معركة أولي البأس

لبنان

رفع الدعم عن استيراد السلع الرئيسية يشغل اللبنانيين..وزيارة لودريان إلى لبنان لم تحقق نتائج ملموسة
08/05/2021

رفع الدعم عن استيراد السلع الرئيسية يشغل اللبنانيين..وزيارة لودريان إلى لبنان لم تحقق نتائج ملموسة

انشغلت الصحف والأوساط اللبنانية السياسية والاقتصادية والشعبية بمسألة رفع الدعم عن استيراد السلع الرئيسية، والتباعات الكارثية لذلك على الشعب اللبناني الذي يعاني نتيجة الازمة الاقتصادية الحادة، فيما علقت الصحف اللبنانية الصادرة اليوم على زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان الى بيروت على مدى يومين دون أن تفضي إلى أية نتائج ملموسة.

"الأخبار": نعي البطاقة التمويليّة: سلامة يجعل رفع الدعم أمراً واقعاً

وفي هذا السياق، قالت صحيفة "الأخبار" إنه "رُفع الدعم عن استيراد السلع الرئيسية. عمليّاً، هذا هو الواقع الذي فرضه مصرف لبنان على المقيمين في لبنان «عا الناعم». وقد بدأت مؤشراته تظهر منذ يوم الخميس، مع تسويق شركات عدّة مُستفيدة من تسهيلات «المركزي» بأنّ الاستيراد المدعوم انتهى! حصل ذلك قبل أن تُقرّ الحكومة خطّة «ترشيد الدعم» والبطاقة التمويلية، ومن دون أي استراتيجية حماية اجتماعية تُشكّل سنداً للفئات الشعبية".

وأشارت الصحيفة إلى أن حاكم المصرف المركزي رياض سلامة لا يرى نفسه معنيّاً بإيجاد حلّ للانهيار الذي زجّ البلد به، نتيجة سياساته النقدية على مدى ثلاثين عاماً. الاقتصاد بالنسبة إليه ليس أكثر من معادلات حسابية، وأداة في خدمة «العربدات المالية» التي يقوم بها خدمةً لمصالحه ومصالح «فئة الـ 1%»، عوض أن يكون بخدمة المُجتمع وحاجاته. المُشتبه فيه بجُرم اختلاس وتبييض أموال، يُصرّ على التربّع في مركزه... مُعطّلاً لأيّ خطة ومُدافعاً عن أعضاء «حزب المصرف» ومُضحّياً بالسكّان. لكنّه ليس «المُجرم» الوحيد، بل ينضمّ إليه أعضاء الطبقة السياسية ــــ برُكنَيها مجلسَي النواب والوزراء ــــ الذين يتصرفون كـ«هواة» أمام واحدة من أكبر المصائب الاجتماعية في تاريخ البلد المُعاصر. آخر تجلّيات قلّة المسؤولية هذه كانت مع مسوّدة «ترشيد الدعم» وإقرار البطاقة التمويلية. المشروع «مش ماشي» وأمامه عراقيل عدّة، أبرزها اثنتان: غياب التوافق السياسي حوله، وعدم الاتفاق المُسبق مع مصرف لبنان على ضخّ البطاقات بالدولار الأميركي. وقد بُحثت المسألتان خلال اجتماعٍ للجنة الوزراء الاقتصادية الخميس، كان مُخصّصاً لاستكمال النقاش «بموضوع البطاقة التمويلية ودرس الخيارات المُتاحة لتأمين التغطية المالية لها».

ولفتت "الأخبار" إلى أن الأسبوع الماضي، وبعد اجتماع رئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب مع الرئيس ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه برّي، أعلن أنّ البطاقة التمويلية ستُدفع بالدولار الأميركي للمُستفيدين منها (137 دولاراً شهرياً لكل أسرة من أربعة أفراد). قيمة البطاقة مُتواضعة ولن تكفي لسدّ أدنى الاحتياجات، لأنّ رفع الدعم سيترافق حُكماً مع رفع التجّار لأسعارهم وبغياب أي رقابة من الجهات المعنية. قيل يومها إنّ التوافق السياسي مؤمّن أمام إقرار البطاقة، فاعتقد دياب بأنّه قطع نصف الطريق. ولكن، خلال اجتماع الخميس، طرأت تطورات جديدة. الاجتماع غاب عنه وزيرا المالية غازي وزني والصحة حمد حسن، وغادره وزير الصناعة عماد حب الله بعد وقت قصير من حضوره. البعض برّر الأمر بتنظيم إفطار في السفارة الإيرانية، أما غياب وزير الاقتصاد راوول نعمة فكان لارتباطه بلقاء في مرفأ بيروت مع وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لو دريان. غيابات وتبريرات تدلّ على عبثية في التعامل مع موضوع يمسّ الأمن الاجتماعي!

