لبنان
اجتماع حول القرار السعودي اليوم في بعبدا.. ورفع الدعم يسوق اللبنانيين إلى المقصلة
اهتمت الصحف الصادرة اليوم في بيروت بعدد من الملفات كان أبرزها الحصار الاقتصادي السعودي الذي تمثل بعدم استيراد المنتجات الزراعية من لبنان، وما سيتمخض عن اجتماع بعبدا اليوم بهذا الخصوص.
فيما اهتمت بعض الصحف بأمور رفع الدعم وما سيترتب عليها من ارتفاع في الأسعار لا سيما المحروقات، وسط حديث عن البطاقة التمويلية التي سيستفيد منها 750 ألف عائلة لبنانية.
كما تناولت الصحف التطورات الأخيرة في فلسطين المحتلة لا سيما التي شهدتها القدس، إضافة لمواقف التضامن التي صدرت.
"الأخبار": بطاقة رفع الدعم: اللبنانيون إلى المقصلة
دخلت مسألة رفع الدعم عن السلع الأساسية من محروقات ودواء وغذاء مرحلة العدّ العكسي بانتظار إنهاء حكومة تصريف الأعمال مشروع قانون البطاقة التمويلية الذي ستتم إحالته إلى مجلس النواب الأسبوع الجاري. وتعمل اللجنة المكلّفة رفع الدعم على وضع اللمسات الأخيرة على المشروع الذي ستستفيد منه 750 ألف عائلة بمبلغ مليون و330 ألف ليرة شهرياً. لكن السيناريو المتوقّع لما بعد تحرير الأسعار، يبشّر بغلاء فاحش سيتسبّب بتهاوي قيمة البطاقة وخفض قدرتها الشرائية. من جهة أخرى، قرّرت الحكومة الإبقاء على دعم جزئي للمواد بكلفة تصل إلى مليارين ونصف مليار دولار، ما يعني أن نظرية عدم المسّ بالتوظيفات الإلزامية في مصرف لبنان أو بشكل أوضح ما تبقى من الودائع، لم تكن سوى «كذبة» أخرى استخدمها حاكم المصرف في إطار معاركه الشخصية والسياسية والقضائية.
زيارة رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب الدوحة بغرض تأمين التمويل لبطاقات الدعم النقدي للأسر لم تلاقِ حتى الساعة، سوى الوعود. فقطر، على ما تقول المصادر، بشّرت دياب بالخير لكنها لن توفّر مساعدة لحكومة مستقيلة تدرك مسبقاً أنه يمكن أن ترحل في أي وقت. يضاف إلى ذلك الحصار السعودي المستجدّ على لبنان، ومدى قدرة الدوحة التي تعمل على رأب علاقتها مع الرياض، على التغريد خارج السرب الخليجي تحت عنوان «الأمن القومي». لذلك لم يبقَ أمام دياب إلا طرق باب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مجدداً. الأخير كان قد أبلغ الحكومة عدم قدرته على الاستمرار بتأمين الدعم نتيجة نفاد الاحتياطي، وعدم رغبته بتحمّل مسؤولية استبدال دعم السلع الأساسية (الدواء، الخبز، المحروقات، الغذاء) ببطاقات مالية يموّلها من الاحتياطي نفسه، رافضاً «هدر» ودائع الناس التي ينفذ عليها «هيركات» بما يتعدى الـ85% فيما الجزء الباقي تبخّر. من هذا المنطلق، يبدو الحلّ الأنسب للحكومة والأكثر قبولاً لدى الحاكم هو بتمويل البطاقة عبر طبع المزيد من الليرة أي ما يعادل 9 آلاف مليار ليرة سنوياً. أما السيناريو الذي ستسير خطة الدعم وفقه، فسبق للجنة الحكومية المكلّفة رفع الدعم أن أعدّته، لكنها أعادت سحبه منذ أيام لإضافة بعض التعديلات عليه قبل إرساله هذا الأسبوع كمشروع قانون إلى مجلس النواب. كان دياب رافضاً لهذه المسألة بحجة عدم جوازها في ظل تصريف الأعمال، لكن مع الضغط المتزايد عليه ونتيجة إبلاغ سلامة لكلّ المسؤولين نيته وقف الدعم، اتفق دياب مع رئيس الجمهورية ميشال عون على إرسال مشروع القانون بموجب موافقة استثنائية كما حصل مع قرض البنك الدولي. وتشير مصادر مطلعة إلى أن ذلك يجري بالتنسيق مع رئيس مجلس النواب نبيه بري.
