لبنان
انتصار غزة يصنع المعادلات..توقعات اشتباك سياسي بين باسيل والحريري وبري يسعى لخفض التوتر
لا يزال انتصار المقاومة الفلسطينية يشد أنظار العالم، فيما كانت المناطق الفلسطينية بلا استثناء وتجمعات فلسطينيي الشتات ومعهم عواصم عربية وعالمية عدة، على موعد للاحتفال بالنصر الفلسطيني، بينما المستوطنون ومعهم جيش الاحتلال يعاودون بعد الظهر الهجمات في القدس بعد هدوء قبل الظهر.
أما لبنانياً، فإن النقاش النيابي حول الرسالة الرئاسية المتصلة بالملف الحكومي، تصدّر الأحداث بعد تأجيله من أمس الى اليوم، مع توقعات متفاوتة حول فرص التوصل لصيغ تهدئة تسبق الجلسة أو تحوّل جلسة النقاش الى سجال يرفع منسوب التوتر والتصعيد بين فريقي رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف.
"الأخبار": الزمن الجميل
وفي هذا السياق، وتحت عنوان "الزمن الجميل"، قالت صحيفة "الأخبار"، "سكت، أخيراً، دويّ الطائرات والمدافع والصواريخ، ليعلو صوت السياسة. لا يعني ذلك أن المعركة انتهت، بل إن فصلاً جديداً منها قد بدأ ربّما، إنما بأدوات وأساليب مغايرة. فصلٌ تبدي المقاومة استعدادها التامّ للتعامل معه، سواءً في المفاوضات حيث يُراد، على ما يبدو، انتزاع تنازلات منها لم تُحصّل بالحرب - وإن كان الموقف المصري يُولّد إلى الآن ارتياحاً غير مسبوق، أو في الميدان، حيث تُظهر جاهزية عالية لصدّ أيّ عدوان إسرائيلي جديد، على قاعدة «إن عُدتم عُدنا»، و«لمعركتنا فصول لم تُكتَب بعد».
واضافت "هكذا، تنظر المقاومة إلى اليوم التالي، فيما على ضفّة العدو يَظهر التخبّط سيّد الموقف. أسئلة كثيرة تحضر على طاولة صانع القرار الإسرائيلي حول الفشل وأسبابه وكيفية حصْره والحدّ من تداعياته، سواءً في الدائرة الأولى الفلسطينية، أو في الدوائر الأبعد، في حين لا يبدو صبّ الاتهامات على بنيامين نتنياهو إلّا محاولة لصرف الأنظار عن الفشل المؤسّسي، الذي يكفي فزع الجيش من دخول القطاع برّاً للتدليل عليه. على أيّ حال، تُدرك إسرائيل أن ما بعد "سيف القدس" لن يكون كما قبلها، تماماً مثلما تُدرك ذلك فصائل المقاومة، وعلى رأسها «حماس» التي بدأت ترتيب أوراقها لإعادة علاقاتها مع سوريا، ضمن الاستثمار المتوقّع والمجدي في نتائج الجولة الأخيرة. أمّا الضفة الغربية وأراضي الـ48، فلن تعود إلى «القمقم» كما تحكي بعض التوقّعات، إذ إن الثأر الذي بدأ لن ينتهي قريباً، وما خَطَّتْه مواجهة أيار لن يكون من السهل محوه، بل سيحفر عميقاً، إن على صعيد وحدة الشعب الفلسطيني، أو المواجهة مع الاحتلال، أو الاشتباك مع سلطة أوسلو".
ومن ناحية أخرى، وتحت عنوان "مناقشة رسالة عون اليوم: مجلس النواب غير معني؟"، قالت الصحيفة إن تعطيل تأليف الحكومة دخل اليوم شهره الثامن، فيما الأزمة تهرول الى الوراء، وتراكم أسباباً بعد أخرى لاستمراره، واستبعاد الاتفاق عليها الى أمد غير معلوم. مع ان الجولة الجديدة في البرلمان، الا ان المشكلة تبقى اولاً واخيراً بين الرئيسين.
