لبنان
مبادرةُ عين التينة كسرت الجليد الحكومي.. فهل تحملُ الآمال؟
أخذت مبادرة رئيس نبيه بري الأضواء حيزاً أساسياً في الصحف اللبنانية حيث يترقبها المواطنين معلقاً عليها أمالهم.
مفاعيل المبادرة بدأت تتظهر في اللقاء الذي جمع الرئيس بري الأمس برئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، ومن ثم في لقاء معاوني بري والامين العام لحزب الله النائب علي حسن خليل والحاج حسين الخليل برئيس التيار رالوطني الحر النائب جبران باسيل مساء، للبحث في حل العقدة الباقية وهي تسمية الوزيرين المسيحيين المتبقيين من تشكيلة الـ 24 وزيراً.
الحريري مستمرّ في تضييع الوقت
بحسب «الأخبار» فإن إشاعة أجواء إيجابية تليها تسريبات إعلامية تتهم رئيس الجمهورية وفريقه بالتعنّت والتعطيل... اللعبة نفسها واصلها الرئيس سعد الحريري أمس، إذ قدّم لرئيس مجلس النواب «تشكيلة شكلية» من 24 وزيراً، قبل أن تسرب وسائل إعلام مقربة منه الاتهامات المعتادة لجبران باسيل بالتعطيل
وتكثّفت الاتصالات السياسية أمس مع عودة الحريري إلى بيروت. الرئيس المكلف الذي بات تقريباً من دون دعم خارجي ويكاد يفقد آخر غطاء داخلي يوفره له رئيس مجلس النواب نبيه بري، وبعدما لمس استياء البطريرك الماروني بشارة الراعي، بدا أنه - شكلياً - أوقف سياسة المناورة والتعطيل واحتجاز التكليف، فحمل إلى عين التينة «تشكيلة حكومية من ٢٤ وزيراً تشمل كل الطوائف والقوى، وفيها ٨ وزراء للرئيس». غير أنه، في الواقع، واصل اللعبة نفسها: إشاعة أجواء إيجابية، ومن ثم تسريبات إعلامية تتهم جبران باسيل بأنه «ما بدو حكومة» وبـ«فركشة» الحلّ.
مصادر رفيعة في التيار الوطني الحر أكدت لـ«الأخبار» أن الحريري لم يقدّم تشكيلة حكومية «بل تعليقات على التشكيلة التي سلّمها رئيس الجمهورية للبطريرك بشارة الراعي». وإذ رأت في ذلك «تقدّماً لأنه كان يرفض التزحزح عن موقفه»، إلا أنها أعربت عن خشيتها من «أن نكون أمام احتيال جديد والاستمرار في تضييع الوقت لأن الحريري في ما قدّمه لم يحل أياً من المشاكل الأساسية كتوزيع الحقائب على الطوائف واستمراره باللعب بالتوازنات والعودة إلى إثارة مواضيع تم الاتفاق عليها سابقاً». وهو، بعد سقوط حجة التمسك بالثلث المعطل في جلسة مجلس النواب الثلاثاء الماضي، «اخترع ذريعة إصرار رئيس الجمهورية ميشال عون وباسيل على تسمية الوزيرين المسيحيين»، إضافة إلى الوزراء الثمانية (مع الطاشناق وطلال ارسلان) من حصة رئيس الجمهورية. المصادر نفسها أكّدت أن باسيل أبلغ «الخليلين» في اللقاء الذي عُقد في منزله ليل أمس، «أننا نقبل بأي صيغة مؤداها ألا ينال رئيس الجمهورية أي وزير محسوب عليه فوق عدد الثمانية وزراء، ولا نريد أن يسمي الرئيس هذين الوزيرين على ألا يسميهما الحريري أيضاً. ولا مانع لدينا بأن يكونا من المجتمع المدني أو من موظفي الإدارة، على أن يكونا مستقلين واختصاصيين، وألا تكون هناك أي شبهة لعلاقة لهما بأيّ من رئيسَي الجمهورية أو الحكومة».
وخلصت المصادر إلى أن الأجواء لا تزال ضبابية خصوصاً أن «من يريد تشكيل حكومة لا يلجأ فور انتهاء اجتماعه ببري إلى عقد لقاء لرؤساء الحكومات السابقين يخرج بعده الرئيس فؤاد السنيورة ليحمّل رئيس الجمهورية مسؤولية التعطيل».
