب الداخلية والعدل والطاقة علماً أنه يجري العمل للتوصل إلى تسوية ما في العقد، فالاجواء التفاؤلية تراجعت وثمة من يقول إن العراقيل قد تكون ابعد من محلية.
في هذا السياق، فإن الرئيس المكلف نجيب ميقاتي يواصل اتصالاته مع المعنيين من اجل تأليف حكومة سريعا وهو يستنفذ كل السبل الايلة لنجاح مهمته ويعول على تعاون الجميع لتشكيل حكومة قادرة على وضع حد للانهيار ومعالجة الازمات الراهنة لاسيما المتصلة بالكهرباء والمحروقات والدواء فضلا عن التحضير للانتخابات النيابية. وبينما يترقب المتابعون الزيارة المرتقبة للرئيس المكلف الى بعبدا فإن لقاءات عقدت بين مستشاري الرئيس ميشال عون والرئيس المكلف في الساعات الماضية وركزت على تبادل الاقتراحات التي من شأنها حلحلة مشكلة الاسماء العالقة.
وليس بعيدا تقول مصادر نيابية في فريق 8اذار ان عقدة الثلث المعطل هي التي تعطل التأليف، فمشكلة الاسماء تصب اولا واخيرا في خانة الثلث الضامن، اذ ان رئيس الجمهورية من خلال الأسماء التي يطرحها يسعى الى الحصول على 10 وزراء بطريقة ملغومة. عطفا عن ان التسريبات التي يسربها المقربون من بعبدا حول الاسماء تهدف اولا واخيرا الى اضفاء المزيد من الاجواء السلبية. وبحسب المصادر النيابية على الأجواء الدبلوماسية فإن عددا من السفراء يحملون رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مسؤولية تعطيل التشكيل، واستغرب هؤلاء السفراء كيف يمكن ان يتغاضى المعنيون عن الأخطار المحيطة بالبلد، ويلتهون بالحصص بدلا من انقاذ البلد عبر الانصراف الى تسهيل التأليف.
وشدد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في رسالته الى اللبنانيين مساء السبت على «ان الحكومة ستتشكّل وبالتعاون بيني وبين الرئيس المكلّف، على ان تكون قادرة على القيام اصلاً بالإصلاحات وحاصلة على ثقة الكتل النيابيّة.»
وكان اجتماع بعبدا السبت خلص الى لموافقة على اقتراح وزارة المالية بالطلب الى مصرف لبنان فتح حساب مؤقت لتغطية دعم عاجل واستثنائي للمحروقات من بنزين ومازوت وغاز منزلي ومقدمي الخدمات وصيانة معامل الكهرباء، وذلك بما يمثل قيمة الفرق بين سعر صرف الدولار الأميركي بحسب منصة «صيرفة» والسعر المعتمد في جدول تركيب الاسعار والمحدد بـ 8000 ل.ل. (بدعم حدّه الأقصى 225 مليون دولار أميركي لغاية نهاية شهر أيلول)، وعلى أن يتم تسديد هذه الفروقات بموجب اعتماد في موازنة العام 2022. واشار الى تعديل تعويض النقل المؤقت المنصوص عنه في القانون رقم 266 تاريخ 23/10/1993 والمحدد بالمرسوم رقم 538 تاريخ 14/10/2008 بحيث يُصبح /24000/ ل.ل. عن كل يوم حضور فعلي، وأهمية إعطاء مساعدة اجتماعية طارئة بما يساوي أساس الراتب الشهري أو المعاش التقاعدي دون أي زيادات مهما كانت نوعها أو تسميتها تسدد على دفعتين متساويتين، وتكليف وزير المالية اعداد الدراسة اللازمة للبحث في إمكانية شمول تلك المساعدة المستخدمين في المؤسسات العامة وموظفي البلديات وعلى أن تُصرف حينها وفقاً للأصول التي ترعى كل إدارة عامة.