واضافت انه مذ التأمت جلسة الهيئة العمومية لمجلس النواب لتلاوة رسالة رئيس الجمهورية ميشال عون، بدت الكتل كأنها على رؤوسها الطير: الكبرى منها اتت بنوابها جميعاً تقريباً ككتل رئيس المجلس نبيه برّي والرئيس المكلف سعد الحريري والنائب جبران باسيل ووليد جنبلاط، وبلغ النواب الحاضرون 82 نائباً. اضف انها استنفرت نفسها سلفاً لطلب الكلام والدخول في اشتباك، بعضها مع بعض على مضمون الرسالة. قبيل انعقاد الجلسة، كان معوّلاً على عقد لقاء بين برّي والحريري العائد الى بيروت في وقت متأخر من ليل الخميس، في محاولة لتجنيبها اي تشنج طائفي يتحضّر له الطرفان المتقابلان. بيد ان اللقاء لم يحصل الا بعد رفع الجلسة، بعدما حسم رئيس المجلس خيار تأجيل المناقشة الى اليوم.
ولفتت الصحيفة إلى أنه اكثر من معطى احاط بالجلسة القصيرة:
اولها، تحديد موعد التئامها البارحة، في اليوم الثالث لتلقي رئيس البرلمان رسالة رئيس الجمهورية بعد ظهر 18 ايار. بذلك التزم انعقادها ما نصّت عليه المادة 145 من النظام الداخلي للمجلس، خصوصاً فقرتها الثالثة التي تتحدّث عن آلية تعامل المجلس مع رسالة يوجهها رئيس الجمهورية اليه بواسطة رئيسه، المختلفة عن تلك التي ترعى الرسالة التي يدلي بها رئيس الجمهورية بنفسه امام البرلمان تبعاً للفقرتين الاولى والثانية. ما حدث انها انعقدت في اليوم الثالث، من غير ان تعتمد على الفقرة الثالثة التي تربط تلاوة الرسالة بمناقشتها في الجلسة نفسها. جزّأ برّي تلاوة الرسالة عن مناقشتها، مع انهما متلازمتان في الجلسة ذاتها، كون الرسالة غير مباشرة. ارتأى الفصل ما بين بينهما 24 الساعة على نحو ما نصت عليه الفقرتان الاولى والثانية، المتحدثتين عن الرسالة المباشرة التي يتلوها رئيس الجمهورية بنفسه. ليست المخالفة جسيمة وتستحق، الا انها توخت تغليب الجانب السياسي على الجانب القانوني في مقاربة المشكلة المتفجرة التي تحملها الرسالة.
ثانيها، لا مناص من الاشتباك اليوم بين الحريري وباسيل، كما بين نواب كتلتيهما، من غير استبعاد دخول كتل اخرى عليهما. ليس في الامكان تجاهل مناقشة الرسالة المنصوص عليها في المادة 145 او تعمّد اهمالها، وليس ثمة ما يشير الى استعداد طرفي التناحر لتخليهما عن نقل المشكلة ما بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف الى داخل مجلس النواب.
ثالثها، مع ان الطابع المرتقب للسجال سياسي دستوري في ظاهره، الا انه سيحجب لوقت قصير طابعاً طائفياً محضاً في تناوله الصلاحيات الدستورية لكل من رئيس الجمهورية والرئيس المكلف. مع ذلك، لا يقل الشق الدستوري اهمية عن الاشتباك الطائفي، وهو سيمسي الملاذ الوحيد للمجلس كي ينجو بنفسه من مشكلة غير قادر على حلها. الا انه - بسبب غياب النص الصريح المكتوب - سيحتمي بالمخرج الذي يعزّز حجة الحريري، وهو ان الدستور لا ينص على سحب التكليف على نحو نصّه على التكليف. بذلك، لأن لا نص مقيِّداً، لا يسعه الخوض في ما لا يدخل في صلاحيته: ما طلبه منه الدستور تسمية رئيس الحكومة المكلف فحسب.
رابعها، يسري جدل دستوري في البرلمان يرمي الى تنصّله من اي مسؤولية عن حل مشكلة، يعتبر نفسه غير معني مباشر بها بعدما انجز المنوط به، وهو التسمية. غير انه بات شاهداً على نزاع دائر بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف عطّل تأليف الحكومة ولا يزال. فحوى الجدل الدستوري الجديد، ان المجلس الملتئم كهيئة عمومية لم يكن هو المعني بتسمية الرئيس المكلف، وليس ثمة اكثرية قانونية ملزمة للتسمية ينص عليها الدستور. تالياً، فإن تسمية الرئيس المكلف منبثقة من اكثرية نيابية، وليس من الاكثرية النيابية المنصوص عليها في المادة 34 من الدستور الملزمة لانعقاد المجلس وهي الغالبية المطلقة، وليس ايضاً من الاكثرية الموصوفة كالثلثين المنصوص عليها في المادة 49 لنصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية.
