لبنان
التَشكيل مُعطّل.. وعودةٌ لـ"الكابيتال كونترول" قبل رفع الدعم
لا يزال ملف تشكيل الحكومة معطلاً مع تجمد الاتصالات بين الأطراف السياسية، وتعثر المفاوضات بين المعنيين، حيث تقول بعض الصحف أن الأمور وصلت الى طريق مسدود في ظل تعنت المعنيين على خط التأليف، وفي ظل الكيديّات السياسية.
الأزمة الحكومية ولّدت تحذيرات من أخذ البلد نحو الفوضى، وسط حديث عن تداعيات رفع الدعم عن السلع الغذائية في غضون أسابيع، وما سيخلفه من زيادة في الطلب على الدولار.
وفي ضوء ذلك، عاد قانون "الكابيتال كونترول" إلى الواجهة من جديد بعد أكثر من عام على طرحه، حيث يراه البعض بديلاً عن توقف الدعم، فيما يبقى السؤال حول أهمية القانون لإيقاف التحويلات الاستنسابية المستمرة.
"كابيتال كونترول"... بعد فوات الأوان؟
بداية مع صحيفة الأخبار التي سلطت الضوء على عودة قانون الكابيتال كونترول إلى الواجهة مجدداً بعد أكثر من عام على طرحه للمرة الأولى، عام كان كفيلاً بتهريب مليارات الدولارات. حيث بين الخفّة والتآمر خسر الاقتصاد اللبناني نحو 7 مليار دولار، هو المبلغ التقديري الذي اختفى من حسابات مصرف لبنان (من خارج الأموال التي دفعها مقابل دعم السلع الأساسية). وهذا مبلغ يضاف إلى نحو 6 مليارات دولار هرّبها نافذون إلى الخارج ما بعد 17 تشرين الأول. باختصار، عدم إقرار قانون تقييد السحوبات النقدية والتحويلات إلى الخارج كان قراراً شرّع الاستنسابية، فاستفاد منها المحظيّون والسياسيون لتهريب أموالهم، فيما حرمت المصارف المودعين الصغار من هذه «النعمة».
وبحسب الأخبار كثر يعتبرون أن لا قيمة لإقرار القانون اليوم، بعد أن تبخّرت الأموال التي كان يُفترض بالقانون أن يحافظ عليها، حماية للاقتصاد والنقد، إلا إذا ترافق مع بدء تنفيذ برنامج صندوق النقد. في الأساس، «الكابيتال كونترول» هو شرط حتمي للصندوق، في حال الاتفاق معه، يضمن من خلاله عدم تهريب القروض والمساعدات والاستفادة منها في عملية التصحيح. لكن في المقابل، ثمة من يؤكد أن القانون لا بد منه حالياً لأن عمليات التحويل لا تزال تحصل بحسب ما تظهره الأرقام، أضف أن القانون يُحضّر بما يتناسب مع مطالب صندوق، وبالتالي هو سيكون جزءاً من عملية التأسيس لفترة الاتفاق مع الصندوق.
وذكرت الصحيفة أن مسألة الكابيتال كونترول كانت قد طُرحت بعد إغلاق المصارف عقب انتفاضة 17 تشرين 2019 لمدة أسبوعين. حينها كانت التوقعات أن الذعر الذي خلّفه هذا الإغلاق سيؤدي حكماً إلى تهافت المودعين على سحب أموالهم أو تحويلها إلى الخارج. لكن شيئاً من ذلك لم يحصل، وسط رفض مطلق من قِبل السلطة، وفي مقدّمها الرئيس نبيه بري، على اعتبار أن الدستور يضمن الحريات الاقتصادية، ومنها حرية نقل الأموال.
وطُوي الملف في ذلك الحين، ليعود ويُفتح مجدداً في شباط 2020، من خلال الزيارة المشتركة التي قام بها وزير المالية غازي وزني ورئيس لجنة المال النيابية ابراهيم كنعان لرئيس المجلس النيابي. في نهاية الاجتماع، وافق بري على أن يرفع وزني مشروعاً إلى الحكومة، متعهداً السير به، بعد أن جرى النقاش في الخطوط العريضة له. وبالفعل، عمد وزني وفريق وزارة المالية إلى التواصل مع صندوق النقد الدولي، عارضاً عليه نصاً وُصف بأنه غير جدي، ما أدى لاحقاً إلى توقّف التنسيق مع الصندوق، الذي اعتبر ممثلوه أنه لا جدوى من استمرار التواصل بشأن الكابيتال كونترول إذا لم تقدم وزارة المالية نصاً جدياً يمكن البناء عليه.