وقالت الصحيفة إنه خلال اجتماع السرايا، «فاجأ» المدير العام لرئاسة الجمهورية، أنطوان شقير، الحاضرين بالقول إنّ الرئيس عون يُفضّل أن تُعقد جلسة لمجلس الوزراء لبتّ خطّة ترشيد الدعم «لأنّه موضوع حسّاس. ولكن لأنّنا نعرف ظروفك (دياب) ورفضك عقد جلسات حكومية، تعتقد رئاسة الجمهورية أنّه يُمكن إصدار موافقة استثنائية على مشروع ترشيد الدعم شرط نيله موافقة من كلّ الكتل السياسية، وحتى لا يصطدم بأي عوائق».

وأوضحت أن النقطة الثانية التي أثارها شقير هي ضرورة رفع الدعم تدريجياً، وهو نفسه الموقف الذي عبّر عنه بيان كتلة الوفاء للمقاومة أوّل من أمس برفضها «رفع الدعم الكامل عن السلع والحاجات الأساسية والحيوية للمواطنين. الخيار البديل الواقعي هو العمل على خيار ترشيد الدعم ضمن برنامج مضمون التمويل». يقول أحد الوزراء المُشاركين في الاجتماع إنّ «دياب لن يوافق على رفع الدعم قبل إقرار البطاقة التمويلية، وفي الوقت نفسه مصرف لبنان هدّد بأنّه بعد شهر رمضان سيتغيّر الوضع، على أن يتوقّف عن دعم استيراد السلع في نهاية أيار كحدّ أقصى. نحن أمام خيارات أحلاها مُرّ، وكلّها لها انعكاسات سيئة على الناس». وفي هذا الإطار، أعلنت أمس نقابة مستوردي الأجهزة والمستلزمات الطبية تبلغها من المصارف «وقف قبول ملفات جديدة إلا بعد الحصول على موافقة مسبقة من مصرف لبنان بموجب آلية لم تتضح معالمها وآليتها بعد ضمان قبول الملف... عدم قبول الملفات سيضطر الشركات الى التصرف بالبضائع الواصلة حديثاً على أنّها غير مدعومة». وذكرت «الأخبار» أنّ شركات نفط أبلغت موظفيها قبل يومين التعامل مع كلّ الطلبات الجديدة بوصفها غير مدعومة. أما بعض التجار وأعضاء «الكارتلات» فقد راسلوا وزارة الاقتصاد لإلغاء طلبات استيراد مواد مدعومة.

وأضافت "الأخبار" أن النقطة الثالثة التي كانت محور بحثٍ في اجتماع السرايا الحكومية، هي مصدر تمويل البطاقة بالدولار. سألت وزيرة المُهجرين غادة شريم: لماذا لا يُستفاد من القروض غير المعمول بها بعد لتمويل البطاقة؟ فيما نقل أحد الوزراء أنّ دياب «لا يزال ينتظر جواب القطريين حول موافقتهم على تمويل البطاقة». ولكن مصرف لبنان، وهو «خزنة» الدولة الوحيدة بالعملات الأجنبية، عمد في الأشهر الماضية إلى «احتكار» مواردها بالدولار (تحديداً التي تصل من البعثات الأجنبية) ويُعطيها ما يُعادلها بالليرة اللبنانية وفق سعر 1507 ليرات/ الدولار، وكان يُفاوض ليقبض هو دولارات قرض البنك الدولي والمنظمات الدولية، على أن يُعيد توزيعها على المستفيدين منها بالليرة، لماذا لا يشارك؟ لأنّ «المركزي» قرّر أن يرمي باللبنانيين في المجهول، رافضاً ضخّ دولار واحد في البطاقات التمويلية، على قاعدة «ليست مسؤوليتي، فلتتدبر الحكومة أمورها». مصرف لبنان يبتزّ السلطة السياسية، يُريد أن يتم إصدار قانون يُشرّع له الصرف من حساب التوظيفات الإلزامية لديه، الذي يُسميه حساب الاحتياطي الإلزامي. هو اختراعٌ لسلامة، غير منصوص عليه في أيّ نص قانوني، استخدمه لنهب دولارات المودعين والمُساهمة في تكوين أرباح المصارف، قبل أن «يستفيق» على حقوق الناس. ومن هذا المنطلق أتى ردّ الحكومة له، الرافض لتشريع المسّ بالاحتياطي، لأنّه «لسنوات كان سلامة يمسّ بدولارات الاحتياطي ولم يسبق له أن طلب غطاء قانونياً»!
تقول مصادر متابعة لخطة «ترشيد الدعم» إنّه يُمكن «نعي البطاقة التمويلية وكلّ المشروع». وتبقى نتيجة كلّ هذا التخبّط واحدة: لبنان دخل نفق رفع دعم الاستيراد من دون حماية اجتماعية.

