لبنان
معالجة الملف المالي يفجّر خلافات بين أهل السلطة
ركّزت الصحف اللبنانية الصادرة صبيحة اليوم على عدد من الاحداث التي حصلت أمس وكشفت عن وجود فجوات عميقة بين اهل السلطة على كثير من الملفّات وفي مقدمها الملفان المالي والمصرفي وخطة الحكومة الاصلاحية الاقتصادية والمالية، بالإضافة الى وجود خلاف حول المساعدات المقررة للعائلات المحتاجة.
البناء: بري ينعى الهيركات ويدعو لبدائل عن الودائع لسدّ فجوة الـ 59 ملياراً
بداية مع صحيفة البناء التي اشارت الى أن يوم أمس لم يكن من الأيام الجيدة لحكومة الرئيس حسان دياب، التي دفعت ثمن ما قاله الخبراء الذين أسندت إليهم مهمة وضع الخطة المالية، وتردد في جلسات تقنية متخصصة، خصوصاً على ألسنة مستشاري شركة لازارد، عن تضمين الخطة المالية بصورة غير خطية لمشروع الاقتطاع من الودائع المسمّى هيركات، ولم تبرئ الحكومة منها تأكيدات رئيس الحكومة في أكثر من مجلس خاص رسمي وشبه رسمي عدم تبني الحكومة أي إقتطاع من الودائع. وكما حدث في قضية عودة المغتربين وقبلها في مشروع الكابيتال كونترول، فهم كلام رئيس الحكومة كتراجع أمام حالة الرفض التي لاقت الطروحات.
واضافت الصحيفة أن الحكومة تلقت نتائج سلبية على مسار تطبيق خطة توزيع المساعدات المالية التي أصيبت، باللوائح المليئة بالأخطاء، ما فرض تأجيل التنفيذ حتى يدقق الجيش باللوائح ويقوم بتنقيحها، وهو ما كان ممكناً أن يتم منذ بدء التحضير لقرار الحكومة قبل أكثر من أسبوعين، ومثلها في ما يخص خطة عودة اللبنانيين من الخارج التي ستكون حلقتها الثانية في 27 الحالي، أي بعد انتهاء الفترة الحالية للتعبئة العامة، وكان ممكناً الإعلان عن ربط العودة بالفحص المسبق للخلو من الفيروس ( PCR ) وقد بات الفحص متاحاً في الأسواق وتستطيع الجاليات التعاون لتأمينه في البلدان التي لم تتوافر فيها بصورة كافية، وعندها يمكن ببساطة فتح المطار لمدة أسبوعين، لعودة من يرغب وعن طريق شركة الطيران التي يريد، طالما أن كل عائد سيكون حاصلاً على شهادة خلوّه من الفيروس كي يصعد متن الطائرة المتجهة إلى بيروت، وتسبب التردّد وما نتج عنه من تريث حكومي في الملفين بتعرض الحكومة لسيل من الانتقادات من خصوم الحكومة، وعدد من حلفائها.
واعتبرت الصحيفة أن الملف المالي والاقتصادي الذي ينتظر من الحكومة أن تبلور تصورها المتكامل حوله، كان موضوع كلام رئيس المجلس النيابي نبيه بري في افتتاح اجتماع هيئة مكتب المجلس، ناعياً مشروع الاقتطاع من الودائع اسوة بمشروع الكابيتال كونترول، مشيراً إلى أن المجلس النيابي وظيفته رقابية وليست الحكم، داعياً الحكومة لتقديم بدائل لسد الفجوة المالية المقرة بـ 59 مليار دولار، غير الودائع التي تعتبر حقوقاً مقدسة ممنوع المساس بها، داعياً لتطبيق القوانين في مكافحة الفساد واستعادة المال المنهوب، وسد منافذ الهدر، مؤكداً علاقته الجيدة بكل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة.
ورأت الصحيفة أنه بانتظار إطلالة رئيس الحكومة حسان دياب في الايام المقبلة بعدما كانت مقررة اليوم وذلك للحديث عن كل الملفات الساخنة المتصلة بالتعيينات المالية والتشكيلات القضائية في ظل استمرار منطق المحاصصة، فضلاً عن مسودة الخطة الاقتصادية التي تلاقي معارضة من الفريق الذي سمّى الرئيس دياب ومن المعارضة لا سيما من الرئيس سعد الحريري فضلاً عن ملف خطر وباء كورونا.