ثم في آذار 2020، انتقل المشروع ليبحث في إطار لجنة وزارية عمدت على مدى جلسات عديدة إلى وضع ملاحظاتها وتعديلاتها على المشروع. جمعية المصارف كان لها اليد الطولى في التعديلات أيضاً، من خلال حضور مباشر لممثليها في اجتماعات السراي الحكومية. رئيس الجمعية كان من الذين دافعوا عن الصيغة الأولى للمشروع، والتي تعطي صلاحيات استثنائية لحاكم مصرف لبنان وجمعية المصارف والمصارف، خاصة لجهة تحديد سقف السحوبات المسموحة للمودعين بالعملات الأجنبية. لكن هذه النقطة تحديداً عُدّلت عبر اقتراح من الرئيس حسان دياب حصر فيه صلاحية تحديد سقف السحوبات بالعملات الأجنبية بمجلس الوزراء.
النسخة الأخيرة من المشروع (16 آذار 2020) ووجهت باقتراح أغلب الوزراء تعديلات جوهرية عليها. نهاية المشروع، كانت بسحبه من قِبل وزير المالية «بطلب من بري»، على ما يقول وزير الاقتصاد راوول نعمة، وعلى ما تؤكد مصادر مطلعة اعتبرت أن السبب يعود إلى التغيير الجوهري الذي طرأ على المشروع الأساسي الذي سبق أن وافق عليه بري.
وعندما أُغلقت الطريق الحكومية، أُقفل الملف لنحو شهر، قبل أن يعود إلى الواجهة من بوابة شهر العسل الذي جمع حينها بري وجبران باسيل، والذي كان من بين تجلياته الاتفاق على تقديم اقتراح مشترك لتقييد حركة رؤوس الأموال («كابيتال كونترول»). وبالفعل، قدّم النواب ألان عون وسيمون أبي رميا وياسين جابر، في 20 أيار 2020، اقتراحاً ينطلق من النص الذي نوقش مع بري في الاجتماع الذي جمعه بكنعان ووزني في شباط. في جلسة 28 أيار 2020، وخلافاً للتوقعات، أعلن بري تحويل الاقتراح إلى لجنة المال، بعد ورود ملاحظات من قبل صندوق النقد الدولي ومصرف لبنان. ليكون بذلك قد سقط القانون للمرة الثالثة، بعد تشرين الثاني 2019، وبعد آذار 2020 (في مجلس الوزراء).
وفي هذا السياق، يؤكد مصدر عمل على إعداد المسودة الأولى له أنه بعد أن هرّب الكل أموالهم لم يعد لديهم مشكلة في إقرار القانون. فيما مصدر اخر يعتبر أن هؤلاء صاروا متحمّسين لإقرار الكابيتال كونترول، لأنهم يدركون أن دعم المواد الأساسية يكاد ينتهي. ولمّا كانوا أنفسهم إما يستفيدون من الدعم بشكل مباشر أو غير مباشر، من خلال ملكيتهم أو شراكتهم أو حمايتهم لشركات النفط ومحتكري استيراد الأدوية والمواد الغذائية، فإنهم سيعمدون إلى إقرار قانون كابيتال كونترول باستثناءات تخدم مصالحهم بشكل خاص، وتضمن استمرارهم في تحويل الأموال إلى الخارج.
سيناريوهات حلوة ومرّة
صحيفة الديار بدورها، أكدت أن الوضع الاقتصادي والمالي والنقدي خرج عن سيطرة السلطات الرسمية، وأصبح الوضع رهينة عامل الوقت فقط لا غير، مع معرفة مُسبقة وحتمية للمستقبل القاسي الذي ينتظر اللبنانيين! هذا الواقع يُسمّى بالحدث الأكيد (Probability =1) في علم الإحصاء، وبالتالي ما يبقى في إطار التكهنات هو مدى الضررّ الذي سينتجّ منه!
