لبنان
إيجابيات شكلية في الملف الحكومي.. وواشنطن تدخل على الخط!
فيما تتجه أنظار العالم إلى أفغانستان التي تشهد هزيمة للولايات المتحدة بعد عشرين عامًا من احتلالها لهذا البلد، لا يزال همّ اللبناني في كيفية حصوله على بضع ساعات من الكهرباء، أو ليترات من البنزين بعد انتظاره في طوابير أمام المحطات أو كمية من أرغفة الخبز من أفران لا تزال تعمل قبل أن تصل إلى الإقفال القصري بسبب عدم توفر المازوت.
ووسط أزمات المواطن الكثيرة، انبعثت من بعبدا رائحة إيجابية في ملف تأليف الحكومة لم تترجم واقعًا على الأرض حتى الآن، رغم حرارة الملفات التي باتت جمرًا تحت الرماد قد يترجم في أي لحظة اشتعالًا في الشارع.
وذكّرت بعض الصحف بالمواقف الأخيرة للأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله لا سيما المتعلقة باستيراد النفط الإيراني، وهو ما استدعى تحركًا سريعًا من واشنطن ممثلة بسفيرتها في بيروت، إضافة إلى زيارة خاطفة لمدير المخابرات الأميركية وليام بيرنز ولقاء بعض قادة الأجهزة الأمنية.
"الأخبار": الحريري "يفركش" الحكومة
كلما خطا رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المُكلف تأليف الحكومة نجيب ميقاتي خطوة نحو الاتفاق، تبرز عراقيل وعقبات تعيدهما خطوات الى الوراء. فبعدما توافق الفريقان على توزيع الحقائب طائفياً على أن يستكملاها يوم أمس بإسقاط الأسماء عليها، عاد النقاش الى النقطة الأولى، وأشهر كل من عون وميقاتي فيتوات على الأسماء المتبادلة بما ينذر بتعطل العجلات الحكومية. يتزامن ذلك مع بصمات لرئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري بغرض الاطاحة بأي أمل لتشكيل حكومة، وتطويل أمد الأزمة لأشهر مقبلة. عرقلة حريريّة يراها العونيون متكاملة مع قرار حاكم مصرف لبنان رفعَ الدعم عن المحروقات، في سياق السعي إلى إطلاق موجة هجوم جديد على العهد اسوة بما جرى بعد 17 تشرين وبعد تفجير المرفأ.
لم تنسحب الايجابية المفرطة المسرّبة عمداً حول قرب تشكيل الحكومة على الاجتماع الذي جمع رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي برئيس الجمهورية ميشال عون أمس في قصر بعبدا. أول تجليات ذلك كان خروج ميقاتي بوجه متجهّم ليعلن «بدء الدخول بموضوع الأسماء»، ليُعقّب بعدها أن «نسبة تشكيل الحكومة أكبر من نسبة الاعتذار». ففيما كانت نهاية الأسبوع الماضي حافلة بالتفاؤل وتذليل العقبات وإسقاط الفيتوات التي فرضها الرئيس السابق سعد الحريري، بدأت مصادر الرئيسين عون وميقاتي تتحدث عن بروز «شروط تعجيزية» مشابهة لتلك التي حالت دون ابصار حكومة الحريري الضوء. يومها، كان السبب الرئيس لعدم التشكيل غياب الضوء الأخضر السعودي للحريري، اضافة الى الخلاف الشخصي الذي طبع علاقة الأخير بكل من عون ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل. اليوم تتخدث مصادر الرئيسين عن بصمات حريرية واضحة للاطاحة بأي أمل لتشكيل حكومة جديدة. هذا الدور التعطيلي لم يكن بالوضوح الذي ظهر عليه في الأيام الأخيرة وقد تزامن مع رفع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الدعم عن المحروقات، ليشتدّ بعد انفجار عكار وما تلاه من تراشق عبر البيانات بين الحريري وباسيل.