"البناء": لودريان ينعى المبادرة الفرنسيّة

من جهتها، صحيفة "البناء" قالت إن وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان اختتم زيارته الى لبنان، بعد لقاءات خلت من أي مسعى لتحريك المسار الحكومي واقتصرت على إبلاغ المسؤولين اللبنانيين تجميد أي مسعى حتى تتشكل حكومة جديدة، محملاً المسؤولين بلا استثناء تبعات الفشل، مؤكداً ما سبق وأعلنه عن عزم حكومته على اتخاذ إجراءات عقابية بحق المسؤولين عن التعطيل من دون أن تتضح طبيعة العقوبات وهوية المستهدفين، وفيما كشفت لقاءات لودريان في السفارة الفرنسية بعدد من أحزاب وشخصيات معارضة، وكلامه عن رهان على تغيير يأتي عبر هذه القوى، عبر الانتخابات المقبلة، تراجعاً في الدور الفرنسي كرّسه نعي المبادرة التي أطلقها الرئيس أمانويل ماكرون قبل شهور، حيث وضع نعي المبادرة الفرنسية المسار الحكومي بين خيارات صعبة في ظل أوضاع تزداد صعوبة. 

المصادر المواكبة للملف الحكومي تقول بحسب "البناء" إن المساعي الراهنة التي تشكل بكركي محورها لحل قضية تسمية الوزيرين المسيحيين في حكومة الـ 24 وزيراً، اللذين يفيضان عن العدد الذي تسمّيه المرجعيات النيابية الممثلة في الحكومة أو الذين يسمّيهم رئيس الجمهورية، هي مساعٍ جدية لحل وسط يقوم على تسمية مشتركة للوزيرين بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري، لكن الأمر بعد نعي المبادرة الفرنسية، وما لمسه الرئيس الحريري من سلبيّة تجاهه وفي التعامل معه، وما بات ثابتاً عن موقف سعودي سلبي تجاه تولي الرئيس الحريري رئاسة الحكومة المقبلة، هو في ترقب قرار الحريريّ نفسه بين خياري المضي بتحمل مسؤولية رئاسة الحكومة الجديدة أو السير بالاعتذار الذي سبق ولوّح به قبل وصول لودريان الى بيروت.

وحذّر السيد نصر الله العدو الاسرائيلي من أية خطوة خاطئة باتجاه لبنان وأية محاولة للمس بقواعد الاشتباك قد يفكر فيها. وأكد «أننا لن نتساهل مع أي تجاوز او خطأ او حركة عدوانيّة إسرائيلية على كامل الاراضي اللبنانية ويجب أن يفهم العدو هذه الرسالة الواضحة».

وعن ترسيم الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، قال السيد نصر الله «منذ العام 2000 انا قلت نحن كمقاومة لا ولن نتدخل بموضوع ترسيم الحدود، نحن تمسكنا بمزارع شبعا المحتلة لأن الدولة اللبنانية أعلنت انها لبنانية وتلال كفرشوبا وجزء من قرية الغجر»، وتابع «كذلك اليوم لم نتدخل ولن نتدخل في مسألة ترسيم الحدود البحرية، فليتحمل بقية اللبنانيين مسؤولية الحدود وترسيمها ونحن وجدنا منذ العام 2000 ان مصلحة لبنان والمقاومة أن نبقى بمنأى عن هذا الموضوع». وأكد ان «على الدولة ان لا تتنازل عن أي حق من الحقوق وعليها ان تعرف انها ليست ضعيفة ولا أحد يستطيع ان يفرض عليها أي شيء لا الاسرائيلي ولا الاميركي».