ثمة سؤال رئيسي هنا: ما الذي دفع دياب إلى السير بمشروع قانون بطاقات التمويل، فيما كان يعارض اتّخاذ قرار مصيريّ مماثل في الأشهر السابقة رغم ضغط بري عليه؟ وكيف سيعمد إلى إرسال المشروع من دون عقد اجتماع وزاري لاستطلاع آراء كل الوزراء وحاجات وزاراتهم؟ على أن هناك من يتوقع أن يؤدي إقرار القانون، إن حصل، إلى تسهيل تأليف حكومة جديدة طالما أن المهمة الصعبة التي يتجنّب رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري القيام بها قد أخذها دياب على عاتق حكومته.
وفق المشاورات الحكومية الأخيرة، علمت «الأخبار» أنه تم التوافق على أن تكون قيمة البطاقة التمويلية مليوناً و330 ألف ليرة لبنانية شهرياً لكل عائلة، على أن تتم تغطية نحو 750 ألف عائلة موزّعة كالتالي:
- 215 ألف عائلة مشمولة ببرنامج شبكة الأمان المموّل من قرض البنك الدولي بقيمة 264 مليون دولار. بمعنى أن هذه الأسر التي سيوزّع عليها ما يقرب من 900 ألف ليرة شهرياً، ستتقاضى باقي المبلغ من الدولة اللبنانية أي ما يعادل نحو 430 ألف ليرة لبنانية ليتساوى دعمها مع باقي الأسر.
- 60 ألف عائلة من ضمن العائلات المصنّفة ضمن خانة «الأكثر فقراً» لدى وزارة الشؤون الاجتماعية.
- 475 ألف أسرة من ضمنها 300 ألف أسرة تستفيد اليوم من مبلغ 400 ألف ليرة شهرياً يوزعها الجيش. ما سيحصل هنا هو الاستغناء عن الـ400 ألف مقابل استفادتها من مليون و330 ألف ليرة.
حصلت نقاشات عديدة في الاجتماعات حول آلية تعبئة الاستمارات، وعمّا إذا كان المصنّفون في خانة المستفيدين من البطاقة سيعمدون جميعاً إلى تقديم طلبات للحصول عليها. أحد الاقتراحات تمحور حول إجراء إحصاء لغير المستحقّ، طالما أن مجموع العائلات اللبنانية يبلغ نحو مليون و150 ألف عائلة. لكن لغاية الآن لم يتم حسم المسألة، وثمة من يتحدث عن تخبّط في الأرقام. أما الدفع، فسيكون عن طريق «الكاش» عبر المصارف.