ولفتت الصحيفة إلى أن اي اكثرية تنشأ، اياً بلغ عدد المنضوين فيها، تسمح بترشيح احد ما لرئاسة الحكومة، ما لم يكن قبالته منافس حظي بعدد اكبر من الاصوات. في اولى حكوماته عام 1990، نال الرئيس عمر كرامي 31 صوتاً، وكانت المرة الاولى تطبق الاستشارات النيابية الملزمة بعد اتفاق الطائف، في مجلس لم يزد عدد اعضائه على 67 نائباً من جراء تناقصه ابان سني الحرب. بدوره الرئيس نجيب ميقاتي في اولى حكوماته عام 2005، نال 57 صوتاً رشحته لترؤس الحكومة، وهو رقم دون نصاب الاكثرية المطلقة.
واشارت إلى أنه بإسم ذريعة «اكثرية نيابية» وليس «الاكثرية النيابية»، يقارب البرلمان مشكلة التكليف على ان المعني بها كتله جميعها وليس الهيئة العامة التي تتألف منه منعقداً تبعاً للاصول الواردة في المادة 34، وليست هي مَن تسمي الرئيس المكلف. الامر الذي لا ينطبق على جلسة منح الحكومة الجديدة الثقة، بكل المواصفات والشروط الدستورية المرافقة لانعقادها قانوناً.
خامسها، ان السجالات الدائرة، بتشنجها السياسي والمذهبي والطائفي، في غياب النص الدستوري الصريح الذي يتسلّح به احد فريقي النزاع، تفسح الباب عريضاً على اجتهادات وتأويلات يختلط الدستوري فيها بالسياسي. فكيف الحري بواقع كالذي يشهده لبنان، كل ما يتصل به يدور في فلك الانقسام والصراع السياسي اللذين لا يلبثان ان يعدما الاجتهاد ويعطبانه، ويجردانه من اي جدوى او حل. في ظل الانقسام والصراع السياسي، كل اجتهاد من حيث اتى، في رأي صاحبه وهو يدافع عن وجهة نظر فريقه وطائفته، مصيب ومحق، ما يجعل مقارعته متعذرة ان لم تكن مستحيلة، واقناعه عبثياً. بذلك يتعذر ايجاد مرجعية الاحتكام.
ما قاله رئيس الجمهورية في رسالته الى البرلمان صائب، وهو ان التكليف غير المقيَّد يؤبد هذه الصلاحية لدى صاحبها، ويعطل تأليف الحكومة وانتظام عمل المؤسسات الدستورية ويعرّض الاستقرار للاخطار. لكن ما يفترض ان يقوله الرئيس المكلف اليوم، سيكون بدوره صحيحاً وحقاً انطلاقاً من ان في الدستور جهتين تنيطان به منصبه: النواب الذين يرشحونه، ورئيس الجمهورية الذي يكلفه، دونما ان يكون ثمة مَن يسعه ان يفرض عليه تجريده مما بين يديه الى ما شاء الله، الا اذا اراد هو التنحي.
سادسها، ان انتهاء الجلسة المقررة اليوم، بعد مناقشة الرسالة، امام خيار توصية ليس الا يصدرها المجلس، يحض فيها على استعجال تأليف الحكومة، دونما تمكّنه من تأكيد صلاحيته الدستورية في استعادة المبادرة حيال تكليف الحريري. للاسباب السياسية والمذهبية والطائفية، لا يسعه الاقرار بأن له صلاحية تجريده من التكليف، ولا كذلك اعتباره هو بهيئته العامة مَن رشح الحريري لتأليف الحكومة. لا يسعه ايضاً للاسباب نفسها تأكيد تمسكه به. اذذاك تصبح التوصية باب نجاة.
وختمت الصحيفة بالقول إنه قد يستعيد ما يُفترض ان يحدث اليوم حالاً مماثلة سابقة، عندما وجّه عون رسالة الى المجلس في 24 تشرين الثاني 2020، طالباً تدخّله لفرض التحقيق الجنائي، شاكياً من عدم تعاون حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي يعارضه ويمتنع عن تزويد السلطات ملفات المصرف. في جلسته لمناقشة الرسالة في اليوم الثالث 27 تشرين الثاني، انتهى البرلمان الى توصية قضت بطلب اجراء تحقيق جنائي اوسع من المطلوب، في كل وزارات الدولة واداراتها ومؤسساتها بما فيها مصرف لبنان المشكو منه. يومذاك قال النائب جميل السيّد ان المجلس غير معني برسالة يشكو فيها رئيس الجمهورية على موظف يقتضي التزام قرارات مجلس الوزراء الا انه يمتنع عن تنفيذها، ما يجعل المشكلة داخل السلطة الاجرائية، لا علاقة لمجلس النواب بها، مشيرةً إلى أنه على نحو مشابه ربما، يقتضي ان يُفهم من مغزى جلسة المناقشة اليوم ان مشكلة جحا مع خالته فقط.
