لبنان
عكار: فوق الفقر.. مقطوعة
طرابلس ـ محمد ملص
أقل ما بات يقال عنه اليوم، إن محافظة عكار باتت تعيش في عزلة تامة عن باقي المناطق اللبنانية، جراء القطع الممنهج للطرق العامة والفرعية فيها. حتى ان عدداً كبيراً من اهالي المحافظة الأكثر فقراً في لبنان، بات يجد أن التوجه نحو الحدود السورية لتأمين حاجاته ومتطلباته، هو أهون عليه وأقل تعباً ومشقة من التوجه نحو عاصمة الشمال طرابلس.
تشكل محافظة عكار ثاني أكبر محافظات لبنان، وبالاضافة الى كونها تضم نسبة كبيرة من الموظفين في قطاع الدولة وعناصر الجيش والقوى الأمنية، الا أن ذلك لم يساهم في التخفيف مما تعانيه من نقص كبير في الادارات الرسمية، حتى الاجتماعية والصحية والخدماتية منها، بالاضافة الى ذلك، فإن المواطن العكاري يفتقد للاسواق والشركات الكبرى، مما يضطره الى التوجه نحو طرابلس بشكل يومي لتأمين حاجاته ومتطلباته.
يشكل دوار العبدة في عكار، نقطة التقاء القادمين منها، وهو يعد من أكثر الطرق الحيوية التي يسلكها العكاري يومياً، الا أنه وبعيد اقفاله بالأتربة والعوائق بات كمنطقة مهجورة، تحولت الى مكب نفايات دون أن يتحمل أي من المسؤولين مهمة اعادته الى سابق عهده، مع العلم أنه في مجمل الأوقات يكاد يخلو من المتظاهرين. يتألف الدوار من اربعة مسارب، أبقي منها مفتوحاً مسرب صغير لا يتجاوز الستة امتار أمام السيارات العابرة نحو طرابلس أو العكس. لكن الصعوبة لا تكمن في دوار العبدة فقط، فبعد اجتيازه تعلق في فكي كماشة عند جسر المحمرة، الذي يربط محافظة عكار بمحافظة الشمال، وهو النقطة الأصعب، كونه يمثل عنق الزجاجة لعكار، ولا توجد أي طريق بديل عنه سوى الطرق الجبلية أو الدخول الى طرقات مخيم نهر البارد الضيقة.
الصورة المريرة لطرقات عكار، تزداد سوءاً بعد كل قطع طريق، بالاضافة الى كونها اكثر محافظة لبنانية تئن من الفقر والاهمال، فهي ايضاً تمتلك أسوأ واكثر الطرقات سوءاً، ويزداد الواقع المزري حينما تحرق الدواليب والنفايات ما يؤدي الى اضرار بطبقات الزفت كونها تتحول الى جور وخنادق. بالاضافة الى تللك الصورة، تبرز المعاناة اليومية التي يقع فيها العكاريون، فهم باتوا يحتاجون الى قرابة 3 ساعات للوصول الى طرابلس، وكذلك الامر بالنسبة الى الموظفين في المؤسسات الرسمية والخاصة، كما طلاب المدارس والجامعات ممن باتوا يحتاجون الى ساعات للوصول الى اعمالهم. وما زاد الطين بلة على العكاريين، هو القرار الذي اتخذته جمعية المصارف، والذي قضى باغلاق جميع فروع المصارف، بعد اقتحام فرع احد المصارف ما أدى الى اشتباك مع القوى الأمنية وتكسير المصرف. أمام ذلك الواقع ارتفعت الأصوات للمطالبة باعادة تصحيح مسار التحركات بما لا يضر بمصالح العكاريين.
حيال تلك المعاناة بدأت تعلو أصوات المعترضين حول ما يجري على طرقات عكار، من قطع وإقفال المؤسسات التربوية والاقتصادية وتعطيل حياة الناس، بينما كل مناطق لبنان استأنفت حياتها الطبيعية تقريبا، وبقيت الساحات مكانا للتجمع، فلما لا يتم الاكتفاء بساحتي الاعتصام في حلبا والعبدة؟ وعلى من تقطع الطرق في عكار؟ وهل خطوة إغلاق المؤسسات الرسمية تجدي نفعا أم أنها تؤدي الى المزيد من الهدر والفساد، حيث يتقاضى الموظفون رواتبهم من دون انجاز الأعمال؟