هذا وافيد ان زيادة بدل النقل الى ٢٤ الف ليرة تشمل في مرحلة اولى موظفي القطاع العام وعددهم حوالي ٣٠ ألفاً، وستدفع بحلول نهاية الاسبوع الاول من شهر ايلول بالحدّ الاقصى. اما عدد الذين سيستفيدون من المساعدة الاجتماعية المتمثلة بالراتب الشهري الاضافي يصل الى حوالى 250 الفا، وهم الموظفون في القطاع العام بالاضافة الى المتعاقدين، والاجراء، والأجهزة العسكرية والامنية والقضاة والسلك التعليمي بمختلف فئاته والمتقاعدين الذين يستفيدون من راتب تقاعدي. علماً أنّ تسديد الراتب الشهري الاضافي للقطاع العام والاسلاك العسكرية والقطاع التربوي والقضاة والمتقاعدين سيتم على دفعتين، على ان تسدّد الدفعة الاولى بحلول منتصف شهر ايلول المقبل.
وفيما يتوقع وصول باخرة محملة بـ30 ألف طن من مادة المازوت يوم 23 أو 24 آب الحالي، لم يحسم بعد أمر فتح الاعتماد وتعزيزه لدى المصرف المراسل، إذ لا توافق حتى الساعة على سعر الصرف. علما ان مصادر مطلعة على ملف المحروقات تقول ان ازمة المحروقات سوف تسلك طريق المعالجة ابتداء من هذا الاسبوع حيث ستصبح الأسعار على الشكل التالي: صفيحة البنزين بين 125 ألفا و130 ألف ليرة بحسب سعر برميل النفط. صفيحة المازوت بين 95 ألفا و100 ألف ليرة بحسب سعر برميل النفط.وقارورة الغاز المنزلي بين 75 ألفا و80 ألف ليرة .
"اللواء": جمود التأليف في مهب ضغوط البواخر
بعد الرسالة التي بعثها الرئيس ميشال عون إلى مجلس النواب، وانتهت بجلسة يوم الجمعة الماضي، بتوصية تتعلق بتأليف حكومة على وجه السرعة، جاءت رسالته إلى اللبنانيين التي حمل فيها على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بعد اجتماع شارك فيه سلامة حول «تسوية النفط» السبت الماضي، لمعالجة أسوأ أزمة محروقات، كادت ان تأتي على الأخضر واليابس وتهدّد الاستقرار الأمني، مع وضع تسعيرة جديدة، وضعتها وزارة الطاقة برفع الأسعار إلى 132000 ليرة لبنانية لصفيحة البنزين وأكثر من مائة ألف لصحيفة المازوت، مع قرارات تتعلق بالطلب إلى مصرف لبنان فتح حساب مؤقت لتغطية دعم عاجل، واستثنائي للمحروقات من بنزين ومازوت وغاز منزلي ومقدمي الخدمات، وصيانة معامل الكهرباء، وذلك بما يمثل قيمة الفرق بين سعر صرف الدولار الأميركي بحسب منصة صيرفة، والسعر المعتمد في جدول تركيب الأسعار والمحدد بـ8،000 ليرة لبنانية، على ان يتم تسديد هذه الفروقات بموجب اعتماد في موازنة العام 2022.
بانتظار اختبار تطبيقات أسعار المحروقات الجديدة بدءاً من اليوم، للحد من طوابير المواطنين امام المحطات وتوفير البنزين والمازوت، تبقى الحكومة العتيدة، معلقة بين الرغبة بالتأليف، والمتغيرات الدولية والإقليمية، في ظل ترتيبات «دبلوماسية البواخر» من بندر عباس ومضيق هرمز إلى قناة السويس والأبيض المتوسط.. فيما الموفدون الرئاسيون يتحركون لتجاوز العقبات التي تعيق عملية التأليف، وتجاوز الخلافات التي تتركز حول 5 وزارات: المال والاقتصاد، والشؤون الاجتماعية، الاتصالات والطاقة.
وتستمر المفاوضات الرئاسية، مع اقتراب الرئيس المكلف نجيب ميقاتي من شهر على التكليف (25 تموز الماضي)، عبر حركة الموفدين الرئاسيين، والفريق المكلف من الرئيس المكلف لتذليل العقبات، تمهيداً للقيام بزيارة وعقد الاجتماع الـ14 مع الرئيس عون، في ضوء ما تنتهي إليه مهمة موفديه انطوان شقير ونبيل شديد.