"البناء": فلسطين تحتفل بالنصر..وأولويّة بريّ تزخيم فرص التأليف
من جهتها صحيفة "البناء" قالت إن "جيش الاحتلال أنهى الحرب التي أعلنها على غزة رداً على صواريخ المقاومة التحذيريّة دفاعاً عن القدس، من دون أن ينجح في إضعاف القدرة الصاروخية للمقاومة التي بقيت تطلق صواريخها على عمق الكيان بالكثافة والمدى الجغرافي ذاتهما، ومن دون أن يتمكن من التفكير بعملية برية يعرف سلفاً من بعض المؤشرات حجم كلفتها وتداعياتها، حاملاً معه تبعات فشل القبة الحديدية على صورة ميزان الردع الذي كان يدّعيه بوجه محور المقاومة، ووضعاً داخلياً مأزوماً بين خيارات أحلاها مرّ، فمواصلة التصعيد الذي يمارسه المستوطنون بحق الفلسطينيين في القدس والضفة والأراضي المحتلة عام 48، باتت نتائجه شديدة الخطورة يتوقع معها الكثير من الخبراء العسكريين في الكيان تحوّلها الى حرب عربية يهودية يستند فيها الفلسطينيون الى قدرة غزة النارية التي أثبتت فعاليتها بالقدرة على التدخّل، وكبح جماح المستوطنين سعياً لتأمين التهدئة مع الفلسطينيين يهدّد بحرب أهلية يهودية يهودية".
واشارت إلى أنه فيما كانت المناطق الفلسطينية بلا استثناء وتجمعات فلسطينيي الشتات ومعهم عواصم عربية وعالمية عدة، تحتفل بالنصر الفلسطيني كان المستوطنون ومعهم جيش الاحتلال يعاودون بعد الظهر الهجمات في القدس بعد هدوء قبل الظهر، لتشتعل المواجهات في القدس والبيرة والعديد من المناطق في الضفة، بينما أعلنت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن عزمها على مواصلة جهود التهدئة تمهيداً لإحياء المسار التفاوضي على قاعدة حل الدولتين، الذي سيحمله وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن في جولة قريبة في عواصم المنطقة، والمشكلة التي تنتظر بلينكن هي أن هذا الحل لا يجد تشجيعاً عند الفريقين المتقابلين، كيان الاحتلال وقوى المقاومة، بينما الأطراف التي تتحمّس له لا تملك القدرة على إنعاشه، سواء السلطة الفلسطينية أو العواصم العربية التي شعرت بفقدانها للتأثير في مسار القضية الفلسطينيّة لصالح تعاظم حضور محور المقاومة.
ولفتت "البناء" إلى أنه بالتوازي مع المشهد الفلسطيني، تقدّم الملف النووي الإيراني على طريق الوصول إلى اتفاق يضمن العودة الأميركية إلى صيغة تفاهم 2015، كما قالت مصادر روسية وأوروبية وإيرانية في وفود التفاوض في فيينا، متوقعة إنجاز التفاهم مع نهاية الشهر الحالي، بينما تقدّم أيضاً المشهد السوري مع إنجاز سورية للانتخابات الرئاسية في السفارات السورية في الخارج، التي سجلت مؤشرين إيجابيين جديدين، الأول اتساع رقعة العواصم التي سمحت حكوماتها للسفارات السورية بفتح أبوابها للمقترعين، والثاني كثافة حضور السوريين المقيمين في الخارج في السفارات السورية للمشاركة في الانتخابات، وهو ما وضعته مصادر دبلوماسيّة في دائرة التأشير لتراجع المناخات الدولية الممسكة بملف النازحين كرهينة سياسية، متوقعة حلحلة في هذا الملف بعد انتهاء سورية من الاستحقاق الرئاسي، وبدء فتح العديد من السفارات العربية والغربية خلال مرحلة ما قبل نهاية العام.