وفي سياق ذلك، أفادت معلومات "البناء" أن «وفداً أميركياً سيزور لبنان الأسبوع المقبل بعد أن غادره الوسيط الأميركي جون دوروشيه بعد تعثر جولة المفاوضات الاخيرة في الناقورة نتيجة الخلاف على الخطوط الحدودية التي يصر عليه كلا الطرفين». وأشارت الى ان «حركة اتصالات تجري بين المعنيين من اجل الاتفاق على إطار تسوية يعيد المفاوضات الى السكة».

واضافت انه في غضون ذلك، لم تفضِ زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان الى بيروت على مدى يومين إلى أية نتائج ملموسة وعملية على صعيد حل الأزمة الحكوميّة. وقد بدا أن الزيارة حمّلت إعلامياً أكثر مما تحتمل. ووصفت مصادر مطلعة على الزيارة بـ»الجولة السياحية» والتي لم تقدم ولم تؤخر بانتظار ما قد يعلنه لودريان خلال اليومين المقبلين خاصة أنه لم يعقد مؤتمراً صحافياً في بيروت ما يعد إشارة سلبية». ولفتت لـ»البناء» الى أن «زيارة لودريان لم توحِ بأنها كانت للمساعدة للخروج من الازمة الراهنة بشكلٍ واضح ولقاؤه مع فريق المجتمع المدني وما نقل عما دار فيه وكأنه الأساس ومحور زيارته ولم يأخذ موضوع المساعدة في حل أزمة الحكومة حيزاً مهماً في لقاءاته».

وبحسب ما علمت "البناء" فإن اللقاء بين الحريري ولودريان كان متشنجاً ولم يؤدِ الى تذليل العقد أمام تأليف الحكومة وقد بدا واضحاً أن العلاقة بين الحريري والفرنسيين ساءت الى حدٍ كبير لا سيما أن الوزير الفرنسي حمل علناً وفي الاجتماعات المغلقة المسؤولية لأكثر من طرف وجزء منه الحريري بعدم تشكيل حكومة حتى الآن. ووصفت أوساط مطلعة على لقاء الحريري – لودريان بلقاء «رفع العتب» بعدما سرت معلومات بأن لودريان استثنى الحريري من جدول لقاءاته ما أثار حفيظة وغضب الحريري وتظهر ذلك في الإعلام عبر سلسلة تصريحات ورسائل عتب من المحيطين بالحريري وأعضاء كتلة المستقبل النيابية.

وعكست أجواء عين التينة خيبة أمل إزاء نتائج الزيارة الفرنسية وعدم استغلال الاهتمام الخارجي بلبنان وتضييع فرص عديدة لإنقاذ لبنان. وأشارت لـ"البناء" الى أن «الوضع في البلد لم يعُد يحتمل الانتظار والمماطلة والمفترض الاستثمار الإيجابي على الأجواء المتطورة إيجابياً في المنطقة من خلال الاتصالات على كل المستويات».

وكان لودريان التقى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في بعبدا ورئيس المجلس النيابي نبيه بري في عين التينة والرئيس المكلف سعد الحريري في قصر الصنوبر في بيروت. وختم لقاءاته أمس، بلقاء مصغّر مع عدد من الإعلاميين في قصر الصنوبر قال فيه: «الملحّ أن يخرج لبنان من المأزق السياسي الحالي وهذه رسالتي الثالثة ولقد عبرت بصراحة عن هذا الأمر خلال لقاءاتي مع الرؤساء الذين قابلتهم من منطلق أنهم معنيون دستورياً بالاتفاق على حكومة، ولاحظت أن الفاعلين السياسيين لم يتحملوا لغاية الآن مسؤوليتهم ولم ينكبوا على العمل بجدية من أجل اعادة نهوض البلد. اذا لم يتحركوا منذ اليوم بمسؤولية فعليهم تحمل نتائج هذا الفشل ونتائج التنكر للتعهدات التي قطعوها. نحن نرفض ان نبقى مكتوفي الأيدي امام التعطيل الحاصل، بدأنا باتخاذ خطوات تمنع دخول المسؤولين السياسيين المعطلين والضالعين بالفساد الى الأراضي الفرنسية».