وتوقعت المصادر ان يرفع الرئيس ميقاتي صيغة حكومية متكاملة من 24 وزيراً، في غضون الأسبوع الطالع.
وقالت أوساط مقربة من الرئيس ميقاتي، ان بعبدا مطالبة بتسهيل جدي لعملية التأليف، لا سيما وان الحقائب بمعظمها حسمت، ما خلا وزارتي الاتصالات التي قد تؤول إلى المردة، ومرشح لها المحامي وضاح الشاعر، والطاقة التي ما تزال بين أخذ ورد في ضوء مطالبة الرئيس عون بها.
وبالنسبة لوزارة العدل، يقترح الرئيس المكلف لها القاضي جهاد الوادي، أو القاضي هنري خوري الذي اقترحه الرئيس عون.
وقالت أوساط مطلعة لـ«اللواء» إلى أن أي عنصر جديد في الملف الحكومي لم يسجل ولكن المفاوضات غير المباشرة لم تتوقف ملاحظة أنها توقفت أمس وحصلت اتصالات بوم السبت مشيرة إلى أن الحوار قائم على الحقائب نفسها التي تضم بعض الإشكالات أي الداخلية والشؤون الاجتماعية والطاقة وبعض المطالب المستجدة من بعض الكتل لكن ما يمكن قوله أن الأمور لا تزال في مكانها أي ما من تقدم وما من تراجع.
وأوضحت الأوساط نفسها أنه يفترض ان تتحرك للاتصالات هذا الاسبوع على أن أي لقاء بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف وارد في أي وقت لاسيما إذا لحظت الاتصالات خرقا ما، في ظل معلومات مؤكدة ان الرئيس المكلف لن يذهب إلى بعبدا ما لم يحصل تقدّم حقيقي لإصدار المراسيم.
ووصفت مصادر متابعة لعملية تشكيل الحكومة مسار العملية بأنها دخلت مرحلة الجمود، باستثناء اتصالات بعيدة من الاضواء يقوم بها موفد من هنا واخر من هناك، وموفد من حزب الله، ادت في خلاصاتها إلى حل عقدتي الداخلية باسنادها الى اللواء المتقاعد ابراهيم بصبوص والعدلية إلى هنري الخوري ولكنها لم تفض الى تذليل ما تبقى من العقد والشروط المستجدة، بل ابقت على قنوات الاتصال مفتوحة بين الرئيسين عون وميقاتي للتشاور، ولكن من دون تحديد موعد لهذا اللقاء. واذ اشارت المصادر الى ان مسألة صعود الرئيس المكلف نجيب ميقاتي إلى بعبدا، مرتبطه، بتحقيق تقدم عملي بعملية التشكيل.
ولم تكشف المصادر عن تفاصيل العقد والشروط المتبقية التي تبطئ مسار تشكيل الحكومة، ولكنها اشارت الى مستجدات وعوائق، لا تتعلق بالحصص والحقائب، ولكنها مرتبطة بتطورات اقليمية، أثرت بشكل سلبي، منها على سبيل المثال، ما أثير عن موضوع باخرة النفط الايرانية، وما يحيط بها من ملابسات وابعاد على الواقع السياسي الداخلي في لبنان وكيفية ردود التفاعل معها من كل الاطراف. واذ لاحظت المصادر التزام المسؤولين الصمت وعدم الادلاء باي موقف رسمي حول موضوع الباخرة الايرانية، تجنبا لاي انعكاس سلبي على عملية التشكيل وتفاديا لتأجيج الوضع السياسي العام. الا انها لاحظت بوضوح ان هذا الموضوع، اربك الوضع السياسي العام، واضر بعملية تشكيل الحكومة العتيدة.