أما لبنانياً، فقالت الصحيفة إن النقاش النيابي حول الرسالة الرئاسية المتصلة بالملف الحكومي، تصدّر الأحداث بعد تأجيله من أمس الى اليوم، مع توقعات متفاوتة حول فرص التوصل لصيغ تهدئة تسبق الجلسة أو تحوّل جلسة النقاش الى سجال يرفع منسوب التوتر والتصعيد بين فريقي رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف. وقالت مصادر متابعة للملف الحكومي إن رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي أرجأ النقاش أمس، ورفع الجلسة عندما تلمس مناخاً متشنجاً لن يسمح بتفجير المجلس النيابي بسبب نقاش عقيم حول الصلاحيات والمسؤوليات الرئاسية فى عملية تأليف الحكومة. فالكلام الذي لا يخدم مساعي التأليف يفضل الاستغناء عنه، لأن أولوية بري ستبقى تزخيم عملية التأليف وليس إثبات الأحقية في السجال الدائر بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف.
وقالت "البناء" إنه فيما انعكس الوقف المتبادل لإطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية والعدو الإسرائيلي إيجاباً على الداخل اللبناني الذي حبس الأنفاس طيلة مدة الحرب ترقباً لتمدّدها الى دول أخرى في المنطقة، ومنها لبنان، عادت الملفات الداخلية الساخنة إلى الواجهة من بوابة مجلس النواب الذي عقد أمس، في قصر اليونيسكو جلسة تشريعية لتلاوة الرسالة التي وجّهها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى البرلمان حول تأخر الرئيس المكلف سعد الحريري في عملية تشكيل الحكومة.
واضافت "لم يكد الأمين العام لمجلس النواب عدنان ضاهر، ينهي تلاوة الرسالة، حتى رفع رئيس المجلس النيابي نبيه بري الجلسة وحدد موعداً اليوم لمناقشتها. وحضر الجلسة الحريري ورئيس التيار الوطنيّ الحر جبران باسيل ولم يسجل أي سلام أو كلام بينهما، في المقابل عقد لقاء بعد الجلسة بين بري والحريري".
ولخصت مصادر نيابية شاركت في الجلسة لـ”البناء” بأن “الجلسة كانت قصيرة جداً وتمت تلاوة الجلسة ورفعها رئيس المجلس إلى اليوم، لكن التوتر كان سيد الموقف إذ بدت أغلب وجوه النواب مكفهّرة وكأنها تتحضّر لنزال سياسي، ولما لاحظ الرئيس بري هذه الأجواء المتوترة رفع الجلسة وأعطى فرصة لمزيد من الاتصالات للتوصل الى توافق على موقف موحد أو توصية ما إزاء رسالة رئيس الجمهورية”، وأضافت المصادر: “لو لم يرفع الرئيس بري الجلسة لكانت انفجرت خلال لحظات”.
وكشفت المصادر النيابية لـ”البناء” أن “الرئيس بري بحث خلال لقائه مع الحريري مخرجاً لهذه الأزمة وأتبع ذلك بسلسلة اتصالات ومشاورات مع رؤساء الكتل النيابية ستستمر حتى موعد الجلسة اليوم في محاولة لإيجاد مخرج، وإلا فإن الأمور ستتجه إلى تصعيد من قبل الحريري الذي حضر رده في تفنيد كل بنود الرسالة ما يستدرج رد فعل من النائب باسيل لتتوالى بعدها الردود والسجالات ونصبح في مكان آخر”.
وفي هذا السياق أشارت المعلومات إلى أن “الحريري أتى من الخارج خصيصاً من أجل حضور جلسة مناقشة الرسالة، كما أن باسيل حضّر كلمة نارية لإعلان موقف التيار الوطني الحر من رسالة الرئيس عون”.
ولفتت قناة الـ”أن بي أن” إلى أنّ “اللقاء الّذي عقد بري والحريري، في قصر الأونيسكو، معطوفًا على ما يمكن أن تشهده الساعات المقبلة من اتصالات لتخفيف التشنّج والتوتّرات وفق صيغة معيّنة، من الممكن أن تُبرّد الأجواء الّتي تسمح بمعاودة التواصل بين أهل التأليف لإنقاذ البلد؛ وكلّ ذلك مرهون بمواقف القوى السياسيّة وعلى رأسها “التيار الوطني الحر” لناحية ردّه على الردّ المرتَقب من الحريري على رسالة رئيس الجمهوريّة”.
في المقابل أكد معاون الرئيس بري النائب علي حسن خليل أن “اتصالات التهدئة لم تفشل”، متوقّعاً “صدور موقف من مجلس النواب وليس قرار أو توصية”.