وفيما استثنى لودريان البطريرك الماروني مار بشارة الراعي من جولته، غرّدت البطريركية المارونية نقلاً عن البطريرك على تويتر قائلة: «لا بدّ من الإسراعِ في عقدِ هذا المؤتمر لأنَّ التأخّرَ بات يُشكِّل خطرًا على لبنان الذي بَنيناه معًا نموذجَ الدولةِ الحضاريّة في هذا الشرق، ويَستحقُّ الحياة».

وعبرت البطريركية على لسان الوزير السابق سجعان قزي عن امتعاضها وذهولها من استثنائها من الزيارة الفرنسية، وأشار قزي في مقابلة مع تلفزيون فرانس 24 الى أن «الصديق الأول لفرنسا في لبنان هو البطريرك الماروني ولا يمكن تصوّر زيارة مسؤول فرنسي كبير من دون زيارة الصرح لأن البطريرك ليس مرجعية روحية فحسب، إنما يقود عملية التغيير والإنقاذ في لبنان عبر مشروعي الحياد والمؤتمر الدولي والمطالبة بفك الحصار عن الشرعية اللبنانية ومكافحة الإرهاب وتطبيق المبادرة الفرنسية».

الى ذلك، لفتت "البناء" إلى ان الأوساط الحكومية والسياسية والشعبية انشغلت بموضوع رفع الدعم والبطاقة التمويلية وما لذلك من نتائج وتداعيات اقتصادية واجتماعية ومعيشية بدأت تظهر في ارتفاع سعر صرف الدولار الذي ارتفع أمس، مسجلاً ما بين 12650 و12700 ليرة مقابل الدولار الواحد. وارتفاع اسعار السلع في السوبرماركات وكذلك المحروقات في ظل أزمة كهرباء كبيرة تلوح في الأفق ستؤدي الى عتمة ستشمل مختلف المناطق اللبنانية بحسب ما علمت «البناء» بسبب تجميد المجلس الدستوري لسلفة شراء الفيول التي أقرّها مجلس النواب منذ فترة.

وقال مرجع وزاري بارز لـ"البناء" إن «الاجتماع الذي عقد في وزارة المالية الذي ضمّ وزيري المال والطاقة في حكومة تصريف الاعمال غازي وزني وريمون غجر منذ يومين بحث خيارات اخرى لتأمين الاموال المطلوبة لشراء الفيول كبديل عن سلفة الكهرباء المجمّدة في المجلس الدستوري، ريثما يتم حل الموضوع»، موضحاً أن «سلفة الكهرباء لم تلغَ بل تمّ تجميدها ريثما يحسم الامر في المجلس الدستوري». مشيراً الى أن «وزارة الطاقة طلبت من وزارة المال المساعدة في تمويل السلفة مؤقتاً، لكن الامر لم يحسم بعد». وحذر المرجع من أن «البلد مقبل على ازمة كهرباء كبيرة ستؤدي الى كارثة كبيرة وغرق لبنان بأكمله في العتمة ولوقت طويل».

ولم تنجح اللجنة الوزاريّة الاقتصاديّة في اجتماعها الأخير منذ يومين في السراي الحكومي برئاسة الرئيس حسان دياب، في الاتفاق على المشروع الحكومي لترشيد الدعم والبطاقة التمويلية. فدياب بحسب ما يقول مطلعون على موقفه لـ"البناء"، «لن يسير برفع الدعم من دون اعتماد البطاقة التمويلية. فالدولة ستدفع الفارق بين السعر المدعوم والسعر بعد رفع الدعم، من خلال عملية حسابية تشمل كل سلعة رُفِع الدعم عنها، وإلا سيكون الوضع كارثياً على المواطنين».

وشرحت مصادر مطلعة على الملف لـ"البناء" أنّ «رفع الدعم سيطال فقط المواد الاستهلاكية الغذائية وغير الغذائية والمحروقات، ولن يُرفع الدعم عن الكهرباء ولا عن الطحين، وبالتالي لن تزيد فاتورة الكهرباء، ولا سعر ربطة الخبز سوى بنسبة معينة نتيجة رفع الدعم عن المحروقات، كما لن يُرفع الدعم عن الأدوية إلا عن بعض الأدوية المستوردة التي يوجد لها بديل محلي». وأوضحت المصادر أنّ «تمويل البطاقة التمويليّة سيتم من عدة مصادر، من ضمنها الحكومة، عبر مصرف لبنان وقرض البنك الدولي البالغ 246 مليون دولار، وقرض من الاتحاد الأوروبي، ما يعني توفّر حوالي نصف مليار دولار حتى الآن. وستعمل الحكومة على تأمين المبلغ المتبقي من دول عدة مثل قطر والكويت». مشيرة إلى أن «دولاً عدة أبدت استعدادها للتمويل شرط أن تعد الحكومة خطة واضحة متفقاً عليها بين الحكومة والمجلس النيابي ومصرف لبنان»، مضيفة: «البطاقة التمويلية ستُمنح لأغلب الشعب اللبناني، أي أكثر من 80 في المئة من العائلات (750 ألف عائلة)».