يتوقع المشاركون في إعداد البطاقة أن يبلغ «الوفر» المحقّق أكثر من مليارين ونصف المليار دولار. فقيمة الدعم التي يدفعها المصرف المركزي سنوياً من الاحتياطي تبلغ نحو 5 مليارات دولار ستنخفض تلقائياً إلى مليارين ونصف مليار دولار مع «ترشيد الدعم» على البنزين والمازوت والغاز والأدوية والسلة الغذائية. وتقول المعلومات التي حصلت عليها «الأخبار» إنه سيجري تخفيض دعم المحروقات والأدوية والسلة مقابل زيادة الدعم على القمح للإبقاء على سعر ربطة الخبز كما هو. أما بالنسبة إلى صفيحة البنزين، فإن قيمتها الفعلية اليوم من دون دعم، 140 ألف ليرة لبنانية، لكنها متوفرة في السوق بقيمة 40 ألفاً بسبب دعمها. بعد إقرار البطاقات التمويلية، يتوقع المعنيّون أن يصل ثمنها إلى 125 ألف ليرة في السوق، بعد الإبقاء على دعم يناهز 15% فقط. ما يعني أيضاً أن فاتورة المولّدات سترتفع مع «ترشيد الدعم» على المازوت، ويُقاس على النحو ذاته ارتفاع الأسعار الجنوني الذي سينتج عن تحرير الأسعار، خصوصاً أن المافيا الاحتكارية ستكون جاهزة لاغتنام هذه المناسبة. الأمر الذي يطرح علامات استفهام حول ما إذا كانت الحكومة قد أجرت دراسة مفصّلة عن سيناريو ما بعد رفع الدعم وعمّا إذا كان مبلغ المليون و330 ألف ليرة كافياً لسدّ حاجات الناس في ظلّ ما سيحصل من تضخم نتيجة طبع الأوراق النقدية ومن جنون في أسعار المواد كافة. يُضاف إلى ما سبق ان سعر الدولار مرشّح للارتفاع بعد رفع الدعم، لأن التجار سيلجأون إلى شراء المزيد من الدولارات من السوق، ما يعني ارتفاعاً إضافياً للأسعار.
يؤكد مدير مؤسسة البحوث والاستشارات الخبير الاقتصادي كمال حمدان في حديثه إلى «الأخبار» أن «قيمة البطاقة التمويلية المقترحة لا تشكل أكثر من 15% من قيمة الخسارة التي تعرّضت لها القوة الشرائية للأجر الوسطي منذ تشرين الأول 2019. وقيمة هذه البطاقة على ضآلتها مقارنة بحجم الخسارة الفعلية، هي بذاتها معرّضة للانخفاض إذا ما أدى نمط تمويل البطاقة - المستند أساساً إلى طبع النقود - إلى فلتان أسعار الدولار وبالتالي مؤشر أسعار الاستهلاك».
يحصل ذلك كله من دون إيضاح الحكومة كيفية توفير مليارين ونصف مليار دولار للإبقاء على دعم جزئي للسلع الأساسية في ظل إعلان حاكم مصرف لبنان قرب نفاد الاحتياطي ونيته وقف الدعم مع رفضه المسّ بالاحتياطي الإلزامي من العملات الأجنبية البالغة قيمتها 15 مليار دولار. وبالتالي، من أين سيجري تمويل هذا الإنفاق الذي يقرب من مليارين ونصف مليار دولار سنوياً؟ فإن كان الجواب المفترَض أنه سيتم توفيره من الاحتياطي الإلزامي في مصرف لبنان، وهو ما تشير إليه مصادر حكومية، فهذا يعني أن تهديد الحاكم بوقف الدعم يخضع لاعتبارات شخصية وسياسية وقضائية ولم يكن يتعلق يوماً بالحفاظ على الودائع التي أخضعها لهيركات لامس 85% من قيمتها الحقيقية.