وبرزت جملة مواقف لافتة لرئيس مجلس النواب نبيه بري؛ وقال “اقرأوا الفاتحة على الهيركات وترحّموا عليه كما ترحمتم على الكابيتول كونترول”، مشيراً الى أن “الإنقاذ صعب جداً جداً، ولكنه غير مستحيل، ويجب أن نعالج الأسباب وليس فقط النتائج”. واذ لفت الى ان الفجوة المالية هي حوالى 59 مليار دولار ولا يجب أن تتم تغطيتها من اموال المودعين، دعا بري الى ضخ السيولة بعد دمج مصارف وتنقية القطاع المصرفي.
أما على مستوى الخطة الاقتصادية وما يتصل بالـ haircut أشار مصدر وزاري إلى أن ما قامت به شركة لازارد لا يتعلق بالـ haircut انما طرحت أفكاراً تتصل بالتواصل مع المجتمع الدولي من اجل العمل على تحقيق الإصلاحات المطلوبة من الحكومة على أكثر من صعيد وملف. وجزمت المصادر لـ”البناء” أن التحديات التي تواجه الحكومة تتمثل بأموال المودعين والاستعانة بصندوق النقد الدولي، فالانقسام سيد داخل الحكومة وبين القوى السياسية التي أنتجت الحكومة، ولذلك من المرجّح ان تؤدي هذه الملفات الى نشوب خلافات إذا لم يحصل أي تفاهم حولها، لا سيما ان الكلام عن إعادة هيكلة الدين العام ومالية مصرف لبنان ليس خطوة إيجابية، لا سيما ان ما يجري سوف يمسّ أموال المودعين فالخطة تفتقد الى التمييز بين المودعين الكبار واصحاب الودائع المتوسطة، ولفتت المصادر الى اعتراض كبير من بعض الوزراء على هذه الخطة. حسب الصحيفة.
الجمهورية: "الهيركات" تفجّر خلافات بين أهل السلــطة… ومصرف لبنان يشنّ هجوماً مضاداً
أما صحيفة الجمهورية فكتبت في افتتاحيتها أنه على رغم الهم الطاغي نتيجة جائحة كورونا التي ما تزال تقضّ مضاجع اللبنانيين، فإنّ احداث امس كشفت عن وجود فجوات عميقة بين اهل السلطة على مستويات عدة تتخفّى وراء الخلاف الناشب على كثير من الملفات وفي مقدمها الملفين المالي والمصرفي وخطة الحكومة الاصلاحية الاقتصادية والمالية، والمساعدات المقررة للعائلات المحتاجة، والتي على هزالها قد لا تصل الى أصحابها قبل زوال الوباء الكوروني.
وفيما نعى رئيس مجلس النواب نبيه بري الهيركات داعياً الى قراءة الفاتحة عليها بعد دفن “الكابيتال كونترول”، شنّ رئيس الحكومة حسان دياب هجوماً دفاعياً مستغرباً “الحملة السياسية التي تعرضت لها الحكومة تحت عنوان رفض “الهيركات”، في الوقت الذي شنّ مصرف لبنان هجوماً مضاداً على جزء من الخطة الانقاذية التي وضعت الحكومة مسودتها الاولى.
وعلمت الجمهورية أنّ البحث انطلق عن بدائل للهيركات وانّ هناك مسعى جدياً لتشكيل نوع من تحالف عابر للكتل السياسية للتصدي لأي احتمال للاقتطاع من اموال المودعين وفي المقابل طرح بدائل للهيركات على المجلس النيابي.
وقال مشارك بارز في هذه المبادرة لـ”الجمهورية”: “انّ البدائل موجودة، وانّ اي خطة ستطرح يجب ان ترتكز على إحصاء جدي ورسمي لموجودات الدولة ومصرف لبنان والمصارف قبل الشروع في اي اجراء تنفيذي”. وأضاف: “انّ الاكتفاء برفض الهيركات يبقى ناقصاً ما لم يطرح شيء بديل، وان على الدولة ان تتحمل المسؤولية الاكبر، وان تتشارك مع مصرف لبنان والمصارف والمالية العامة لإنتاج الحلول وليس مصادرة اموال الناس لأنها ترتكب بذلك مخالفة دستورية اولاً، وتقضي على اي إمكانية لاستعادة الثقة بلبنان وبالنظام المالي والمصرفي، اضافة الى انها تدمّر ما بقي من اقتصاد، وبذلك يصبح خيار الهيركات المرفوض خياراً انتحارياً”.