برّي يكسر جليد الجمود الحكوميّ
بدوره، مصادر «البناء» المتابعة لم تقفل الباب أمام فرص جديدة يعمل بري على استكمال مبادرته من خلالها بالتعاون مع حزب الله، لإيجاد منطقة وسط جديدة بين طرحَيْ الفريقين، المتمثلين بالحريري وباسيل، ورأت فيما سرّبه الفريقان عن تلويحهما بالذهاب إلى انتخابات نيابية مبكّرة عبثاً سياسياً لا يقدّم ولا يؤخّر، ولا يملك مصداقية التحقق إلا لمن يريد أخذ البلد إلى الفوضى، لأن إسقاط المجلس النيابي قد لا تعقبه انتخابات مبكرة في الوضع المتصاعد والمأزوم، وقد تكون الفوضى هي البديل المرجّح الذي ينتظر لبنان، وعلى مَن يخاطر بمصير المجلس النيابي أو يلوح بالاستعداد لهذه المخاطرة أن يتحمّل مسؤولية أخذ البلد الى الفوضى، ورأت المصادر أن العقدة لا تزال كامنة في كون الفريقين يقاربان الملف الحكوميّ بمعايير لا تتصل بمضمون النقاط الخلافيّة المتداولة، بل بحسابات تتّصل بالنظر لكيفية التأسيس عبر التفاوض على الملف الحكومي لفرص طائفية شعبويّة يراهن على تأثيرها لحسابه في الانتخابات المقبلة.
وفيما تتكتم عين التينة على مضمون اللقاء أشارت مصادرها لـ«البناء» إلى أنه «من المبكر الحكم على نتائج اللقاء قبل استكمال الخطوات التي تليه من كافة الأطراف لا سيما تلك التي سيقوم بها الحريري باتجاه بعبدا. لذلك المطلوب أن يبدي الجميع إيجابية واستعداداً للتعاون». لكن المصادر شدّدت على أن «عقد اللقاء بحد ذاته أمر إيجابي ويبنى عليه خطوات أخرى، وبالتالي يجب العمل من الآن فصاعداً على تلاقي الجهود لإزالة كل العوائق وتوسيع مساحة الإيجابيات للوصول الى خواتيم إيجابيّة». وأكدت المصادر أن «الرئيس بري يعمل وفق خريطة طريق تحتاج إلى مدة زمنية معينة، لكنها ليست مفتوحة بل محددة بأيام لكن يعمل وفق شعار تعاونوا على قضاء حوائجكم بالكتمان». وعلمت «البناء» أنه وفور مغادرة الحريري عين التينة أجرى الرئيس بري سلسلة اتصالات بمختلف الأطراف وأرسل معاونه السياسي علي حسن خليل للقاء النائب باسيل لوضع الجميع بأجواء لقائه مع الحريري. كما علمت أن «الحريري أودع الرئيس بري تصوره لحل الأزمة الحكوميّة وطلب ضمانات من فريق رئيس الجمهورية لكي يعمل لتقديم تشكيلة حكومية كاملة».
وأمس، عقد لقاء جمع النائب علي حسن خليل ومعاون الأمين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل والحاج وفيق صفا بالوزير جبران باسيل في دارته الأخير واستكمل النقاش بالملف الحكومي حتى وقت متأخر من ليل أمس.
ورأت مصادر المعلومات أن «الرئيس بري وخلال لقائه بالحريري وضع المعالم الرئيسية لإطار التشكيل وهي حكومة 24 مؤلفة من إختصاصيين غير حزبيين والعمل جارٍ لإيجاد صيغة لتسمية الوزيرين المتبقيين»، مشيرة إلى أن «الأجواء تفاؤلية في عين التينة».
من جهتها أشارت معلومات قناة «أو تي في» إلى أن «الحريري طلب من برّي مهلة 24 ساعة لإعطاء جواب نهائي حول إمكان تقديم تشكيلة جديدة لعون». ونقلت القناة عن مصادر مطلعة، تأكيدها أنه «لو بقي الحريري متمسكاً بتسمية وزير من الوزيرين المسيحيين، ولم تقابل ليونة بعبدا بليونة أخرى من بيت الوسط، لن تتشكل الحكومة»، لافتةً إلى أنه «لا لقاء لبري في قصر بعبدا». كما أشارت القناة، نقلاً عن أوساط متابعة إلى أن «الخارج كما الداخل بات يحثّ الحريري على التشكيل أو التنحّي، إفساحاً للمجال أمام شخص آخر».