"البناء": القدس تضبط إيقاع المنطقة على توقيتها المستمرّ حتى العيد
صحيفة "البناء" رأت أن المناخ المتصاعد في المنطقة في عطلة مفاوضات فيينا، ليس منفصلاً عنها، كما يقول مرجع دبلوماسي عربي مخضرم، فالوقت الفاصل بين جولة تفاوض وأخرى هو كما بين جولات الحروب، وقت للتزوّد بالذخائر وإعادة تنظيم القوات. وفي التفاوض هو إعادة ترتيب للأوراق بين المفاوضين من جهة، وداخل كل محور يقف على ضفة من ضفاف التفاوض من جهة أخرى. ويقول المرجع الدبلوماسي إن ما يرد من معلومات عن الوضع على جبهة مأرب وتقدّم نوعيّ حققه أنصار الله سينعكس حكماً على مواقف الجبهة التي تقودها واشنطن والتي تصطف الرياض ضمنها، بموقف أكثر تشدداً من الموقف الأميركي، ما يفسّر محاولة السعودية تصعيد الضغط على جبهة موازية هي جبهة لبنان، عبر مفاجأة منع دخول وعبور الصادرات الزراعية اللبنانية، والضغط على الدول الخليجيّة التي لا تصدر عنها عادة مواقف بهذه الدرجة من السلبيّة تجاه لبنان إلا إذا كان الضغط السعودي شديد الإلحاح، وهو ما لا يتناسب مع طبيعة الموضوع وفرص حلحلته بطرق معلومة لو كان مجرد قضيّة تقنية، ولا يمكن تخيل هذه السرعة والشدة في نصوص المواقف الخليجيّة تجاه لبنان إلا كرسالة سعوديّة تستدرج تفاوضاً غير مباشر مع حزب الله، كمعنيّ مباشر بمصالح المزارعين الذين يشكلون قوة تأثير في بيئته، فيما الحملة الإعلامية المرافقة للقرار السعوديّ تصوّره مسؤولاً عن التهريب، والمعادلة كما يقرأها المرجع الدبلوماسي، مترابطة بمأرب، وما يطلب من حزب الله من ضغط على حلفائه لتخفيف الضغط العسكري كي يتوقف المزيد من الضغط الاقتصادي على لبنان. وعلى جبهة أخرى يقول المرجع، يحضر التباين الذي يعبر عنه قادة كيان الاحتلال عن المقاربة الأميركية للمفاوضات، في الحركة العسكرية والأمنية التي يحاول الكيان فرضها على جبهات المواجهة في المنطقة، فالتفاوت بين أولويتي منع حصول إيران على سلاح نووي من زاوية النظر الأميركية، ووقف البرنامج الصاروخي الإيراني ووقف نمو حركات المقاومة، بالنسبة لثنائي الكيان والسعودية يفسر التصعيد الأمني في الهجمات التي تستهدف سورية وآخرها ناقلة النفط الإيرانية في بانياس، من جهة، والردود التي شكلها نموذجها صاروخ ديمونا، وما يمكن أن يليه، من جهة مقابلة. ويخلص المرجع الدبلوماسي للقول، إن الجولة المقبلة من المفاوضات ستكون حاسمة لجهة تظهير موازين القوى بين واشنطن وحلفائها، وبين إيران وخصومها، وهو ما يرجّح أن تربح إيران هذه الجولة لحساب معادلة العودة الأميركية عن العقوبات لإعادة العمل بالاتفاق النووي كما تم توقيعه عام 2015.
اللاعب الجديد الذي دخل على الخط هو المشهد الذي ترسمه مواجهات القدس، التي يقول متابعون داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، إنها مرشحة للتصاعد وصولاً ليوم القدس العالمي الذي سيحل في السابع من أيار المقبل، وصولاً إلى عيد الفطر وصلاة العيد في المسجد الأقصى، وما سيرافق المناسبتين والإعداد لهما، من تصعيد في المواجهات في الضفة واحتمالات تصاعد الموقف العسكري بين غزة وجيش الاحتلال، والتوقيت الفلسطيني للأحداث قد يفرض نفسه على المنطقة، اذا تصاعدت الأمور نحو مواجهات شاملة تداخلت فيها المواجهة العسكرية مع انتفاضة فلسطينية ثالثة، يتحدّث عنها قادة كيان الاحتلال كمصدر قلق بالتوازي مع حديثهم عن حرب جديدة على غزة؛ وتعقيباً على مشهد القدس قال رئيس مجلس النواب نبيه بري، إن ما يجري في القدس دعوة لتمييز الصديق من العدو وصرخة لوقف العبث السياسي.