وعلمت “الجمهورية” انّ رئيس الحكومة حسان دياب سيوجّه كلمة الى اللبنانيين غداً يتحدث فيها عن ازمة كورونا وخطة الاصلاح المالي.
وقد استغرب دياب، خلال جلسة مجلس الوزراء برئاسته أمس “الحملة السياسية التي تتعرّض لها الحكومة تحت عنوان رفض “الهيركات”، مؤكّداً أنه سيتناول “هذا الموضوع بشكل مفصّل في وقت قريب، ولن ندخل في سجال لأننا سنردّ بطريقة علميّة من دون استنفار العصبيّات”.
وقال: “يكفي اللبنانيين أزمات متراكمة وأزمات مستجدة، وهُم لم يعودوا يتحملون استخدامَهم متاريس بشريّة خدمةً لمصالحَ شخصية”.
وتناول دياب توزيع المساعدات المالية، مشيراً إلى أنّ “الحكومة استعجلت التحضيرات لتوزيع المساعدات المالية على العائلات المحتاجة، لكن بعد عملية التدقيق التي قام بها الجيش اللبناني، تبيّنَ أنّ اللوائح التي قدّمتها بعض القطاعات تتضمّن أخطاء كبيرة وكثيرة. لذلك، سنُضطر إلى تأجيل توزيع المساعدات في انتظار انتهاء الجيش من تنقيح اللوائح”.
في هذا الوقت بَدت عين التينة متحفزة امام أولويتين:
ـ الأولى عقد جلسة تشريعية لإقرار جملة من القوانين الملحة، وثمة خيارات عدة تدرس لطريقة عقد هذه الجلسة إن بالشكل التقليدي من خلال انعقاد الهيئة العامة في مبنى المجلس، او من خلال عقد جلسة عن بُعد، وفق التقنيات المتاحة.
ـ الثانية، أولوية حماية أموال المودعين، وضرورة السعي لإعادتها إلى أصحابها بعيداً عن أي خطوات او إجراءات تمس بها.
واذا كان بري قد أطلق الرصاصة الأخيرة على “الهيركات”، ونعاها نهائياً، إلّا أنه ما زال ينتظر من الحكومة أن تبادر إلى اتخاذ الخطوات الإصلاحية المطلوبة في قطاعات عدة، وفي مقدمها قطاع الكهرباء، الذي ان استمر على ما هو عليه فمعنى ذلك أننا نفتح المجال لعجز إضافي بنحو ملياري دولار، علماً انّ هذه الخطوات الاصلاحية لا ينتظرها اللبنانيون فقط بل المجتمع الدولي والمؤسسات المالية، تبعاً للوعود التي قطعتها الحكومة على نفسها. وبالتالي، فإنّ الكرة في ملعب الحكومة.
الأخبار: ما يجب التمسك به في الخطة المالية إطاحة رياض سلامة
كتبت صحيفة "الأخبار " تقول : على الـ"هيركات" لا تجوز الرحمة. أصلاً، هي لم تولد لتموت وليُلبّى طلب رئيس مجلس النواب نبيه بري بقراءة الفاتحة عليها. اقتراح بري بتلاوة الفاتحة لروح مشروع قص الودائع بدا أشبه بالتفاخر، إذ ربط بينه وبين مشروع القيود على رأس المال (كابيتال كونترول) الذي اقترحه وزير المال غازي وزني، ثم ادخل عليه رئيس الحكومة حسان دياب تعديلات جوهرية، قبل ان يُعلن بري رفض المضيّ به. ورغم أن الـ"هيركات" والـ"كابيتال كونترول" باتا أمرا واقعاً نتيجة السرقة التي يستمر أصحاب المصارف ورؤساؤها التنفيذيون بارتكابها، برعاية سياسية رسمية، إلا ان الاولى ليست كالثانية. مشروع الـ"كابيتال كونترول" لم يكن سوى اقتراح من قبل جمعية المصارف، لم يؤدّ فيه وزني سوى دور ساعي البريد. اما اقتراح الـ"هيركات"، فلم يتبلور بعد. ظهر معارضوه، لكن لم يرفع احد يده ليقول إنه صاحبه. أصلاً، هو لم يصبح مشروعاً بعد. ما جرى في الايام التي تلت تسرّب مسودة الخطة المالية للحكومة، هو ان المصارف وشركاء أصحابها ورعاتها شنوا هجوما استباقيا ناجحا وفعالاً، ضد الـ"هيركات"، وصوّروا للمودعين الذين بُدِّدت ودائعهم أن اموالهم المنهوبة ستتعرض للقص.