وتُشير معلومات الديار إلى أن تأمين مصرف لبنان للدولارات بهدف شراء السلع الغذائية والمواد الأولية أو ما يُعرف بالدعم سيتوقفّ في غضون عدّة أسابيع مع نهاية شهر رمضان الفضيل. وبالتالي، وبعد هذا التاريخ، سيشهد السوق زيادة في الطلب على الدولار نتيجة توقف المصرف المركزي عن إعطاء ما يُقارب الـ 7.5 مليار دولار أميركي من أصل 10 مليارات دولار أميركي قيمة الاستيراد في العام الماضي! ما يعني ارتفاعًا مُطردًا للدولار لبلد إقتصاده استيرادي استهلاكي (85% من الاستهلاك الغذائي مُستورد). ولن يوقفه إلا تدفق النقد الأجنبي من الخارج بحيث يسد الفجوة بين الطلب والعرض لتستقر الأمور عند ما يعرف بالـ Equilibrium. هذا الأمر لا لُبْسَ فيه ولا حَل إلا به اقتصادياً، وكل ما خلا ذلك من مواقف رنانة لم يعد مُجديًا في المدى القريب.
وطرحت الصحيفة 4 سيناريوهات:
السيناريو الأول وينصّ على استمرار مصرف لبنان في تأمين الدولارات للسوق، وهو ما يرفضه المصرف المركزي نظرًا إلى أن الأموال المُتبقية في الإحتياطي هي أموال مودعين (إسمية)، وبالتالي يمنع القانون المصرف المركزي من المسّ
بهذه الودائع تحت طائلة الملاحقة القانونية، وهو ما هدّد به نقيب المُحامين في حال تمّ استخدام هذه الأموال؛
السيناريو الثاني وينصّ على وقف المصرف المركزي تأمين الدعم آخر شهر أيار القادم، وهو ما يعني أن سعر صرف الدولار في السوق السوداء سيتعرّض لصدمة كبيرة قد ترفع من سعره بشكل ملحوظ، سترتفع معها الأسعار بشكل كبير وتكون النتيجة خضّة اجتماعية كبيرة وفوضى عارمة على مساحة الوطن للحصول على المواد الغذائية والأولية؛
السيناريو الثالث وينصّ على أن يقوم المركزي بتحرير موجّه للدولار الأميركي على المنصّة الجديدة من خلال تأمين دولارات بحيث يكون السعر على المنصّة أقل من سعر السوق السوداء، مع ارتفاع تدريجي لحين الوصول إلى سعر التوازن الذي ستكون قيمته مُرتبطة بشكل أساسي بعملية التهريب إلى الخارج. فكلما زاد التهريب ارتفع السعر وكلما تمّ ضبط التهريب والتشدّد في ملاحقة المخالفات، إنخفض سعر صرف الدولار على المنصّة؛
السيناريو الرابع وينصّ على تشكيل حكومة والاتفاق مع صندوق النقد الدولي على برنامج إصلاحي، وهو ما يلاقي السيناريو الثالث مع انخفاض ملحوظ في سعر الصرف على المنصة الجديدة. هذا السيناريو يُشكّل الحلّ الأمثلّ للبنان، خصوصًا أن الإصلاحات ستكون عاملاً أساسياً في ضبط الوضع.
فتيل التأليف ينطفئ
صحيفة اللواء، وصفت سراج تأليف الحكومة بأنه ماضٍ إلى الانطفاء، وكأن لا أزمات، ولا من يحزنون. ولفتت أوساط مراقبة إلى أنه لم يتم تناقل أي فكرة حكومية جديدة والاتصالات التي سجلت في الأيام الماضية تركزت على العقد التي لا تزال عالقة ولم تثمر عن أي تطور إيجابي واعتبرت أن ما حصل مؤخرا على صعيد الملاحقات والقضاء صرف النظر عن هذا الملف لكن لن يكون لوقت طويل.
وقالت مصادر مطلعة لـ«اللواء» أنه يصعب ضرب موعد يتصل بعودة أي اتصالات مفيدة حول الملف الحكومي والمقصود بذلك أي اتصالات داخلية لأن التعنت لا يزال سيد الموقف . وهنا أعربت عن اعتقادها أن أفكار رئيس مجلس النواب لا تزال حية ولكنها تصطدم ببعض المفاهيم والتمسك بعدد من المبادىء.
ورأت المصادر إن زيارة الرئيس المكلف إلى الفاتيكان لن تدخل في صلب التأليف بقدر ما ستكون مناسبة لمناقشة الوضع في لبنان والأزمة الحاصلة لكن ملف تشكيل الحكومة لن يغيب عن التداول.