سباق السفن
ولاحظت مصادر مطلعة ان ما يجري حكومياً ناجم عن سباق بين وصول السفينة الإيرانية الناقلة للمحروقات بطلب من حزب الله، وبين مسعى الادارة الاميركية عبر سفيرتها في بيروت دوروثي شيا لإستجرار الكهرباء من الاردن والغاز عبر مصر الى معمل كهرباء دير عمار في عكار، لكن السباق يتّخذُ طابع «التمريك» السياسي كل طرف على الآخر والمواجهة السياسية على ارض لبنان، وعلى الارجح ستكون مواجهة مفتوحة طالما ان الحزب يتهم اميركا مباشرة «بفرض الحصار الاقتصادي والمالي والتجويعي على شعب لبنان لكسر ارداة شعبه عبر كسر المقاومة فيه، وإخضاعه للتوجهات الاميركية في مواضيع استراتيجية كالمفاوضات حول ترسيم الحدود البحرية وسلاح المقاومة وكسر التوازن القائم ليصبح في مصلحة الكيان الإسرائيلي»، وطالما ان اميركا تتهم الحزب وإيران «بالهيمنة على لبنان».
يحمل كلام السيد نصر الله نوعاً من التحدّي السياسي للإدارة الاميركية بإمكانية كسر الحصار ولوجزئياً وبدعم من الاصدقاء الحلفاء في ايران وسوريا والعراق، لتغطية جزء من حاجات جمهور المقاومة على الاقل في بيروت وضواحيها والجنوب والبقاع إن لم يكن بالإمكان تغطية كل لبنان أو معظمه.
عبّر عن هذه المواجهة المباشرة السيد حسن نصر الله في خطاب العاشر من محرّم وردّ السفيرة الاميركية عليه بالشخصي والإسم. وكالعادة انقسم لبنان بين مؤيد لهذا الطرف اوذاك، بينما الناس تنتظر عند محطات الوقود والغاز والافران والمستشفيات والصيدليات الفرج. متى يصل الوقود الايراني ومتى يمكن إستجرار الكهرباء والغاز «الأميركيين» ومَنْ يسبق مَنْ؟
"الديار": دعم المحروقات... بين المسّ بالاحتياط والمصادر الخارجية
وتعليقا على دعم المحروقات على أساس 8000 ليرة للدولار الواحد، أشارت "الديار" إلى أن السؤال الجوهري الذي يطرحه المراقب هو عن مصدر الدولارات التي سيأتي بها مصرف لبنان مع رفضه المسّ بالإحتياطي الإلزامي من دون غطاء تشريعي؟ في الواقع الإحتياطي من العملات الأجنبية للمصرف المركزي، مُكوّن من عدة موجودات منها ما هو قابل للإستخدام ومنها ما هو غير قابل للإستخدام، ويدخل الإحتياطي الإلزامي في خانة الموجودات غير القابلة للإستخدام لأسباب قانونية. وبالتالي هل يحمل مصرف لبنان دولارات قابلة للإستخدام من خارج الإحتياطي الإلزامي؟ عمليًا سيعمد مصرف لبنان بحسب التوقعات إلى تمويل هذه السلفة من الفائض في الإحتياطي أي القابل للإستخدام (إذا ما وُجد) والذي قد ينتج عن سحب المودعين ودائعهم بالعملة الوطنية، حيث أن كل سحب لمئة دولار أميركي – بالليرة اللبنانية يُحرّر ١٥ دولارا أميركيا من الإحتياطي الإلزامي والتي تُصبح حكمًا من الأموال القابلة للإستخدام. أيضًا سيعمد مصرف لبنان إلى شراء الدولارات على منصّة «صيرفة» ويُرجّح أن تكون المصارف هي الجهة التي ستؤمّن قسمًا من هذه المبالغ. ويُمكن أيضًا لمصرف لبنان أن يستفيد من الدولارات القادمة من الخارج من عدّة مصادر لدعم هذه السلفة التي ستطلبها وزارة المال منه.
حلّ مؤقّت
هذا الحلّ هو حل مؤقّت ومن المفروض أن يُريّح المواطن اللبناني حتى شهر أيلول إذا ما نجحت الأجهزة الرقابية والأمنية والعسكرية والقضائية بمكافحة الإحتكار والتهريب. هذا الشرط هو أساسي لنجاح عملية الدعم حيث أظهرت أرقام المركزي لشهر تموز الماضي، إنفاق أكثر من 800 مليون دولار على المحروقات تمّ إحتكارها لتخزينها وتهريبها بحسب ما أظهرته المداهمات التي قام بها الجيش اللبناني والقوى الأمنية.