سقطت فكرة الـ"هيركات". لا بأس بذلك. "اهضم" ما يُقال لمعارضة الفكرة، هو إن بديلها يكمن في "استعادة الاموال المنهوبة". وهل من طريقة أسرع من قص الودائع لاستعادة المال المنهوب؟ هل يتخيّل أحد أن المال المنهوب مكدّس تحت الأسرة أو في مستودعات؟ غالبيته العظمى مودع في المصارف، وفي عقارات، وفي أسهم. لكن لا بأس في إسقاط فكرة الـ"هيركات"، وهلمّوا بنا إلى استعادة المال المنهوب.
ثمة مال منهوب ليس بحاجة إلى تدقيق، ومصادرته ممكنة فوراً، سواء لصالح الخزينة، أو لصالح صغار المودعين:
ـ اموال الهندسات المالية التي سُرِقت من اموال المودعين والمال العام الموضوع في عهدة مصرف لبنان.
ـ الفوائد التي دفعها رياض سلامة للمصارف (قدّرها توفيق كاسبار بـ6 مليارات دولار في العام الماضي وحده، وعلى الاموال المودعة بالدولار حصراً)، والتي سُرقت أيضاً من اموال المودعين ومن المال العام.
- الفارق بين معدّل الفوائد في لبنان على الودائع ومعدلات الفائدة في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا. وهذا الفارق قدّره سمير ضاهر بـ16 مليار دولار للفترة الممتدة حصراً من عام 2016 إلى عام 2019، وهي سُرِقت من أموال المودعين أيضاً.
- جميع أرباح المصارف المحققة، وتحديداً تلك الموزعة على مالكيها والمحوّل جزء كبير منها إلى الخارج، والمسروقة أيضاً من اموال المودعين والمال العام.
- سوليدير. هذا المال العام المنهوب، الذي مدّدت حكومة فؤاد السنيورة الاولى عملية نهبه لعشر سنوات إضافية تنتهي عام 2029، ولا يحتاج الأمر لاكثر من قانون "بسيط" في مجلس النواب، او مرسوم "بسيط" يُصدره مجلس الوزراء.
-الاملاك العامة المسروقة، وأولها الاملاك البحرية، المعروفة والمحددة رسمياً، والتي توجب القوانين استعادتها فوراً.
ما تقدّم هو غيض من فيض الأموال المنهوبة التي لا تحتاج إلى تدقيق. التدقيق الوحيد الذي تحتاجه يهدف إلى تحديدها لا اكثر، لتداخل بعض بنودها. اموال منهوبة، تغني عن الـ"هيركات"، إذا ما أضيفت إليها ضريبة على الثروة، لا تشمل المال المودع في المصارف وحسب، بل سائر الأصول، وعلى رأسها العقارات.
وبعيداً عن الـ"هيركات" الذي لم تتضمنه صراحة مسودة الخطة الحكومية، ورغم كل الملاحظات التي يمكن إيرادها بشأنها، ثمة في هذه "الخطة" ما ينبغي التمسك به، لاهميته:
- 1هي الوثيقة الرسمية الاولى التي تقدّر خسائر مصرف لبنان، إذ حددتها بأكثر من 42 مليار دولار. وقدّرت ارتفاعها إلى اكثر من 63 مليار دولار بعد إعادة هيكلة الدين الحكومي وديون الدولة التي يحملها مصرف لبنان. ولا تشمل هذه التقديرات الخسائر التي ستنجم عن إعادة هيكلة القطاع المصرفي. ببساطة، هي الورقة الاولى التي يجب استخدامها للإطاحة برياض سلامة. صحيح ان القانون يمنحه حصانة تحول دون إقالته قبل انتهاء ولايته، إلا أن القانون نفسه يتيح تغييره في حال ارتكابه للجرائم، أو عندما يثبت عدم اهليته للقيام بواجباته. وإذا جاز التغاضي عن كل ارتكاباته، فإن مسودة الخطة المالية، وخاصة لجهة تحديد خسائر مصرف لبنان، هي دليل على ان سلامة لا يتمتع بالكفاءة اللازمة للاستمرار في عمله. الاولوية يجب ان تكون لإقالته من منصبه، والبدء بمحاسبته. هذه بديهية. ولانه يعي تماماً خطورة ما ورد في مسودة الخطة، أصدر سلامة أمس بياناً يزعم فيه ان خسائر مصرف لبنان ليست خسائر. تعمّد الإكثار من استخدام تعابير تقنية وقانونية، ليقول إن المصارف المركزية في العالم (ذكر كأمثلة الولايات المتحدة الأميركية والمصارف المركزية الاوروبية وكوستاريكا والبيرو وتايلند...) ترحّل خسائرها إلى السنوات اللاحقة، إذ ستكون قادرة على تعويضها. قال بوضوح: "لا يعتبر مصرف لبنان أن هذه المبالغ هي خسائر. فهي مبالغ مدورة ومطفأة بمداخيل مستقبلية". لكنه لم يذكر مصدر المداخيل تلك، متجاهلاً واقع الانهيار، وما ورد في الورقة المالية الحكومية: إن خسائر مصرف لبنان تفوق مجمل الناتج المحلي اللبناني، و"هو ما لا يمكن مقارنته بأي حالة أخرى في العالم"!
