لبنان
موازنة 2020 تتنفّس الصعداء.. مُصادقة سريعة رغم تشويش "المستقبل"
لطيفة الحسيني
بسرعةٍ قياسية، صادق مجلس النواب على مشروع موازنة 2020 في أقلّ من ساعة ونصف. جهدٌ غير مسبوق برز واضحًا في ساحة النجمة اليوم. ولأن الظرف استثنائيّ، والحكومة لم تنل بعد ثقة المجلس، دفع الرئيس نبيه بري باتجاه إقرار المشروع المُنتظر، فأنهى 42 مادة على الرغم ممّن أراد أن تُعرقل المهمّة.
المستقبل يُناور ويُشوّش
بُعيد انطلاقها، حرص نواب "المستقبل" على تعكير أجواء الجلسة، لكنها سرعان ما سلكت طريقها السليم حتى "النهاية المُرضية". في البداية، عمد "أصحاب السعادة" من "التيار الأزرق" الى التأخّر عن البرلمان، تضاربت المعلومات حول مقاطعتهم للجلسة. إنها الساعة الحادية عشرة، الموعد الرسمي، سِجلّ الحضور توقّف عند الـ61 نائبًا، راح الوقت يمرّ حتى حانت الساعة 11:22، أطلّ النائب وليد البعريني وكرّت السُبحة، وتأمّن النصاب القانوني. 72 نائبًا شارك في مناقشة الموازنة اليوم، فيما قاطعت القوات والكتائب والنواب أسعد درغام وفيصل كرامي ونعمة افرام (بعذر).
نواب "المستقبل" لم يوضحوا سبب مُماطلتهم في الحضور، بل أكملوا أسلوب التسويف. النائب سمير الجسر أصرّ باسم الكتلة على القول إن "الجلسة غير دستورية"، سائلًا رئيس الوزراء حسان دياب عن موقف حكومته من الموازنة المطروحة، ثمّ ساندته النائبة بهية الحريري التي بدت مُحتدّة اليوم على غير عادتها، فتوجّهت الى دياب طالبة منه أيضًا موقفًا صريحًا من المشروع، غير أن الإجابة التي أملت في الحصول عليها لم تنلها، إذ قال "لو كان موقفنا عدم تبني الموازنة لما كنّا حضرنا". هي الصدمة اذًا، لم تتوقّعها، فهي راهنت على نأي رئيس الحكومة بنفسه عن موازنة وُضعت في عهد سلفه، إلّا أنه وبكلّ هدوء وصلابة خيّب رجواها. عادت الحريري الى مقعدها، حاولت التشويش على مُجريات الجلسة، تنقلّت بين المقاعد وتحدّثت الى أكثر نواب كتلتها لعلّها تضغط باتجاه تسجيل موقف تصعيدي من الجلسة، وهو ما تُرجم عمليًا من خلال الاعتراض على المشروع لدى إحالته على التصويت.
ساعة ونصف ثمّ إقرار المشروع بهدوء
مُناقشات الموازنة لم تطل أبدًا. الرئيس بري جهد في الحفاظ على نصاب الجلسة، ذكّر النواب أكثر من مرّة بعدم الخروج أو المغادرة الى حين إنجاز المشروع والتصويت عليه، وهو ما حصل فعلًا. لا سجالات، لا جدالات، لا مُناظرات، بل مُداولات هادئة ومُداخلات مُقتضبة سرّعت في إقرار موازنة 2020 بتصويت 49 نائبًا (كتل التنمية والتحرير والوفاء للمقاومة ولبنان أولا والمردة والنائب جميل السيد) واعتراض 13 (المستقبل والنائب فريد الخازن) وامتناع 8 (اللقاء الديمقراطي ونواب آخرون).
المادة 36 فرجٌ للناس في ظلّ الأزمة
أبرز مواد الموازنة حملت الرقم 36، وهي مادة اقترحتها "الوفاء للمقاومة" عبر النائب علي فياض، تنصّ على تعليق الاجراءات القانونية المتعلقة بالمهل الناشئة عن التعثّر في سداد القروض المدعومة.
وبحسب ما جاء في المادة، تُعلّق حتى تاريخ 30/6/2020 مفاعيل البنود التعاقدية والمتعلقة بالتخلّف عن تسديد القروض المدعومة من سكنية وزراعية وسياحية وتكنولوجية ومعلوماتية وبيئية، بحيث لا تسري على المُقترض أي اجراءات قانونية أو تعاقدية، بما في ذلك أيّ زيادة على معدل الفائدة بسبب التأخر أو التعسّر في تسديد قرض أو أيّ من أقساطه في المهل المحددة قانونيًا أو تعاقديًا اعتبارًا من تاريخ 1/10/2019. كما تعلّق جميع الاجراءات القانونية والقضائية التي بوشرت او اتخذت اعتبارًا من تاريخ 1/10/2020.
وخلافًا لأحكام هذه المادة، تتوقّف مهلة مرور الزمن المُسقط للحقّ خلال مدة نفاذ هذه المادة.
المادة 36 ستحمي الناس من أيّة اجراءات عقابية
فياض قال لموقع "العهد الإخباري" إن أهمية المصادقة على هذه المادة اليوم تكمن في أنها ستُساعد من لديه من المواطنين قروض مدعومة أو حتى الشركات لمواجهة الأزمة الاقتصادية في هذه المرحلة وخصوصًا بعد 17 تشرين الأول، موضحًا أنها تحمي المواطنين بحيث تمنع المصارف من اتخاذ أيّ إجراء جزائي في حالة التعثّر.