عمليًا طوابير السيارات أمام محطات الوقود ستستمر حتى في ظل فرضية تحرير كامل لسعر صرف الشراء – أو ما يُسمّى برفع الدعم. السبب يعود إلى أن هناك كتلة نقدية محدودة بالدولار الأميركي في السوق اللبناني وبغض النظر عن السعر، سيستمر التجار بإستيراد المحروقات للسوقين اللبناني والسوري وسيتم إعتماد مبدأ المفاضلة.
في السابق – أي قبل تشرين الأول 2019 – لم تكن هذه المُشكلة مطروحة بحكم أن حجم الكتلة النقدية كان مدعومًا بتدفقات بالعملة الصعبة من الخارج، وبالتالي ظهرت المشكلة مع بدء القيود على حركة قدوم الدولارات إلى لبنان. من الناحية الاقتصادية لا يمكن وقف هذه الظاهرة إلا بأحد أمرين، إما التساوي في سعر المحروقات في البلدين، وإما بتحسن الليرة اللبنانية مقابل الدولار أو العملة السورية بحيث تنتفي الإستفادة من التهريب ومما هو معروف في علم الاقتصاد بالـ « Arbitrage».
غياب الحلّ السياسي يُطيل الأزمة
غياب حلّ سياسي، يسمح بتشكيل حكومة قادرة على القيام بإصلاحات والتفاوض مع صندوق النقد على برنامج لإستعادة السيطرة على المالية العامة، وإستجلاب إستثمارات دولية (على مثال مؤتمر سيدر)، ووضع خطّة إقتصادية لهذه الإستثمارات، سيؤدّي حكمًا إلى تردّي الوضع الإقتصادي والمعيشي أكثر مما هو عليه الأن.
السيناريوهات المطروحة – في ظل فرضية غياب الحل السياسي – كثيرة وأحلاها مرّ! فمثلا يُمكن لسعر صرف الدولار في السوق السوداء أن يرتفع بشكل كبير مما سينعكس حكمًا على أسعار السلع والبضائع في ظل إنكماش إقتصادي للعام الثالث على التوالي. هذا الأمر سيؤدّي إلى زيادة الفقر وسيدفع لبنان إلى مزيد من المآسي الإجتماعية على مثال ما يحصل في فنزويلا ليُصبح لبنان فعلا «فنزويلا الشرق الأوسط».
الحديث عن تواريخ حاسمة هو أمر غير دقيق إقتصاديًا، فعملية تشكيل الحكومة هو الباب للخروج من الأزمة وكل تأخير في عملية التشكيل سيؤدّي حكمًا إلى أمرين: الأول زيادة الخسارة المالية والثاني تفقير أكثر للشعب اللبناني بحكم أن المدخرات تنفد يومًا بعد يوم. لذا نرى أن الطريق نحو المأساة الفنزويلية (علماً بأن فنزويلا بلد مُنتج للنفط!) يُمكن أن يكون طويلا ويُمكن للقوى السياسية إخراج البلد من هذا الطريق عن طريق تشكيل حكومة قادرة على القيام بإصلاحات وإعادة هيكلة الإقتصاد والقطاع المصرفي والأهم إعادة هيكلة دينها العام ومحاربة الفساد.
الثبات النقدي ثم الثبات النقدي
إقتصاديًا الثبات النقدي هو شرط أساسي للثبات الإجتماعي، وأي خلل في الثبات النقدي يؤدّي حكمًا إلى ضرب الأمن الإجتماعي وهو ما أكدته مرّة جديدة الأزمة اللبنانية.
السياسات النقدية للمصارف المركزية تعتمد على أهداف مُحدّدة في القوانين التي أنشأت المصارف المركزية. وتختلف الأولويات بين مصرف مركزي وآخر بحسب النصوص القانونية، فمثلا ثبات الأسعار لدى البنك المركزي الأوروبي هو أولوية على حساب باقي الأهداف، في حين أن تحفيز الإقتصاد وخلق فرص عمل هو أولوية بالنسبة للإحتياطي الفيدرالي الأميركي. لكن المهمة المُشتركة بين كل المصارف المركزية تبقى دون أدنى شكّ «ثبات الأسعار».