وأفادت المعلومات أن «فريق رئيس الجمهورية، ينتظر ما يحمله الاجتماع بين الخليلين وباسيل»، مشيرة الى «انه إذا كان الاجتماع ايجابياً فإن بري سيتوجه اليوم الى بعبدا للقاء رئيس الجمهورية والتحضير لزيارة الرئيس المكلف الى القصر الجمهوري الأربعاء، وتابعت انه إذا لم يكن الاجتماع إيجابياً فإن زيارتي بري والحريري الى بعبدا لن تحصل».
في المقابل أشارت أوساط تيار المستقبل لـ«البناء» إلى أن «لا تقدّم حتى الآن والأمور رهن بالمشاورات بين أركان فريق العهد وحزب الله مع الرئيس بري وما لدى الحريري أبلغه للرئيس بري، والكرة في ملعب الآخرين».
وشدّدت على أنه لا يمكن الحديث عن ايجابيات أو تقدم حتى الساعة بانتظار 48 أو 36 ساعة لحسم الخيارات فإما تصدر إشارات ايجابية من فريق رئيس الجمهورية فيزور الرئيس المكلف بعبدا حاملاً تشكيلة حكومية كاملة وإما يبقى فريق العهد مصراً على مواقفه وأسلوبه، كما فعل بإرسال مسودات حكوميّة الى عين التينة وبكركي، وبالتالي تبقى الأزمة مفتوحة على كافة الاحتمالات بين الاعتذار أو الاستمرار بالتكليف حتى يتنازل الطرف الآخر». مضيفة «أن كل خيار مرهون بنتيجة المشاورات». ونفت الأوساط الحديث عن ترؤس الرئيس تمام سلام الحكومة لإجراء الانتخابات لكنها استدركت بأن «خياراً كهذا لو صح فينسّق مع الحريري وبموافقته». لافتة الى أن كل ما يُشاع هو محض اشاعات لا اساس لها من الصحة والخيار بيد الحريري».
«جس نبض» فرنسي
ووفقا لمعلومات الديار فقد تحدث الحريري عن اهتمام فرنسي مستجد بقائد الجيش العماد جوزاف عون، ووفقا لزواره فقد تحدث اليه مسؤولون رفيعون في الادارة الفرنسية حيال دوره المستقبلي في البلاد، وفهم ان الادارة الفرنسية تعلق امالا كبيرة على دوره كقائد للجيش وكذلك كمرشح «طبيعي» محتمل لرئاسة الجمهورية. وكان لافتا تأكيد الرئيس المكلف ان باريس تعول على دور القيادة العسكرية في المرحلة المقبلة في ظل وجود قلق جدي من انفلات امني في البلاد اذا ما استمر الانسداد السياسي.
وفي هذا السياق، لفتت اوساط سياسية مطلعة الى ان اشاعة هذه الاجواء في بيروت ربما تهدف الى ارسال «رسالة» واضحة من الحريري الى بعبدا بانه لم يعد مستعدا للدخول باي تسوية من ضمنها الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهو لديه خيارات اخرى باتت مدعومة دوليا، ولهذا يعمل على التسويق لاحتمال الرهان على قائد الجيش في المرحلة المقبلة.
في المقابل، أشارت مصادر معنية بهذا الملف الى ان قائد الجيش الذي يرى انه مرشح «طبيعي» للرئاسة غير مستعجل على «حرق» اسمه الان فيما يدرك الجميع ان المسألة لا تحسم الا قبل الامتار الاخيرة من «السباق» وفي هذا الاطار يعمل جاهدا الان على حماية المؤسسة العسكرية من الانهيار قبل اي شيء آخر، وهو ما اكده للفرنسيين والاميركيين لانه يرى في انهيار الجيش سقوطا للدولة والاستحقاقات الدستورية.