وفيما استمر الجمود بالوضع الحكومي، وسط اصرار طرفي التشكيل على موقفهما ومطالبهما، استغربت مصادر بعبدا ادارة الرئيس الحريري ظهره للرئيس عون والتنقل من بلد لبلد، بينما التشكيل مكانه الطبيعي في لبنان. وتساءلت المصادر «عن القطبة المخفية الحقيقية العميقة التي تمنع الحريري من معاودة المحاولات، إلّا اذا اراد فقط إطلاق يده في التشكيل، وهذه مخالفة للدستور ولمعايير التشكيل ولن تحصل. او ان هناك اسباباً اخرى اعمق تمنعه من تشكيل الحكومة، ربما يكون منها عدم رغبته في تجرّع كأس رفع الدعم عن المواد الغذائية والاساسية، ما لم تكن هناك اسباب خارجية تمنعه من التشكيل». وفقا لهذه المصادر.
بالتوازي، كشف مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الروسية النائب السابق امل ابو زيد، عن زيارة لرئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل إلى موسكو نهاية الشهر الحالي أو بداية الشهر المقبل، تتخلّلها لقاءات مع المسؤولين الروس لسماع وجهة نظره من الوضع الحكومي والمستجدات.
واشارت مصادر ديبلوماسية الى ان القيادة الروسية ستواصل اتصالاتها مع الاطراف السياسيين اللبنانيين للتشاور والبحث معهم سبل الخروج من ازمة تشكيل الحكومة بعدما استقبلت الاسبوع الماضي رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري واطلعت منه على كل مسببات تعطيل تشكيل الحكومة الجديدة. وكشفت المصادر النقاب عن زيارة يقوم بها باسيل الى موسكو في التاسع والعشرين من الشهر الجاري لهذه الغاية. الا ان المصادر استدركت بالقول ان موقف الحكومة الروسية من ازمة تشكيل الحكومة مبدئي، ولم يتغير وقد تم إبلاغه الى جميع الاطراف اللبنانيين، ممن زاروا العاصمة الروسية مؤخرا وغيرهم، ومفاده بدعم الرئيس المكلف سعد الحريري تشكيل حكومة اخصائيين من غير الحزبيين، لا يكون فيها لاي طرف الثلث المعطل. واكدت المصادر نفسها ان موقف موسكو هذا قد تم إبلاغه لباسيل خلال زيارة قام بها السفير الروسي في لبنان إلى النائب باسيل في منزله منذ اسابيع عديدة، وكذلك عبر النائب السابق أبوزيد.
من الإنهيار الإقتصادي إلى الإنفجار القضائي
أم ا صحيفة البناء فتطرقت إلى تزايد التصعيد السياسي بين فريقي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري، وامتد الحريق اللبناني من مظاهر وعناوين الانهيار الاقتصادي، إلى مشهد الانفجار القضائي الذي أظهر المؤسسات في حال فوضى شاملة، دستورياً وقانونياً وحروب صلاحيات، سواء في الملفات المالية او الحكومية او القضائية، في ظل عجز تام عن تشكيل حكومة تمثل وحدها الطريق لإعادة تفعيل المؤسسات ووضع حد لهذه الفوضى، بحيث بات الانتحار السياسي الوصف الأقرب للحال اللبنانية.
وأملت مصادر متابعة للملف القضائي أن يتمكن مجلس القضاء الأعلى من وضع يده على الانفجار القضائي الذي تحوّل فوضى قانونيّة، وطرح على المحك الثقة بالقضاء كمرجعيّة، وقالت المصادر إن القضاء معنيّ في الوقت نفسه باستعادة صورته كمؤسسة قادرة على معاجلة مشكلاتها بعيداً عن الإعلام، من جهة، ومن جهة مقابلة استعادة ثقة الناس بجديته في ملاحقة قضايا الفساد واستعادة حقوق الناس وودائعها الضائعة وأموالها التي تمّ تحويلها الى الخارج.
واشارت مصادر مطلعة إلى ان الجهود وصلت الى طريق مسدود في ظل تعنت المعنيين على خط التأليف لا سيما أن الرفض العونيّ مستمر حيال تسمية الرئيس الحريري الوزراء المسيحيين. ورأت المصادر ان الأمور بدأت تفلت فلا بوادر انفراج محلي في ظل الكيديّات السياسية في حين أن الانهيار يواصل مساره من دون حسيب أو رقيب. واعتبرت المصادر أن لا نية عند المعنيين بتفعيل حكومة تصريف الأعمال ولا بتسهيل تشكيل الحكومة وكأن هناك قراراً مدروساً بأخذ البلد نحو الفوضى.