لبنانياً، توزّع المشهد خلال يومي السبت والأحد، بين ثلاث صور، الأولى هي الهجوم الكنسي على القاضية غادة عون يستبق ما يفترض أنه بحوزتها من معلومات مثيرة حول التحويلات، ينتظر الرأي العام الكشف عنها بعد تسريبات تراجع وهجها خلال اليومين الأخيرين، والثانية هي الكلام الذي قاله رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل عن المسار الحكوميّ وصولاً للحديث عن استعصاء لا يحله الا حل البرلمان لجهة سحب التكليف من الرئيس سعد الحريري، عبر الذهاب إلى انتخابات نيابيّة مبكرة، أما الصورة الثالثة فهي مشهد الجراد الزاحف على لبنان، ليزيد خسائر المزارعين خسائر جديدة، وقد تمدّد مشهد الجراد من الحدود الشمالية الى الحدود الجنوبيّة فظهرت أعداد منه في منطقة الوزاني.
وجّه رئيس مجلس النواب نبيه بري رسالة إلى الشعب الفلسطيني الذي يقود انتفاضة مدوّية في القدس والمسجد الأقصى، جاء فيها: «الانتفاضة الرمضانية للشعب الفلسطيني في باحات المسجد الأقصى وفي أحياء مدينة القدس وعلى تخوم أبواب المدينة المقدّسة الإحدى عشرة لا سيما «أبواب العامود» «الأسباط» و»المغاربة» بقدر ما يمثل وعياً فلسطينياً لدى أبناء القدس شيباً وشباباً أطفالاً ونساءً حول هويّة مدينتهم ومستقبلها كعاصمة أبديّة لدولة فلسطين، وحول ثقافتها وتراثها العربي الإنساني الذي يأبى التهويد، هي أيضاً تمثل دعوة مقدسية لنا في لبنان وعلى مساحة الأمة وشعوبها لإيقاظ الوعي حول أهمية تصليب الوحدة الوطنية والإقلاع عن العبث السياسي والتضحية بالأوطان والثوابت الوطنية والقومية مقابل المصالح الشخصية والفئوية الضيقة، هي أيضاً صرخة فلسطينية «بلغة الضاد» لإيقاظ الوعي في الأمة وتصويب بوصلتها نحو معرفة مَن هو العدو ومَن هو الصديق».
من جهته، أكد عميد الإعلام في الحزب السوري القومي الاجتماعي معن حمية، أن جذوة المقاومة ستظل متقدة وأن الصراع ضد عدونا الوجوديّ لن يتوقف حتى تحرير كل أرضنا القوميّة السليبة، وأننا على نهج المقاومة لَمستمرون.
"الجمهورية": لا مبادرات والتأليف دون الصفر
وتصدّر عنوان المخدرات المهرّبة الى المملكة العربية السعودية كل العناوين الأخرى، نظراً لانعكاسه على العلاقة بين بيروت والرياض، والتي تراجعت أخيراً بسبب المآخذ السعودية على السياسة اللبنانية. وجاء هذا الملف ليزيد من هذه المآخذ، فضلاً عن ارتداده على المزارعين اللبنانيين الذين فقدوا أحد الشرايين الأساسية لتصريف إنتاجهم، بسبب إهمال الدولة اللبنانية لحدودها ومعابرها، فيما يراكم لبنان خسائره مع دولة شقيقة كانت السند الدائم له في كل الظروف والأوقات، الأمر الذي يستدعي استنفاراً للدولة لكشف ملابسات هذه الجريمة، وتقديم الإيضاحات المطلوبة للمملكة، في سبيل طي هذه الصفحة التي لا تشرِّف لبنان، وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل هذه الفضيحة، حرصاً على العلاقة التاريخية التي تربط بيروت بالرياض، كذلك حرصاً على مصلحة المزارعين، في وقت لبنان أحوج ما يكون فيه إلى مساعدة، وتحديداً من السعودية التي لم تبخل يوماً في مساعدته.