أمس، عادت عقارب المشاورات الى الوراء بعد أن كان قد تم الاتفاق على التوزيع الطائفي للحقائب على أن يتمّ استكمالها باسقاط الأسماء عليها. ما حصل، بالميزان العوني، هو «نسف لكل ما جرى النقاش به بين الرئيسين وخطوة الى الوراء لا يمكن فصلها عن السعي لتفجير البلد برفع الدعم وخلق أزمة غير مسبوقة كانت أولى نتائجها انفجار عكار. تلك هي البداية فقط، فثمة معلومات تتحدث عن مخطط للعبث بالأمن وخلق فوضى شاملة للامعان بضرب صورة العهد وتحميله وزر كل مشكلة تحصل في البلد. وقرار رفع الدعم هو إطلاق الموجة الثالثة من الاحتجاجات ضد العهد، بعد 17 تشرين وتفجير المرفأ». أبرز المستفيدين من انهيار الوضع الاقتصادي والاجتماعي والأمني ليسا سوى «رئيس مجلس النواب نبيه بري والحريري»، بحسب المصادر العونية التي تضيف: «هما لن يوفرا جهداً لكسر الاتفاق بين ميقاتي وعون الذي كاد يصل الى خواتيمه، قبل أن يقرّر الحريري وبري التصعيد في مسار بدأ بالايعاز لسلامة رفع الدعم مع تأمين التغطية السياسية اللازمة له، واستكمل بنسف اتفاق عون - ميقاتي، لينتهي أول من أمس بقيام بعض الشبان بتكسير واجهة منزل ميقاتي بالتزامن مع عدم حضور القوى الأمنية سوى في وقت متأخر». وفي هذا السياق يتهم مقربون من ميقاتي تيار المستقبل بافتعال هذا التحرّك قبيل يوم واحد من لقاء رئيس الجمهورية لبدء التشاور بالأسماء. وترى مصادر ميقاتي أن هجوم الحريري على عون بعد انفجار التليل كان موجّها نحو الرئيس المكلّف أكثر مما كان موجهاً نحو رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر، إذ «كيف تستقيم المطالبة برحيل رئيس الجمهورية مع تغطية تأليف حكومة بالشراكة معه؟».
تضاربت المعلومات حول مرشّح بري لوزارة المال لجهة تمسّكه بيوسف خليل أو استبداله بعبد الله ناصر الدين
وتقول المعلومات أن اتصالاً هاتفياً جرى بين عون ميقاتي مساء الأحد، استنكر خلاله رئيس الجمهورية ما حصل، ثم جرت محادثة «ايجابية جداً» بينهما جرى الاتفاق على استكمالها في لقاء الاثنين، «قبل أن ينقلب التفاؤل الى تشاؤم». يتقاطع ما سبق مع ما تقوله مصادر مطلعة على عملية التأليف، حول عدم رغبة حريرية بانجاح مهمة الرئيس المُكلّف لعدة أسباب، أهمها المنافسة بين أي رئيسيّ حكومة والحرب الشرسة على عون. وتشير الى مطالب مستجدة قدّمها كل من تيار المستقبل والاشتراكي والمردة، استدعت تغيير مسودة التوزيع وسط رفض عون لهذا الأمر. وقد علمت «الأخبار» أن زيارة الرئيس المُكلّف الى بعبدا نهار أمس، سبقها الأخبر بزيارة الى عين التينة. وفيما أشارت مصادر قريبة من عين التينة إلى أن بري قبِل بالتخلي عن مرشّحه لوزارة المالية يوسف خليل واقتراح بديل له هو عبدالله ناصر الدين (الملحق الاقتصادي في السفارة اللبنانية في واشنطن)، تحدّثت مصادر أخرى عن ان برّي عاد ليتمسّك باسم يوسف خليل، رغم علمه بأن رئيس الجمهورية يرفضه «لأنه موظف عند رياض سلامة وسيعرقل التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان».
في المقابل، ترى مصادر مقربة من ميقاتي أن عون الذي كان وافق على اسقاط وزارة الطاقة من حساباته، عاد ليطالب بها أو على الأقل المشاركة بتسمية الوزير. كذلك اعترض عون على الأسماء المعروضة لشغل حقيبة الداخلية في موازاة اصرار ميقاتي على تسلّم المردة لوزارة الاتصالات، على أن تؤول التربية للحزب الاشتراكي. يتكلل هذا المشهد بشائعات تتحدّث عن طلب الحريري من ميقاتي الاعتذار عن عدم تأليف الحكومة.