وكشف فياض لـ"العهد" أن كتلة الوفاء للمقاومة تدرس حماية المواطنين والشركات المَدينة بقروض غير مدعومة لناحية إنزال الفوائد من كلّ القروض، خاصة أن مشكلة التعثّر كبيرة في البلد، لافتًا الى أنه لا يجوز للمؤسّسات المصرفية أن تأخذ أيّ إجراء عقابي أو جزائي بحقّ الناس.
الرئيس دياب: الواقع استثنائي ولن نُعرقل الموازنة
ردًا على محاولات التصويب على دستورية الجلسة وموقف رئيس الحكومة من مشروع الموازنة، صرّح دياب أمام النواب قائلًا "لا شيء عاديًا في لبنان اليوم. كل شيء استثنائي وتعقيدات الظروف الاقتصادية والمالية والنقدية تُملي علينا التصرف من منطق الضرورة والعجل، وايضا الاستثناء"، وأضاف "رئاسة الحكومة تُدرك جيدًا المفاهيم الدستورية وتتمسك بالصلاحيات المعطاة لها، وهي تضع نصب أعينها مصلحة الدولة والمواطنين"، وأردف "لأن الواقع استثنائي، فإن الحكومة في ظل وضعها الراهن، أي قبل نيلها الثقة، وبحسب الرأي الدستوري الراجح، هي حكومة تصريف اعمال بالمعنى الضيق، ويفترض ان يكون عملها محصورا بإعداد البيان الوزاري، وبالتالي لا يمكنها ان تمثل مجتمعة امام المجلس النيابي الكريم في جلسة مناقشة الموازنة العامة، كما انه لا يحق لها استرداد الموازنة. ان الحكومة لن تعرقل موازنة اعدتها الحكومة السابقة وناقشتها لجنة المال والموازنة النيابية واللجان المشتركة، واكتملت اجراءاتها. انطلاقا من ذلك، فإن الحكومة تترك الامر الى المجلس النيابي الكريم، مع احتفاظها بحق تقديم مشاريع قوانين لتعديلات في الموازنة، بعد نيل الثقة".
الرئيس بري: الحكم استمرار
الرئيس بري ردّ على كلام النائب سمير الجسر عن دستورية جلسة مناقشة الموازنة، فقال: "المادة 32 تتكلم عن عقدين تماما، كما تفضلت، العقد الثاني يبدأ يوم الثلاثاء الذي يلي الخامس عشر من شهر تشرين الاول وتخصص جلساته للبحث في الموازنة والتصويت عليها قبل كل عمل اخر، هذا الموضوع ليس انه عندما اصبحت في كانون الثاني، لانه عادة اذا لم تنته الموازنة تنهيها عادة في آخر كانون الثاني، لذلك أصريت على ان يكون في هذا الوقت".
وقال: "صدور عرف بمجرد صدور مرسوم التكليف، جرى العرف في لبنان انه تنتقل عملية تصريف الاعمال من الحكومة القائمة الى الحكومة التي صدرت مراسيها. صحيح، هذا الشيء قائم والحكم يا سيدي كما تعلم هو استمرار، والفصل بين السلطات قائم. والمادة 16 من الدستور تقول ان حق التشريع مطلق لمجلس النواب، والمطلق على اطلاقه وليس على حجمه، ولا يتوقف هذا الامر على مدى الصلاحيات التي تتمتع بها الحكومة. يعني المجلس النيابي من حيث المبدأ، لولا انه موضوع منذ سنة 92، انا لم اكن لأقبل ولا بأي شكل نظرا للموضوع الطوائفي الذي أحترمه، ليس الطائفي، الطوائفي يعني مثلا عندما لا يكون في جلسة طائفة معينة، ولا يوم، على ما اعتقد وانتم تشهدون ان شاء الله، اني سمحت بالاستمرار في الجلسة. ولكن هذا الامر لا يعني ان المجلس النيابي ليس له الحق في التشريع حتى ولو لم يكن هناك امامه حكومة. انتبه، حق التشريع مطلق لانه على اطلاقه في هذا الامر، لذلك نحن كما قال دولة الرئيس، الان الظرف استثنائي والظرف اكثر من ضروري. انا اريد ان اقول لك عن الحكومة اذا سمح لي، أمامها ثلاثة اشهر او اربعة اشهر حتى تثبت ان هناك شيئا جديدا وتكسب ثقة الناس وثقة الشعب، لذلك اذا لم يكن هناك موازنة منتهية، ثلاثة أشهر يقعدون في الموازنة ولا ينهوها، وانت تعلم هذا الشيء. لذلك لنتكل على الله والتفاسير تكون لمصلحة الناس وليس ضد الناس. بمجرد ان تصبح حكومة تصريف اعمال، المجلس في حالة انعقاد".
وختم: "انت نقيبنا وانا احترمك، ولكن هذا رأيي. اما كلام دولة الرئيس فهو صريح بقوله لك ان هذه الموازنة اقبل بها الان، ولكن اذا احتاجت امورا اخرى سأقدم قوانين اخرى على حدة. النص صريح يا نقيبنا والمادة 64 صريحة في الموضوع وكبار المشرعين من جوزيف شاوول يؤكدون هذا الامر".
إقرأ المزيد في: لبنان
22/11/2024