وقالت الديار أن هذا الاهتمام بقائد الجيش فرنسيا، يتماهى مع نيات اميركية «خبيثة» تحاول اعطاء المؤسسة العسكرية ادوارا هي وصفة «للحرب الاهلية» كما تشير اوساط نيابية بارزة فالاعلان عن اعتزام وزارة الخارجية الأميركية تحويل مبلغ 120 مليون دولار لتمويل الجيش اللبناني، إضافة إلى إعلان وزارة الدفاع الأميركية 59 مليون دولار إلى لبنان لتعزيز قدرات الجيش الأمنية على الحدود الشرقية قد يكون امرا معتادا، لكن تاكيد مسؤول في وزارة الدفاع أن ادارة الرئيس جو بايدن ترغب في تفعيل قدرات الجيش اللبناني، لاحتواء نفوذ طهران في لبنان والتصدّي لحزب الله المدرج على لائحة الإرهاب، ومنع سقوط مؤسسات الدولة اللبنانية الأمنية بيده، يعد وصفة «انتحار» لن يقبلها الجيش الذي سبق ورفضت قيادته عروضا مماثلة وكانت حاسمة في تاكيدها على الاستقرار الداخلي، وهذا الامر لن يتغير على الرغم من الاغراءات الاميركية؟
تجاوب مع إقتراحات برّي..
مصادر «اللواء» كشفت أن اللقاء بين بري والحريري تناول وضع التوصية التي أصدرها المجلس النيابي بتجديد تسمية الرئيس الحريري وبتسريع تشكيل الحكومة الجديدة، ردا على رسالة رئيس الجمهورية ميشال عون موضع التنفيذ. وشددت على ان مبادرة بري تتلاقى في معظم النقاط مع مهمة الرئيس الحريري لتشكيل حكومة اخصائيين من غير الحزبيين من دون الثلث المعطل لأي طرف سياسي، استنادا للمبادرة الفرنسية.
واشارت الى ان الحريري ابدى انفتاحا لما طرحه بري، ان لجهة زيادة العدد او طرح أفكار لتجاوز عقدتي تسمية وزيري العدل والداخلية، او تسمية الوزراء المسيحيين، تحت سقف المبادرة المذكورة وصلاحيات رئيس الحكومة الدستورية، اما مايتعارض او يتجاوز هذين الشرطين فيرفضهما رفضا قاطعا. وعلى هذا الاساس طرح بري افكار مبادرته التي بقيت تحت ستار من الكتمان من كلا الطرفين، والاهم تم الاتفاق على تسريع الخطى والتواصل للتوصل الى تفاهمات تؤدي الى ولادة الحكومة الجديدة بالسرعة اللازمة.
وعلمت «اللواء» أن الحريري أبلغ برّي أنه على استعداد لمنح التيار الوطني الحر عدد من الوزراء شرط أن يعلن النائب جبران باسيل إعطاء الثقة للحكومة في مجلس النواب، فضلاً عن الموافقة على أن يكون لرئيس الجمهورية أربع وزراء. وقالت المعلومات أن باسيل أبلغ موفدين «الثنائي الشيعي» انه لا يرغب في ان يتمثل بالحكومة، وليس بوارد إعطاء الثقة لحكومة الرئيس الحريري، الأمر الذي لم يكن مريحاً بالنسبة للخليلين اللذين هما بالخروج، على ان يتابع البحث لاحقاً.
ووفقاً للمصادر العونية فإن الرئيس المكلف، طلب مهلة تنتهي اليوم، لإبلاغ برّي، ما إذا كان سيسترد التشكيلة المؤلفة من 18 وزيراً والموجودة في قصر بعبدا، وإرسال صيغة ثانية من 24 وزيراً.
ومع ان الاتصالات الحكومية تحركت بشكل مكثف بين المعنيين والعاملين على خط التأليف فإن التفاؤل الحذر واجب كما قالت مصادر سياسية مطلعة لـ«اللواء» واعتبرت أن هذه الاتصالات من شأنها رفد التواصل المباشر في هذا الملف.
أما المعطيات التي رشحت من بعبدا فأفادت أن هناك انتظارا ولكنها اعتبرت أن أي اتصال بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب وحتى أي لقاء بينهما، يعني أن الرئيس سيكون على بينة من بواطن الأمور لاسيما أنه في خلال اللقاء الذي انعقد بين رئيس المجلس والرئيس المكلف فإن من المرجح أن يكون الحريري أفصح عن نيته أو قدرته في التأليف ولكن بعبدا لا تزال ترصد وتراقب هذه المساعي ولا موقف لها قبل ان تتأكد من صحة مواقف الأفرقاء المعنيين بولادة الحكومة والمعني الأول هو الرئيس الحريري.