رغم ذلك كله، لا زالت مصادر عون وميقاتي تؤكد أن الوصول الى حلّ مرض للجميع ممكن وأن الطرقات لم تُسدّ بعد، لا بل يمكن تجاوز العقبات المستجدّة. في حين تشير مصادر عونية الى دخول حزب الله على خطّ التسوية بين الرئيسين، يفترض أن تتجلى نتائجها في اليومين المقبلين. وتشير المصادر إلى أن العقد الأساسية تم حلها، وما يجري حالياً ليس سوى وضع اللمسات الأخيرة التي قد تتخللها بعض العقد، لكن حلها ليس مستحيلاً. إلا ان المصادر نفسها تنقسم بين جازم بتأليف الحكومة في غضون ايام، واخرى متريثة خشية «ضياع الفرصة نتيجة تعنّت المتفاوضين».
على خطّ موازٍ، زارت السفيرة الأميركية دوروثي شيا يوم أمس كلّاً من رئيسيّ الجمهورية والرئيس المكلّف «للبحث في تشكيل حكومة بسرعة»، عل حد قولها، مضيفة أن «الشعب اللبناني يعاني والاقتصاد والخدمات الأساسية وصلا إلى حافة الانهيار، وأن كل يوم يمر دون وجود حكومة تتمتع بالصلاحيات وملتزمة وقادرة على تنفيذ إصلاحات عاجلة، هو يوم ينزلق فيه الوضع المتردي أصلا أكثر فأكثر إلى كارثة إنسانية». ولم تنس شيّأ الترحيب «بإطار العقوبات الجديدة التي اعلن عنها الاتحاد الأوروبي لتعزيز المساءلة والإصلاح في لبنان«، مؤكدة أن «واشنطن ستواصل التنسيق مع شركائها بشأن التدابير المناسبة». كلام السفيرة الأميركية «المشجّع» على تأليف حكومة معطوف على حماسة فرنسية مماثلة، تضعه مصادر مطلعة في اطار «النفاق»، اذ لم يسجّل أي دفع جدّي من الدولتين للضغط على حلفائهما للتعاون، وهو ما يُفسَّر بنِية ضمنية للاستمرار بالفراغ الحكومي والاستفادة من انهيار البلد للاستثمار السياسي وتنفيذ الأجندة الغربية باحراق كل من التيار العوني وحزب الله.
من جانبه، اعرب الرئيس عون خلال لقائه «المجلس الوطني للتجمع من اجل لبنان في فرنسا»، عن امله «في ان نتوصل الى الحد من الازمة الراهنة من خلال تشكيل حكومة جديدة في خلال الأيام القليلة المقبلة، رغم سعي البعض لعرقلة هذا التشكيل»، مؤكدا «ان رئيس الجمهورية رغم ما خسره من صلاحيات الا انه شريك في التأليف مع رئيس الحكومة المكلف، وله ان يختار من بين الأسماء المطروحة في ظل ما يتمتع به من سلطة معنوية». وفي ردّ على المطالبة باستقالته وآخرها من الحريري، قال أنه «لن يستقيل وسيقوم بواجباته حتى النهاية ولن يهزه احد ان في موقعه او في حرصه على مواصلة محاربة الفساد». وأضاف: «لبنان لم يشهد مثيلا للازمة التي يعيشها اليوم الا في العام 1916، وهي ازمة ليست ظرفية بل تعود الى التسعينات ما أدى الى افقار البلد والاعتماد على اقتصاد ريعي ضاعف من ديونه وضاءل من فرص العمل فيه»، لافتا الى مساهمة «عدد من الظروف في اشتداد هذه الازمة بدءا من ارتفاع الدين الإجمالي مرورا بالحرب السورية وتداعيات ازمة النزوح على لبنان، ووصولاً الى العجز في الميزان التجاري». وأعاد عون التأكيد على سعيه المتواصل لاجراء التدقيق الجنائي، لافتا الى «انه كلما اقترب الامر من التحقيق كلما زادت الضغوطات لمنعه».
"الجمهورية": واشنطن تستعجل الحكومة .. والإيجابيات نظرية
بالأمس، كان البلد يعدّ ضحاياه في محرقة التليل، وذووهم يلملمون اشلاءهم الممزقة او المتفحمة، فيما كان الخطاب السياسي المتبادل في أسوأ تجلياته، منخرطاً في معركة تصفية حسابات وتقاذف المسؤوليات، بدا معها لبنان وكأنّه يطرق باب الحرب الاهلية؛ خطاب طائفي مقيت، وخطاب سياسي يتوعد بالويل والثبور وعظائم الأمور، يتناسى اصحابه أنّ الناس كلّهم صاروا شهداء أحياء مختنقين بثاني أوكسيد الكيديات والسياسة الخرقاء البلا قيم وبلا أخلاق.