وأكدت أوساط نيابيّة في كتلة التنمية والتحرير لـ"البناء" أن “الرئيس بري يسعى قدر الإمكان لتهدئة الوضع وسحب فتيل التوتر، وسيفسح المجال لمناقشة هادئة للرسالة وللنواب للإدلاء بدلوهم، لكن لن يسمح بأن تأخذ الجلسة منحى التصعيد والسجالات السياسية والطائفية”. وأوضحت بأن رسالة رئيس الجمهورية موجهة الى المجلس النيابي أي الى كافة الأطراف ولا تستهدف طرفاً معيناً”، متوقعاً “التوصل الى موقف جماعي يحث الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية على التعاون لتشكيل الحكومة”. وعن موقف الكتلة من دعوة جنبلاط للحريري بالتنازل قالت الأوساط: “على الجميع التنازل لمصلحة البلد ومصالح الشعب اللبناني لا سيما المعنيين بتأليف الحكومة لأن الشعب لم يعد يحتمل. فالأولوية عنده باتت لقمة العيش والمطالب الحياتية”.
بدوره لفت عضو كتلة المستقبل النائب محمد الحجار إلى أن “الحريري سيلقي كلمة اليوم ورئيسُ مجلس النواب يلعب دور الإطفائي ودوراً مهماً في احتواء التشنّج والتعنت من قبل فريق رئيس الجمهورية. وما حصل اليوم هو في صلب النظام الداخلي للمجلس”.
وشرح أمين سر تكتل لبنان القوي النائب إبراهيم كنعان أن “هدف رسالة الرئيس تحريك الوضع الحكومي المأزوم لإخراج البلاد من حالة انعدام الوزن. وهذا أهم ما يجب ان تخلص اليه المناقشات النيابية في جلسة اليوم”.
وفي سياق ذلك أشار عضو التكتل الوزير السابق غسان عطالله إلى أن “لا أحد طلب من الحريري الثلث المعطل والوزير جنبلاط اعترف بذلك، ورسالته أمس الأول إيجابية جداً وكلامه كان منطقياً للغاية وهذا الكلام مطلوب اليوم من المسؤولين كافة، وكان واضحاً بألا ثلث معطل وأنّه مع أي تسوية تنتج حكومة ونحن نلتقي معه في ذلك”.
وكشف عطالله بأن “رئيس الجمهورية قد يوجّه قريباً رسالة للشعب اللبناني بعد الرسالة التي وجّهها إلى مجلس النواب، ورئيس التيار الوطني الحر سيضع خلال كلمته في المجلس النيابي النقاط على الحروف وسيكون واضحاً مع الناس، لأن الناس لم تعد تحتمل تدوير زوايا”.
وفيما أفادت بعض المعلومات عن فقدان النصاب القانوني لجلسة اليوم في حال احتدام المناقشات وإذا لم تتوصل الاتصالات الى حل يرضي الاطراف، أكد عضو كتلة اللقاء الديمقراطي النائب الدكتور بلال عبدالله لـ”البناء” أن “أعضاء الكتلة سيحضرون الجلسة ولن ينسحبوا ولن يدعمو أياً من الطرفين”. وأضاف: “نسلم بأن رسالة رئيس الجمهورية تقع ضمن حقه وصلاحياته الدستورية لكنها بلا جدوى وبلا نتائج بل ستزيد الأمور تعقيداً وتترك توتراً طائفياً البلد بغنى عنه وقد ينعكس التوتر في الشارع”.
وشدّد عبدالله على أن “الطبقة السياسية في واد والمواطن في واد آخر، وهمه الوضع المعيشي والصحي ومستقبله في هذا البلد ولا يهمه الصراع على الصلاحيات الدستورية بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، فيما البلد يقترب من الدرك الاسفل من الانهيار وحينها لن يسلم أي من الأطراف من الفوضى والتفلّت الأمني الذي سيجتاح كافة المناطق”. وأضاف: “من هذا المنطق دعا رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط الرئيس المكلف وكذلك رئيس الجمهورية للتنازل وتأليف حكومة بأسرع وقت وفق صيغة الـ 24 وزيراً”. فكلام جنبلاط ليس موجهاً بشكل سلبي للحريري ولا الهدف تحميله المسؤولية بل لا بد من إيجاد الحل ولو كلف ذلك التنازل لمصلحة البلد”.