وفي موازاة هذا الملف الذي ستتمّ متابعته اليوم في الاجتماع الذي دعا إليه رئيس الجمهورية ميشال عون في قصر بعبدا، في حضور رئيس مجلس الوزراء الدكتور حسان دياب، ووزراء الدفاع الوطني، والزراعة، والداخلية والبلديات، والخارجية والمغتربين، والمال، والاقتصاد والتجارة، إضافة إلى قادة الأجهزة الأمنية والجمارك، وعدد من المعنيين في القطاع الزراعي من مزارعين ومصدّرين، وبالتالي في موازاة هذا الملف، وفي انتظار ما سيصدر عنه، بقي الاشتباك السياسي سيِّد الموقف، مع إطلالة رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، الذي شنّ هجمات بالجملة واستدرج ردوداً عليه بالجملة، الأمر الذي يرفع من منسوب التشنُّج ويبقي أبواب تأليف الحكومة مغلقة وبإحكام.
ومع غياب المبادرات وتعليق كل الوساطات، تراجع الشأن الحكومي إلى ما دون الصفر، وتقدّم الهمّ المالي والمعيشي والاجتماعي في ظلّ الخشية الواسعة من رفع الدعم وانعكاسه على الاستقرار، لأنّ خطوة من هذا النوع أصبحت حتمية مع الاقتراب من سقف الاحتياطي الإلزامي، ويستحيل الخروج من هذه الدوامة سوى بخطوة سياسية من قبيل تأليف حكومة وفق المعايير والشروط الدولية، بغية ان تكون قادرة على قيادة مفاوضات مع المجتمع الدولي تحقيقاً للإصلاحات المطلوبة وفتحاً لباب المساعدات، التي وحدها قادرة على وقف الانهيار ووضع لبنان على سكة التعافي مجدداً.
ولكن، يبدو انّ الهمّ الحكومي غائب عن بال المسؤولين الذين يتلهّون بفتح الملفات الواحد تلو الآخر، والاشتباك بعد الآخر، وما يكاد يتراجع ملفّ حتى يتقدّم آخر، فيما الملف الأساسي الذي يفترض ان يتقدّم كل الملفات، لأنّه يشكّل مفتاح الحلول المطلوب، ما زال ممنوعاً من الصرف والترجمة لاعتبارات فئوية وخلافات شخصية، اين منها مصلحة المواطن اللبناني الذي يريد حكومة بأي ثمن، تضمن له استعادة أمواله وتُبعد عنه شبح الفقر والعوز والجوع.
الحريري في ابو ظبي
وفي الوقت الذي غاب النشاط على جبهة الاستحقاق الحكومي عن قصر بعبدا و»بيت الوسط»، أمضى الرئيس المكلّف سعد الحريري ساعات قليلة في بيروت، كانت فاصلة للعودة الى الامارات العربية المتحدة. فبعد عودته من الفاتيكان مساء الخميس الماضي، غادر عصر اليوم التالي الى ابو ظبي، التي تحولت محطة بين كل زيارة خارجية وأخرى يقوم بها.
مواجهة التهريب
وفي ضوء دخول القرار السعودي بمنع دخول الفواكه والخضار اللبنانية الى المملكة او العبور من خلالها، حيز التنفيذ امس، والاجتماع المقرّر في القصر الجمهوري اليوم للبحث في هذا التطور، قالت مراجع معنية بالتحضيرات الجارية لهذا الاجتماع لـ «الجمهورية»، انّ «هناك سلسلة من الإجراءات سيشدّد عليها المجتمعون، وهي تقضي برفع مستوى الجهوزية على المعابر البرية والبحرية والجوية، لضمان وقف التهريب، والتشدّد في عمليات المراقبة والاستعلام عن الشبكات المحترفة القائمة بالتعاون في ما بين لبنان وسوريا وبلدان مختلفة، ومنها بالطبع الدول التي تستورد الإنتاج اللبناني وتلك التي تستخدم الموانئ اللبنانية لتصدير إنتاجها وبضائعها، بعد انقطاع الخطوط البرية بين مجموعة الدول.