محرقة التليل هزّت لبنان، وعمّ الغضب كلّ الأرجاء، ليس عليها فحسب، بل على جريمة التنكيل المتمادية باللبنانيين، التي انتزعت منهم اساسياتهم، وجعلت لبنان الدولة الأكثر فقراً وعوزاً في العالم. والسؤال أمام هذا الواقع المرير، هل ستهتز ضمائر القابضين على هذا البلد ويوقفوا هذه الجريمة، ويفرجوا عن الحكومة، لعلّها تتلمّس ما قد ينجّي لبنان من كوارث أكبر وأفظع مرشحة لأن تحدث في أي وقت، في ظل هذا الفلتان الضارب على كلّ المستويات؟
التليل: هدوء
وفيما تمّ أمس، تنكيس الاعلام حداداً على شهداء محرقة التليل، شهدت البلدة هدوءاً ملحوظاً، أعقب التحرّكات الغاضبة التي سادت ما بعد الانفجار، فيما اعلن وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الاعمال حمد حسن، أنّ «حصيلة ضحايا انفجار التليل هو 27 ضحية، لكن هناك أشلاء لبعض الجثامين لم يتمّ التعرف عليها حتى الآن، فيما الحالات الحرجة 7».
وأشار في حديث إذاعي إلى «إجلاء 3 مصابين بحروق بالغة لمعالجتهم في مستشفيات اسطنبول، بعدما ارتأى الفريقان الطبيان اللبناني والتركي عدم نقل مصاب رابع، لأنّ هناك خطراً على حياته، فأُعيد نقله الى مستشفى الجعيتاوي». ونوّه حسن بـ «كفاية الأطقم الطبية في لبنان»، موضحاً أنّ «الخوف من فقدان المازوت والأدوية والمستلزمات الضرورية لمعالجة المصابين هو هاجسنا الآن».
وتابع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي كارثة انفجار بلدة التليل في عكار، واطلع من راعي الابرشية المارونية المطران يوسف سويف على الجهود المبذولة من اجل احتواء هولها على المتضررين وعلى أبناء المنطقة، شاجباً حالة الفوضى الهدّامة التي تفتك بلبنان، وداعياً السلطة السياسية والاجهزة الامنية والقضائية الى تحمّل مسؤولياتها لضبط الاوضاع وإحقاق الحق، مشدّداً على ضرورة احترام ارواح الشهداء وإبعاد هذه الحادثة الأليمة عن اي توظيف طائفي او بازار سياسي.
صدام التيارين
وقد كان لافتاً للانتباه في هذا السياق، الصدام السياسي العنيف بين الرئيس سعد الحريري وتيار «المستقبل» من جهة، و»التيار الوطني الحر» من جهة ثانية، الذي اشتعل فجأة، وانتهى فجأة بإعلان الطرفين نيتهما عدم التصعيد والدخول في سجال، علماً انّهما استخدما في صدامهما تعابير غاية في القساوة، حيث حمّل الرئيس الحريري رئيس الجمهورية مسؤولية الانهيارات والفلتان والفوضى، ودعاه الى الاستقالة، ووجّه اليه ما سمّاها نصيحة قال فيها: «أكتفي بتوجيه كلمتين لفخامة الرئيس وصهره لأقول: ارحل الآن واحفظ لآخرتك بعض الكرامة، لانك لن تجد قريباً سفارة تؤويك وطائرة تنقلك فوق اجنحة الهروب من لعنة التاريخ».
وردّ التيار بقساوة على الحريري واتهمه بالاستثمار وقال: «يا ليتك تعلّمت أن تستثمر في الأعمال والسياسة وفي الخير للأحياء، على غرار استثمارك في الدماء. ويا ليتك أدركتَ أنّ استثمار الدم قصير ولا يأتي بالخير لناسك. حلّك تتعلّم! ألا يكفي انّك غطّيت نوابك تخزيناً وتهريباً، كما غطّيت اللجنة الموقتة للمرفأ لـ28 سنة بسوء الادارة والفساد والهدر، حتى تسارع زوراً الى التباكي على دماء هي من صنع يديك! ونصيحة أخيرة: أقلع عن محاولات دس الفرقة ودق الأسافين. يلفظ الله كل من يستسهل إيقاظ الفتنة، تلك التي أشدّ من القتل!».