- 2للمرة الاولى يرد في وثيقة رسمية اقتراح شطب رساميل المصارف، لاستخدامها في تعويض الخسائر. والحديث هنا عن شطب كامل الرساميل، لا جزء منها وحسب، ما يعني، عملياً، نهاية ملكية أصحاب المصارف الحاليين لها. من الثابت ان المصارف اللبنانية مفلسة. لكن المفاجئ هو ورود هذا الاقتراح في وثيقة رسمية، ما يوجب التمسك به، ثم الانطلاق نحو خطوة أخرى لا تقل اهمية: تحميل أصحاب المصارف، بثرواتهم الخاصة، مسؤولية تعويض اموال المودعين التي نهبوها عبر الأرباح الطائلة التي حققوها. وقد نشر الزميل محمد زبيب امس على صفحته على "فايسبوك" جدولاً يُظهر أن المصارف وزّعت أرباحاً على مالكيها بلغت 7.2 مليار دولار في ثماني سنوات فقط (2011 - 2018)، هي الفترة الاكثر قتامة في تاريخ الاقتصاد اللبناني، والتي وُضعت فيها أسس الانهيار الذي ظهر بدءاً من صيف العام 2019. ولإزاحة الانظار عن هذه الوقائع الصادمة لجهة لاعدالة توزيع الثروة والمداخيل، بدأت المصارف هجومها الاستباقي رفضاً لـلـ"هيركات"، وستستكمله ببيان جرى تسريب مسودته امس، تحت عنوان "عن القرش الأبيض واليوم الأسود"، تنكر فيه نكراناً تاماً أي مسؤولية لها عن الانهيار. حتى مسألة حجز اموال المودعين وسرقتها، يتعامل معها بيان جمعية المصارف كما لو انها قضية هامشية، وتتحمّل مسؤوليتها السلطة السياسية. لكن في مسودة البيان عبارة تحمل الكثير من الصدق: "لأن الحل لأزمة السيولة الحادة، كما سببها، هو أولاً سياسي...". ليس أصحاب المصارف ممن يدمجون، في خطابهم، السياسة بالاقتصاد. على العكس من ذلك، هم يفرّقون، كلامياً بينهما. يقولون، كذباً، إن السياسة شيء والاقتصاد شيء آخر. وبناءً على "سياستهم" هذه، يمكن القول ان عبارتهم هي الأصدق، ليس في بيانهم وحسب، بل في "مسيرتهم" كلها. هم يعترفون بهذه العبارة انهم جزء من الادوات التي يجري استخدامها، لخنق البلد اقتصادياً، من اجل تقديم تنازلات سياسية.
- 3ما يجب التمسك به أيضاً من مسودة الخطة المالية، هو شطب جزء من الديون. التمسك به، للمطالبة بما هو أكثر: شطب كامل للديون التي تحمّلها لبنان لأسباب خارجة عن إرادة شعبه.
ما يدور حالياً هو معركة تحميل الخسائر الناجمة عن السياسات المعتمدة منذ ما قبل الحرب الاهلية. وكما تحمّلت الفئات الأضعف في المجتمع كلفة تراكم ثروات الذين أثروا، يُراد اليوم تحميلهم عبء الخسائر. هنا لب المشكلة، ولهذا تجري شيطنة مسودة الخطة كاملة، علماً بأن فيها من الشياطين الكثير.