ولا تتجاهل المقترحات المطروحة زيادة التعاون مع دول الخليج العربي، فإذا وجدت شبكات لبنانية للتهريب وتتعاون مع أخرى في العراق وسوريا، فهي تتعاون مع شبكات أخرى في دول الخليج العربي لتسويق المخدرات والممنوعات، وهي عملية متكاملة لا تكتمل سوى بمزيد من التعاون وتبادل المعلومات المسبقة في هذا الشأن، لمحاصرة هذه الشبكات العابرة للقارات والدول. فالمعلومات الواردة من السعودية تؤكّد انّ اكتشاف العملية كان نتيجة معلومات استخبارية مصدرها اجهزة اميركية، حسب تأكيد اكثر من مصدر أمني وإعلامي في المملكة.
"اللواء": إجراءات لبنانية بحق المتورطين بالتهريب
وعلمت «اللواء» أن اجتماع بعبدا سيناقش في المعلومات المتوافرة حول ما جرى ومصدر البضاعة ومعلوم أنها اتت من سوريا وكيفية وصولها إلى البقاع ومن ثم وضعها في شاحنات مبردة قامت بجلبها إلى مرفأ بيروت ووضعها في حاويات مبردة فضلا عن معرفة التاجر اللبناني المسؤول لاسيما أنه من سوريا لا يمكن تصدير البضائع إلى المملكة العربية السعودية، وبالتالي فإنها صدرت وكأنها بضاعة لبنانية. كذلك فهم أن الاجتماع سيبحث في السبب في عدم التنبه لما جرى وسيصار إلى الاستماع إلى تقارير الأجهزة الأمنية واتخاذ إجراءات كما سيبحث الاجتماع في كيفية التواصل مع المسؤولين السعوديين للتفاهم معهم على المخارج. وبأختصار سيصار إلى عرض الوقائع والإجراءات الواجب اتخاذها لاسيما أن أي إجراء خليجي مماثل للإجراء الذي اتخذته المملكة ينعكس سلبا بشكل كبير على المزارعين والمصدرين. ومن المقرر أن يحضر الاجتماع وفد منهم للاطلاع على وجهة نظرهم.
وفيما تجري اتصالات بعيدة عن الأضواء، في ظل المناشدات الروحية والسياسية للمملكة للأخذ في نظر الاعتبار أوضاع لبنان، لمعالجة هادئة للموقف، بما يخدم استمرار العلاقات المميزة بين لبنان والمملكة، على أن تتشدَّد السلطات الجمركية والأمنية باتخاذ ما يلزم من إجراءات لمنع تكرار عمليات التهريب.
وانتقد رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع اداء العهد من بوابة الخطوة السعودية الجديدة قائلا في بيان «إنجاز جديد اليوم للعهد القوي وحلفائه، إذ تمكنوا من حرمان المزارعين اللبنانيين من سوق أساسي وحيوي لمنتجاتهم، وذلك بسبب تغطية أفرقاء من المجموعة الحاكمة لتجارة الممنوعات، كما بسبب تقاعس الإدارات والأجهزة اللبنانية المعنية بهذا الأمر للأسباب المعروفة. أصبح أكيدا وواضحا ان كل يوم تستمر فيه هذه المجموعة الحاكمة وهذا العهد القوي سيحمل معه مصيبة جديدة تقع على رؤوس اللبنانيين.