وبالتوازي مع ذلك، صدرت دعوة لاستقالة رئيس الجمهورية، من حزب الكتائب، الذي اعتبر في بيان لمكتبه السياسي «انّ اي محاولة لتعويم مجلس النواب الحالي ورئيس الجمهورية، عبر الاستمرار في تغطيتهما، باتت مؤامرة على لبنان واللبنانيين وتطيل عمر الفساد والعجز والفشل، وتغطي مشروع إبقاء القبضة الميليشيوية على مقدّرات البلد، وما على النواب ورئيس الجمهورية سوى الرحيل فوراً، بعدما اعلن الشعب اللبناني مقاطعتهم ومحاصرتهم في مجلس النواب ومنازلهم على السواء».
عون لن استقيل
وفي موقف لافت، قال رئيس الجمهورية امام وفد «المجلس الوطني للتجمع من أجل لبنان» في فرنسا، أنّه لن يستقيل، وسيقوم بواجباته حتى النهاية، ولن يهزّه احد في موقعه او في حرصه على مواصلة محاربة الفساد.
واكّد عون، انّ «نضالنا مستمر من اجل إعادة بناء هذا البلد، رغم كل الصعاب والمواجهات التي تعترضنا وحملات التضليل والشائعات».
واعرب عن امله «في ان نتوصل الى الحدّ من الأزمة الراهنة من خلال تشكيل حكومة جديدة في خلال الأيام القليلة المقبلة، رغم سعي البعض لعرقلة هذا التشكيل، والمباشرة بالإصلاحات البنيوية والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لإعادة بناء لبنان وتنظيمه إدارياً وسياسياً وعلى مختلف الأصعدة»، مؤكّداً «انّ رئيس الجمهورية، رغم ما خسره من صلاحيات، الّا انّه شريك في التأليف مع رئيس الحكومة المكلّف، وله ان يختار من بين الأسماء المطروحة في ظل ما يتمتع به من سلطة معنوية».
ايجابيات شكلية
هذه الأجواء، أرخت بثقلها على الملف الحكومي، وشاعت في الساعات الاخيرة اجواء ايجابية اوحت بأنّ تشكيل الحكومة بات قاب قوسين او ادنى من أن تصدر مراسيم الحكومة، وفي مهلة لا تتجاوز يوم غد الاربعاء. وفي السياق ذاته، يندرج ما أبلغه مصدر سياسي رفيع الى وكالة «رويترز» قوله، انّ ثمة تطورًا ايجابياً في ملف تشكيل الحكومة اللبنانية.
الّا انّ اللقاء العاشر الذي عُقد بالامس بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة المكلّف نجيب ميقاتي، خفّف من زخم الإيجابيات، واوحى بأنّ العِقد ما زالت موجودة وتتطلب لقاءات اخرى بين الرئيسين.
وقال ميقاتي بعد اللقاء: «نحاول حل موضوع الحكومة بالطريقة الملائمة للجميع، على أن تكون حكومة تواجه الواقع الموجود في لبنان، ونريد أن تتضافر الجهود كي تقوم الحكومة بواجباتها». واضاف: «الحديث مع عون كان بالعمق. وستكون لنا لقاءات أخرى هذا الأسبوع، ودخلنا بموضوع الأسماء».
وتابع: «العبرة في الخواتيم، ولن أشرح من هذا المنبر المشاكل الموجودة».
وقال رداً على سؤال: «نسبة تشكيل الحكومة أكبر من نسبة الاعتذار، ولا وقت محدداً لديّ، ولكن المدة ليست مفتوحة».
وكان ميقاتي قد قال في حديث تلفزيوني، «انّ شاء الله الحكومة قريبة وأتأمل خيراً، واذا ما قدرت أعمل حكومة فليتفضل أحد غيري، وليس لديّ رفاهية الوقت، والمهلة ليست طويلة».
واشار ميقاتي الى انّه «قدر المستطاع الشخص المناسب سيكون في المكان المناسب. ويوسف خليل اذا لم يكن لديه الكفاءة سيتمّ اختيار شخصية اخرى لوزارة المالية».