إلى ذلك تبلّغ الرئيس بري تأييدَ مصر لمبادرته لحل الازمة الحكومية وذلك خلال استقباله في عين التينة، سفيرَ مصر ياسر علوي الذي قال بعد اللقاء “كما تعرفون الرئيس بري هو العنوان الضروري والممر الالزامي للخروج من أي مأزق كبر أو صغر في لبنان، وهو الممر الأساسي للحلول ولديه القدرة على احتواء الازمات وايجاد المخارج منها، وصيانة الدستور الذي هو الشرط الضروري للخروج من هذه الأزمة”. ودعا الى “حل الازمة الحكومية وأن تتألف الحكومة في أقرب وقت ممكن، لكي يتسنى العمل الفوري للمهمة الإنقاذية بكل الدعم العربي وقد أكدت لدولة الرئيس على تجديد دعم مصر المستمر لجهوده لتأليف هذه الحكومة، وفقاً للاصول الدستورية وبما يحفظ الاستقرار لهذا البلد ويجنبه أي منزلقات غير دستورية أو أي مساس باستقراره”.
"النهار": "نقاش" الرسالة العونية ينذر باشتباك اليوم
أما صحيفة "النهار" فقالت إنه بدا واضحا ان ترحيل " النقاش" في الرسالة التي وجهها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى مجلس النواب بواسطة رئيس المجلس نبيه بري حول التأخير في تشكيل الحكومة وموقف عون منه من البارحة الى اليوم استبطن خشية لدى بري وكثيرين سواه في الكتل النيابية والقوى السياسية من انفجار الاحتقان المتراكم حول الازمة الحكومية.
واشارت إلى أنه مع ان حصر بري جلسة مجلس النواب الخاطفة التي عقدت امس في قصر الاونيسكو لدقائق بتلاوة رسالة عون وتحديد جلسة النقاش في الثانية بعد ظهر اليوم كان متوقعا على نطاق واسع فان ثمة من تحدث عن إدارة محركات عين التينة في اليومين السابقين في كل الاتجاهات ومع سائر الكتل النيابية ورؤسائها سعيا الى عدم تحول اجراء فرض على المجلس وكان بري حذر رئيس الجمهورية من مزالقه الى تفجير اشتباك سياسي ودستوري سرعان ما قد ينحو في اتجاه طائفي اذا لم يستبق بإقامة "موانع الصدمات" او اقله تخفيف الاحتقانات ومحاولة حصر النقاش الذي لا بد منه بعد تلاوة الرسالة في بعده السياسي الدستوري المباشر من غير توغل نحو معركة تصفية حسابات قد تشهدها الجلسة اليوم .
واضافت "النهار" تتمركز محاولات تبريد الأجواء، ولو ان أي ضمانات ليس ثابتة حيال نجاحها ، على الحؤول دون مبارزة سياسية قد تتخذ طابعا حادا بين رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري ورئيس "تكتل لبنان القوي" النائب جبران باسيل اللذين اعدا للمناسبة عدتها الكافية برفع سخونة النقاش والجلسة عموما اليوم الى درجات عالية.
ولفتت إلى أنه ثمة ما تحدث عن تكثيف بري وآخرين من الدائرة النيابية كما من خارجها مساعيهم بعد جلسة تلاوة رسالة عون امس من اجل تجنب الاشتباك السياسي الحاد في جلسة اليوم وان معالم نتائج هذه المساعي لم تكن سلبية ولكن مع ذلك فان ثمة اوساطا موصوفة غالبا بسعة الاطلاع لم تُبْد ارتياحا كافيا الى ما يسبق أجواء الجلسة اذ يبدو ان تحطم عامل الثقة تماما بين العهد والرئيس الحريري في الفترة الطويلة التي أعقبت آخر اجتماع فاشل عقد بينهما جعل من الاستحالة تقريبا تجنب صدام حاد بينهما .
واشارت إلى أن "ان المعطيات تشير الى تحفز الحريري الى الرد المفند التفصيلي على رسالة عون من خلال بسط كل الوقائع التي يستند اليها الحريري لإثبات الخط المنهجي للعهد وتياره السياسي في توسل كل الوسائل للحصول على الثلث المعطل في الحكومة وتحوير المفهوم الدستوري لصلاحيات الرئيس المكلف بما يتماهى تماما مع المضمون الانقلابي للرسالة الرئاسية التي تهدف على نحو واضح الى تجاوز سافر للدستور والنيل من صلاحيات المجلس تمام كما من رئيس الحكومة المكلف . وفي المقابل فان باسيل كما تقول المعطيات ، اعد هجوما حادا بالأصالة والنيابة عن رئاسة الجمهورية و"التيار الوطني الحر" على الحريري استكمالا للمضامين الاتهامية التي وردت في رسالة عون الى المجلس".