وقالت "أما معايير اختيار العائلات المستهدفة والمبلغ المالي الذي سيُعطى لها، فسيتم بحسب المصادر، عبر «منصة» لاستقصاء وجمع المعلومات التي تتبع للمنصة المركزية المخصصة لتسجيل الأسماء مع كافة المعلومات والبيانات، على أن يُطلب من المواطنين اللبنانيين تسجيل أسمائهم على هذه المنصة للحصول على البطاقة التمويلية، وأن يقوم فريق اقتصادي اجتماعي بالتحقق من المعلومات عبر البيانات الرسميّة في وزارتي الداخلية والشؤون الاجتماعية، ومن خلال زيارات ميدانية للمنازل حيث تُدرس الحالات، ويتم في وقت لاحق تحديد اللائحة النهائية للعائلات المستفيدة.

وذكرت "البناء" أنّ «المشروع الحكوميّ يحظى بموافقة حوالي نصف وزراء اللجنة التي تضمّ مختلف القوى السياسيّة». وشدّدت على ضرورة الانتهاء من دراسة هذا المشروع وإرساله إلى المجلس النيابي قبل نهاية الشهر على أبعد تقدير. وكشفت أن الاثنين المقبل سيتم الإعلان عن منصة التسجيل، وستكون متاحة لكافة اللبنانيين لتسجيل أسمائهم للاستفادة من البطاقة التمويلية. لكن هل يحتاج المشروع إلى قرار من مجلس الوزراء؟

ولفتت المصادر إلى أنّ «المشروع الحكومي لا يحتاج إلى قرار مجلس الوزراء. بل سيُرسل كمرسوم يوقّعه رئيسا الحكومة والجمهورية ويُحال إلى المجلس النيابي، على أن تجري مناقشته في اللجان النيابية المشتركة ويُعرض على الهيئة العامة لإقراره». لكن المصادر أشارت إلى أن «هذا المشروع دونه عقبات عدة، من قبل بعض القوى السياسية في المجلس النيابي لحسابات خاصة، كما ستعقبه ارتدادات كبيرة في الشارع نتيجة عدم الإلمام بتفاصيل المشروع».

وكان الرئيس دياب أكد أنه لن يخالف الدستور بعقد جلسات لمجلس الوزراء، واشار الى ان البطاقة التمويلية ملحّة للتعويض عن التكاليف الإضافية التي سيتكبّدها المواطن. وكشف خلال دردشة مع وفد من نقابة محرري الصحافة الذي زاره في السراي الحكومي أن «الحكومة أرسلت أربعة سيناريوهات إلى اللجان النيابية المشتركة لكي تتم مناقشتها مع الوزراء والنواب ومصرف لبنان واختيار الحل الأنسب. لكن أمام المطالبة بسيناريو موحّد، أصبحت الحاجة إلى البطاقة التمويلية ملحّة للتعويض عن التكاليف الإضافية التي سيتكبّدها المواطن».

"النهار": لودريان يعدّل المبادرة ويطلق النفير الانتخابي

أما صحيفة "النهار" فقالت إن "ما فعله وما قاله وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان الخميس والجمعة في بيروت ينطبق عليه اكثر بكثير من "قال كلمته ومشى". الى حد بعيد شكلت الزيارة العاصفة، مع ان معظم محطاتها فرضت عليه قيود الابعاد عن الاعلام المباشر، معالم بارزة جدا في دلالاتها لجهة ما يمكن اعتباره تعديلاً في قواعد المبادرة الفرنسية ابنة الثمانية اشهر. لم يكن تطورا نافلاً او عادياً ان يمتنع لودريان بتعمد معاند ومقصود وهادف، عدم التطرق او الغوص او الحديث عن الازمة الحكومية الا من باب حصري واحد هو تقريع المسؤولين اللبنانيين، وتحميلهم تبعة عدم التزام تعهداتهم في اجتماع قصر الصنوبرمع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والذي ثبته لودريان مرجعية حصرية لتقويم معايير الحكم على القصور السياسي اللبناني".