الحقائب لم تُحسم
وبحسب معلومات «الجمهورية» من مصادر موثوقة، انّ موضوع الحقائب الوزارية، سواء السياديّة او غير السياديّة لم يُحسم بعد بصورة نهائية حتى الآن، ومن شأن ذلك أن يؤخّر في ولادة الحكومة لفترة اضافية.
وإذ اشارت المصادر الى ما سمّتها ليونة عكسها الرئيسان عون وميقاتي في ما خصّ وزارتي الداخلية والعدل، الّا انّ الصعوبة تكمن في توزيع الحقائب الخدماتية الاساسية على القوى السياسية، حيث لم يتمّ الاتفاق على حسم اي منها حتى الآن. فالعقدة هنا اي حقيبة ستُسند الى الارمن، واي حقيبتين ستُسندان الى الدروز، ولمن ستؤول الحقيبة «الدسمة» هل لوليد جنبلاط ام لطلال ارسلان، واي حقيبتين ستكونان من حصة تيار المردة، واي حقيبة للحزب القومي، واي حقيبة اساسية ستُسند الى الشيعة (من حصة حزب الله) الى جانب المالية. فالمسألة ما زالت «مخربطة»، اضافة الى المسألة الجوهرية التي تتصل بالثلث المعطّل، والذي لم ُعن الطاولة بعد.
الاسماء
وعلمت «الجمهورية»، انّ الرئيسين في لقاء الامس، تباحثا بشكل اولي بعدد من الاسماء، على أن يعودا الى استكمال البحث فيها في اللقاء المقبل، بعد ان يكون كل طرف قد حدّد موقفه من هذه الاسماء، وخصوصاً انّ من بينها من يفترض ان يكون توافقياً بين الرئيسين.
وفي هذا السياق، اعربت مصادر سياسية عن خشيتها من ان تشكّل الاسماء سبباً لتأخير اضافي في تأليف الحكومة، جراء ما سمّتها المصادر «الفيتوات المسبقة» التي يطرحها الفريق الرئاسي على بعض الاسماء، وعلى وجه الخصوص ما يتصل بوزارة المال. وهو أمر يبدو وكأنّه يستفز طرفاً بعينه، وتحديداً الرئيس نبيه بري الذي لا يقبل بأن يُفرض عليه اسم معيّن، كما لا يقبل أن يصادر اي كان حقه في أن يسمّي وزيره للمالية.
48 ساعة
وقال مرجع مسؤول مواكب لمشاورات التأليف لـ»الجمهورية»، «بناءً على ما ما توفّر من معطيات فإنّ تشكيل الحكومة ينبغي الّا يتأخّر إلى ما بعد نهاية الاسبوع الجاري، وخصوصاً انّ الرئيسين عون وميقاتي يصرّحان بأنّهما مستعجلان واقتربا كثيراً من التفاهم على حكومة. لكن ما لمسناه حتى الآن لا يشي بقرب انفراج، لأنّ العِقد لم تُذلل حتى الآن. وبالتالي فإنّ الامور معلّقة على الساعات الثماني والاربعين المقبلة، واعتقد انّها فرصة كافية اذا كانت النيات صافية وصادقة، لتذليل كلّ العِقد، وإن تأخرنا اكثر من ذلك فلا أمل بفرج قريب».
آخر المعلومات
وفي رواية لمصادر مطلعة، أن اللقاء بين عون وميقاتي انتهى الى وضع لائحتين إسميتين بمجموعة من الأسماء لمجموعة من الحقائب العادية، وإن مجموعة الأسماء المتداولة لبعض الحقائب وخصوصاً للداخلية والدفاع ليست دقيقة، حتى أن إسماً لإحداهما لم يرد لا في التشكيلة القديمة للحريري ولا في تشكيلة ميقاتي.
كما عُلم أن حلولاً تم التوصل اليها لبعض الحقائب التي كانت تشكل عقدة في اللقاءآت الاخيرة ومنها ما انتهت اليه اتصالات الساعات الماضية: حقيبة الشؤون الاجتماعية تكرست من حصة رئيس الجمهورية، ونال الاشتراكي حقيبة التربية بدلاً منها، وسجّل تهرّب كبير من حقيبة الطاقة بعد تخلّي التيار البرتقالي عنها.
وعرضت حقيبة الاتصالات على المردة والأشغال على «حزب الله» فلم يردّ المردة جواباً بعد، وتخلّى «حزب الله» عن الصحة لميقاتي لقاء نيله الأشغال.