وفي سياق متصل، وفيما السلطة تشتكي وتدعو الى كشف الفاعلين والمهرّبين، غرد وزيرُ الصناعة عماد حب الله عبر «تويتر» كاتبا «يجب الكشف عن المتورطين بتصدير المخدرات في شحنات الفاكهة (وغيرها) والاعلان عن اسمائهم وملاحقتهم باسرع وقت ممكن... القصة ما بدها أشهر»، كانت نتائج التخاذل الرسمي والتقصير في مراقبة الحدود وما يمرّ عبرها- لاعتبارات استراتيجية اقليمية على الارجح– تظهر في اليونان اليوم. فساعات بعيد الموقف السعودي، أعلنت اليونان ليل أمس الجمعة عن ضبط 4 أطنان من مخدر الحشيش مخبأة بشحنة آلات لصنع الحلوى متجهة من لبنان لسلوفاكيا. وذكرت اليونان أنّ ضبط شحنة المخدرات القادمة من لبنان لسلوفاكيا تمّ بعد معلومات من الجانب الأميركي، كما تلقّت مساعدة من السعودية. وتقدّر القيمة السوقية لشحنة المخدرات المضبوطة بـ 33 مليون يورو. وفي التفاصيل، قالت السلطات اليونانية إنها ضبطت أكثر من أربعة أطنان من الحشيش مخبأة في شحنة من آلات صنع «الكب كيك» الصناعية متجهة من لبنان إلى سلوفاكيا.
فقدان الثقة
وبرز، مع هذه التطورات، تقدير لدى القوى المعنية، يعتبر ان فقدان الثقة بين الرئيسين عون والحريري، وشعور كل طرف ان الآخر يريد كسره واحراجه واضعافه، من العوامل التي تؤخّر تشكيل الحكومة.
وحسب أوساط بعبدا، فإنه على الرئيس المكلف ان يقدم تشكيلة جديدة لأنه لم يعطِ بعد موافقته على صيغة الـ24 وزيراً.
بالمقابل، وصفت مصادر سياسية المواقف التي أعلنها النائب جبران باسيل بأنها مؤشر لاستمرار مسلسل العراقيل والتعطيل المتعمد لتشكيل الحكومة الجديدة ولا تحمل بطياتها اي اشارة او تحول باتجاه الافراج عن عملية التشكيل المحتجزة منذ اشهر في ادراج رئاسة الجمهورية بعد ان سلم الرئيس المكلف سعد الحريري التشكيلة الوزارية الى رئيس الجمهورية ولم يلق ردا عليها حتى اليوم بالرفض او الاستجابة استنادا للدستور، بل كان يواجه بطروحات وتوجهات تتجاوز الدستور باستمرار ولا تؤشر الى نوايا حسنة وتحسس بوجوب تقديم المصلحة العامة على المصالح الشخصية والخاصة. واشارت المصادر إلى ان تصعيد باسيل على هذا النحو المسيء يتعارض مع ما وعد به رئيس الجمهورية ميشال عون منذ مدة بالتواصل مع الرئيس المكلف توصلا لتشكيل الحكومة العتيدة. وفي حين نفت المصادر حدوث اي اتصالات مهمة، بشكل مباشر او غير مباشر بالايام الماضية لاعادة تحريك عجلة تأليف الحكومة من جديد، اعتبرت ان الزيارة المرتقبة لجبران باسيل إلى موسكو بعد ايام معدودة لا يمكن أن يعول عليها لانعدام الثقة بباسيل أساسا وتقلب مواقفه وعدم التزامه بوعوده، ولان موقف روسيا من الازمة بلبنان اعلنت عنه أكثر من مرة وهي تؤيد تشكيل حكومة جديدة من اخصائيين وغير الحزبيبن برئاسة سعد الحريري لا ثلث معطلا فيها لاي طرف، وهو موقف ثابت وينطلق من مصلحة استراتيجية، باعتبار ان حل الأزمة المتعددة الاوجه في لبنان يمنع الانحدار نحو الأسوأ وينعكس ايجابا ليس على لبنان وحده بل على سوريا والعديد من الدول العربية أيضا.