واضافت الصحيفة أن لعل اللافت هنا ان لودريان لم يأبه للانتقادات الحليفة من أصدقاء فرنسا العريقين، وليس الطارئين، بأنه في تعميمه توجيه الاتهامات بالإخلال بالتزامات اجتماع قصر الصنوبر وأخذ الملتزمين بجريرة معطلي الحل الذي يتجسد في تشكيل الحكومة الجديدة الموعودة، بل مضى رئيس الديبلوماسية الفرنسية في "القصف الانتقادي " المعمم على جميع الطبقة السياسية دونما تمييز، الامر ألذي شكل احدى الثغرات الموضوعية في مواقفه. كما ان نقطة ثانية اثارت جانباً ساخناً ساخطاً بصمت لدى الحلفاء إياهم، وهي اختيار لائحة المدعوين ممن وصفوا بممثلي "القوى التغييرية " اذ كانت من بينهم أحزاب تقليدية الى جانب جماعات من انتفاضة 17 تشرين الأول والحراك المدني فيما استبعد لودريان أي لقاء او اتصال مع قوى تقليدية مماثلة، كما لم يكن مستساغا تجاهله زيارة بكركي خصوصا. ومع ذلك لم تقلل الثغرات أهمية "التبديل" الواضح في أولويات المبادرة الفرنسية التي قال لودريان انها باقية ومستمرة على الطاولة. هذا الامر ترجم أولا في رفع لودريان بقوة لائحة الإجراءات العقابية التي باشرت فرنسا وضعها موضع التنفيذ ضد شخصيات لبنانية تتهمها بإعاقة الحل وبالفساد كهدف اول لزيارته. اما الهدف الثاني البارز أيضا فكان في تعمد لودريان عقد أطول اجتماعاته خلال الزيارة مع ممثلي "القوى التغييرية"  والاستماع المطول الى رؤاهم واتجاهاتهم وحضهم بقوة لافتة على خوض الانتخابات النيابية المقبلة "في موعدها" بلوائح متضامنة ومتحالفة وموحدة مطلقاً نفير التغيير الانتخابي الديموقراطي في مواجهة الطبقة السياسية".
 
وتابعت الصحيفة إنه إذ تشير مجمل المعطيات السياسية موضوعيا الى ان ما بعد زيارة لودريان سيبقى كما قبله على مستوى الازمة الحكومية، فان ذلك لا يخفف وطأة الاندفاع الفرنسي لترسيخ الية عقوبات للمرة الأولى حول لبنان، وهي الالية التي ستبحث مجدداً على المستوى الأوروبي الأشمل في اجتماع جديد لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسيل الاثنين المقبل.
 
"الحاجة الى التجديد"

ولفتت "النهار" إلى أن "تشاؤم لودريان من امكان تحقيق اختراق في الازمة برز في كلامه في اللقاء الإعلامي المحدود الذي عقده صباح امس في قصر الصنوبر قبيل مغادرته، اذ اعتبر انه "بعد 8 أشهر من الجمود وانسداد الأفق، يبدو أن لبنان بحاجة الى تجديد حقيقي لممارساته السياسية والمؤسساتية، والمجتمع اللبناني بغناه وتنوعه حاضر لذلك، ويمكنه أن ينهل من التعدد الديموقراطي الذي يشكل قوة له". ورأى لودريان أنه "بعد 9 أشهر من التعطيل، ثمة حاجة الى تجديد الممارسة السياسية والدستورية"، محيّياً المجتمع المدني الذي استمع الى عدد من شخصيات مجموعاته خلال زيارته".
 
وأشار الى ان "فرنسا ترى أن استحقاق الانتخابات النيابية المقبلة، يجب أن يكون فرصة لنقاش ديموقراطي حول مستقبل لبنان"، وحذّر من ان "أي محاولة لتأجيل الاستحقاق الديموقراطي ستواجه باجراءت مناسبة من باريس والمجتمع الدولي".
 