واضافت "غير ان النقطة البارزة الأخرى التي دارت حولها الاتصالات والمشاورات النيابية والسياسية تمثلت في ما يمكن ان تنهي اليه الجلسة بعد ظهر اليوم واي موقف يمكن ان يصدر باسم المجلس ردا على رسالة عون . وإذ تحدث نواب من كتل مختلفة عن موقف حازم للمجلس لا بد من صدوره في شان رفض أي إيحاء بإمكان تجاوز الأطر الدستورية الواضحة للتكليف والتأليف لم يستبعدوا ان يتضمن الموقف أيضا مطالبة صارمة بتحريك جمود المساعي لتشكيل الحكومة نظرا الى الاخطار المتعاظمة التي لم يعد ممكنا الاستسلام للازمة امام تصاعدها .وعلم ليلا ان بري سيصدر بيانا في خلاصة النقاش يضمنه موقفامتوازنا بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف ويشدد على المضي في المساعي التوفيقية لتشكيل الحكومة".
وفي هذا السياق اعلن معاون الرئيس بري، النائب علي حسن خليل ان "اتصالات التهدئة لم تفشل"، متوقّعا "صدور موقف من مجلس النواب غدا وليس قرارا او توصية". وقال عضو كتلة "المستقبل" النائب محمد الحجار "اليوم ستكون هناك كلمة للحريري، ورئيسُ مجلس النواب يلعب دور الاطفائي ودوراً مهماً في احتواء التشنّج والتعنت من قبل فريق رئيس الجمهورية. وما حصل اليوم هو في صلب النظام الداخلي للمجلس" .
التأييد المصري
وبحسب "النهار" فإن اللافت في الملف الحكومي ان الرئيس بري تبلغ مجددا تأييدَ مصر لمبادرته لحل الازمة الحكومية خلال استقباله في عين التينة، سفيرَ مصر ياسر علوي الذي اوضح "ان الرئيس بري هو العنوان الضروري والممر الالزامي للخروج من أي مأزق كبر أو صغر في لبنان، وهو الممر الاساسي للحلول ولديه القدرة على احتواء الازمات وايجاد المخارج منها، وصيانة الدستور الذي هو الشرط الضروري للخروج من هذه الازمة". وشدد على "اننا كلنا ثقة بأن لبنان سيخرج من هذه الازمة وستتألف الحكومة وفقا للاصول الدستورية، بطريقة تسمح ان يكون هناك طرف محاور للمجتمع العربي والدولي، كي يستأنف الدعم لهذا البلد للوصول الى المستقبل الذي يليق به والذي يستحقه ".
تسعير الدولار
من ناحية اخرى، قالت الصحيفة إنه في غضون ذلك وبينما تعدّ القطاعات العمالية والنقابية لتحركات تصعيدية احتجاجا على تردي الاوضاع الاقتصادية والمعيشية، اعلن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تسعير الدولار بـ١٢ألف ليرة عبر المنصّة الإلكترونية "صيرفة"، الامر الذي ترك ارتياحاً لدى الأوساط المالية والمصرفية والاقتصادية على امل ان يصب هذا الإعلان في ضبط السوق المتفلتة من أي ضوابط والتي تتحكّم بها مواقع إلكترونية محلية وخارجية بحسب مصادر مصرفية . وأوضحت المصادر أن إعلان سلامة تسعير صرف الدولار بـ١٢ألف ليرة هو بمثابة خطوة أولى لاستيعاب التغيّرات الطارئة لافتة إلى أن سعره لا بد أن يتراجع بعدما تم وضع الآلية اللازمة لهذه المنصّة شاركت فيها المصارف والصيارفة، حيث سجّلت تعاملات خفيفة في انتظار تلبية ما طلبه مصرف لبنان من المصارف والصيارفة الذين تقدموا بطلبات للحصول على العملات إن كانت بالليرة اللبنانية أو بالدولار الأميركي أو العملات الأجنبية الأخرى على أن تتم تسوية هذه الطلبات الخميس المقبل.
في المقابل أكدت المصادر استعداد المصارف الكبيرة للتعاون مع هذه المنصّة وإنجاحها لكنها أرادت الاستيضاح من مصرف لبنان عن بعض الأمور التي بقيت مبهمة إلى أن صدر البيان ليردّ على هذه الاستفسارات واعتبرت أن المصارف ومصرف لبنان هما في خندق واحد لمواجهة التحديات وبالتالي فإن نجاح المنصّة هو نجاح للمصارف أيضاً . ورجحت هذه المصادر معرفة المسار والاتجاه الذي ستسلكه هذه المنصّة الأسبوع المقبل، ومدى تجاوب المعنيين معها ولا سيما التجار والمستوردين.