ولم تُحلّ عقدة اسم وزير المال يوسف خليل، فهو لا «معلّق ولا مطلّق» وسط غموض في موقف بري من الإصرار عليه، أو لجهة استبداله بأي شخصية أخرى.
واتفق الرئيسان على عقد لقاء آخر في الساعات الـ 24 المقبلة بعد أن يُنهيا اتصالاتهما.
دخول اميركي
وسبق اللقاء بين الرئيسين زيارة قامت بها السفيرة الاميركية في لبنان دوروثي شيا الى كل من رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف، حاملة دعوة الى التسريع في تشكيل الحكومة، ومحذّرة من أنّ التأخير سيتسبب بأضرار اضافية على الشعب اللبناني.
واعتبرت شيا أنّ «الشعب اللبناني يعاني، والاقتصاد والخدمات الأساسية وصلا إلى حافة الانهيار. إنّ كل يوم يمر دون وجود حكومة تتمتع بالصلاحيات وملتزمة وقادرة على تنفيذ إصلاحات عاجلة هو يوم ينزلق فيه الوضع المتردي أصلاً أكثر فأكثر إلى كارثة إنسانية».
وتابعت: «تتشارك الولايات المتحدة والمجتمع الدولي في تقديم الدعم المباشر للبنانيين، وسنواصل القيام بذلك. وفيما أقف هنا، لديّ زملاء يعملون على المساعدات التي أعلن عنها الرئيس بايدن للمساعدة، حيث فشلت الخدمات الأساسية... هذه مسؤولية الحكومة، لكننا نعلم أنّ الشعب اللبناني ليس بإمكانه الانتظار».
واضافت: «نحن نحث الذين يواصلون عرقلة تشكيل الحكومة والإصلاح على وضع المصالح الحزبية جانباً. لقد رحبنا بإطار العقوبات الجديدة التي اعلن عنها الاتحاد الأوروبي لتعزيز المساءلة والإصلاح في لبنان، وستواصل الولايات المتحدة التنسيق مع شركائنا بشأن التدابير المناسبة». وختمت شيا: « لبنان يحتاج إلى قادته لاتخاذ إجراءات إنقاذ عاجلة، وهذا لا يمكن أن يحدث دون حكومة ذات صلاحيات تركّز على الإصلاح وتبدأ في تلبية احتياجات الشعب وتباشر العمل الجاد من أجل التعافي الاقتصادي».
"البناء": نصر الله وفيروزنيا: المحروقات قريباً
وأكد الأمين العام لحزب الله في كلمة خلال المجلس المركزي في الضاحية الجنوبية أنّ «حادثة التليل المأساوية يجب أن تشكل عاملاً حاسماً في الضغط على المعنيين في تشكيل الحكومة من أجل تشكيل حكومة خلال أيام قليلة».
وأضاف: «نحن في الفوضى والانهيار لكنّ مقدار الفوضى ما زال مقدوراً عليه، الحل في تشكيل حكومة واجتماع الحكومة واتخاذ القرار المناسب في موضوع الدعم والبطاقة التمويلية». وأكد السيد نصرالله أنّ «الطريق الوحيد لمنع الفوضى وإدارة الأزمة هو تشكيل الحكومة، نعم هناك عقوبات وحصار خارجي ومؤامرة خارجية لكنّ مصيبتنا في لبنان أنّ لدينا حصاراً وعقوبات خارجية وعجزاً وفشلاً داخلياً». وأضاف: «ليس لدينا لا سلطة حلّ أزمة ولا حتى سلطة إدارة أزمة، منذ أسابيع الناس تتجمع على محطات المحروقات والناس متروكون لمصيرهم، هذا يعني العجز والفشل، لا يوجد من يعمل أو يتحمّل المسؤولية أو يبادر»، وتابع: «يجب تشكيل حكومة خلال أيام في أسرع وقت ممكن وعلى الجميع تقديم التنازلات المطلوبة».