وروى لودريان أنه أمضى يومين ونصف اليوم في لندن خلال مشاركته في مجموعة السبع، والتقى وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن ووزراء خارجية الدول السبع، و"أذكر أيضاً بأن فرنسا عضو في مجلس الأمن الدولي للأمم المتحدة الذي سأتولى رئاسته بعد أسابيع. من جهة أخرى، إنني ألتقي نظرائي في الاتحاد الأوروبي وأقول لهم جميعاً وأقولها أيضاً في بيروت، بأن احترام المواقيت الديموقراطية في لبنان أمر لا مفر منه، ومحاولات تأجيل الانتخابات أمر لن تقبل به المجموعة الدولية وحتماً فرنسا، وكل مرة تطرح فيها المسألة اللبنانية في الهيئات الدولية الثلاث التي ذكرت، تسأل فرنسا عن رأيها، وما قلته في هذا المجال نتشاطره جميعا". وتناول لقاءاته مع رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب والرئيس المكلف موضحاً ان رسالته  الحاسمة اليهم كانت بضرورة الخروج من دائرة التعطيل. واستنتج أن "اللاعبين السياسيين لم يتحملوا مسؤولياتهم ولم يعملوا بجدية، " أنا هنا من أجل تلافي هذا النوع من الانتحار الجماعي".
 
وقال: "إذا لم يتحركوا من اليوم للخروج من التعطيل، فعليهم تحمّل مسؤولية الأمر وتبعاته. ونحن لن نبقى مكتوفي اليدين، وستكون للأمر تبعات، وقد بدأنا اجراءات مشدّدة تجاه شخصيات مسؤولة عن التعطيل والفساد، وليس الأمر سوى البداية، وهناك أدوات ضغط مطروحة من ضمن الاتحاد الأوروبي وبدأنا التداول بأفكار متصلة مع شركائنا". 
 
انطلاق الية العقوبات 

وقالت "النهار" إنه اذا كان غضب لودريان لم يفاجئ أحدا، فان باريس حرصت على إضفاء الجدية التامة على مسألة العقوبات ضد شخصيات لبنانية من خلال بيان رسمي أصدرته وزارة الخارجية الفرنسية من باريس خلال وجود الوزير في بيروت. واعلنت الناطقة الرسمية باسم الخارجية الفرنسية انياس فان دير مول "تم  بالفعل اتخاذ إجراءات على الصعيد الوطني بهدف منع دخول الأراضي الفرنسية للشخصيات اللبنانية المتورطة في العرقلة السياسية والفساد.  نحتفظ بالحق في اتخاذ تدابير إضافية إذا استمر التعطيل. وقد بدأنا مناقشات مع شركائنا الأوروبيين حول التدابير المتاحة للاتحاد الأوروبي لزيادة الضغط من أجل الخروج من الأزمة.  فالوزير موجود حاليا في لبنان ليعبر كما قال عن رسالة حزم كبيرة للقادة السياسيين ورسالة تضامن كامل مع اللبنانيين". 

ولفتت إلى أن اللقاء الذي عقده  لودريان في قصر الصنوبر تحت عنوان "القوى السياسية التغييرية" فضمّ ممثلين لتجمعات من انتفاضة 17 تشرين وحزب الكتائب وحركة الاستقلال وشارك فيه رئيس حزب الكتائب سامي الجميل والنائب المستقيل ميشال معوض والنائب المستقيل نعمة افرام. وجاء اللقاء انطلاقاً من أنّ لو دريان "رفض الإجتماع مع الأحزاب التي لم تحترم التزاماتها منذ زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بيروت وإطلاقه المبادرة الفرنسيّة لتأليف الحكومة". 
 وابلغ لودريان المجتمعين ان فرنسا على استعداد لمساعدة الشعب وتوفير الدعم له وكل ما هو بحاجة اليه عبر المنظمات غير الحكومية، فيما دعا المعارضة الى توحيد صفوفها مع الحراك وعودة التحرك لتحقيق المطالب. واذا لم تشكل الحكومة خلال ايام فان فرنسا ستبدأ مطلع الاسبوع المقبل بسلسلة تدابير واجراءات عقابية بصورة تصاعدية في حق عدد من المسؤولين والسياسيين اللبنانيين.
كما نقل مشاركون في اللقاء عنه تشديده على "أولويّة عدم المسّ بتوقيت الإنتخابات النيابيّة المقبلة، وتحذيره من مغبّة تطييرها، وأنّه سأل الحاضرين عن المسار الذي سيتّخذونه بغية إحداث التغيير المطلوب لتغيير السلطة الحاليّة".

إقرأ المزيد في: لبنان

خبر عاجل