ثبات الأسعار هو جوهر الثبات الإجتماعي وبوصلة التوازن الاقتصادي، وتُجمع الأبحاث الأكاديمية أن أي أفق تطور في المُجتمعات مُرتبطة بثبات الأسعار وهو ما يعني أن السياسات الإقتصادية – بشقّيها المالي والنقدي – تتمحور حول هذه المهمة.
ويبقى السؤال الأساسي كيف يُمكن ضمان ثبات الأسعار؟ عمليًا يتمّ هذا الأمر من خلال التكامل والإنسجام بين السياسة النقدية والسياسة المالية، ولا يمكن لأي واحدة منهما مواجهة الأزمات منفردة، فلا بد للسياسة المالية للحكومة من التناغم مع السياسة النقدية والعكس بالعكس. فالسياسة المالية تهدف – في هذه الحالة – إلى تأمين ماكينة إقتصادية تسمح بخلق ثروات يتم ترجمتها بـ «دوزنة» إلى عملة من قبل المصرف المركزي وهو ما يسمح بثبات النقد.
السياسات النقدية تضع أهدافاً نهائية (ثبات الأسعار، الوظائف، النمو)، إلا أنها غير قادرة على التأثير المباشر على هذه الأهداف. من هذا المنطلق، هناك ما يُسمّى بالأهداف الوسيطة (الكتل النقدية، سعر الصرف، والتضخّم) التي تمتلك المصارف المركزية، بواسطة الإحتياطات الإلزامية وسعر الفائدة، القدرة على التأثير عليها مباشرة.
الأهداف الوسيطة هي محور السياسات النقدية وتكتسب أهميتها من خلال إعتمادها على أدوات تقليدية وأخرى غير تقليدية. عمليًا تنقسم هذه الأهداف إلى ثلاث فئات:
أولا – هدف الكتل النقدية: حيث يقوم المركزي بتطبيق سياسته النقدية عبر التأثير على هذه الكتل بالأدوات التي يمتلكها. إلا أن هذه الفئة تبقى محدودة النتائج نظرًا إلى التعقيدات التي تطال عمل الفضاء الإقتصادي والفضاء النقدي والآليات التي تتشابك فيما بينها.
ثانيًا – هدف سعر الصرف: حيث يقوم المصرف المركزي بتثبيت سعر الصرف مقابل عملة أجنبية (عادة ما تكون الدولار) أو مقابل سلة من العملات. وهناك نوعان من التثبيت: الأول تثبيت حسابي أو إداري (مثل الفرنك الفرنسي مقابل اليورو) أو تثبيت داخل هامش (مثل الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي) وهو ما يسمح بالمحافظة على مبادئ الإقتصاد الحرّ. ويأتي مجلس النقد ليُشكل حالة مُتطرّفة من تثبيت سعر الصرف مقابل العملة الأجنبية حيث يُمنع منعًا باتًا طبع العملة الوطنية تحت أي ظرف إذ لم يكن هناك من إحتياطي أجنبي في المقابل، مما يُحافظ على قيمة العملة، إلا أنه في نفس الوقت يمنع السياسة النقدية من مجاراة السياسة المالية للحكومة وفي حال كان هناك إضطرابات سياسية وأمنية – كالحالة اللبنانية -، فالمرجح أن يؤدي إعتماد مجلس النقد إلى إفلاس الدولة. الجدير ذكره أن مجلس النقد يُفقد البلد الذي يعتمدها الإستقلال النقدي حيث تتعلق الفوائد ببلد الإرتباط وبالتالي وبإختلاف الدورات الإقتصادية، يضرب الإقتصاد بشكل عنيف.