ونوّه إلى «أنّ أغلب الشركات والمحطات وهؤلاء الذين أخذوا من طريق الناس البنزين والمازوت للمتاجرة به في السوق السوداء هم شركاء في الشجع والطمع، وأن ما حصل منذ عدة أسابيع أن أغلب الشركات كانت تسلم المحطات المحروقات وتخزّن وتحتكر الكثير منها، وأغلب المحطات كانت تبيع للناس وتخزّن وتخبئ، وهناك أناس اشتروا من المحطات عشرات ومئات الغالونات وخزنوا في بيوتهم وفي المستودعات». ووجّه «نداء لكل الذين ما زالوا يخزنون بنزين في بيوتهم والأحياء السكنية، ما تفعلونه جريمة موصوفة وهو حرام وفيه خطر انفجار فعلي، طالما أن هناك احتمال فعلي للانفجار يعني أنك شريك في القتل، هؤلاء مسؤوليتهم الانسانية والأخلاقية والشرعية إخراج هذه المواد من بين الأحياء».
وكما كانت «البناء» كشفت في عددها الصادر قبل أيام من أنّ حزب الله وحلفاءه لن يقفوا مكتوفي الأيدي أزاء الحصار الأميركي الغربي الخليجي على لبنان، لا سيما المحروقات وأنّ السيد نصرالله سيعلن في كلمة له في إحدى ليالي عاشوراء عن أنّ استيراد النفط من إيران أصبح قريباً جداً، قال الأمين العام لحزب الله: «كنا نفضل أن تشتري الدولة اللبنانية الفيول من إيران، لكن بسبب حسابات ترتبط بالأميركيين الذين يضغطون على البلد ويتحملون مسؤولية كل ما يحصل في البلد وهذه الفوضى يديرها الأميركيون من السفارة الأميركية». وأضاف: «متى يأتي المازوت والبنزين؟ أنا قلت عندما تتوقف الدولة عن إحضار البنزين والمازوت «رح نشتغل هالشغلة» وإلا هذه ليست «شغلة» حزب الله بل «شغلة» الدولة»، مؤكداً «أننا إن شاء الله أننا قطعاً سنأتي بالمازوت والبنزين من إيران، قطعاً.. متى؟ هاليومين تلاتة بقلكم، لكن الموضوع محسوم».
وأردف: «نحن لا نترك البلد هكذا ووعدنا ونلتزم بوعودنا»، مضيفاً: «سيدخل البنزين والمازوت إلى لبنان جهاراً نهاراً ونفتخر بتقديم هذه الخدمة لأهلنا وناسنا».
ولفت إلى أن «هناك غرفة تعمل لإيصال البلد للانهيار والفوضى وهناك متواطئون داخليون»، متسائلاً عمّا إذا كان «الذين يخربون محطات توليد الطاقة هم لبنانيون ولديهم شرف وأخلاق وإنسانية؟»، مضيفاً: «ابحثوا عنهم تجدون أن خيوطهم تصل إلى السفارة الأميركية».
وأوضحت مصادر في فريق المقاومة لـ«البناء» أن «حزب الله بإمكانه استيراد النفط من ايران منذ شهور لكنه كان ينتظر أن تقوم الدولة بهذا الأمر من العراق أو من دول أخرى أو النجاح في تأليف الحكومة والبدء بمعالجة الأزمات وفك الحصار الخارجي والإفراج عن المساعدات المالية الخارجية للبنان، لكن أما وقد تفاقمت الأزمات بشكل كبير وتركت تداعيات اجتماعية وأمنية على الشعب اللبناني، وجب على المقاومة التحرك وعدم التخلي عن جمهورها وشعبها كما لم تتخل عنهم في العدوان الإسرائيلي والإرهابي على لبنان وهو انتظر توافر المشروعية الشعبية لهذه الخطوة بعدما ضاق الشعب ذرعاً بأزمة المحروقات»، أما الآن تضيف المصادر فإنّ قرار استيراد النفط الإيراني إلى لبنان قد اتخذ والترتيبات العملانية قد انتهت لكن الحزب يمنح الفرصة الأخيرة المتمثلة بتأليف حكومة جديدة في ظل الأجواء الإيجابية التي تحيط بعملية التأليف، فإما تؤل الحكومة فتنتقل المهمة إلى عاتقها وإذا لم تؤل فسيعلن السيد نصرالله في يوم العاشر من محرم عن موعد نهائي لدخول النفط الى لبنان».
وأكد السفير الإيراني في بيروت محمد جلال فيروزنيا في حديث لقناة «المنار» أنّ إيران تقف إلى جانب الشعب اللبناني وهي مستعدة لتقديم المساعدة له على الصعد كافة. وتحدث عن نتائج ملموسة قريباً بخصوص المحروقات الإيرانية إلى لبنان.
إقرأ المزيد في: لبنان
14/11/2024