ثالثًا – هدف التضخم: وهو المعتمد من قبل معظم الإقتصادات الحرّة والمصارف المركزية الكبرى نظرًا لأنه يُشكل خياراً وسطياً بين التشدّد في التثبيت وترك العملة لأهواء الأسواق التي قد تكون مُتوحشة أحيانًا. عمليًا هذه السياسة تتطلّب الكثير من القدرات الإحصائية – الماكرو إقتصادية نظرًا إلى التعقيدات التي تطالها وهو ما يُصعّب عملية توقع التضخّم. الجدير ذكره أن التضخّم هو من أهم المؤشرات الإقتصادية والمالية والنقدية، فتضخّم عالٍ يقتل الإقتصاد (أكثر من ٢٪)، وتضخّم منخفض (أقل من ١٪) يقتل الإقتصاد أيضًا!
تنص النظرية الإقتصادية على أن العملة تعكس ثروة البلد، وبالتالي إذا كان الإقتصاد قويًا تكون العملة قوية ويأتي الثبات في النمو الإقتصادي ليلعب دورًا أساسيًا في ثبات العملة. فهذا النمو هو الوحيد الذي يُمكن ترجمته إلى عملة (من قبل المصرف المركزي) من دون أن يكون هناك تضخّم. وفي حال لم يكن هناك نمو إقتصادي فإن أي طبع للعملة يتحول تلقائيًا لتضخّم. للتذكير فإن الإرتفاع المُزمن بالأسعار يؤدي إلى التضخّم وغالبًا ما يأتي من فقدان العملة قيمتها ومن العمليات الإحتكارية – مرض الإقتصادات الحرّة.
وأما الإقتصاد الضعيف الذي لا يُسجّل نموًا إقتصاديًا (أو حتى انكماشاً) فتتدهور عملته ويرتفع التضخم. وهنا يبدأ المصرف المركزي بعمليات للسيطرة على سعر الصرف حيث يقوم باستخدام الأدوات التقليدية (الإحتياطات الإلزامية، وسعر الفائدة)، وإذا لم تعد تُجدي هذه الأدوات نفعًا يقوم بإستخدام أدوات غير تقليدية منها الإحترازية ومنها الهندسات المالية.
تنصّ الأبحاث العلمية على أنه في البلدان التي تعيش حالة من عدم الثبات السياسي والأمني، تكون كلفة تثبيت العملة على الإقتصاد أقل من كلفة تحريرها. وبالعكس في البلدان التي تعيش ثباتًا سياسيًا وأمنيًا، فتكون كلفة تحرير العملة على الإقتصاد أقل من كلفة التثبيت.
في لبنان وفي ظل الإطار السياسي والأمني والإقتصادي والإجتماعي، يعود الثبات النقدي إلى الواجهة مع تفلّت سعر الصرف بعدة أسعار في السوق منها ما هو صادر عن مؤسسات رسمية (سعر الصرف الرسمي، سعر المنصة، سعر المحروقات، سعر الدولار الجمركي...) ومنها ما غير شرعي وغير قانوني مثل سعر صرف السوق السوداء الذي عجزت الدولة عن إيقافه. وفي هذا الإطار، يأتي توحيد السعر ليُشكل الخطوة الأساسية في عملية إستعادة الثبات النقدي وبالتالي الإجتماعي. إلا أن هذا الأمر يتطلّب عددًا من الإجراءات التي لا يستطيع القيام بها إلا السلطة التي تمتلك حصرية القرار الإقتصادي – عنيت بذلك الحكومة. وأما في لبنان، فإن الأمر صار أوسع من قرار حكومي إداري ليصل إلى إتفاق سياسي جامع لجميع الطوائف دون استثناء لمواجهة الفوضى العارمة في البلاد، ومن بين هذه الإجراءات تحفيز الإقتصاد مع كل ما يواكبه من إستثمارات...، ضرب الإحتكارات والتهريب، حلّ مُشكلة الدين العام، إعادة هيكلة القطاع المصرفي بالتعاون مع المصرف المركزي، إعادة دمج لبنان في المنظومة المالية العالمية.
في الواقع إن أي حلّ للأزمة في لبنان يمرّ إلزاميًا بعملية إستعادة الثبات النقدي الذي أظهرت التجارب النظرية والعملية على مدى الأزمان إضافة إلى تجربة لبنان (وغيرها من الدول) أن الأمن الإجتماعي مُرتبط بشكل وثيق بالثبات النقدي.
إقرأ المزيد في: لبنان
14/11/2024